عربي21:
2024-06-30@00:11:44 GMT

غزة والعطف الشعبي والعسف الرسمي

تاريخ النشر: 13th, January 2024 GMT

كشفت حرب إسرائيل الحالية على غزة، عن تحول مذهل في اتجاهات الرأي العام الغربي، فقد شهدت جميع المدن الكبرى في الولايات المتحدة وأوروبا، مظاهرات حاشدة تدين إسرائيل، وتعلن تعاطفها التام مع الفلسطينيين، ليس فقط لأنهم يتعرضون لعدوان وحشي، ولكن لأنهم محرومون من العيش في وطنهم، مما يعني أن شرائح واسعة في الغرب، لم تعد تكتفي بإدانة الحرب، بل رجعت بالذاكرة إلى أربعينات القرن العشرين، وصارت ترى أن قيام إسرائيل على أرض فلسطين، هو الخطيئة الكبرى التي تناسلت منها خطايا إسرائيل اللاحقة.



ولكن الغرب الرسمي، أي الحكومات، ما زال يوالي إسرائيل في المنشط والمكره، وبلغت تلك الموالاة حد السخف في كندا، حيث صار التعاطف مع غزة جريمة عقابها الفصل من العمل الحكومي، وإغلاق الحساب المصرفي، بينما بلغ السقوط الأخلاقي بمايك بنس نائب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، درجة أن وضع توقيعه على قذيفة صاروخية قبل إطلاقها في اتجاه غزة، على أمل أن يؤدي ذلك لانطلاقة صاروخية له كمرشح للرئاسة في بلاده، التي تتحكم الأموال ووسائل الإعلام اليهودية، في مصائر من يصبون للوصول إلى كراسي الحكم.

ظلت الشعوب الغربية تخضع لعمليات غسل أدمغة ذكية على مر عقود طوال في سياق هندسة وبرمجة المجتمعات، تقف وراءها الحكومات الخاضعة لسطوة أصحاب رؤوس الأموال، ومالكي كبريات وسائل الإعلام، فنشأت عقلية القطيع الذي يساير الراعي في بلد مثل الولايات المتحدة، حيث يعتبر كثيرون إسرائيل ولاية أمريكية، والدفاع عن سياساتها وغزواتها ونزواتها فرض عين، ولكن السنوات الأخيرة شهدت طفرة في ديمقراطية المعلومات، فبظهور الأنترنت وأجهزة الاتصال الحديثة الذكية، خرج الملايين في جميع البلدان من بيت طاعة القنوات التلفزيونية العملاقة من شاكلة بي بي سي، وسي إن إن، بعد أن صارت المعلومات والأخبار مبذولة في منصات التواصل الاجتماعي، من شاكلة فيسبوك وإنستغرام وإكس (تويتر سابقا) وتك ـ توك ويوتيوب، فكان ما نشهده اليوم من تعاطف كاسح مع الشعب الفلسطيني في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية، بل إن وسائل الإعلام البديلة هذه كشفت سوءات النظام السياسي الغربي ليبراليا كان أم محافظا، وعرَّت نفاقه عندما يتشدق بحقوق الإنسان والحريات والسلام العالمي.

عندما تفجرت الأوضاع في فلسطين المحتلة بعملية طوفان الأقصى في 7 تشرين أول/ أكتوبر من العام الماضي، كانت قنوات التلفزة الغربية العملاقة هي الأقدر على نقل الوقائع بحكم وجود مراسليها وكوادرها على الأرض، فكان أن تعالى الصراخ حول استهداف كتائب القسام لكبار السن واغتصاب النساء وذبح الأطفال في إسرائيل، فثارت ثائرة الشعوب الغربية في انسجام مع غضبة حكوماتها.

صمود غزة في وجه جيش ترتيبه التاسع دوليا، من حيث القوة والعدد والعدة، عاد على القضية الفلسطينية بالمزيد من التقدير والتأييدوشيئا فشيئا نجح نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي في دخول المشهد وتغطية الأحداث، فكان أن عرف العالم بأجمعه بشاعة ما تقترفه إسرائيل في غزة، ومن ثم صار الحكم على ما يجري، يتم بموجب الضمير الإنساني، استنادا إلى شهود عيان وليس بموجب ما تردده قنوات بي بي سي، وسي أن أن وفوكس وغيرها، بل إن مصطلحات مثل النكبة والانتفاضة والنكسة والتمييز العنصري عادت إلى الظهور بقوة  فكان ذلك "تأصيلا" للقضية الفلسطينية، بإعادتها إالى المنصة الأساسية، وهو قيام دولة لليهود على حساب أصحاب الأرض الفلسطينيين.

