الحروب، الصراعات، الأزمات، والغموض إزاء حلول محتملة للفوضى المنتشرة و"نباح" من المواطن المتطلع للكرامة. هذه كلها كلمات يمكن أن تلخّصَ العام الماضي. وبصرف النظر عن هذه الأوصاف، فقد كان عامًا محبطًا في شتى النواحي. لقد شهدنا خلاله الجانب الوحشي والمظلم للطبيعة البشرية. استمرت الحرب الأوكرانية بلا هوادة، وأثرت على اقتصادات البلدين وأوروبا كما أثرت على اقتصادات المنطقة.
ويعتقد معظم صناع السياسات أن هذا الحال مستمر على الأقل حتى نصف العام الحالي 2024 مع استمرار الركود في معظم الأنشطة الاقتصادية. وتتجه الضغوط إلى المزيد من التصعيد في ضوء التهديدات على التجارة العالمية التي تمر من البحر الأحمر في ظل هجمات الحوثيين، خاصة أن القوى الكبرى لا تقوم بأدوارها بشكل لائق، ولا تمارس ضغوطًا حقيقية على الدولة العبرية لإيقاف ضرباتها الوحشية على الفلسطينيين ووضع حد لمسببات الاضطراب والصدام بالبحر الأحمر. وإذا استمر الحال على ما هو عليه فإن الاقتصاد العالمي يتجه نحو هاوية جديدة، بعد أن أنهكته جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، ناهيك عن المخاطر التي تحاصر الأمن القومي العربي وتهدد شريانه "الأورطي" الذي يربط الملاحة بين الشرق والغرب. وإذا كانت المؤسسات المالية وجهات البحث ترصد التداعيات الاقتصادية على العالم فإن الغياب يكاد يكون سائدا لما لحق النفس البشرية من آلام وأمراض جراء هذا الوضع!
إنها الفوضى التي لا تبدو لها نهاية وهو ما انعكس على الفوضى داخلنا. أشعر أن كلماتي باردة رغم كونها تصرخ في وجهي وتمسك بأصابعي لتبثّها اللوعة والألم التي تكوينا بنارها جراء كل هذه الفوضى التي تفترس العالم وتقلص أحلامنا لتجعل أقصى طموحنا هو أن نستيقظ من نومنا الحزين فنجد الضربات الموجعة لأهل غزة قد توقفت، وشرب الطفل حليبًا وأكلت الأمُّ رغيفًا ساخنًا وتدثَّر الكبار والصغار بكساء وغطاء يحميهم من برد الشتاء القارس. ألن تتوقف هذه الإبادة الجماعية في غزة والتي تُقابل بخرس عالمي على جرائم ترتكب في وضح النهار وظلم للشعوب وحقوقها واستهانة بكرامتها وآدميتها دون محاسبة حتى أصبحنا بلا روح ولا شغف يبقينا على قيد الحياة.
كنا نسمع طويلًا عن عنق الزجاجة دلالة عن أزمة خانقة ومستفحلة، ربما نستشعر معها لحظات بطعم الاحتضار. وكنا نردد أن بعدها الانفراج لامحالة؛ لكن عنق الزجاجة أصبح ثقبًا أسود نختبئ فيه حتى لا ننحدر إلى قاع البئر المخيف الذي لا أملَ في النجاة من مصيره المحتوم. ولكني أظل أتساءل هل مازال هناك قاع آخر لم ندركه بعدُ وهل مازالت هناك أيام نحسبها من عمر المستقبل أم أنَّ كل يوم جديد يأتينا نخصمه من فاتورة العمر. وسط هذا الموت الذي أصبح الحقيقة الوحيدة في أرجاء غزة، ووسط الأشلاء والدمار يتملكنا الهذيان من شدة الصدمة ونحتار هل ما نراه حقيقةً أم خيالًا! إنها حرب كشفت نفاق تجار حقوق الانسان والحيوان، وفضحت عوراتهم؛ فعن أي حقوق يتحدثون؟! جميع الحقوق يتم اغتيالها وذبحها على مقصلة صانعي هذه الحقوق؛ حقوق الأموات الذين تُنبش قبورهم ويتم التمثيل بجثثهم وتُنتزع جلودهم وعيونهم وأعضاؤهم، أم حقوق الأسرى الذين يقتادون عراة ويقتلون بدم بارد، أم حقوق الصحفيين الذين يستهدفون مع عائلاتهم لإخراس الحقيقة، أم حقوق النساء الذين تبقر بطونهن وتقتل الأجنة في أرحامهن أو أطفالهن الرضع في أحضانهن، أم حقوق الأطفال الذين يبادون حتى لا يكون لهم صوتٌ وقرارٌ يوما ما!!
