لا يعرف الفلسطينيين مَن يظنّ أنهم سيستسلمون
تاريخ النشر: 13th, January 2024 GMT
"لا يعرف الفلسطينيين مَن يظنّ أنهم سيستسلمون"
تمسّك إسرائيلي بافتراض خطأ أنه إذا جرى توفير بحبوحة اقتصادية للفلسطينيين سيتخلون عن حلمهم بالاستقلال وتقرير المصير!
أكد عامي أيالون، أنه إذا كان ثمّة مَن يظنّ أن الفلسطينيين سيستسلمون، فهو لا يعرف الفلسطينيين ولا "حماس"، لا من قريب ولا من بعيد.
دولة الاحتلال لم تستخلص دروس الحروب السابقة على القطاع، منذ قامت سلطة حماس في 2007، وبشكل عينيّ في كل ما يرتبط بمقاومة شعب فلسطين وغاياتها.
ما زال دعم حكومات أمريكا وأوروبا الغربية لإسرائيل في الحرب بتسويغ الدفاع عن النفس كبيرًا. فهل تتسبّب مداولات محكمة العدل الدولية في لاهاي في إحداث تحول؟
* * *
يتمثّل أحد جوانب النقد الإسرائيلي الداخلي للحرب الوحشية على قطاع غزّة، وإن كان خجولًا بعض الشيء، في أن دولة الاحتلال لم تستخلص الدروس الكافية من الحروب السابقة على القطاع، وتحديدًا منذ أنشئت فيه سلطة حركة حماس عام 2007، وبشكل عينيّ في كل ما يرتبط بمقاومة الشعب الفلسطيني وغاياتها، والتمسّك الإسرائيلي بالافتراض الخطأ أنه إذا جرى توفير بحبوحة اقتصادية للفلسطينيين سيتخلون عن حلمهم بالاستقلال وتقرير المصير.
وقد وصف ذلك قبل أيام الرئيس السابق لجهاز الشاباك والقائد السابق لسلاح البحر الإسرائيلي، عامي أيالون، الذي أكّد أيضًا أنه إذا كان ثمّة مَن يظنّ أن الفلسطينيين سيستسلمون، فهو لا يعرف الفلسطينيين ولا "حماس"، لا من قريب ولا من بعيد.
ولا يقتصر الأمر على هذا، بل وينسحب على موضوع الأهداف التي تضعها المؤسّسة السياسية لكل حرب، وتستحقّ التذكير بها، فالحرب الحالية تُقارن، من بين كل الحروب الإسرائيلية السابقة على غزّة، مع الحرب الأولى إثر صعود سلطة "حماس"، والتي سميت "عملية الرصاص المصبوب"، وشُنّت بين 27122008 و1712009 إبّان ولاية إيهود أولمرت في رئاسة الحكومة.
وظلت هذه الحرب تفتقر إلى هدفٍ محدّد، حتى بعد مرور أسبوعين على اندلاعها. وفي أثناء ذلك، بقي الهدف الغالب على الخطاب الإسرائيلي العام "جعل حركة حماس تتخلّى عن الرغبة في مهاجمة إسرائيل".
بعد ذلك، جرى تحديد ثلاثة أهداف رئيسية: تحقيق الهدوء على الجبهة الجنوبية فترة طويلة؛ وقف "عمليات التهريب" إلى القطاع؛ الإفراج عن الجندي جلعاد شاليط، الذي كانت "حماس" تحتجزه منذ يونيو 2006.
ويمكن أن نستعيد من ردّات الفعل عليها، وهي عصيّة على الحصر، تأكيد كبير المعلقين السياسيين في صحيفة هآرتس، يوئيل ماركوس، بشأن فشلها، وإشارة رئيس مجلس الأمن القومي السابق، الجنرال احتياط غيورا آيلاند، إلى أن من الصعب إبداء أي قدرٍ من الحماسة لها بعد نحو نصف عام من انتهائها.
فإطلاق الصواريخ على جنوب إسرائيل لم يتوقّف، وعمليات تهريب الأسلحة إلى غزّة متواصلة، وحركة حماس تعزّز سلطتها، وجلعاد شاليط لم يعد إلى بيته.
وبرأي الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، الجنرال احتياط شلومو غازيت، لم تبدّد تلك الحرب الواقع الصعب الذي كان قائمًا قبل يوم اندلاعها في 27 ديسمبر 2008، بل ربما أعادته إلى ما كان قبل ذلك أيضًا؛ و"بينما كنّا في ذلك الوقت نعيش على أمل أن تبادر إسرائيل إلى عمليةٍ عسكريةٍ هجومية، فإننا نواجه الآن علاماتٍ تدلّ على فشل هذه العملية وتفويت الفرصة المترتبة عليها".
