ترقب السودانيون في ختام العام 2023، أن يكون بداية النهاية لسنة مليئة بالدماء والنزوح، والمواجهات الدامية، حيث أمِل المواطنون في البلد العربي بشمال شرقي أفريقيا، أن يجمع لقاء بين طرفي النزاع، القوات المسلحة السودانية التي يقودها عبد الفتاح البرهان وبين قوات الدعم السريع تحت قيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قد يفضي إلى معاهدة سلام.



لكن في مطلع العام 2024، ازداد الشرخ بدلا من أن يلتئم، حيث شهدت الساحة السودانية مستجدات جديدة على المستوى السياسي، تمثلت بتوقيع قوات الدعم السريع وتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) بالسودان، إعلان "أديس أبابا" لإنهاء الحرب والتفاوض مع الجيش.

وفي رد رسمي عبر كلمة مصورة، بثها مجلس السيادة السوداني، في الخامس يناير/ كانون الثاني، قال قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، إن "السياسيين الذين أبرموا اتفاقا مع الدعم السريع أخطأوا بالحديث مع متمردين"، معتبرا أن "اتفاق السياسيين مع قوات الدعم السريع غير مقبول ولا قيمة له".



وشدد البرهان على أن الجيش سيقاتل قوات الدعم السريع "حتى تنتهي أو ننتهي"، معلنا عن "تسليح المقاومة الشعبية بأي سلاح لدينا"، كما تابع بالقول "لن نمنع المقاومة السودانية من جلب أي سلاح".
ماذا يعني إعلان أديس أبابا؟


حول ملامح تقسيم في إعلان أديس أبابا، يقول عثمان عبد الرحمن، الناطق باسم حركة "تمازج"، وهي أحد فصائل الحركة الشعبية في السودان، إنه "لا يحمل أي بوادر انقسام وليست فيه أي مؤشرات تشير إلى أن هنالك انقساما قادما بين القوى السياسية".

وأضاف لـ "عربي21": "الإعلان بالنسبة لنا حوى كل مضامين الأزمة ونثمن جهود القوى الديمقراطية المدنية وسعيها في إيجاد حلول جذرية للأزمة في السودان"، مبينا أن "توقيع دقلو على هذا الإعلان يعد خطوة شجاعة ونساندها".

بينما في المقابل، يرى المحلل السياسي، الدكتور ياسر محجوب الحسين، أن الإعلان "ليس سوى إشهار لزواج سري بين ميليشيا الدعم السريع وبعض القوى المدنية المعروفة اختصارا بـ (قحت) والتي غيرت جلدها لتصبح (تقدم)".




وتابع لـ "عربي21"، أن "لعل هذا الاعلان قد وضعها أمام خطر مواجهة قضايا جنائية باعتبارها شريكا في جرائم الميليشيا ضد المواطنين والوطن".

ما مآلات تسليح المقاومة الشعبية؟


حول قرار البرهان إمداد المقاومة الشعبية بالسلاح، يعلّق الناطق باسم حركة "تمازج"، أن "المقاومة الشعبية يقف خلفها فلول النظام البائد، الذين أشعلوا فتيل الحرب"، محذرا من أنها "ستفضي إلى حرب أهلية وفتن".

وأردف: "الجيش السوداني على مر التاريخ عندما يتكبد خسائر على بعض المناطق، فهو يلجأ إلى الشعب كوقاية، والكثير من الولايات رفضت هذه المقاومة"، حسب قوله.

وعلى النقيض، وجد الدكتور ياسر محجوب الحسين، أن "قيادة الجيش مرتاحة تجاهها وتشجعها حتى على الحصول على السلاح بشكل خاص".




وبيّن أن "التحركات السياسية الأخيرة اللاهثة للتمرد وداعميه (الدعم السريع) تكثفت بعد ظهور عامل المقاومة الشعبية على مسرح القتال لأن ذلك يشكل تهديدا خطيرا لهم".

ولفت إلى أن المقاومة الشعبية "أصبحت تحرك شعبي خالص وتقدمت على الروتين الذي يحكم الجيش في عمليات الاستنفار الشعبي وتسليح المواطنين".  

دلالة زيارة حميدتي لجنوب أفريقيا
وفي الأسبوع الأول من العام الحالي، كشف قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، أنه زار جنوب أفريقيا واستقبله الرئيس سيريل رامافوزا، بعدما أجرى جولة في شرق أفريقيا.

