لم يسبق أن شهد لبنان حركة ديبلوماسية كتلك التي يشهدها منذ ثلاثة أشهر حتى الآن، وهي مستمرّة بوتيرة عالية المستويات. وقد تكون من بين ثمار هذه الحركة تجنيب لبنان حربًا مكلفة، وذلك انطلاقًا من قناعة دولية من أن نقل الصراع من غزة إلى كل لبنان عبر بوابته الجنوبية قد يُدخل المنطقة برمتها في دوامة عدم الاستقرار، بالتوازي مع ما يجري في البحر الأحمر، مع ما لما بين الجنوب وباب المندب من ترابط ووحدوية القرار، خصوصًا أن مفتاحه موجود في طهران، التي تحاول ما استطاعت إليه سبيلًا أن تحصّن من شروط تفاوضها مع الولايات المتحدة الأميركية من خلال قدرتها على إشعال الجبهة الجنوبية اللبنانية بواسطة "حزب الله"، وجعل البحر الأحمر غير آمن لحركة النقل البحري بواسطة الحوثيين، فضلًا عمّا تمتلكه من عناصر قوة سواء في العراق أو في سوريا لتوظيفها ضد الوجود الأميركي العسكري في المنطقة.


فعملية عضّ الأصابع بين واشنطن وطهران في مفاوضاتهما النووية تُترجم تسخينًا للجبهة الجنوبية في مواجهة إسرائيل، التي تصعّد في غزة، وتعكيرًا لمياه البحر الأحمر، مع ما لهذا البحر من ارتباط وثيق لأهداف إيرانية في الوصل بينه وبين البحر الأبيض المتوسط. وقد يكون ضرب الاستقرار في المنطقة من خلال بوابتي الجنوب اللبناني وباب المندب هدفا من بين أهداف كثيرة لانطلاقة شرارة الحرب في غزة، وما سبقها من تطورات، وما سيليها من تحرّكات لإعادة رسم خارطة جديدة للمنطقة يسعى كل طرف إقليمي فيها إلى حجز مقعد متقدم له في الصفوف الأمامية، من حيث الوجود والتأثير.
فما الحديث عن إعادة الحديث عن اتفاق الهدنة بين لبنان وإسرائيل، بالتوازي مع وجوب تطبيق القرار 1701 سوى تأمين الأرضية الملائمة لبداية محتملة لإعادة رسم ما تمّ استحداثه من وقائع ظرفية فرضها أمر واقع على الساحة اللبنانية، باعتبارها من بين البوابات الرئيسية لهندسات جديدة لمستقبل المنطقة في ضوء ما ستسفر عنه الحرب في غزة، سواء عبر تسويات شاملة أو عبر ما تفرزه هذه الحرب من نتائج ميدانية ستفرض نفسها كواقع حال جديدة في صلب المفاوضات الدولية، مع ما لها من ارتباط مباشر أو غير مباشر بالحرب الدائرة في أوكرانيا.
وعندما يطالب الذين يطالبون بالعودة الى اتفاقية الهدنة، مقرونة بتطبيق كلي للقرار 1701، فهذا يعني في شكل واضح الدعوة إلى حل شامل ومتكامل وغير مجتزأ، ولكن ليس بالطبع قبل بلورة صيغة منطقية تضمن وقفًا نهائيًا للحرب على غزة، والبدء بمفاوضات جدّية لإيجاد حل نهائي لمعاناة الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، سواء عبر "حل الدولتين"، أو أي حلّ آخر قابل لأن يبصر النور على أرض الواقع بعد عشرات السنين من الانتفاضات، التي لم تؤدِّ إلى أي نتيجة عملية.
فإذا ما قُيّض للمفاوضات على المستوى اللبناني أن تسلك طرق التسويات السياسية بعد أن يتوقّف المدفع في كل الاتجاهات فإن كل ما كان يُحكى في السر، وما ينقله الموفدون الدوليون من اقتراحات، سيوضع على طاولة المفاوضات، التي سيكون لكل طرف من أطراف النزاع شروطه لتحقيق الحدّ الأدنى مما يسعى إليه، خصوصًا أن أي منهما لم يستطع تحقيقه بالحرب.
فالعودة إلى اتفاق الهدنة يعني بالمفهوم الدولي العودة إلى ما قبل تاريخ الاجتياح الإسرائيلي للبنان، ووصوله للمرة الأولى إلى أول عاصمة عربية، وقبل ولادة "حزب الله"، وقبل اتفاق القاهرة، وقبل أن يحوّل الفلسطينيون جنوب لبنان إلى "فتح لاند".
فما بين اتفاق الهدنة والقرار 1701 ترابط تسلسلي لما يمكن أن يحقّق الاستقرار للبنان والمنطقة، ويبعد عنهما شبح الحرب، التي تُقرع طبولها، ويُسمع صداها من اليمن حتى غزة وصولًا إلى الجنوب اللبناني. المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: البحر الأحمر فی غزة