هناك من يرى أن الحكومات الغربية ظلت وستظل تساند إسرائيل مهما اشتطت في العسف والقصف والنسف، لأن إسرائيل مخلب قط للغرب الساعي لتفكيك الدول العربية، والاستيلاء على مقدراتها!

ولأن الغرب يريد التكفير عن الذنب الذي اقترفه بحق اليهود عبر القرون، وفي هذا بعض الصحة، ولكن وفوق ذلك كله فإن إسرائيل ظلت تقف في خط الدفاع الأول عن المعسكر الغربي الرأسمالي، في حربه الباردة والساخنة ضد الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي، ومن ثم كان الزواج الكاثوليكي بين دول الغرب وإسرائيل، الذي تم تمتينه بمؤسسات مشتركة، ومن ثم فلا عجب في أن نسمع لغة ساقطة أخلاقيا من الحكومات الأمريكية والبريطانية والفرنسية، تدعو إسرائيل إلى ضبط النفس، وليس إلى وقف العدوان على غزة، وإلى وقف العمليات البرية ضد غزة والاستعاضة عنها بضربات بالقذائف فائقة الدقة، ولا بواكي في العواصم الغربية على عشرات الآلاف ممن صرعتهم وجرحتهم آلة الحرب الإسرائيلية، رغم تعالي صيحات الاستغاثة والاستنكار الغاضبة من شهود عيان دوليين عدول، يشاطرون أهل غزة ويلات الحرب، ولا يمكن اتهامهم بالانحياز الأعمى للجانب الفلسطيني.

صمود غزة في وجه جيش ترتيبه التاسع دوليا، من حيث القوة والعدد والعدة، عاد على القضية الفلسطينية بالمزيد من التقدير والتأييد، فها هي الحرب تدخل شهرها الرابع، وها هي حكومة نتنياهو تستغيث بالغرب ليمدها بالسلاح، مما يعني أنها صبت جُلّ ما في ترسانتها على غزة دون أن تؤتي أُكْلها المرجو، وكما يقول الكاتب الإسرائيلي ناحوم برنيع فإن أعضاء الحكومة الإسرائيلية يقاتلون من أجل بقائهم السياسي، ومن ثم فقد يدفعهم اليأس والخوف من اتساع رقعة الرفض الشعبي العالمي لجرائمهم في غزة، إلى استخدام أسلحة محظورة دوليا.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الرأي الفلسطينيين العدوان فلسطين غزة عدوان رأي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ومن ثم

إقرأ أيضاً:

إسرائيل «ضعيفة مثل بيت العنكبوت».. ولكن!