عثمان عبد الرحمن، الناطق باسم "تمازج" يرى أن "الجولة إلى جنوب أفريقيا لا بد منها، وهو دليل على التأييد الدولي لقوات الدعم السريع".

واتهم وزارة الخارجية السودانية، بأنها "أصبحت ملجأ للفلول لذلك هي المسؤول الأول بعد بعض قادة الجيش، عن عرقلة ملف إعلان جدة".


فيما يقول المحلل السياسي، ياسر الحسين، إن "جزء من نجاح زيارة حميدتي لجنوب أفريقيا ناتج عن تقصير في وزارة الخارجية السودانية وعدم قدرتها على ابطال مزاعم التمرد بعمل دبلوماسي دؤوب".

وأوضح أن "جنوب أفريقيا ليست كباقي دول الجوار، فليس لديها أجندة ومصالح مع التمرد لكنها مغيبة تماما عن حقيقة ما يدور".

ويرى بأن "أي تحرك ايجابي من الدبلوماسية السودانية تجاه جنوب أفريقيا سيغير من سياسة جنوب أفريقيا تجاه ما يحدث وسيحبط أي مكاسب قد يكون جناها التمرد من تلك الزيارة".

أين الدول العربية مما يجري؟

حول غياب الدور العربي في حل الصراع السوداني، أعرب المحلل السياسي، ياسر محجوب الحسين، عن أسفه بأن الدول العربية تعاني من ضعف شديد وانقسامات عميقة أثرت على فعالية الجامعة العربية، فضلا عن تصاعد عمليات الاحتلال  في غزة وانشغال الاعلام العربي بتلك الأحداث، حسب قوله.

ومضى يقول: "اهتمام بعض الدول العربية بما يجري يأتي من طرف سلبي وهو الوقوف بجانب التمرد ودعمه مما أطال أمد الصراع ومعاناة السودانيين".


وعلى النقيض، قال الناطق باسم حركة "تمازج"، عثمان عبد الرحمن، إن "قمة دول جوار السودان، كان فيه حضور مميز للدول العربية الشقيقة لكن السياسية التخبطية لقادة الجيش أفضت إلى مبادرات بلا جدوى، رغم الطرح القوي ومخرجات قوية ومعظم القوى السياسية رحبت بها".

 وتابع: "الحكومة السودانية باتت تكن عداء واضحا من بعض الدول الخليجية، ولذلك هذه الدول لحد ما توجست من إطلاق أي اتهامات لها من قبل الجيش السوداني"، محملا الحكومة السودانية مسؤولية "عرقلة التواصل الدبلوماسي".

ماذا عن الميدان؟
بشأن المواجهة على الأرض، قال الناطق باسم حركة "تمازج"، إن قوات الدعم السريع "حققت انتصارت كاسحة"، لكنها في نفس الوقت تمد يدها للسلام، حسب قوله.

فيما أشار المحلل السياسي، الدكتور ياسر محجوب الحسين، إلى أن "الكفة تميل باستمرار لصالح الجيش"، مرجحا إعلان الخرطوم "منطقة خالية من التمرد قريبا"، وفق رأيه.

ورجّح الحسين أن يتم تصنيف قوات الدعم السريع "منظمة إرهابية" دوليا في الفترة القادمة، مضيفا أنها "ستقبل الانسحاب من المدن بفضل الضغط العسكري والشعبي".



وحول الانتهاكات المرتكبة من قبل "الدعم السريع" في المناطق التي سيطرت عليها مثل ود مدني، ذكر أن "المحاسبة الدولية قادمة بدون شك لكن تقصير المتابعة من جانب الحكومة السودانية قد يؤخرها ويبطئها".

وأوضح المحلل السياسي لـ "عربي21" أن "عدم وجود حكومة أزمة أو طوارئ بصلاحيات واسعة، تعتبر أهم اشكالية تعطل عمل الحكومة الحالية وتحد من فعاليتها إذ أنها تستعين بوزراء ومسؤولين مكلفين لا يملكون صلاحيات واسعة".

وأسفر النزاع الذي اندلع في أبريل/نيسان 2023، إلى سقوط أكثر من 12 ألف قتيل، حسب تقديرات المنظمة غير الحكومية "مشروع بيانات مواقع الصراعات المسلحة والأحداث" (أكليد).