وكان فحوى خلاصته أن تلك الحرب في غزّة انتهت في ظروف أسوأ كثيرًا من ظروف إنهاء حرب لبنان الثانية في صيف 2006. وجاءت أبلغ ردّات الفعل في حينه من وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، موشيه أرينز، الذي شدّد بعد فترة قصيرة من انتهائها على أنه حان الوقت كي تطرح إسرائيل على نفسها السؤال: ما هي الإنجازات الحقيقية لحرب "الرصاص المصبوب"؟
فهذه الحرب لم تضع حدًا لإطلاق الصواريخ من غزّة، ولم تؤد إلى الإفراج عن الجندي شاليط. وفي الوقت نفسه، كلفت إسرائيل ثمنًا باهظًا، إذ جعلت العالم كله يثور ضدها، بسبب الدمار الكبير الذي تركته وراءها، وبسبب المعاناة الجمّة للسكان المدنيين في القطاع.
ويقصد بـ"ثورة العالم" التداعيات التي ترتبت على تقرير "لجنة غولدستون"، اللجنة الأممية التي تقصّت وقائع تلك الحرب، وأدّى إلى اهتزاز صورة إسرائيل في العالم كافة، خصوصًا في العالم الغربي الذي تتباهى بالانتماء إليه.
وهنا قد يكمُن الفارق بين ما كان وما هو قائم الآن، حيث ما زال الدعم لإسرائيل في الحرب من حكومات أوروبا الغربية والولايات المتحدة، بتسويغ الدفاع عن النفس، كبيرًا. فهل تتسبّب مداولات محكمة العدل الدولية في لاهاي في إحداث التحول؟
*أنطوان شلحت كاتب وباحث في الشأن الإسرائيلي
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: إسرائيل فلسطين حماس غزة محكمة العدل الدولية الرصاص المصبوب جلعاد شاليط أنه إذا م ن یظن
إقرأ أيضاً:
ما الذي سيفعله الرئيس الشرع لمواجهة إسرائيل؟
خطا الرئيس السوري أحمد الشرع ثلاث خطوات مُهمة نحو إعادة توحيد سوريا، ومواجهة مشاريع تقسيمها. الأولى، إفشال التمرد المُسلّح الذي قادته خلايا النظام المخلوع في مناطق الساحل بهدف إسقاط الدولة الجديدة وإشعال حرب أهلية. والثانية، إبرام اتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لدمجها في الدولة الجديدة، والثالثة، الاتفاق مع أهالي ووجهاء محافظة السويداء الجنوبية على دمجها الكامل في مؤسسات الدولة.
مع ذلك، تبقى مُعضلة الجنوب السوري إشكالية ضاغطة على سوريا؛ بسبب التحركات التي بدأتها إسرائيل منذ الإطاحة بنظام الأسد واحتلالها أجزاء جديدة من الأراضي السورية ومحاولتها تأليب دروز الجنوب على إدارة الرئيس الشرع.
على الرغم من أن إسرائيل سعت في البداية إلى تسويق تحرّكاتها العدوانية في سوريا في إطار مواجهة مخاطر أمنية مزعومة تُهددها، فإن النهج الإسرائيلي أصبح بعد ذلك أكثر وضوحًا، خصوصًا بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 23 فبراير/ شباط الماضي عن نوايا إسرائيل الإستراتيجية في سوريا. وتتضمن هذه النوايا تحقيق أربعة أهداف متوسطة وبعيدة المدى.
أولًا، تكريس احتلال المنطقة العازلة في الجولان وقمة جبل الشيخ الإستراتيجية كأمر واقع من خلال ربط التواجد الإسرائيلي فيهما بالتهديدات المزعومة بعيدة المدى التي تواجه إسرائيل من سوريا، وليس القريبة المدى. وبالنظر إلى أن المناطق المُحتلة الجديدة ليست كبيرة من حيث الحجم، فإن إسرائيل قادرة على الاحتفاظ بها، إما بهدف ضمها لها بشكل نهائي، أو بهدف تعزيز موقفها في أي مفاوضات مستقبلية مُحتملة مع النظام الجديد في سوريا.
ثانيًا، محاولة إحداث شرخ كبير بين الدروز في جنوب سوريا والإدارة الجديدة كبوابة لتأسيس كيان درزي كمنطقة عازلة بينها وبين سوريا. ولا تقتصر وسائل إسرائيل بهذا الخصوص على تشجيع النزعة الانفصالية بين الدروز، وتقديم نفسها كحامٍ لهم، بل تشمل كذلك طرح مطلب تحويل جنوب سوريا إلى منطقة منزوعة السلاح وعدم انتشار الجيش السوري الجديد فيها، فضلًا عن اعتزام السماح للدروز بالعمل داخل إسرائيل.
ثالثًا، تدمير ما تبقى من الأصول العسكرية التي أصبحت ملكًا للدولة السورية بعد الإطاحة بنظام الأسد من أجل إضعاف القدرات العسكرية لهذه الدولة، وتقويض قدرتها على امتلاك عناصر القوة لبسط سيطرتها على كافة أراضيها وللتعامل مع التحديات الأمنية الداخلية التي تواجهها، خصوصًا مع الأطراف: (قسد، خلايا النظام في الساحل، والتشكيلات المسلحة في الجنوب). وتندرج هذه الإستراتيجية ضمن أهداف إسرائيل في تشجيع النزعات الانفصالية على الأطراف لإضعاف السلطة المركزية في دمشق.