فى 26 مايو 2000، وصل الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، إلى بلدة بنت جبيل اللبنانية الصغيرة، على بعد بضعة كيلومترات من الحدود الإسرائيلية. كان يبلغ من العمر 39 عامًا آنذاك، ويرتدى عمامته السوداء المألوفة وثوبًا بنيًا،وألقى أحد أشهر الخطب فى حياته المهنية.
وفى اليوم السابق لوصوله، انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان بعد احتلال دام سنوات، حيث تعرضت لمضايقات من جانب حزب الله وجماعات أخرى. وتجمع الآلاف من المؤيدين هناك تحت الرايات الصفراء لحزب الله.
ألقى نصر الله خطابا شهيرا أكد فيه أن إسرائيل «ضعيفة مثل بيت العنكبوت» على الرغم من أسلحتها النووية. وقد أصبحت المواضيع التى تناولها فى خطابه فى ذلك اليوم تحدد رؤية نصر الله للعالم فى العقود التى تلت ذلك، حيث دمجت مفاهيم اللاهوت الشيعى وخطاب التحرير، وتأسست على الاعتقاد بأن المقاومة الحقيقية يمكنها التغلب على قوة عسكرية متفوقة بكثير.
ومنذ ذلك الحين، تحول حزب الله، سواء كقوة مقاتلة أو فى علاقته مع الدولة اللبنانية الهشة، ليصبح قوة سياسية واجتماعية. ولكن فى حين أن خطاب نصر الله ربما ظل دون تغيير، فإن تقديره لهشاشة القوة، حتى بالنسبة لأقوى جهة فاعلة غير حكومية مسلحة فى العالم، قد تحور وقاد حزب الله إلى حافة صراعه الأكثر خطورة. لقد أرسلت صواريخ وطائرات بدون طيار إلى إسرائيل، بينما تضرب إسرائيل أهدافًا فى لبنان وحزب الله بغارات جوية.
عندما يلقى نصر الله خطاباً هذه الأيام، لا يظهر نصر الله شخصياً، بل على شاشة التلفزيون. أصبحت خطابات نصر الله الطويلة والمتكررة فى كثير من الأحيان موضوعاً لتفسيرات لا نهاية لها خلال الأشهر الثمانية الماضية من الحرب فى الشرق الأوسط.
فى حين يتم تصوير نصر الله وحزب الله فى كثير من الأحيان باعتبارهما وكيلين لإيران، فإنهما أكثر من ذلك. فهما لاعبان إقليميان مهمان فى حد ذاتهما، إلى جانب ارتباطهما العميق بطهران.
إن سياسة نصر الله فى الأسابيع الأولى من الاشتباكات عبر الحدود التى بدأت فى 8 أكتوبر، أى بعد يوم واحد من هجوم حماس المفاجئ على جنوب إسرائيل، كانت مصممة ظاهرياً لتخفيف الضغط على الجماعة الفلسطينية المسلحة فى غزة، وهى استراتيجية يبدو أنها كانت أكثر فعالية. على الصعيد الدبلوماسى أكثر منه على الصعيد العسكرى. نسج نصر الله القضايا الإقليمية العالقة على الحدود اللبنانية بما فى ذلك مزارع شبعا التى تحتلها إسرائيل، والتى تطالب بها سوريا أيضاً.
ومن خلال تنحية الوضع الراهن بين إسرائيل وحزب الله جانباً والذى ظل قائماً منذ نهاية حرب لبنان الثانية التى دامت شهراً فى عام 2006 والتى جلبت دماراً هائلاً للبنان، فقد رمى نصر الله حجرا. مكذبا الغموض المتعمد فى تصريحاته، التى تتأرجح بين التهديدات للمدن الإسرائيلية والإصرار على أن جماعته لا تريد حربا شاملة.
وفى الأشهر اللاحقة، أدت ديناميكيات الحرب المتصاعدة إلى وصول الاعتبارات التى دفعت نصر الله إلى دخول الصراع إلى نقطة الانهيار. لقد أصبح «الصراع المُدار» خارج نطاق السيطرة على نحو متزايد مع استهداف إسرائيل كبار مسئولى حزب الله وإطلاق حزب الله النار على أهداف عسكرية ومدنية إسرائيلية، ومؤخراً هدد حيفا ومدن أخرى.
وفى الحقيقة أن الصبر الاستراتيجى هو جزء من نظرة حزب الله. وما نفعله لفهم موقف حزب الله لا يتجاوز التخمينات والافتراضات، لكننا لا نصل إلى الشبكة الداخلية لفهم عمليات صنع القرار.

 

مقالات مشابهة

  • صحيفة إسرائيلية تكشف تفاصيل شجار مجلس الحرب الإسرائيلي في اجتماعه الأخير
  • شبكة إلكترونية داعمة لإسرائيل تستهدف النشطاء المؤيدين للفلسطينيين في الغرب
  • الرئاسة الفلسطينية: إسرائيل تدفع المنطقة نحو الانفجار الكامل
  • الصراع الأمريكي على الإخلاص لإسرائيل
  • السودانيون.. بيننا
  • إسرائيل «ضعيفة مثل بيت العنكبوت».. ولكن!
  • سموتريتش يسعى لاستغلال أحداث الحرب لضم الضفة وتدمير السلطة الفلسطينية
  • روسيا تدرس خفض مستوى العلاقات مع الغرب
  • بيسكوف يعلن دراسة إمكانية خفض علاقات روسيا الدبلوماسية مع الغرب
  • أدوية الأمراض المزمنة متوفرة وبإمكانها الصمود 6 أشهر