وخلف أكبر موجة نزوح تمثليت بأكثر من 7 ملايين شخص، وفقا لتصريحات الأمم المتحدة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية البرهان الدعم السريع دقلو حميدتي أديس أبابا الجيش السوداني المقاومة الشعبية جنوب أفريقيا جنوب أفريقيا أديس أبابا المقاومة الشعبية الجيش السوداني حميدتي المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قوات الدعم السریع المقاومة الشعبیة الناطق باسم حرکة المحلل السیاسی جنوب أفریقیا أدیس أبابا

إقرأ أيضاً:

من قتل جلحة الجنرال المشاغب في الدعم السريع ولماذا يصمت الجيش السوداني؟

الخرطوم- لا يزال السودانيون يتداولون الحكايات والسيناريوهات المختلفة عن مقتل القائد الميداني البارز في قوات الدعم السريع، رحمة الله المهدي، الشهير باسم "جلحة"، الذي لقى مصرعه بالخرطوم يوم الثلاثاء الماضي.

ويُعتبر "جلحة" واحدا من أشهر قادة الدعم السريع، بحيث كان يتنقل بقواته من مختلف المحاور بين الخرطوم والجزيرة وكردفان، وينشط بشكل لافت على وسائط التواصل الاجتماعي.

في هذا التحقيق، تحاول الجزيرة نت الوقوف على الروايات المختلفة عن مقتل "جلحة" المثير للجدل، حيث يقول مراقبون إن العملية تمت بأسلوب المافيا في تصفية المنافسين. وثمة من تحدث عن خفايا اتصالات بين "جلحة" والجيش ومن قام بدور الوسيط في هذه الاتصالات.

وثمة تفاصيل كثيرة عن الخلاف بين جلحة والرجل الثاني في قوات الدعم السريع وهو الجنرال عبد الرحيم دقلو شقيق قائدها محمد حمدان دقلو الشهير بـ"حميدتي".

#جلحة
28 يناير 2025م

أعلنت عناصر من #مليشيا_الجنجويد خبر وفاة رئيس حركة شجعان #كردفان والمنضم ل المليشيا جلحة رحمة الله في إحدى المعارك مع الجيش.

وحقيقة الأمر أن جلحة إنسحب من محاور الجزيرة مع عدد من قواته إلى مدينة #بارا وظل يتردد بين بارا و #أم_روابه إلى قبل أيام قليلة
(1\2) pic.twitter.com/z0sHLkMGkV

— أخبار شرق كردفان (@EastKordofan) January 28, 2025

تساؤلات عن قتله

يوم الثلاثاء الماضي، نعى بعض قادة قوات الدعم السريع الجنرال رحمة المهدي "جلحة". لكن لم تكن الكلمات كافية لإزالة اللبس حول غياب الجنرال المثير للجدل حيث قفزت تساؤلات عن كيف وأين أدرك الموت "جلحة"؟

إعلان

وقبل أن يجد الناس إجابات عن أسئلتهم، كانت رواية أخرى تقول إن جلحة تعرض للتصفية على أيدي رفاقه في الدعم السريع إثر خلافات لم تكن مخفية بين الرجل الذي يعشق الظهور في السوشيال ميديا والحركة المسلحة التي يتحرك قادتها بحذر وفي صمت حتى تحسبهم أمواتا.

بدايات مشاغب

من فراغ البادية العريض، برز الشاب النحيل رحمة المهدي المعروف بـ"الجنرال جلحة". ويحاول الكاتب الصحفي محمد حامد جمعة فك شفرة البدايات للقائد المشاغب ويقول للجزيرة نت، إن جلحة لم يتلقَّ تعليما نظاميا، لكنه ظهر مع المناخ الذي أعقب اتفاقية السلام الشامل الموقعة بين الحكومة السودانية وقت ذاك والحركة الشعبية بقيادة دكتور جون قرنق في عام 2005، والتي شجعت بما جلبته من منافع لجنوب السودان من تنامي تيارات مطلبية خاصة في المناطق المنتجة للبترول في جنوب وغرب كردفان.

