قلق المعارضة من المقايضة: بين الوهم والمنطق
تاريخ النشر: 13th, January 2024 GMT
كتب محمد علوش في" الديار": بات الجميع يسلم بأنه من الصعوبة في مكان الذهاب إلى أي تسوية في وقت قريب، على قاعدة أن التركيز في الوقت الراهن هو على الملف الأمني، من بوابة السعي إلى إعادة الإستقرار إلى الجبهة الجنوبية، وهو الملف الذي ينحصر الاهتمام الدولي به.
من هنا، تأتي المخاوف التي لدى بعض قوى المعارضة، في المراحلة الراهنة، من مقايضة قد تحصل على هذا الصعيد، على أساس أن قوى الثامن من آذار ستسعى إلى الحصول على مكاسب داخلية نتيجة أي تسوية قد تحصل في الملف الأمني، فهل لهذه المخاوف ما يدعمها على أرض الواقع؟
كنا قد كشفنا سابقاً أن الموفدين الدوليين كانوا على استعداد لتقديم "لبن العصفور" لحزب الله لأجل وقف عملياته العسكرية جنوب لبنان، ولكنه لم يرض بذلك لسببين أساسيين، تقول مصادر متابعة، السبب الأول اخلاقي وله خلفيات إيمانية ودينية، فما قام به الحزب في الجنوب يأتي لدعم غزة ورفض العدوان على أهلها، وبالتالي لا يمكن له أن يدخل بمفاوضات تتعلق بالجبهة الجنوبية قبل توقف الحرب على غزة، والسبب الثاني استراتيجي حيث هناك قناعة بأن الحرب على غزة لو لم يتدخل فيها الحزب كانت لتنتقل الى لبنان بمرحلة قريبة، وهذا نقاش يطول سيكون له الكثير من الشرح في خطابات الحزب بالمرحلة المقبلة.
إذاً ما تقوله المصادر هو أن المقايضة التي يتحدثون عنها بين الرئاسة والوضع في الجنوب مقايضة سخيفة بسيطة مقارنة بما عُرض على المقاومة، ورغم ذلك رفضت، وبالتالي فإن ما يحكى عن مقايضة هو أمر كاذب، ولكن بالمقابل هناك تفهم لطرح هذه المخاوف من قبل قوى سياسية تصنف نفسها في خانة المعارضة.
هذا التفهم ينطلق من واقع يقول ان القوي هو من يجلس الى طاولات التفاوض في هدوء الحرب، ما يعني أن هذه القوى تعلم أن التسويات في المنطقة لن تأخذ بالحسبان مواقفها بل مواقف القوي، وفريق المقاومة في لبنان هو الفريق القوي، وهو الفريق الذي يحضر الموفدون الدوليون لأجل التحاور والتفاوض معه وبحث اليوم التالي للحرب معه، رغم أن هذا الفريق كان قد أكد مراراً أنه لا يسعى لانعكاس نتائج الحرب على غزة "رئاسياً"، احتراماً للتوازنات السياسية في لبنان، وكان ولا يزال من دعاة الحوار الداخلي لإنتاج رئيس بأكبر توافق ممكن.
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
استمرار العقوبات على سوريا والمنطق الأعوج
تعيش سوريا اليوم في ظل أزمة مركبة ومعقدة، تجمع بين نتائج حرب مدمرة قام بها الأسد, وأزمة اقتصادية خانقة سببها الأسد، وعقوبات دولية صارمة أيضا تسببها الأسد. هذه العقوبات، التي فُرضت في الأصل على النظام السوري البائد بسبب انتهاكاته ضد الشعب، أصبحت عبئًا إضافيًا على السوريين أنفسهم، ما يطرح تساؤلات جوهرية حول عدالة هذه الإجراءات وانعدام جدواها في تحقيق أهدافها السياسية أو الإنسانية.