رابعًا، تقويض قدرة تركيا على الاستفادة من التحول السوري لتعزيز دورها في سوريا، وفي المنافسة الجيوسياسية مع إسرائيل في الشرق الأوسط. ولهذه الغاية، تعمل إسرائيل على مسارات مُتعددة، ليس فقط محاولة إيجاد موطئ قدم لها بين الدروز في الجنوب، بل أيضًا شيطنة الإدارة السورية الجديدة للتأثير على القبول الدولي بها، والضغط على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لعدم الاعتراف بالرئيس الشرع، وإبقاء العقوبات على سوريا كسيف مُصلت عليها لتحقيق مصالح إسرائيل، والضغط كذلك على واشنطن لإقناعها بالحاجة إلى بقاء الوجود العسكري الروسي في سوريا كضرورة لمواجهة نفوذ تركيا.
حتى في الوقت الذي يبدو فيه تقسيم سوريا أو فَدْرلتها أو تحويل الجنوب إلى منطقة منزوعة السلاح (عدم وجود الجيش السوري فيها)، غير مُمكن وغير واقعي، فإنه من المرجح أن تحتفظ إسرائيل باحتلال المنطقة العازلة وقمة جبل الشيخ الإستراتيجية لفترة طويلة.
كما ستسعى لاستثمار الفترة الطويلة التي ستستغرقها عملية بناء الدولة الجديدة ومؤسساتها العسكرية والأمنية من أجل مواصلة شن ضربات على امتداد الأراضي السورية؛ بذريعة مواجهة تهديدات مُحتملة، أو خطر وقوع مثل هذه الأسلحة في أيدي جماعات تُشكل تهديدًا لإسرائيل.
إن هذا النهج الإسرائيلي المُحتمل ينطوي على مخاطر كبيرة على سوريا وإدارتها الجديدة، لأنه سيُقوض من قدرتها على تحقيق استقرار داخلي كامل وبناء مؤسسة عسكرية قوية. ولا تبدو احتمالية الدخول في حرب مع إسرائيل واردة على الإطلاق على جدول أعمال الرئيس الشرع، خصوصًا في هذه المرحلة التي تفرض عليه تركيز أولوياته على إنجاح المرحلة الانتقالية، وإعادة بناء الدولة، وبناء علاقات جيدة مع الغرب من أجل رفع العقوبات المفروضة على سوريا وإطلاق عملية إعادة الإعمار.
لقد شدد الشرع في القمة العربية الطارئة، التي عُقدت في القاهرة، على ضرورة العودة إلى اتفاقية فض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل لعام 1974، بما في ذلك انسحاب إسرائيل من الأراضي الجديدة التي احتلتها بعد سقوط نظام الأسد. ويعمل الشرع على ثلاثة سياقات لمواجهة التحدي الإسرائيلي.
التأكيد على التزامه باتفاقية فض الاشتباك لإظهار رغبته في تجنب أي صدام عسكري مع إسرائيل.
تقويض قدرة إسرائيل على استثمار الانقسامات الطائفية والمجتمعية والعرقية في سوريا من خلال السعي لدمج الحالات على الأطراف: (الشمال الشرقي، الساحل، الجنوب) في الدولة الجديدة.
تعزيز القبول الدولي به لإقناع القوى الفاعلة في المجتمعين: الإقليمي والدولي بالضغط على إسرائيل للحد من اندفاعتها في سوريا، والعودة إلى الوضع الذي كان قائمًا في الجنوب قبل سقوط نظام بشار الأسد.
علاوة على ذلك، يُحاول الشرع توسيع هامش المناورة لديه في مواجهة التحدي الإسرائيلي من خلال تعميق الشراكة الجديدة لسوريا مع تركيا.
على الرغم من وجود مشروع لاتفاقية دفاع مشترك بين تركيا وسوريا، فإن الشرع لا يزال متريثًا في الإقدام على هذه الخطوة لاعتبارات مُتعددة. لكنه في حال تصاعد خطر التحدي الإسرائيلي على استقرار سوريا ووحدتها، فإنه قد يلجأ إلى هذه الاتفاقية للحصول على دعم تركي في تسليح الجيش السوري الجديد، وتعزيز قدرته على مواجهة هذا التحدي.
والخلاصة أن التحدي الإسرائيلي يُوجد عقبات كبيرة أمام نجاح التحول في سوريا، لكنه يُوجد في المقابل فرصًا للشرع لبلورة إستراتيجية متكاملة للتعامل مع هذا التحدي، وتعزيز القبول الدولي به كضمان لمنع اندلاع حرب بين سوريا وإسرائيل في المستقبل.