هنا يقدم "جلحة" نفسه باعتباره قائدا لحركة أسماها "شجعان كردفان"، وفي روايات أخرى يقدم نفسه قائدا لقوات "التدخل السريع"، والتي تملك جيشا جرارا يمكن أن يخوض حروبا عابرة للدول والقارات.

وهذا الزعم يصفه مصدر أمني بـ"الوهم". ويقول المصدر للجزيرة نت إن جلحة لم يكن يملك قوات ضخمة بل قوته لم تتجاوز الـ200 فرد في أفضل الأحوال.

بندقية للإيجار

من بوادي كردفان، مضى الشاب جلحة إلى ليبيا يبتغي فرص العيش الكريم، لكن ليبيا تجتاحها ثورة شعبية تقلب الأوضاع رأسا على عقب في عام 2011. وباتت القوى العسكرية الليبية تستقوي على بعضها ببنادق رجال من دول الجوار. وظاهرة البنادق الأجيرة في ليبيا عُقدت لها المؤتمرات الدولية لتفكيكها وتسريحها وإعادتها لبلاد المنشأ.

ومن بين حمَلة هذه البنادق الأجيرة كان الشاب رحمة المهدي والذي بات في صفوف قوات الجنرال خليفة حفتر، ولم ينتبه كثير من الناس لهذا الشاب والذي كثيرا ما يعتلي المنابر الإسفيرية ليقول حديثا بعضه يغضب والآخر يضحك.

إعلان

بعد اندلاع الحرب في منتصف أبريل/نيسان 2023 بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني ومقتل عدد من قيادات الدعم السريع جاب قائد ثاني قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو ميادين الدول المجاورة ليعيد استيراد البندقية المغتربة. وفي سبتمبر/أيلول من نفس العام عاد جلحة للسودان منضما لقوات الدعم السريع.

وهنا، يقول الصحفي محمد حامد نوار، إن "جلحة" لم يكن على توافق كبير من شقيق حميدتي ونائبه، عبد الرحيم دقلو. كما أظهر نبرة استعلائية واستقلالية عن الدعم السريع حيث كان يقدم نفسه باعتباره قائدا لقوات "التدخل السريع" وأحيانا يبرز على الهواء عضلاته القبلية في إطار الصراع القبلي المسكوت عنه داخل "الدعم السريع"، خاصة بين قبيلتي "الرزيقات" و"حميدتي"، و"المسيرية" التي ينتمي إليها "جلحة".

شبيه القذافي

يعتقد مصدر أمني تحدث للجزيرة نت، أن "جلحة" كان يتجنب خوض المعارك الكبيرة بجانب الدعم السريع، وهو ما يتفق معه الصحفي محمد حامد جمعة، ويضيف أن "جلحة" اعتمد على "الحلقوم" وتخصص في الخطب الحماسية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

يعتقد جمعة أن جلحة كان ذكيا في تعامله مع الميدان الحربي فقد كان أيضا يبرز وجها رحيما حينما يتجنب مهاجمة المدن أو ينتقد علانية الذين يقومون بذلك كما حدث مع ضابط الدعم السريع عمر شارون الذي عنف شيخا كبيرا في ولاية الجزيرة فتصدى له جلحة على الملأ موبخا.

يرى محمد حامد جمعة أن جلحة كان متأثرا في أدائه السياسي المسرحي  بشخصية العقيد القذافي المتقلبة المزاج والمشاغبة، وتمنح اللكنة الليبية التي يتحدث بها "جلحة" المقاربة وجها آخر. وكذلك يتقمص شخصية "حميدتي"؛ فتجري على لسانه اللغة البسيطة والعميقة في الوقت ذاته.

واستخدم "جلحة" كثيرا الأمثلة الشعبية وفي مرات أخرى آيات القرآن الكريم. وبين هذا وذاك قدم خطابا شعبويا غير متماسك، وجد آذانا تستمع له ربما لفرط غرابته أو لبساطته. لكن المصدر الأمني وهو لواء متقاعد من المخابرات السودانية يلخص شخصية جلحة للجزيرة نت ويصفه بالمسرحي المهرج.

