لجريدة عمان:
2024-10-03@06:59:51 GMT

علي أبو عجمية في «ضمير البنات»

تاريخ النشر: 12th, January 2024 GMT

علي أبو عجمية في «ضمير البنات»

يقول الشاعر عمر شبانه عن تجربة علي أبو عجمية الفائز بمسابقة جائزة فلسطين للآداب عام 2018: (يشكّل الشاعر علي أبو عجمية حالة من حالات الخروج عن المألوف، في القصيدة الفلسطينية، إذ يضرب في طرقات جديدة، حتى لو كانت على صورة متاهة، بحثا عن مخارج ومداخل بحثا عن وطن شعري جديد، هذه هي السمة البارزة في تجربة الشاعر، الذي يبدو متمردا على شعرية الوطن ومفرداته المألوفة، من خلال كسر المتوقع وولوج الغرائبي).

هذه وقفة مع هذا الشاعر الثلاثيني المهندس، الذي قرر مبكرًا ولوج الغرائبي، منذ نعومة أنفاسه الشعرية، عرضًا لخرائط مختلطة مركبة في مفهومه للشعر والحياة، في نصوصه عمومًا لا يقدم أبو عجمية حلولًا لأزمات شعرية أو اجتماعية، ولا يهمه أصلًا بأن يفكر في إنقاذ أحد، شعريته لا تصلح أبدًا للاستدلال عن مفقودين أو طرق مغيبة تحت ثلج الحياة، ثمة هدير غريب في قصائده المنفلتة من العقل اللغوي، هدير مثقف دقيق وواعٍ، يصلح تمامًا لأن يكون مَساقا في جامعة، شاعرنا من جيل ما بعد الألفين، هذا الجيل شهد الانتفاضة الثانية بكل ما فيها من غضب وتحفيز مشاعري وانتماء للفكرة وأيضا من حزن وإحساس بالخيبة من قيادة لا يشبه وجهها وجه البلاد، تقاسم هذا الجيل أسئلة لم يجب عنها أحد، الموت الفلسطيني في كل مكان، وفلسطين بلا مستقبل واضح والتضحيات مخيفة والإرادة الشعبية لا تنكسر لكن القيادة البعيدة عن الناس، لا تلتقط هذه الفضاءات، فيصير لدم فلسطين معنى يبعث على الحسرة، فتذهب قصائد هذا الجيل نحو عبثية ما، وبناءات شعرية مفتتة، وتفاصيل يومية حزينة، لكن علي أبو عجمية كان أشد شعراء جيله قربا من اللامعنى المراوغ، والبعد عن النبرة الغنائية التي ربما أحس هو أنها مرادفة للخسارة، فجاء بناؤه الشعري اغترابيا بشكل متطرف وبعيدا عن المألوف الشعري الفلسطيني.

هل أراد أبو عجمية أن يبني وطنًا عاليًا للشعر فيها من انتصارات اللغة وقوة التخييل وتفوق الصورة ما يشكل ردا على هزائم واقع شعبه وخساراته؟.

(أطوي تدوينة الدنيا في مشافهات الأبد، وجهك يا كتاب القبلة الأخّاذ، أسكن شعراء كسالى يستعدون نبيا يأخذ عني الكلمات، أنا ماء في الهواء، أسطع في مخيلة الأسماك وأتنفس نفسي).

لن نصل إلى معنى مريح وواضح، ومن قال إن علي موجود ليريحنا؟ هو يستمتع بضياعنا في قاع الجيل ونحن نبحث عن طريق للعودة إلى البيت بعد أن صدقنا وعده بحفلة شواء شعري في الجبل، علي لا يعزم أحدا على شواءات شعرية، لا تصل النار في شعره إلى درجة الشواء، يقسم علي الحرارة في نصوصه تقسيما عجيبا، يطلق نارا هائلة ثم يتبعها بثلج مستطير وإذا حدث وأن صدقتكم وتناولتم قطعة لحم من شوائه، لا تتذمروا أن وجدتموها نيئة، أبو عجمية يعرف كيف يطهو صوره، النار ليست دائما دليل عافية، هذا درس كامل، وهكذا نألف بحب وتفهم تجربة هذا الغرائبي، غياب النزعة التبليغية في شعره، مقصود بشكل عنيد، وكأني به يقول: لن تأخذوا مني معلومة ولن أدلكم على الطريق، من يرغب منكم في التجوال في خرائطي فليبق وإلا فليذهب إلى شعراء التبليغ وهم كثر حولنا.

في كتابه الشعري الجديد الصادر عام 2023 عن دار الأهلية الأردنية (ضمير البنات)، يواصل الشاعر، المهندس الكهربائي، قراءة العالم بطريقته التي يحبها، في عالم أبو عجمية الشعري، توقعوا أن تلسعكم كهرباء صوره، لسعات ستوقظ داخلكم رؤى غير متوقعة، إننا نحن نقرأ هذا العالم المكهرب بعيون متاهة لغوية عجيبة:

(في آخر الصيف المشيع بالخصال السبع: وجهك ناضج، خدر الندى أعلى جذوع التين، كرْمُه مثقل بالخمر، تشربه منابع خوفه، شمس الزجاج على انعكاس النوم، في الذكرى، بخار الظل وخرقة الفران، يرغول الغناء على سياج القمح تعبره القطا، وشم الأفاعي، في سرير القيظ: أسباب الحبيبة من حرارة لدغة في رسغها).

