هزت تجربة الانتقال الديمقراطي في كوريا الجنوبية اطروحات الشموليين وأنصار الأنظمة العسكرية بانها عندما تحقق الرفاهية المادية يستكين الشعب ويقبل بالسلطة الحاكة، مهما كان قمعها أو دكتاتوريتها. فالنظام العسكري في كوريا الجنوبية حقق إنجازات اقتصادية كبيرة، ولكن رغم ذلك ثار الشعب وطالب بالديمقراطية.
تأثر الجيش الكوري، وهو القوة الأكثر تنظيما منذ الاستقلال في عام 1948، بالقوة العسكرية الاستعمارية السابقة (اليابان) التي تركت قيما غير ديمقراطية وقمعية.

ولاحقا تأثر بالحكومة العسكرية التي حكمت البلاد بين عامي1945 و1948، وتركه غير مسيس ومهنيا الى حد ما. وبقي هذا الإرث المزدوج بعد الاستعمار بعد الاستعمار. ولكن رغم هذه المؤثرات، ولكن ما كان أكثر رسوخا هو الإرث التاريخي لمملكة تشوسون وفكرتها التراتبية للنظام الاجتماعي، التي تبرر سيطرة النخبة على المجتمع. انطلاقا من هذا الفهم سمح لأبناء طبقة معينة هي " يانغبان " بدخول الجيش والمناصب الحكومية. ستؤدي هذه التفرقة الطبقية لانشقاقات لاحقة.
عشية انقلاب عام 1961، كان الجيش هو المؤسسة الأكثر تقدما في البلاد، وقد ظهر في البداية على يد الأمريكيين باعتباره قوة شرطية، مهمتها الأساسية حفظ الامن الداخلي، ثم اتخذ أهمية سياسية خلال الحرب الكورية (1950 – 1953) وبعدها. ورغم عدم تدخله في السياسة، حيث حكم رئيس مدني بين عامي 1948 و1960 هو سينغمان ري. ونجح سينغمان في الاستفادة من التناقضات داخل الجيش لإحكام سلطته عليه. شهدت تلك الفترة تحسن تنظيم الجيش وتسليحه، فتطور كثيرا بفضل المعونة الامريكية، ليصبح أكثر مؤسسة حديثة على النمط الغربي. وكان الانفاق على الجيش يستهلك نحو ثلث نفقات الحكومة، وهو ما جعل الجيش في قلب ما سمى " الدولة النامية" آنذاك.
عندما اندلعت ثورة الطلاب في 1960 ضد الرئيس المدني، واستبدل برئيس آخر الذي حاول السيطرة على الجيش، بتعيين وزير دفاع مدني وتقليل نفقات الجيش. فاستغل الجيش عدم الاستقرار السياسي، واغتنم الفرصة بعد سقوط سينغمان واستولى على السلطة كاملة. وكان شعار الجيش هو انقاذ البلاد من الشيوعية وقوبل الانقلاب ببعض الدعم الشعبي. وقدم الجنرال بارك تشونغ-هي (1962 – 1979) نموذجا للحكم سماه البديل العسكري لقيادة الامة وبنائها، وهو بديل يرتكز على الرأسمالية والتصنيع، وعلى الحكم التسلطي المطلق.
قامت السلطة العسكرية بحل البرلمان وإعلان حالة الطوارئ والغيت الأحزاب ومنع النشاط السياسي. تصاعد الرفض الشعبي لتلك الإجراءات التعسفية، ليتراجع الجنرال بعد فترة. أنشأ الجنرال حزبا كواجهة مدنية له، واقام برلمانا صوريا. كما سيطر العسكر على المناصب الأساسية في الدولة. اقام، لكسب الرأي العام الكوري، نظاما رئاسيا ونصب نفسه على راسه، وهو شكل يختلف عما شاهدناه في أمريكا اللاتينية، حيث الدكتاتورية العسكرية، بلا قناع.
عدل الدكتاتور الدستور في عام 1969، لينال فترة رئاسية ثالثة، وبرر ضرورة استمرار سلطته المطلقة بقدرته على إدارة البلاد بحزم وتحقيق الامن والنمو الاقتصادي. الامر الذي اثار غضب أحزاب المعارضة التي صعدت من مقاومتها. واندلعت مظاهرات ضخمة واستمرت معارضة شرسة من الطلاب والمثقفين والعمال. أدت المظاهرات والمقاومة لحدوث انقسامات حادة داخل المؤسسة العسكرية. وخلال الصراع قتل رئيس الاستخبارات الريس سينغمان. ثم وقع انقلاب جديد، أعلن الاحكام العرفية وحكم البلاد بقبضة حديدية. وسيطرت الاستخبارات العسكرية على البلاد، وفرضت فترات للتدريب العسكري على طلاب المدارس والجامعات. استمر الانقلاب الجديد بسبب انقسامات الأحزاب.
اثرت عوامل هيكلية هامة على حدوث التغيير الديمقراطي. أولها الإرث النضالي للحركة الطلابية الكورية، الذي استمر لسنوات طويلة، ونظمت مظاهرات حاشدة في اعوام1964-1965، 1967، 1969، 1972، 1979، و1980. ورغم انها جوبهت بقمع مفرط في قسوته، ولكنها ضعضعت النظام. كما ان الأداء الاقتصادي الجيد الذي جعل الاقتصاد الكوري من اعلى الاقتصاديات نموا في حقبة الثمانينات، خلق طبقة وسطي واسعة وطبقة عاملة صناعية مصادمة.
استغلت المعارضة الغضب الشعبي المتزايد، ونجحت في تشكيل قوة معارضة موحدة، التي صعدت النضال الجماهيري وحاصرت النظام. حاول النظام المراوغة تحت ادعاء تعديل الدستور لإعطاء هامش حرية. ولكن المعارضة لم تقبل وواصل الجناح الراديكالي من المعارضة والمشكل من الطلاب والعمال في التظاهر المستمر والاضرابات القوية. وأخيرا سقط حكم العسكر ونال الشعب ديمقراطيته وحريته.