إعلان خلافات معلنة وخفية

خلافات الجنرال "جلحة" كانت كثيرة حيث عبّر عن بعضها علانية؛ إذ قال في إحدى خطبه إنه قائد "قوات التدخل السريع" وفي تغريدة أخرى منح نفسه رتبة فريق، وفي ثالثة تحدى قائد قوات الدعم السريع، بشكل غير مباشر حينما قال إن كان هنالك من يرى أنه رضع لبن الإبل في إشارة للقبائل البدوية التي ينتمى لها الجنرال حميدتي، فإنه من أبناء القبائل التي ترعى الأبقار.

وهنا يشير الصحفي جمعة إلى أن الخلاف الأبرز كان بين "جلحة" والرجل الثاني في قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو، وسبب هذا الصراع "المنافسة على مقعد الرجل الثاني في قوات الدعم السريع، وتغذيه أحاسيس بالتعالي القبلي بين الرجلين".

لكن الخلاف الأشهر وقع حينما وصف عمران عبد الله، مستشار حميدتي، "جلحة" بأنه "مجرد جندي"، فكاد ذاك التصريح يشق قوات الدعم السريع المكونة في غالبها من قبيلة الرزيقات، فيما يعتبر "جلحة" من أبرز وجوه قبيلة "المسيرية". وفي وجه ضغوط كثيرة اضطرّ مستشار حميدتي للاعتذار علنا عن تصريحاته التي أغضبت "جلحة".

اتصالات مع الجيش

بعد أن سيطر الجيش السوداني والقوات المساندة له على مدينة ود مدني حاضرة ولاية الجزيرة، لم ينسحب جلحة إلى خطوط دفاع الدعم السريع في شمال الولاية قريبا من العاصمة الخرطوم.

ويرسم محمد حامد جمعة طريق خروج "جلحة" من الجزيرة، وهو قرار يشير إلى ذكاء الرجل وربما اقترابه من الجيش السوداني، لكن بحسب جمعة فإنه كان يخطط للعودة لكردفان ليكون قريبا من أهله "المسيرية"، وفي الوقت ذاته يتفادى الميدان الساخن.

لكن فيما يعتقد جمعة، فإن الرجل المتطلع بات تحت الرقابة في الآونة الأخيرة فلم يجد مناصا أن يبقى في المنطقة الرمادية قريبا من الجيش السوداني بشرق النيل شرقي ولاية الخرطوم.

يقول مصدرنا الأمني الرفيع إن الجيش السوداني أجرى اتصالات مع الجنرال "جلحة" بعد أن رأى تباعد المسافة بينه وبين قادة الدعم السريع. وهو أمر يفصّل فيه محمد حامد جمعة ويقول إن الاتصالات بدأت عبر بعض القيادات في تنسيقية أبناء قبيلة المسيرية.

إعلان

وحسب جمعة، فإن أعيان القبيلة وجدوا ضوءا أخضر في مساعيهم من قبل الجيش السوداني، وأن قيادات في الجيش كانت ترغب بالاستثمار في شخصية جلحة المستقلة وكذلك انتسابه لقبيلة كبيرة ومؤثرة.

ما رواية الدعم السريع؟

جاءت رواية الدعم السريع حول مقتل الجنرال "جلحة" على لسان عمر جبريل، الذي نعاه في تغريدة على منصة "إكس"، مشيرا إلى مقتله دون تقديم إيضاحات سوى إبراز بطولته.

وتواصلت الجزيرة نت مع القيادي بقوات الدعم السريع حسبو أبو الفقراء، والذي أكد مقتل جلحة في كردفان مع عدد من القادة الميدانيين بعد أن استهدفته طائرة مسيّرة تتبع للجيش السوداني.

لكن آخرين في قوات الدعم السريع أكدوا أن مقتله كان منطقة شرق النيل ومن بين هؤلاء من قدم نفسه بأنه سائقه الشخصي وآخر من كان معه حيث يفيد، في رسالة مصورة، أن قائده قتل في منطقة "الكدرو" شمالي الخرطوم بحري يوم الثلاثاء 28 يناير/كانون الثاني الجاري، حيث تم استهدافه بمسيّرة للجيش السوداني، ويقسم السائق على تبرئة الدعم السريع من دم "جلحة".

أما أسرته، فحسب بيان نشره الباشا طبيق مستشار قائد الدعم السريع، فإن ابنها مات إثر غارة بمسيرات الجيش السوداني استهدفته وشقيقه موسى.

