سودانايل:
2024-12-24@01:12:14 GMT

السودان: خيارات وبدائل التدخل الدولي

تاريخ النشر: 12th, January 2024 GMT

بعد ظهوره الدراماتيكي في جولته الأفريقية صرح قائد قوات الدعم السريع الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي) بألا حل لأزمة الحرب في السودان إلا عبر تدخل دولي. يأتي هذا التصريح بعد غياب عن المشهد السوداني امتد لشهور حملت كل السيناريوهات والتفسيرات في السبب من اختفائه وهو قائد أحد طرفي الصراع في الأزمة الحرب السودانية.

ومع كل ما رأي فيه المراقبون من أن ظهوره قد يحدث اختراقاً في حل الأزمة القائمة بما توصل اليه مع الكيانات المدنية والدعم السريع من تفاهمات نتج عنها اعلان اديس ابابا هذا الشهر الموقع بين تنسيقية المدنية لوقف الحرب تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) يتزعمها رئيس الوزراء السابق الدكتور عبد الله حمدوك وقوات الدعم السريع. وإذا كان طرح التدخل الدولي كخيار أخير يأتي بعد أن فشلت كل الجهود والمبادرات الإقليمية والدولية في التوصل إلى حل ينهي المأساة الإنسانية التي طال أمدها حرباً وموتاً وتجهيراً ونزوحاً للمواطنين السودانيين. ولكن ما الذي يدعو الى التدخل الدولي بعد مضي تسع أشهر من الاقتتال المتواصل، وهل المقصود بالتدخل الدولي يأتي في سياق تفويض مجلس الأمن الدولي أم على المستوى الإقليمي على مستوى الاتحاد الأفريقي، أم تدخل مباشر تضطلع به جهة ما، وهل يؤدي إلى حل للأزمة أم يزيدها تقعيدا.
من المؤكد أن الأطراف المتقاتلة بكافة فصائلها وميلشياتها المدنية والقبلية المسلحة لا تمتلك تصوراً لطبيعة هذا التدخل كما لا تدرك حجم الكارثة التي تسببت فيها ومدى مسؤولية الجنائية والقانونية والأخلاقية والتاريخية التي يتحملها الأطراف وإن لم تكن في صراعها المحموم على السلطة أو ما ترفع من شعارات تقدر حساباتها التي لا يسندها منطق بمقاييس السياسة أو القانون. ومع ذلك تصر على حسم الصراع عسكرياً مهما أدى ذلك من أهوال لم يعد السودانيون قادرين على احتمالها، مما يجعل من التدخل الدولي المباشر لإنهاء الحرب أمراً عاجلاً يحتمل كل ذرائع التدخل.
التدخل الدولي مقروءً مع سلسلة من التدابير بمفاهيم الأمم المتحدة والقانون الدولي لا يعني تنفيذه حصراً على اطاره النظري القانوني كما في ديباجات ونصوص المواثيق الأممية. فالنظام الدولي لا يعني التوازن الدولي على أساس من العدالة إن لم تكن مصالح الدول التي تهمين على المفاتيح القرار. ومن ثم أن حرب السودان النازفة قامت على أسس من التداخلات الايدولوجية الحزبية بين دول المنطقة وجيوسياسية لإقليمية بما يشكله السودان حربا وسلما على محيطه الأفريقي، وكانت الحرب قد نتجت عن حروب مشتعلة على أساس الإثني تغذيها توجهات الدولة وصلت فيها الجرائم المرتكبة الى الإبادة الجماعية كحرب دارفور وأصبح معها رئيس النظام السابق مطلوباً لدى محكمة الجنايات الدولية نظام روما. هذا التواجد الكثيف والمواجهة الحادة مع المؤسسات الدولية أصبح السودان مكشوفاً لتطبيق بنود الفصل السابع خشية أن تتحول بنطاقها الإقليمي إلى حرب ما بين دول الإقليم Interstates War.
إن التعقيدات التي ينطوي عليها استصدار قرار بالتدخل الدولي من جانب مجلس الأمن بكل ما تمثله الأزمة السودانية من تطابق ما بين مطلوبات التدخل الدولي والحالة التي تستدعي تفعيل كل ما ورد في المواثيق الأممية حتى تلك المنظمة للحروب. ولأن التدخل الحالات التي تستدعي التدخلي بما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة وتعارضه بين سيادة الدول والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء في المنظمة الدولية، تكون الأزمة السودانية بانقساماتها الهيكلية تحدي آخر للتعامل مع معه. فالنظام القائم كما يوصف بشرعية الأمر الواقع ولم يزل تمثيله الدبلوماسي بينما يفقد على ارض الواقع سيطرته لصالح قوات الدعم السريع الذي يجد بدوره دعماً إقليميا لا يخفى يقترب هو الآخر من تشكيل واقعاً حكومياً بقوة الأمر الواقع خاصة في المواقع التي يسيطر عليها على امتداد البلاد. وهذا الواقع الهجين بما يشبه دولة يتقاسمها نظامان. ولم يكن التواجد الأممي بالأمر الجديد على الأراضي السودانية إذا كان عسكريا (قوات يوناميد في دارفور) وسياسياً (بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال الديمقراطي، يونامتس) تعمل وفق تفويض مجلس الأمن الدولي وتم إلغاءها مؤخراً.
هل سيكون الخيار الأخير الذي سيلجأ إليه أطراف الصراع بعد أن استنفدت حلول الداخل وبالتالي... على ما يبدو فإن ما تعول عليه أطراف الصراع يقوم على تصور قاصر لمفهوم التدخل الدولي في حال أصبح البلد مهدداً للسلم والأمن الدوليين من أن هذه القوات المنوط بها التدخل ستكون قوات حفظ السلام Peace Keeping Forces وليست قوات مفوضة باستخدام القوة بصالح طرف ما إلا في حالة الدفاع عن النفس بحسب تفويضها. ومن خلال تجارب البلدان التي منيت بالصراعات التي تطلبت تدخلاً أممياً في كل قارات العالم منذ الحرب العالمية الثانية إلى البوسنة ورواندا ودارفور وغيرها من مناطق. وهذا التأثير المحدود لوجودها على الأرض لن يكون خارج تقدير الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي. ويبقى أن للهيئات الدولية لها دور يستحيل تجاوزه في الأزمة السودانية والمنطق في ذلك أن السودان لم يزل دولة عضوا بالمنظمة الأممية وما يحدث فيه ينسحب على غيره من الدول.
والواقع أن الأزمة السودانية قد استفحلت بما يسمح لكل احتمالات التدخل واهمها الإنسانية من فرض حل خارجي على مستوى أممي بما مثلته فظائعها من ارتكاب لانتهاك واسعة ازدادت بشاعتها كلما طال أمد الحرب وامتدت رقعتها. ولكن يأتي تصريح قائد قوات الدعم السريع الجنرال حميدتي بالإشارة إلى التدخل وما يعنيه هذا التدخل في السياق الإقليمي والتدخلي سيحول من طبيعة الصراع التي باتت تتجه بقوة نحو حرب أهلية تجر معها تداخلات الحدود الإثنية والجيوسياسية على نطاق واسع. وفي هذه الحالة ستزداد التكلفة على الجانبين الجهة التي ترعى التدخل من جهد أمني وغوثي.
لقد كانت الدعوات منذ انفجار الحرب للتدخل الدولي مطروحة على أكثر من صعيد وإن لم يكن لها صوتاً مسموعاً في أروقة الأمم المتحدة ومنظماتها المعنية بحفظ الأمن، وذلك لتعقيدات ليس أقلها صرف الانتباه إلى بؤر صراع عالية الوتيرة تنذر بمواجهة نووية كالصراع بين روسيا وأوكرانيا أو حرب غزة في الصراع العربي الإسرائيلي. وأهمها طبيعية الحال موقع السودان وما يمثله ومدى تأثيره على الموازين السياسية والاقتصادية مما جعل من صراعه الداخلي متروكا لقوى إقليمية مشكوك في فاعلية آلياتها للتدخل في الشأن السوداني كمنظمة الإيغاد بأكثر من التصريحات. وبهذا يكون التدخل الدولي بات مطلوباً أكثر من أي وقت مضى لبلوغ الأزمة السودانية مستوى تجاوز كل ما يستدعي التدخل من انهيار. والتدخل المطلوب ليس على سياق اجندة طرفي الصراع ولكن على أن يقوم على أسس إنسانية تلبي حاجة الضحايا والمتضررين من ويلات الحرب، وهو ما يعني تدخلاً إنسانيا (التدخل الدولي الإنساني) وهو من بين آليات يجيزها التدخل الأممي.

###
nassyid@gmail.com
///////////////////  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: قوات الدعم السریع الأزمة السودانیة الأمم المتحدة التدخل الدولی الأمن الدولی مجلس الأمن من الدول

إقرأ أيضاً:

المجر: ترامب لا يحتاج لوسطاء لوقف الحرب الأوكرانية

قال وزير خارجية المجر، بيتر سيارتو، اليوم الإثنين، إن الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، لا يحتاج إلى وسطاء لوقف الحرب الأوكرانية.

وأضاف سيارتو في تصريحات لوكالة "سبوتنيك" الروسية، قائلاً "إذا كانت هناك حاجة إلى وسيط، فيجب أن يكون لدى الطرفين أو الثلاثة اتفاق ورغبة مشتركة في أن يكون هناك وسيط، وهو ما لا أراه الآن، ومن ناحية أخرى، أعتقد أنني أعرف، أن الرئيس ترامب كشخص لا يحتاج إلى أي وسطاء".

واعتبر الوزير المجري أن مقترح وقف إطلاق النار في عيد الميلاد بين روسيا وأوكرانيا الذي قدمته هنغاريا، قد يكون فرصة ممتازة للتوصل إلى تسوية سلمية طويلة الأمد.

وقال سيارتو  "كنا على حق وما زلنا على حق، في أن هذه الحرب ليس لها حل في ساحة المعركة بل إن الحل يمكن فقط على طاولة المفاوضات، ولكن من أجل أن نكون قادرين على الجلوس حول طاولة المفاوضات بهدف إيجاد حل طويل الأمد للسلام، فثمة بحاجة إلى أن تكون الظروف ملائمة، أي وقف لإطلاق النار".

وكان الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، أعلن الأسبوع الماضي أنه يعمل بنشاط على إنهاء الصراع الأوكراني، مشيراً إلى أنه يتعين على فلاديمير زيلينسكي الاستعداد لإبرام اتفاق لإنهاء الصراع في أوكرانيا.

سيارتو: وقف إطلاق النار في عيد الميلاد بين روسيا وأوكرانيا قد يدفع بعملية السلام https://t.co/pC3ecVA1QL

— Sputnik Arabic (@sputnik_ar) December 23, 2024

وقال ترامب متحدثاً في مقر إقامته في مارالاغو: "نحاول وقف الحرب، تلك الحرب الرهيبة المروعة التي تدور رحاها في أوكرانيا".

ولفت ترامب إلى أن زيلينسكي يجب أن يستعد لإبرام اتفاق لإنهاء الصراع في أوكرانيا.

مقالات مشابهة

  • هكذا وصلت الأزمة بين مقديشو وجوبالاند إلى الصراع المسلح
  • المجر: ترامب لا يحتاج لوسطاء لوقف الحرب الأوكرانية
  • قرار بتمديد فترة استبدال العملة السودانية لأسبوع إضافي
  • أستاذ علوم سياسية: على العالم التدخل لإنقاذ حالة التجويع التي تشهدها غزة
  • حوار مع صديقي ال ChatGPT الحلقة (71)
  • ماكرون يدعو طرفي الصراع في السودان إلى “إلقاء السلاح”
  • ماكرون يدعو طرفي الصراع في السودان إلى إلقاء السلاح
  • الخارجية السودانية: أي حل سلمي يجب أن يبنى على تنفيذ اتفاق جدة
  • هل صارت الخدمات من أدوات الصراع السياسي في السودان؟
  • أرقام جلوس احتياطية وتوقيت نهاري لامتحانات الشهادة السودانية