siddigelzailaee@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

قائد الجيش استقبل البخاري والنائبين حنكش والأسمر

 استقبل قائد الجيش العماد جوزاف عون في مكتبه في اليرزة النائب الياس حنكش، فالنائب سعيد الأسمر.   وتناول البحث الأوضاع العامة في البلاد في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان.   كما استقبل سفير المملكة العربية السعودية في لبنان وليد البخاري، وتناول البحث الأوضاع العامة في البلاد في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان. وأكّد السفير البخاري مواصلة دعم المملكة للمؤسسة العسكرية.

مقالات مشابهة

  • بايدن: لا بد أن نقبل الخيار الذي اتخذته البلاد في هذه الانتخابات الرئاسية
  • لجنة التواصل بحضرموت تلتقي مستشار الشؤون الاقتصادية للأمم المتحدة وتدعو لحل سياسي عاجل
  • الفصائل الفلسطينية تستنكر القانون الصهيوني الذي يقضي بترحيل عائلات المقاومين
  • داعياً إلى الخروج المليون يوم غد.. السيد القائد: عملياتنا العسكرية مستمرة ولا خيار للأعداء إلا وقف العدوان على غزة ولبنان
  • هل يمكن إعادة انتخاب أردوغان؟
  • بقائي: معيارنا في التقييم هو الأداء الذي تبديه الحكومة الأمريكية
  • وفاة قائد الجيش النيجيري الذي خاض حربا من أطول الصراعات في أفريقيا.. عن عمر يناهز 56 عاما
  • منذ الطوفان.. الجيش الإسرائيلي أسقط 85 ألف طن من القنابل على غزة
  • ولي العهد وقائد الجيش الباكستاني يستعرضان فرص تطوير العلاقات في المجالات العسكرية
  • قائد الجيش استقبل البخاري والنائبين حنكش والأسمر