رئيس مجلس السيادة القائد العام البرهان يتفقد الخطوط الأمامية بمنطقة الجَيلي (وكالة الأنباء السودانية) هل ثمة رواية للجيش؟

لم يتحدث الجيش رسميا عن واقعة مقتل "جلحة"، لكن هنالك قطاعات ترى أنه تمت تصفيته على يد رفاقه في قوات الدعم السريع، ومن بين هؤلاء الناشط أحمد سليمان قور، والذي يرى في تصريحات لصحيفة الكرامة، أن "جلحة" تمت تصفيته بشكل دموي من قبل قوات الدعم السريع. ويقر قور بأنه كان أحد الذين ناشدوا "جلحة" بالانسحاب من قوات الدعم السريع والانضمام لصفوف الجيش السوداني.

ويضيف الصحفي حامد جمعة، المزيد من الغموض لحكاية مقتل "جلحة"، حيث يتساءل لماذا جاء مقتله في الوقت نفسه مع مقتل عدد من القادة الآخرين في الدعم السريع؟، والذين يجمع بينهم أنهم من إثنيات أخرى غير قبيلة الرزيقات، وأن الشكوك تدور حول ولائهم للدعم السريع مثل القائد الطاهر جاه الله، القادم من بادية الشكرية في وسط السودان، واثنين من أبناء قبيلة الرشايدة في شرق السودان.

إعلان

ويرى جمعة أن الدعم السريع بات مؤخرا "قوة عمياء" تعمل بأسلوب المافيا في تصفية الشهود والقادة المنافسين.

وعن صمت الجيش، يقول جمعة إنه ليس من مصلحة الأخير منح خصمه صك براءة من دماء قائد بارز ومعروف في صفوف الدعم السريع خاصة أن غياب "جلحة" أو تغييبه تزامن مع زخم انتصارات الجيش وانكسارات الدعم السريع.

وهنا يقدم اللواء المتقاعد في المخابرات السودانية معتصم الحسن رواية أكثر تفصيلا؛ حيث يقول إن جزءا من خلافات "جلحة" مع قيادات الدعم السريع كانت حول الحقوق المادية لجنوده، وكذلك اعتذاره عن المشاركة في العمليات العسكرية التي تلت تحرير ولاية الجزيرة على يد الجيش السوداني في 11 يناير/كانون الثاني.

ويضيف اللواء الحسن أنه تم استدراج "جلحة" من قبل الدعم السريع لمنطقة شرق النيل بالخرطوم حيث تمت تصفيته هناك. وهو اتجاه يمضي فيه القيادي بالقوة المشتركة التي تقاتل بجانب الجيش السوداني عثمان ذو النون، والذي طلب في تسجيل على منصة "إكس" من عشيرة "جلحة" عدم أخذ ثأرهم من قتلة ابنهم بمفهوم قبلي بل عبر الانخراط في صفوف الجيش السوداني، وذلك درءا للفتنة القبلية.

لكن حسبو الفقراء؛ القيادي البارز في قوات الدعم السريع، يرى في رواية تصفية جلحة "دعاية سمجة تستهدف الفتنة بين منسوبي الدعم السريع". بيد أن غياب الجنرال "جلحة" في هذا التوقيت يمكن أن يحسب كخسارة فادحة لقوات الدعم السريع التي تتعرض لضغوط في ميادين القتال.

مقالات مشابهة

  • السودان: أكثر من 60 قتيلا في هجوم لقوات الدعم السريع على سوق شعبي في أم درمان
  • الجيش السوداني يتقدم لاستعادة مناطق حيوية من الدعم السريع
  • مجلس الأمن يدين هجمات الدعم السريع في دارفور
  • من قتل جلحة الجنرال المشاغب في الدعم السريع ولماذا يصمت الجيش السوداني؟
  • حميدتي يعترف بخسارة قوات الدعم السريع مناطق لصالح الجيش (شاهد)
  • حميدتي يعترف بخسارة قوات الدعم السريع مناطق لصالح الجيش
  • الدعم السريع يعترف بالانتكاسات ويتعهد بطرد الجيش من الخرطوم  
  • السودان.. حميدتي يقر بخسارة "الدعم السريع" مناطق لصالح الجيش
  • صراع خفي بين أبوظبي والقاهرة في السودان
  • شبكة أطباء السودان: مقتل طبيب في نيالا بعد اختطافه من قبل الدعم السريع