علي أبو عجمية في «ضمير البنات»
تاريخ النشر: 12th, January 2024 GMT
يقول الشاعر عمر شبانه عن تجربة علي أبو عجمية الفائز بمسابقة جائزة فلسطين للآداب عام 2018: (يشكّل الشاعر علي أبو عجمية حالة من حالات الخروج عن المألوف، في القصيدة الفلسطينية، إذ يضرب في طرقات جديدة، حتى لو كانت على صورة متاهة، بحثا عن مخارج ومداخل بحثا عن وطن شعري جديد، هذه هي السمة البارزة في تجربة الشاعر، الذي يبدو متمردا على شعرية الوطن ومفرداته المألوفة، من خلال كسر المتوقع وولوج الغرائبي).
هذه وقفة مع هذا الشاعر الثلاثيني المهندس، الذي قرر مبكرًا ولوج الغرائبي، منذ نعومة أنفاسه الشعرية، عرضًا لخرائط مختلطة مركبة في مفهومه للشعر والحياة، في نصوصه عمومًا لا يقدم أبو عجمية حلولًا لأزمات شعرية أو اجتماعية، ولا يهمه أصلًا بأن يفكر في إنقاذ أحد، شعريته لا تصلح أبدًا للاستدلال عن مفقودين أو طرق مغيبة تحت ثلج الحياة، ثمة هدير غريب في قصائده المنفلتة من العقل اللغوي، هدير مثقف دقيق وواعٍ، يصلح تمامًا لأن يكون مَساقا في جامعة، شاعرنا من جيل ما بعد الألفين، هذا الجيل شهد الانتفاضة الثانية بكل ما فيها من غضب وتحفيز مشاعري وانتماء للفكرة وأيضا من حزن وإحساس بالخيبة من قيادة لا يشبه وجهها وجه البلاد، تقاسم هذا الجيل أسئلة لم يجب عنها أحد، الموت الفلسطيني في كل مكان، وفلسطين بلا مستقبل واضح والتضحيات مخيفة والإرادة الشعبية لا تنكسر لكن القيادة البعيدة عن الناس، لا تلتقط هذه الفضاءات، فيصير لدم فلسطين معنى يبعث على الحسرة، فتذهب قصائد هذا الجيل نحو عبثية ما، وبناءات شعرية مفتتة، وتفاصيل يومية حزينة، لكن علي أبو عجمية كان أشد شعراء جيله قربا من اللامعنى المراوغ، والبعد عن النبرة الغنائية التي ربما أحس هو أنها مرادفة للخسارة، فجاء بناؤه الشعري اغترابيا بشكل متطرف وبعيدا عن المألوف الشعري الفلسطيني.
هل أراد أبو عجمية أن يبني وطنًا عاليًا للشعر فيها من انتصارات اللغة وقوة التخييل وتفوق الصورة ما يشكل ردا على هزائم واقع شعبه وخساراته؟.
(أطوي تدوينة الدنيا في مشافهات الأبد، وجهك يا كتاب القبلة الأخّاذ، أسكن شعراء كسالى يستعدون نبيا يأخذ عني الكلمات، أنا ماء في الهواء، أسطع في مخيلة الأسماك وأتنفس نفسي).
لن نصل إلى معنى مريح وواضح، ومن قال إن علي موجود ليريحنا؟ هو يستمتع بضياعنا في قاع الجيل ونحن نبحث عن طريق للعودة إلى البيت بعد أن صدقنا وعده بحفلة شواء شعري في الجبل، علي لا يعزم أحدا على شواءات شعرية، لا تصل النار في شعره إلى درجة الشواء، يقسم علي الحرارة في نصوصه تقسيما عجيبا، يطلق نارا هائلة ثم يتبعها بثلج مستطير وإذا حدث وأن صدقتكم وتناولتم قطعة لحم من شوائه، لا تتذمروا أن وجدتموها نيئة، أبو عجمية يعرف كيف يطهو صوره، النار ليست دائما دليل عافية، هذا درس كامل، وهكذا نألف بحب وتفهم تجربة هذا الغرائبي، غياب النزعة التبليغية في شعره، مقصود بشكل عنيد، وكأني به يقول: لن تأخذوا مني معلومة ولن أدلكم على الطريق، من يرغب منكم في التجوال في خرائطي فليبق وإلا فليذهب إلى شعراء التبليغ وهم كثر حولنا.
في كتابه الشعري الجديد الصادر عام 2023 عن دار الأهلية الأردنية (ضمير البنات)، يواصل الشاعر، المهندس الكهربائي، قراءة العالم بطريقته التي يحبها، في عالم أبو عجمية الشعري، توقعوا أن تلسعكم كهرباء صوره، لسعات ستوقظ داخلكم رؤى غير متوقعة، إننا نحن نقرأ هذا العالم المكهرب بعيون متاهة لغوية عجيبة:
(في آخر الصيف المشيع بالخصال السبع: وجهك ناضج، خدر الندى أعلى جذوع التين، كرْمُه مثقل بالخمر، تشربه منابع خوفه، شمس الزجاج على انعكاس النوم، في الذكرى، بخار الظل وخرقة الفران، يرغول الغناء على سياج القمح تعبره القطا، وشم الأفاعي، في سرير القيظ: أسباب الحبيبة من حرارة لدغة في رسغها).
(في ضمير البنات) الذي وصل فيه أبو عجمية أعلى درجات معماره الشعري، وبرقه اللغوي، يهدي الشاعر قصائده المتنوعة ببنائها إلى عديد من أصحابه: خالد شاهين طارق العربي، نجوان درويش، وأمير داود، وزكريا محمد، وآخرون، المحير في تجربة أبو عجمية هو حيرتها بين البناءات الشعرية ، فهو يبدو منسجما في تنقلاته بين قصيدة العمود والتفعيلة والنثر، هذا الطمع الشعري يميز تجربة هذا الغرائبي، يقول الشاعر قصي اللبدي عن تجربة أبو عجمية: (يثبت الشاعر علي أبو عجمية، امتلاكه لغة شعرية خاصة تجمع بشكل مميز بين أدوات التعبير الكلاسيكية من بناء متين ومفردات جزلة، ومعرفة بالتراث الشعري، وبناء عروضي، من جهة وصور شعرية مبتكرة وطازجة ورؤى حديثة).
في ضمير البنات يواصل أبو عجمية صدمنا بمفردات وصور مدهشة لم تحدث قبل ذلك: صداقة نقطة التقويم، في الرواية عقرب بطل الحواس، واكتب لنا على درج المروءة، وتسكن سندسا في السرو، لا تدابير تكابد نجدة القاموس.
هذا الغرائبي لا يتوقف وهو يكتب فوضاه وصوره الشعرية وغير الشعرية على الفيسبوك، مثيرا دائما حالة من الجدل الجميل، تأتي له بالأعداء والمحبين.
علي أبو عجمية في سطور
شاعر وكاتب من مواليد مدينة الخليل عام 1988. يحمل شهادة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية. مهتم بالدراسات الثقافية، والنظرية النقدية، والفِكر العربي المعاصر. صدرت له أربع مجموعات شِعريّة: «سَفر ينصت للعائلة» 2013، «نِهايات غادرها الأبطال والقتلة» 2017، «مُعْجَم الآلام» 2023، «ضَميرُ البنات» 2023. يكتب المقال الثقافي والنقد الأدبي في صحيفة العربي الجديد..
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
قطار يمر وسط سوق ضيق في تايلاند..مصري يوثق أحد أخطر الأسواق بالعالم
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- عادة ما تُعد زيارة الأسواق المحلّية بمثابة فرصة للتعرّف إلى ثقافة البلاد التي تزورها وتذوّق الأطعمة التقليدية، لكن في تايلاند، هذا السوق قد يعرّض حياتك للخطر (شاهد الفيديو أعلاه).
يُصنف سوق سكة "مايكلونغ" الحديدية من بين أخطر الأسواق الموجودة في العالم. إذ بدلاً من إفساح المجال لتجنّب الاصطدام بالسياح، سيضطر الأشخاص فيه إلى إفساح المجال لقطارات تشق طريقها بوسطه عدة مرات في اليوم.
خلال زيارته الأخيرة إلى تايلاند، قرّر مدون السفر المصري محمود شلبي، أن يخوض بنفسه تجربة زيارة هذا السوق، الذي يقع في مقاطعة ساموت سونغخرام، ويُطلق عليه عادة سوق "سيانغ تاي" (سوق المخاطرة بالحياة)، وفقا لهيئة السياحة في تايلاند.
أراد شلبي أن يستكشف تايلاند ويتعرّف إلى عادات وتقاليد شعبها، حين سمع بالصدفة عن سوق القطار، ما دفعه لمعرفة قصته ومشاركة تجربته مع متابعيه,
أوضح شلبي لموقع CNN بالعربية أنها كانت تجربة جديدة بالنسبة له، ويتذكّر قائلا: "السوق كان غاية في الازدحام والغريب في الموضوع أن قضبان السكة الحديدية تتوسطه، حيث تصطف الأكشاك وعربات الأطعمة على جانبيه".
وأكد شلبي أن المسافة بين الأكشاك والقبضان السكك الحديدية التي يعبر فوقها القطار قريبة للغاية.
لم تكن التجربة الأولى سهلة بالنسبة لشلبي، الذي أشار إلى أنها تجربة "مرعبة" نظرا لأنه لم يكن يدري ماذا يحصل عندما يقترب القطار من السوق، إذ قال: "تفاجأت من سرعة الباعة في حزم باضعتهم وأغراضهم عند سماع صوت اقتراب القطار" .
وأضاف: "بمجرد أن يمر القطار، تعود الأجواء في السوق إلى طبيعتها".
أما عن وصفه للسوق بأنه الأخطر في العالم، فقد لفت مدون السفر المصري إلى أن المسافة بين رواد السوق والقطار تُعد قريبة بشكل خطير، كما أن القطارات تمر مسرعة، وعادة ما تعبر فوق البضاعة والأغراض التي يتركها الباعة على الأرض.
يُعتبر هذا السوق المحلّي أحد أبرز مناطق الجذب السياحي في تايلاند، ويمتد على طول 100 متر، ويقع بجوار السكة الحديدية بالقرب من محطة "مايكلونغ" للسكك الحديدية.
أًطلق عليه لقب "سوق المخاطرة بالحياة"، نسبة لأن أكشاكه متصلة بسكة "مايكلونغ" الحديدية.
وقال شلبي إن السوق يوفر كل شيء تقربيا من الهدايا التذكارية والمشغولات اليدوية إلى المأكولات البحرية، والخضار والفاكهة إضافة إلى الأطعمة الطازجة، والمجففة، واللحوم وغيرها من السلع المتنوعة.
تايلاندنشر الاثنين، 31 مارس / آذار 2025تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2025 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.