نمر سعدي والكتابةُ بمياهِ الأحلام
تاريخ النشر: 13th, January 2024 GMT
مسقط-أثير
قراءة: ندى وردا أوراهَم، شاعرة سوريَّة مقيمة في السوِّيد
الكلمةُ هي روحٌ مستقلِّةٌ قد تنبعُ من وجدانٍ صادقٍ أو من تجاربَ عميقةٍ في الحياةِ، بعيداً عن ذاكرةِ الكتبِ و الدوائرِ العلميَّةِ. هي سلاحٌ ذو حدَّينِ لأنَّها ببساطةٍ الحربُ والسَّلامُ.
والكلمةُ هي سرٌّ من أسرارِ الشَّاعرِ والأديبِ الفلسطينيِّ نمر سعدي المقيم في الجليلِ.
ففي نصوصِ الشَّاعرِ تتجلَّى الروحانيَّاتُ النَّابعةُ من الوجدانِ، لتنقلنا إلى مهدِ التَّاريخِ وكأنَّنا نتجوَّلُ في بيئتهِ الجليليَّة ونلمسُ بصمةَ الأنبياءِ والقدِّيسين.
هو شاعرٌ متمرِّسٌ بارعٌ بكلِّ معنى الكلمة، تارةً يكتبُ الكلمةَ و تارةً أخرى الكلمةُ هيَ التي تكتبهُ.
إنْ كتبَ ستشعر حتماً أيُّها القارىء أنَّ الروحَ هيَ التي تكتبُ و تسترسلُ في فضاءات ملوَّنة، تحفُّها أسراب النوارس.
فهو شاعرٌ وأديبٌ مفعمٌ بالإحساسِ الفريدِ، الذي ينقلنا من عالم إلى آخر، كذلك هي كلماتهُ التي تحرِّك فينا الحنينَ و الحبَّ والشغفَ ومياهَ الأحلام، التي نشعرُ لوهلة وكأنهُ يخربشُ بها على صفحاتِ الهواءِ ويكتبُ بها قصائدهُ.
ها هو يترنَّمُ بعفويَّةِ العواطفِ المدفونةِ في داخلهِ من حُبٍّ، قلقٍ وحنينٍ:
“ترنيمةٌ”
كمْ الحنينُ خصوصيٌّ.. كمْ الحلُمُ
كقُبلةٍ ضيِّقٌ.. عارٍ.. كمْ الندَمُ
كصرخةٍ واسعٌ.. أعمى.. كمْ القلقُ
مراوغٌ وأليفٌ في شراستهِ
كثعلبٍ راحَ بي في الليلِ يلتصقُ
كمْ الوجودُ سرابيٌّ.. كمْ العدَمُ
حينَ تقرأُ نصوصَ الشَّاعرِ نمر سعدي ستدهشكَ تلكَ الثقافةُ العالميَّةُ الواسعةُ في كتاباتهِ، فهو متأثِّرٌ دونَ شكٍّ بالأدبِ العالميِّ قديمهِ وحديثهِ، من خلالِ إطِّلاعهِ الشَّاملِ على موروثه الجماليِّ، ومسكونٌ بالكلمةِ الغنيَّةِ بالأفكارِ المختلفةِ والمعاني الرشيقة. تتجوَّلُ في دواوينهِ وكأنّكَ تمشي معهُ في حدائق طاغور، وفي شتَّى الإتِّجاهات. والشاعرُ قد يتأثَّر بكثيرٍ من آبائهِ الشعريِّين ولكنَّه يتركُ بسلاسةٍ بصمتهُ الروحيَّة وانطباعهُ الشخصيَّ في قصيدتهِ التي ينحتها من صلصالِ قلبهِ ليفتحَ آفاقاً جديدةً ويؤسِّسُ لمدرسةٍ في الوقتِ نفسهِ، تشهدُ على تجربتهِ الشعريَّة وتحملُ اسمهُ وسماتِ حضورهِ.
إنَّه ابنُ فلسطين العربيَّة مهدُ الحضاراتِ، أمُّ البداياتِ.. وأمُّ النهاياتِ. وكم هذهِ المساحةُ الفارهةُ قد منحتهُ انزياحاتِ القصيدة وأعالي مفرداتها وفاكهةَ شتاءاتها.. كم أعطتهُ هذهِ البيئةُ العظيمةُ الكثيرَ الكثيرَ، ونسجتْ منهجاً خاصَّاً نلمسهُ في مفرداتهِ المتنوِّعةِ وتعابيرهِ الساطعة البديعة.
إليكم نصٌّ وجدانيٌّ يحاكي الذَّاكرةَ و الروحَ من قصائد نمر سعدي
أتذكَّرُ الولدَ الخجولَ
ونسوةً يرقصنَ في بهوِ الخريفِ
ورغبةَ الإيقاعِ، والحنَّاءَ، والقمرَ النحيلَ
أصابعَ الزيتونِ، دربَ العطرِ والليمونِ يفضي
للشموسِ الخضرِ في ليلِ الجليلْ
أتذكَّرُ الأعراسَ.. خفقَ الهالِ في كلِّ الجهاتِ الستِّ
والعطرَ الفرنسيَّ الثقيلْ
والريحَ في القمصانِ أو طعمَ الغبارِ
وجلوةَ امرأةِ النهارِ
وبحَّةَ الحادي وماءَ الحزنِ في عينيهِ والوجعَ النبيلْ
أتذكَّرُ العمرَ الجميلْ
ينسابُ من قلبي
ومن عينينِ حالمتينِ في أقصى المرايا..
والحنينَ المستحيلْ
أتذكرُّ الوادي.. جراحَ العشبِ والناياتِ
أحلى أغنياتِ القمحِ
رائحةَ الأنوثةِ في هبوبِ الصيفِ
والسهرَ الشتائيَّ الطويلْ
أجل هذا هو الوجعُ الإنسانيُّ النَّبيلُ الذي يريدُ الشاعرُ أن نراهُ من خلالِ بصيرتنا.
و لا شكَّ أنَّ هناكَ حزنٌ معجونٌ بالشغفِ يطلعُ من وراءِ سطورِ القصائدِ يحاولُ نمر سعدي أن يخفيهِ، لذلك يتَّبعُ المذهبَ الرمزيَّ أحياناً في قصائدهِ، فالرمزيَّةُ لديهِ نسيجٌ من المشاعرِ التي يخفيها بإتقان، و لا تكاد تظهر هذهِ الأحاسيس بما فيها من ولهٍ وحرائقَ خضراءَ وكناياتٍ واستعاراتٍ إلَّا بتحليلِ نسيجها و تفكيكهِ وقراءةِ ما بين السطورِ وما خلفها.
و هذا مثالٌ مذهلٌ من طلاسمِ حروفهِ:
شوكةٌ واحدةْ
لم تزلْ تتثاءبُ في دمِ أفعى
وفي قُبلةٍ مُرَّةٍ باردةْ
لايزالُ الشَّاعر نمر سعدي يبحثُ عن حقيقةِ الشِّعرِ الذي يأتي عفويَّاً صادقاً على هيئةِ عشقٍ أو كرمادِ رغبةٍ أو غوايةٍ طاعنةٍ في ليالي التشهِّي.
ها هو ذا يهمسُ:
أحبُّ صوتَ البحرِ الذي يأتي من قدميها وأصدافِ يديها أحتاجُ حبَّها لتكتملَ القصيدةُ فيها. كانَ جسدُها معجوناً بالأمطار الاستوائيَّةِ وعطرِ المانجا والموزِ المكسيكيِّ وكانت روحها تحملُ كلَّ سحرِ الأمازونِ وكلَّ أمجادِ كرةِ القدمِ والحضاراتِ العظيمةِ الغاربةِ
هكذا تكبرُ الكلمةُ وتزهرُ حين تُغذِّيها الروحُ الطيِّبةُ.
هكذا تنمو زنابق الوجد والهيام والجمال ويتسلَّقُ اللبلابُ ذاكرةَ الأبديَّة.
ولعلَّ الإلهامَ نعمةٌ كبيرةٌ للشعراءِ ما داموا يحسنونَ التعاملَ معها، أو ربَّما كانت غيرَ ذلكَ ما داموا قد رموها خلفَ ظهورهم ومضوا.
فهنيئاً لفلسطينَ هذا الشاعر المبدع.
المصدر: صحيفة أثير
إقرأ أيضاً:
حديث ترامب عن ريفييرا غزة يحاكي الأحلام العقارية لصهره كوشنر
أعاد مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة بذريعة إعادة إعماره و"ليصبح منتجعا ساحليا دوليا تحت السيطرة الأميركية" النظر إلى فكرة سبق أن طرحها صهره جاريد كوشنر قبل عام.
وأثارت الفكرة -التي تحدث عنها ترامب- ردود فعل صادمة من الفلسطينيين ومعارضة دولية عربية وغربية، إذ إنها تمثل تطهيرا عرقيا، كما أنها غير قانونية بموجب القانون الدولي.
لكن، هذه لم تكن المرة الأولى التي يتحدث فيها ترامب عن غزة من وجهة نظر فرص الاستثمار العقاري، ففي أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي قال في مقابلة إذاعية إن غزة قد تكون "أفضل من موناكو" إذا ما أعيد بناؤها بالطريقة الصحيحة.
وظهرت فكرة إعادة تطوير غزة بشكل جذري بعد وقت قصير من بدء إسرائيل حربها على القطاع، ولا سيما من جانب كوشنر الذي ساعد بصفته مبعوثا خاصا للشرق الأوسط في ولاية ترامب الأولى في دفع اتفاقيات عدة إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية.
وسبق أن وصف كوشنر الصراع العربي الإسرائيلي بأكمله بأنه "ليس أكثر من نزاع عقاري بين الإسرائيليين والفلسطينيين".
وقال في فعالية في هارفارد في فبراير/شباط 2024 "العقارات على الواجهة البحرية لغزة يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة إذا ما ركز الناس على توفير سبل العيش".
إعلانوتابع بالقول "إنه وضع مؤسف بعض الشيء هناك، لكنني أعتقد من وجهة نظر إسرائيل أنني سأبذل قصارى جهدي لإجلاء الناس ثم تنظيف المكان".
وكان كوشنر نفسه مطورا عقاريا في نيويورك قبل ولاية ترامب الأولى.
كما أن هناك شكوكا بشأن كيفية فهم اقتراح ترامب بالمعنى الحرفي، فهو معروف بأنه صانع صفقات يطلق العنان لنفسه ومعتاد على إرباك شركائه في التفاوض بهجمات من زوايا غير متوقعة.
رفض واستنكار
وبالنسبة للفلسطينيين، فقد رفضوا الفكرة رفضا قاطعا، إذ إن الحديث يذكرهم بالنكبة التي عانوها بعد حرب 1948 وإعلان قيام إسرائيل عندما أجبر 700 ألف شخص على ترك منازلهم.
وأثار مقترح ترامب انتقادات عربية ودولية كبيرة، وعلى رأسها الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، إضافة إلى عدد من الدول، منها مصر والأردن والسعودية وتركيا والصين وفرنسا وبريطانيا وروسيا.
وكثيرا ما يكيل الساسة الإسرائيليون الاتهامات إلى القيادات الفلسطينية لتركيزها على محاربة إسرائيل بدلا من بناء دبي أو سنغافورة جديدة في مناطق مثل غزة التي تقبع منذ عقدين تحت حصار يضع قيودا شديدة على وصول التمويل والمواد الأساسية إليها.
ولم يتم الكشف عن كيفية تنفيذ رؤية ترامب بإنشاء "ريفييرا الشرق الأوسط" في غزة، إذ لا تزال حركة حماس تمسك بقوة بزمام الأمور، وحيث كان هناك رد فعل غاضب على تعليقاته.
وتشير التقديرات إلى أن تكاليف إعادة إعمار غزة قد تصل إلى 100 مليار دولار.
وقال راز دومب المحلل لدى "ليدر كابيتال ماركتس" في تل أبيب -وهو بنك استثماري- "إن إعادة التطوير واسع النطاق في مناطق ما بعد الصراعات تتطلب عادة استثمارات ضخمة واستقرارا وتخطيطا بعيد الأجل، ومن المستحيل تقييم أي شيء ملموس الآن".
مستوطنات
وكانت حركة المستوطنين في إسرائيل من الأطراف التي تفاعلت بحماسة، فهي التي تسعى للعودة إلى مستوطنات غزة التي تم تفكيكها قبل 20 عاما في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون.
إعلانوتضم إدارة ترامب عددا من المسؤولين المقربين من حركة المستوطنين، وعلى الرغم من أن ترامب قال إنه لا يتوقع إعادة بناء المستوطنات اليهودية في غزة فإنه تم استغلال تعليقاته على الفور.
والعام الماضي، ساعدت حركة نحالا -التي تدعم الاستيطان اليهودي بالضفة الغربية- في تنظيم مؤتمر على مشارف قطاع غزة بعنوان "الاستعداد لإعادة استيطان غزة" ناقش فيه سياسيون من حزب ليكود بزعامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وآخرون خططا لتشجيع هجرة الفلسطينيين من غزة وإعادة بناء المستوطنات.