فلسطين صارت قضية الضمير العالمي بأسره
تاريخ النشر: 13th, January 2024 GMT
كان المفكر عبد الوهاب المسيري رحمه الله كثيرا ما يقول بأن الدفاع عن الحق الفلسطيني واجب إنساني بإطلاق. أي أنه واجب لا تستنفده المعاني المتعلقة بكونه قضية حضارية بين شرق وغرب مثلا أو قضية سياسية بين جنوب وشمال، بل هو في الجوهر واجب أخلاقي ملزم لضمير الإنسانية بأسرها. واجب عابر للثقافات والإثنيات وجميع الانتماءات قبل أن يكون أيضا، بالنسبة للعرب والمسلمين تحديدا، واجبا قوميا ودينيا.
وقد تأكد هذا المعنى الإنساني المطلق العابر لجميع الانتماءات والخصوصيات طيلة الأشهر الثلاثة الماضية بوجهين على الأقل. الوجه الأول هو استفاقة الرأي العام في كثير من بلدان العالم، وحتى في بلدان أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية المنحازة تاريخيا ضد العروبة والإسلام، على الحقيقة الكريهة المقيتة للكيان الصهيوني، وخروج المظاهرات الشعبية في معظم المدن الكبرى وتنظيم الاحتجاجات في كثير من الجامعات الغربية مساندة للشعب الفلسطيني في غزة ضد حرب العدوان الهمجي الذي أطلقته عليه آلة الدمار الإباديّة الإسرائيلية بغرض محوه من الوجود بالتقتيل والتجويع والتهجير ونسف أبسط عوامل القابلية للعيش والبقاء في كامل القطاع.
أما الوجه الثاني، ولعله الأقوى من حيث القيمة القانونية والدلالة السياسية، فهو إقدام حكومة جنوب إفريقيا على رفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية ضد دولة إسرائيل بتهمة انتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة والمعاقبة عليها. ومع أن هذه قضية لا سابق لها ضد إسرائيل، ومع أنها قضية من العيار الثقيل ضد بنت الغرب المدللة المتحصنة في عيون أبويها (أوروبا وأمريكا) ببراءة الطفولة الأبدية، فإن جنوب إفريقيا قد زادت عليها، وأثقلت وأغلظت فيها، بأن طلبت الخميس من المحكمة أن تتخذ منذ الآن (علما أن نظر الدعوى سيستغرق أعواما) تدابير احترازية لوقف الجرائم المستمرة في قطاع غزة، أي أن تصدر المحكمة الأمر لإسرائيل «بالوقف الفوري لجميع الهجمات العسكرية، وبالكف عن التقتيل وعما تصيب به الشعب الفلسطيني في غزة من خطير الأضرار البدنية والذهنية، وبالامتناع عن فرض ظروف معيشة يمكن أن تؤدي إلى التدمير المادي لسكان غزة».
ومن المفاجآت الصادمة لإسرائيل أنها اكتشفت أن ما يقوله ساستها بالعبرية (من بذاءات عنصرية ومن تحريض على الإبادة ومن إعلان عن ضرورة القضاء على الحيوانات البشرية) وأن ما كانت تظنه غير معلوم في الخارج إنما هو مسجل موثق عند فريق المحامين من جنوب إفريقيا وأنه يتضمن أدلة تدين إسرائيل الرسمية إدانة واضحة بارتكاب جريمة الإبادة ضد شعب غزة بتصميم وسبق إصرار وإعلان صريح متكرر عن النيات والغايات.
هذا عن الجانب القانوني. أما الجانب السياسي فإنه يتمثل في أن حكومة جنوب إفريقيا قد نزّلت الدعوى في سياق «معاملة إسرائيل للفلسطينيين طيلة خمسة وسبعين عاما من حكم الأبارتهايد، وطيلة ستة وخمسين عاما من احتلال الأراضي الفلسطينية وستة عشر عاما من إحكام الحصار حول غزة». وبهذا أثبتت جنوب إفريقيا الحرة، المتحررة من الأوهام العنصرية والمساوية بين جميع مواطنيها، أن فلسطين هي قضية الضمير الأخلاقي العالمي: قضية الإنسانية بأسرها. وإزاء تصدّر جنوب إفريقيا، البعيدة جغرافيّا، للدفاع عن فلسطين، لم يسع بعض وسائل الإعلام الغربية الجادة إلا أن تتساءل عن هذا الصمت العربي المطبق المخزي بشدة طوله، وعن تقاعس الدول العربية الغنية عن استخدام سلاح الطاقة أو سلاح الاستثمارات الضخمة في البلدان الغربية. كما تساءلت لوموند عن سبب كل هذا التأخر في إعلان موت «عصبة الأمم العربية»!
وبما أن «الضرب في الميت حرام» كما يقول المثل الشعبي الذي لا تعرفه لوموند، فإن أنبل تبرير يمكن التذرع به لمحاولة غسل هذا الخزي هو أن «عصبة الأمم العربية» لم تتقاعس، بل كل ما في الأمر أنها أرادت، بالامتناع عن الدفاع عن شعب فلسطين (قبل التذكّر في آخر لحظة وطلب المشاركة في رفع الدعوى) أن تؤكد عالمية القضية الفلسطينية وألاّ تحرم الإنسانية، ممثلة في جنوب إفريقيا، من شرف الانتصار للحق.
(القدس العربي)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطيني غزة فلسطين غزة الاحتلال شهداء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة جنوب إفریقیا
إقرأ أيضاً:
هجوم قوي من إسبانيا على إسرائيل بشأن تصريحات ضم الضفة الغربية
أعربت الحكومة الإسبانية، اليوم الخميس، عن رفضها الشديد للتصريحات الإسرائيلية بشأن ضم الضفة الغربية المحتلة.
وأكدت وزارة الخارجية الإسبانية، في بيان صحفي، إن "فرض السيادة بالقوة يتعارض مع القانون الدولي، وإن محكمة العدل الدولية قضت بأن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ عقود غير قانوني ويجب أن ينتهي في أسرع وقت ممكن".
وأضافت أن التصريحات المتطرفة تحريضية وتعيق التهدئة الضرورية للتوتر الإقليمي، مؤكدًة أن المستوطنات تتعارض تمامًا مع القانون الدولي.
وكان سموتريتش تعهد في كلمة ألقاها خلال ترؤسه، الإثنين الماضي، اجتماعا لحزب "الصهيونية الدينية" في الكنيست الإسرائيلية، بأن يكون 2025 عام السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية.