نوافذ :الشر والخير.. سِعار الفردية
تاريخ النشر: 12th, January 2024 GMT
[email protected]
يعي جميعنا - كما أجزم- أن النفس البشرية مفطورة على الشر، كما هي مفطورة على الخير، وفي لحظات معينة تنتصر للخير، وفي لحظات أخرى تنتصر للشر، وفي كلا الحالتين هي تنحاز إلى ذاتها الخاصة، متجاوز بذلك مفهوم؛ المصلحة العامة، فهي تنحاز أول من تنحاز إليه هو المطلب الخاص، ثم يمكن التفكير في المصلحة العامة، والمهم في هذه المسألة هو عندما يتم تجيير المفاهيم الكبيرة، وإسقاطها على هذا مفهوم «الفردية» ومناخاتها الخاصة، ومن يذهب إلى هذا الفهم «التجيير» يُحَمِّلُ المفاهيم فوق طاقتها، أو إلى غير ما تذهب إليه، لأن سلوكيات الأفراد في توظيف حالتي: الشر والخير، لا يمكن أن تقاس على الفهم الواسع لـ «الإسلام» على سبيل المثال، أو على الـ «وطنية» أو على اللحم الاجتماعية، فما يشذ عن ذلك لا يمكن حسابه على العموم، والدليل على ذلك أنه عندما يرتكب مسلم حماقات ، فهذا لن يضر الإسلام في شيء، وعندما يأتي مواطن على كثير من الموبقات التي تضرب مفهوم الوطنية في مقتل، فلن يضر ذلك الوطن في شيء، وعندما يشذ فرد ما، من أفراد المجتمع في تصرفات كثيرة، فلن يضر ذلك المجتمع في شيء، ولا ينزل الوطن، أو يوسم في شيء من الضلال، فالحياة؛ في حقيقتها؛ قائمة على هذا الخروج عن المألوف، أو المعتاد.
فما يحدث - داخل الحاضنة الإسلامية - من مآس، لا يجب أن تقاس على حقيقة الإسلام أو حتى غير الإسلام، وإنما ينظر إليها على أنها من الفطرة البشرية، التي تسعى إلى تعزيز الملكية الفردية والاستحواذ على الآخر، بكل ما أوتي من قوة لدى هذه الفردية، سواء بالطيب والخاطر، أو بالقوة القاهرة، فالانتصار للذات هو ديدن البشرية كلها، ولو كلف ذلك زهق الأرواح وإراقة الدماء، كما هو حادث في كل زمان ومكان، فالنزعة العدوانية، أو النزعة نحو السوء بكل أشكاله، هو سلوك فطري يقوم به الإنسان، يمقته في ساعات الرخاء النفسي، ويرى فيه حالة قاسية، لا يجب أن ينتهجها كل ذي لب، ولكنه في حالات أخرى؛ شديدة الحساسية، يرى أن كل الأفعال المؤدية إلى تحقيق رغباته مشروعة، ويبتكر لها مسوغات لمواصلة تدميره للحقيقة الإنسانية، حتى ولو صغر الفعل السيئ، فسوف يظل سيئا، فمن يستولي على ريال ليس من حقه، كمن يستولي على ألف ريال، لا فرق في مفهوم الاستيلاء، ولكن هل مثل هذا السلوك يقدح في الأمانة العامة عند أبناء المجتمع كلهم؟ بالطبع؛ لا؛ فأي سلوك يظل حبيس صاحبه فقط، (ولا تزر وازرة وزر أخرى) وهذا من العدالة المطلقة، التي وضعها رب العزة والجلال لتبرئة العامة من حماقات الخاصة.
ومن هنا تأتي أهمية تطبيق (الشرع/القانون) لإيجاد حالة التوازن بين أفراد الإسلام، أفراد الوطن، أفراد المجتمع، أفراد الأسرة، بحيث يكون لا إفراط في الإمعان في الحقوق المستحقة، ولا تفريط في الواجبات الموصلة لاستحقاق الحقوق، بمعنى أن لا يترك للفردية سطوتها المطلقة في كلا الأمرين: (الحقوق/ الواجبات) وبدون ذلك سيعم الظلم وشريعة الغاب قائمة، ولو بنسب متفاوتة؛ وفي المقابل؛ أيضا؛ تظل جولات العدل والظلم قائمة، وبالنسب المتفاوتة ذاتها، ويعود هذا التفاوت إلى قدرة الإنسان على التحكم في فرديته، وذلك من خلال تدجينها لسلطة القيم، والدين، والشرع والقانون، فسعار الفردية وجنونها، وتخطيها الحواجز الإنسانية قائم إلى قيام الساعة، ومهادنة هذا الأمر موقوف أمره عند كل فرد على حدة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی شیء
إقرأ أيضاً:
كيف تغيّر طائرات تيكاد وسماش دراغون مفهوم القتال في غزة؟
قال شهود عيان في غزة إن الجيش الإسرائيلي استخدم طائرات مسيرة مثبت عليها سلاح لتنفيذ هجمات تستهدف المدنيين، وفقا لتقرير نشرته الإذاعة الوطنية العامة الأميركية "إن بي آر".
والأسبوع الماضي عاد الجراح البريطاني نظام محمود من عمله في مستشفى وسط قطاع غزة وأدلى بشهادته أمام لجنة في البرلمان البريطاني، وقد جاء فيها "أعتقد أن ما أزعجني بشكل خاص هو أن قنبلة تسقط على خيم مكتظة ثم تظهر طائرة مسيرة تحمل سلاحا وتبدأ بإطلاق النار على المدنيين والأطفال، والأمر المزعج أن هذا لا يحدث كل فترة بل كان يحدث كل يوم".
ومن جانبه قال الدكتور أحمد المغربي وهو جراح رئيسي في مجمع ناصر الطبي في وسط غزة إنه عالج العديد من المصابين الذين وقعوا ضحية الطائرات المسيرة القناصة.
وفي أوائل فبراير/شباط الماضي كان مجمع ناصر الطبي محط أنظار الجيش الإسرائيلي، لأنه ادعى بأن مقاتلي حماس كانوا يختبئون هناك.
وأفاد المغربي بأنه خرج في أحد الأيام مع زميلته الممرضة إلى إحدى الشرف بعد الانتهاء من عملية جراحية طويلة، ولكنهم تفاجؤوا بطائرة مسيرة تطلق النار عليهم، ولسوء الحظ أصابت إحدى الرصاصات الممرضة.
وأضاف "لقد سارعنا بنقل الممرضة إلى غرفة العمليات بينما كانت تنزف بشدة نتيجة جرح في صدرها، وبفضل الله والطاقم الطبي نجت الممرضة من الموت".
وبالمقابل قال الجيش الإسرائيلي لـ "إن بي آر" إنه لم يكن على علم بهذه الحادثة.
وقالت مراسلة الإذاعة الوطنية العامة "إن بي آر" جوانا سامرز "إنه على مدى الأشهر السابقة، كانت الإذاعة تجمع روايات شهود عيان من غزة تدعم شهادة الدكتور نظام محمود، التي تقول إن الجيش الإسرائيلي يستخدم تكنولوجيا الطائرات المسيرة القناصة وإنهم يطلقون النار على المدنيين"، وفقا لتقرير كات لونسدورف من "إن بي آر".
وذكر تقرير كات لونسدورف أن فاطمة داما البالغة من العمر 37 عاما وهي صحفية مستقلة من جباليا في شمال غزة أرسلت رسائل صوتية إلى "إن بي آر" من منزلها في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وتقول داما في إحدى رسائلها الصوتية "هذه الطائرات رباعية المراوح يسميها الكثيرون في غزة بالطائرات المسيرة الصغيرة التي تحمل سلاحا مثبتا تحتها" وتضيف "عندما أقترب من الباب للحصول على تغطية أفضل، تبدأ الطائرة المسيرة بإطلاق النار عليّ فاضطر للعودة للداخل، إنه أمر خطير للغاية".
وتذكر أيضا أن المدينة محاصرة بطائرات مسيرة رباعية المراوح ولا أحد يستطيع التحرك.
الطائرات القناصة "تكنولوجيا حرب تستهدف المدنيين"وعلى مدى أشهر، جمعت "إن بي آر" روايات أكثر من 12 شخصا في غزة يقولون إنهم شاهدوا هذه الطائرات المسيرة القناصة تطلق النار على المدنيين وتقتلهم في بعض الأحيان.
وقالت لونسدورف "ما يزيد الأمر تعقيدا هو أن إسرائيل كانت حتى وقت قريب تعمل على تطبيق قانون يمنع وسائل الإعلام من الإبلاغ عن أي استخدام للطائرات المسيرة المسلحة، وهذا أمر لا يستطيع معظم الصحفيين أن يشهدوه بأعينهم".
وأضافت "إسرائيل منعت الصحفيين الخارجيين من الوصول المستقل إلى غزة منذ بدء الحرب، ورغم ذلك نحن نعلم أن تكنولوجيا الطائرات المسيرة القناصة موجودة وأن الجيش الإسرائيلي يمتلكها منذ عام 2018 من إنتاج شركة دوك روبوتيكس (Duke Robotics)".
ونشرت وزارة الدفاع الإسرائيلية مقطع فيديو يُظهر تكنولوجيا جديدة، بما في ذلك جنود يتحكمون عن بُعد في إحدى الطائرات المسيرة القناصة التابعة لشركة "دوك روبوتيكس" ويطلقون النار على أهداف في ميدان رماية.
وفي عام 2021، انضمت شركة "دوك روبوتيكس" إلى الشركة الإسرائيلية "إيلبت سيستم" (Elbit Systems) خصيصا لتطوير طائرة مسيرة قناصة أصبحت تُعرف باسم "تيكاد" (TIKAD).
وفي عام 2022 أعلنت شركة "سمارت شوتر" (SMARTSHOOTER) التي يقع مقرها في شمال إسرائيل عن طائرة مسيرة قناصة تدعى "سماش دراغون" (SMASH Dragon)، وعرضت مقطع فيديو على يوتيوب يُظهر قدرات هذه الطائرة.
ولكن شركة "سمارت شوتر" نفت استخدام طائراتها من قبل الجيش الإسرائيلي، ولكن القوات الإسرائيلية أشادت باستخدام هذه التكنولوجيا في الماضي، كما أن منتجات أخرى من الشركة تُموّلها جزئيا وزارة الدفاع الإسرائيلية.
ورغم قلة التقارير التي تناولت هذه الطائرات المسيرة القناصة، فإن الناس في غزة يتحدثون عنها كثيرا، ومن الواضح أن هذه الطائرات أصبحت شائعة جدا في الحرب.
ويقول سيث جونز رئيس قسم الدفاع والأمن في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن "بمجرد وجود التكنولوجيا، فإنها نادرا ما تنطمس"، مشيرا إلى أن الطائرات المسيرة القناصة لن تختفي بل ستتطور.