إقرأ أيضاً:

روسيا: عودة الأمور إلى طبيعتها في البحر الأحمر مستحيلة بدون الاستقرار في المنطقة

أكدت روسيا الاتحادية، أن عودة الأمور إلى طبيعتها في البحر الأحمر مستحيلة بدون تحقيق الاستقرار في منطقة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، في ظل التوتر الذي تشهده المنطقة بفعل الهجمات الحوثية في البحرين الأحمر والعربي.


وقالت نائبة السفير الروسي لدى الأمم المتحدة آنا يفستيغنييفا بعد امتناعها عن التصويت على مشروع القرار، إن الطبيعة التقنية لنص القرار لا تغير حقيقة أنه امتداد للقرار رقم 2722 الذي أثارت بلادها تساؤلات حقيقية بشأنه كما قالت.


وأضافت أن بلادها كانت ستؤيد القرار إذا كانت الفكرة منه ضمان سلامة الملاحة في المياه قبالة ساحل اليمن بما في ذلك البحر الأحمر، ولكنها قالت إن التطبيق العملي يترك الكثير من التساؤلات.


وذكرت أن مشروع القرار، "الذي أُعد على عجالة، به عدد من العيوب الخطيرة من وجهة نظر القانون الدولي ويتضمن بنودا حاولت بعض الدول الغربية ترجمتها بطريقتها الخاصة لتبرير الهجمات على اليمن".


وأكدت أن عودة الأمور إلى طبيعتها في البحر الأحمر مستحيلة بدون تحقيق الاستقرار في منطقة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. 


وقالت المندوبة الروسية إن مطالب المجتمع الدولي لم تتغير وتتمثل في وقف إطلاق النار فورا وبدون شروط وبشكل دائم والإفراج عن كل الرهائن والمحتجزين واستعادة الوصول الإنساني الكامل بدون عوائق إلى قطاع غزة.


وفي وقت سابق، اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2739 الذي كرر فيه التأكيد على مطالبته جماعة الحوثي بالكف فورا عن جميع الهجمات ضد سفن النقل والسفن التجارية، حيث صدر القرار بتأييد 12 عضوا وامتناع الجزائر والصين وروسيا عن التصويت.


وقدمت الولايات المتحدة واليابان، مشروع القرار لمجلس الأمن، حيث جدد المطالبة الفورية لجماعة الحوثي، بإطلاق سراح السفينة "غالاكسي ليدر" وطاقمها، مشددا على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية، بما في ذلك النزاعات التي تسهم في التوترات الإقليمية والإخلال بالأمن البحري، من أجل ضمان الاستجابة بسرعة وكفاءة وفعالية.


وحث القرار على توخي الحذر وضبط النفس لتجنب المزيد من تصعيد الوضع في البحر الأحمر وعلى صعيد المنطقة ككل، وشجع على تعزيز الدبلوماسية التي تبذلها جميع الأطراف لتحقيق هذه الغاية، بما في ذلك مواصلة تقديم الدعم للحوار وعملية السلام في اليمن تحت رعاية الأمم المتحدة.


مقالات مشابهة

  • وصلت لـ2 متر.. إغلاق شواطئ البحر المفتوح في مطروح بسبب ارتفاع الأمواج
  • كيف يتم مطاردة اليمنيين بالبارجة “أيزنهاور”؟
  • بيان القوات المسلحة اليمنية بشأن تنفيذ أربع عمليات عسكرية نوعية في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر
  • استمرار إغلاق شواطئ مطروح المفتوحة لليوم الثاني على التوالي
  • إظهار القوة في البحر الأحمر… كيف طرد اليمنيون البارجة “أيزنهاور”؟
  • صنعاء توجه ضربات نوعية لأربع سفن داعمة لـ”إسرائيل” في البحرين الأحمر والأبيض المتوسط
  • إحداهن بالتعاون مع فصيل عراقي.. الحوثيون يعلنون استهداف أربع سفن في البحرين الأحمر والأبيض المتوسط
  • القوات المسلحة تنفذ 4 عمليات عسكرية نوعية في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر
  • تنفيذ عمليات عسكرية نوعية في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر
  • روسيا: عودة الأمور إلى طبيعتها في البحر الأحمر مستحيلة بدون الاستقرار في المنطقة