يشبه الوضع الحالي في سوريا حالة شخص مكبّل اليدين والرجلين يُلقى به في البحر ويُطلب منه السباحة. هذا الوصف المجازي يلامس واقع العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد، حيث تُشّل القطاعات الحيوية وتُحاصر فرص التعافي وإعادة الإعمار. وبينما هرب قادة النظام البائد أو ظلوا بمنأى عن التأثير المباشر لهذه العقوبات، والآن يعاني المواطن السوري من استمرار هذه العقوبات ومن عبئها الكبير من فقر وبطالة وانعدام للخدمات الأساسية.
تناقض العقوبات مع المنطق والعدالة
تستند العقوبات الدولية عادة إلى فلسفة "الضغط على النظام" لدفعه إلى تغيير سلوكياته أو الامتثال للقوانين الدولية. لكن الواقع في سوريا يكشف عن تناقض صارخ: فالنظام الذي ارتكب الجرائم الكبرى ضد الشعب لم يتأثر بالعقوبات بقدر ما تأثرت الأسر السورية التي تعاني من شح الغذاء، وتدهور الخدمات الأساسية، وندرة مواد البناء والطاقة.
تحتاج سوريا إلى جهود ضخمة لإعادة الإعمار بعد أن تركتها الحرب أنقاض مُدن مدمرة. إلا أن العقوبات الاقتصادية تقف حائلًا أمام أي محاولات جادة لتحقيق ذلك. لا تستطيع الشركات الاستثمار أو توريد المواد الأساسية اللازمة للبناء بسبب القيود الدولية، وهو ما يعطل المشاريع التنموية ويحول دون إعادة تأهيل البنية التحتية.لقد كان من المنطقي أن تُفرض العقوبات على قادة النظام وأن تُجمّد أموالهم وأصولهم في الخارج، ولكن بدلاً من ذلك امتدت هذه العقوبات لتطول القطاعات الحيوية مثل الصحة والطاقة والمواصلات والصناعات الأساسية، مما أدى إلى تعميق المعاناة اليومية للشعب.
تأثير العقوبات على إعادة الإعمار وعودة اللاجئين والمغتربين
تحتاج سوريا إلى جهود ضخمة لإعادة الإعمار بعد أن تركتها الحرب أنقاض مُدن مدمرة. إلا أن العقوبات الاقتصادية تقف حائلًا أمام أي محاولات جادة لتحقيق ذلك. لا تستطيع الشركات الاستثمار أو توريد المواد الأساسية اللازمة للبناء بسبب القيود الدولية، وهو ما يعطل المشاريع التنموية ويحول دون إعادة تأهيل البنية التحتية.
عودة اللاجئين والمغتربين، التي ترتبط بتحسن الظروف الاقتصادية وتوافر مقومات الحياة الأساسية، تصطدم مع هذه العقوبات. فكيف يمكن لعائلة لاجئة في الخارج أن تعود إلى بلد لا يجد سكانه فيه الخدمات الأساسية، ولا يملكون حتى فرصة ترميم منازلهم التي هدّمها الأسد على رؤوسهم؟
سرعة عودة اللاجئين تتناسب طردًا مع سرعة استتباب الأمن وتأمين مقومات الحياة الأساسية، وهو ما يتطلب رفع العقوبات وإطلاق عجلة إعادة الإعمار.
الدور الدولي وضرورة الدعم
في ظل هذه الأوضاع الكارثية، يبدو الدعم الدولي لسوريا ضرورة ملحة. الدول الصديقة مثل تركيا والسعودية وقطر والاتحاد الأوروبي وحتى الولايات المتحدة، يمكنها لعب دوراً محورياً في تقديم المساعدة الاقتصادية والمالية المباشرة والدعم السياسي لضمان استقرار البلاد.