(في ضمير البنات) الذي وصل فيه أبو عجمية أعلى درجات معماره الشعري، وبرقه اللغوي، يهدي الشاعر قصائده المتنوعة ببنائها إلى عديد من أصحابه: خالد شاهين طارق العربي، نجوان درويش، وأمير داود، وزكريا محمد، وآخرون، المحير في تجربة أبو عجمية هو حيرتها بين البناءات الشعرية ، فهو يبدو منسجما في تنقلاته بين قصيدة العمود والتفعيلة والنثر، هذا الطمع الشعري يميز تجربة هذا الغرائبي، يقول الشاعر قصي اللبدي عن تجربة أبو عجمية: (يثبت الشاعر علي أبو عجمية، امتلاكه لغة شعرية خاصة تجمع بشكل مميز بين أدوات التعبير الكلاسيكية من بناء متين ومفردات جزلة، ومعرفة بالتراث الشعري، وبناء عروضي، من جهة وصور شعرية مبتكرة وطازجة ورؤى حديثة).

في ضمير البنات يواصل أبو عجمية صدمنا بمفردات وصور مدهشة لم تحدث قبل ذلك: صداقة نقطة التقويم، في الرواية عقرب بطل الحواس، واكتب لنا على درج المروءة، وتسكن سندسا في السرو، لا تدابير تكابد نجدة القاموس.

هذا الغرائبي لا يتوقف وهو يكتب فوضاه وصوره الشعرية وغير الشعرية على الفيسبوك، مثيرا دائما حالة من الجدل الجميل، تأتي له بالأعداء والمحبين.

علي أبو عجمية في سطور

شاعر وكاتب من مواليد مدينة الخليل عام 1988. يحمل شهادة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية. مهتم بالدراسات الثقافية، والنظرية النقدية، والفِكر العربي المعاصر. صدرت له أربع مجموعات شِعريّة: «سَفر ينصت للعائلة» 2013، «نِهايات غادرها الأبطال والقتلة» 2017، «مُعْجَم الآلام» 2023، «ضَميرُ البنات» 2023. يكتب المقال الثقافي والنقد الأدبي في صحيفة العربي الجديد..

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

مؤتمر أدبي بعنوان "الأدب من الشفاهية إلى الرقمنة"

تنظم وزارة الثقافة من خلال الهيئة العامة لقصور الثقافة، فعاليات المؤتمر الأدبي لليوم الواحد بعنوان "الأدب من الشفاهية إلى الرقمنة"، وذلك برعاية وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو، ومحافظ المنيا اللواء عماد كدواني. يقام المؤتمر في إطار أنشطة المبادرة الرئاسية "بداية جديدة لبناء الإنسان"، في مقر المجلس القومي للمرأة بمحافظة المنيا.

رئاسة وأمانة المؤتمر وتكريمات الافتتاح
 

يترأس المؤتمر الشاعر عصام السنوسي، بينما يتولى ناصر عاشور، رئيس نادي الأدب المركزي بالمنيا، منصب الأمين العام. سيقدم الشاعر ياسر خليل حفل الافتتاح، ومن المقرر تكريم كل من رئيس المؤتمر والإعلامي الدكتور شوقي السباعي.

الجلسة البحثية الرئيسية: من الشفاهية إلى الرقمنة


تُعقد الجلسة البحثية الرئيسية بعنوان "الأدب من الشفاهية إلى الرقمنة في ظل التطور التقني"، ويديرها د. عماد حسيب. ستتناول الجلسة ثلاثة أبحاث رئيسية، حيث تقدم د. إيمان عصام بحثًا بعنوان "الشعر العربي من الأصالة الشفاهية إلى المراهنة الرقمية"، يليها بحث سفيان صلاح حول "الإبداع والكتابة الشعرية في المنيا"، وأخيرًا يعرض د. شعبان عبد الحكيم "بانوراما القصة والرواية في المنيا".

جلسة الشهادة الإبداعية وتكريم الأدباء الراحلين


ستُعقد جلسة مخصصة للشهادة الإبداعية عن الأديبين الراحلين علاء سيد عمر وإسماعيل حلمي، وسيقدمها الشاعر أسامة أبو النجا، بمشاركة عدة أدباء وشعراء منهم د. حسن العمراني والشاعر أشرف عتريس.

الأمسية الشعرية واختتام المؤتمر بالتوصيات


تختتم فعاليات المؤتمر بإعلان التوصيات، يتبعها أمسية شعرية بعنوان "تحت ظلال الأدب والشعر"، والتي يديرها الشاعر جمال أبو سمرة.

تنظيم وإشراف المؤتمر
 

يقام المؤتمر بإشراف إقليم وسط الصعيد الثقافي، والإدارة المركزية للشئون الثقافية بالتعاون مع فرع ثقافة المنيا والإدارة العامة للثقافة العامة.

مقالات مشابهة

  • المستقبل الحضاري في السودان (1-3)
  • أنشطة متنوعة وأمسيات شعرية بثقافة البحر الأحمر
  • وفاة الشاعر محمد الشحات الرجحى عن عمر يناهز 70 عاما
  • وفاة الشاعر محمد محمد الشحات عن عمر يناهز 70 عاما
  • أيقونة أكتوبر 1964 .. إلى روح الشاعر الفذ والدبلوماسي الأديب محمد المكي إبراهيم
  • أرغفة القصائد تعبُرُ النيل وبردى في بيت الشعر بالشارقة
  • 9 معلومات حول الشاعر السوداني الراحل محمد المكي إبراهيم
  • رحل الشاعر محمد المكي إبراهيم (1939-2024) الموت في زمن الشتات
  • الشاعر محمد المكي ينعي نفسه ويرثي وطنه في هذه القصيدة
  • مؤتمر أدبي بعنوان "الأدب من الشفاهية إلى الرقمنة"