الدعوة إلى رفع العقوبات لا تعني التسامح مع الجرائم التي ارتُكبت بحق الشعب السوري، بل هي دعوة لإعادة توجيه هذه السياسات بحيث تحقق العدالة دون أن تدمر حياة الأبرياء. يجب إيجاد آليات شفافة لتوصيل المساعدات والدعم المالي مباشرة إلى الشعب السوري بعيدًا عن الفساد أو الاستغلال السياسي.
كما أن زيارة الرئيس الأمريكي, دونالد ترامب, إلى سوريا، بما تحمله من رمزية سياسية، يمكن أن تكون رسالة إيجابية للعالم بأن سوريا لم تعد ساحة للصراع الدولي، وأن وقت إعادة البناء والتعافي قد حان. من المفيد أيضًا أن يأتي هذا الرئيس بدعم مالي حقيقي، ليكون رافدا لميلاد سوريا الجديدة.
تجارب سابقة تؤكد فشل العقوبات
تجربة العراق في تسعينيات القرن الماضي تقدم درسًا هامًا في هذا السياق. عندما زرت بغداد كنائب ألماني في عام 2001 ضمن وفد من منظمات المجتمع المدني الألمانية، شاهدت بأم عيني كيف كانت المشافي مليئة بالأطفال المرضى الذين يعانون من مرض السرطان ومن نقص الأدوية بسبب العقوبات الدولية. كانت المواد الأولية للأدوية تُمنع بحجة "الاستخدام المزدوج"، لكن النتيجة كانت كارثية على المدنيين الأبرياء.
إن استمرار العقوبات على سوريا في شكلها الحالي أصبح يتنافى مع كل منطق وقانون وإنسانية. لقد تحوّل الشعب السوري من ضحية للنظام المجرم إلى ضحية لعقوبات لا تميّز بين الجلاد والضحية. آن الأوان للمجتمع الدولي أن يعيد التفكير في سياساته تجاه سوريا، وأن يولي الأولوية لإنقاذ الشعب السوري ودعمه في بناء مستقبل جديد يتناسب مع تضحياته وآلامه.اليوم، تعيد العقوبات المفروضة على سوريا إنتاج المأساة نفسها، حيث يُحرم الشعب من الأساسيات التي يحتاجها لحياته اليومية تحت ذريعة "ورقة ضغط ناعمة" للتأثير على سلوك العهد الجديد.
التوصيات الممكنة
من أجل الخروج من هذه الأزمة، هناك خطوات عملية يجب اتخاذها:
1 ـ رفع العقوبات مباشرة: يجب على المجتمع الدولي رفع العقوبات المفروضة على سوريا بشكل فوري وشامل.
2 ـ آليات دعم مباشرة: وضع آليات تضمن وصول المساعدات الدولية مباشرة إلى الشعب السوري.
3 ـ تحرك دبلوماسي دولي: ضرورة تفعيل دور الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية لتسهيل عملية إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار السياسي.
4 ـ تشجيع الاستثمارات: تشجيع الدول والشركات على الاستثمار في مشاريع إعادة الإعمار والبنية التحتية.
5 ـ زيارة رمزية للرئيس الأمريكي: دعوة الرئيس الأمريكي, دونالد ترامب, إلى زيارة سوريا في إطار زيارته للمملكة العربية السعودية, يمكن أن تكون خطوة رمزية لكنها تحمل رسالة دعم قوية، إذا ترافقت مع التزامات مالية حقيقية لإعادة الإعمار وترميم مؤسسات الدولة.
خاتمة
إن استمرار العقوبات على سوريا في شكلها الحالي أصبح يتنافى مع كل منطق وقانون وإنسانية. لقد تحوّل الشعب السوري من ضحية للنظام المجرم إلى ضحية لعقوبات لا تميّز بين الجلاد والضحية. آن الأوان للمجتمع الدولي أن يعيد التفكير في سياساته تجاه سوريا، وأن يولي الأولوية لإنقاذ الشعب السوري ودعمه في بناء مستقبل جديد يتناسب مع تضحياته وآلامه.
* نائب ألماني سابق من أصل سوري