لقد سئمت الشعوب العربية من سماع الشعارات الرنانة تدوي في أرجاء المؤتمرات والمحافل حول تعزيز التعاون الدولي الشامل بينما على أرض الواقع لا يوجد سوى العنف وإشاعة الفوضى واقتراف أبشع الجرائم وانتهاك الحقوق وارتكاب المظالم في حقها دون ردع أو محاسبة.
لقد كان عام 2023 عامًا غريبًا، وقد يكون عام 2024 أكثر غرابة. والسؤال الذي مازلنا في انتظار إجابته هو لماذا يسكت العربُ عما يحاك بهم من مؤامرات وتنكيل وانتهاك لحقوقهم. قد يبدو السؤال ساذجًا للبعض، خاصة معشر السياسيين، لكنَّ المواطن "المطيع" الذي يؤدي واجباته ويدفع ضرائبه ويلهث في حياته اليومية لتوفير احتياجاته وأسرته يطمح في المقابل في بعض كرامة. قد تكون الإجابة على ذلك السؤال أحد مصادرها!
لم يبق في هذا الموت السائد إلا أن ننتظر المعجزات وأن تنبت الأمنيات من كل قطرة دم سالت على تلك الأرض الطيبة ومن كل جريح ينزف ومازال قابضًا على الجمر ومن كل مدافع عن عرضه وأرضه وكرامته. فهل تفلح هذه الأمنيات النابتة في هذا الجحيم وتهزم الخطط الاستعمارية!،أم أنها مجرد أوهام جديدة و"نباح".. لأننا ببساطة في زمن الأفعال لسنا في زمن المعجزات!
*كاتبة صحفية متخصصة فى الشؤون الدولية
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الدول الإفريقية الحروب هجمات الحوثيين
إقرأ أيضاً:
لبنى عسل: وعي المصريين حائط صد في مواجهة مخططات الإخوان وإسرائيل
قالت الإعلامية لبنى عسل، مقدمة برنامج «الحياة اليوم»، إن الشعب المصري قوي، ودولة مصر عظيمة، كان لديها القدرة على هذا التحدي الكبير، موضحا: «قدرت إنها تسترجع مصر من اللي كانوا بيحاولوا يخطفوها لكن ما زال التهديد مستمرا.. عمرهم أبدا ما يقدروا يوصلوا للي هما عايزينه».
مخططات الإخوان إحداث الفوضىوشددت خلال تقديم برنامج «الحياة اليوم»، المُذاع عبر شاشة «الحياة»، على أن مخططات الإخوان دائما هي إحداث الفوضى وعدم الاستقرار بالدولة المصرية، ويكون هناك دائما حالة خوف وعدم ثقة المواطن في دولته أو مؤسساته أو نفسه شخصيا، مضيفة: «أي تحديات يبحث تنظيم الإخوان على زيادتها ويجعل الأمور أكثر صعوبة على المواطن من خلال بث الشائعات والأكاذيب».
وأضافت لبنى عسل: «قدام عينينا اللي حصل من الإخوان بعد 2011، واللي كنا نعاني منه الفترات الماضية، وقدام عينينا دلوقتي ايضا اللي بيحصل في المنطقة وما يحدث في سوريا ودول أخرى بالمنطقة»، مشددة على أن المخطط الإسرائيلي كما ظهر في أحد أعمالها التسجيلية بوجود مظاهرات بالشوارع المصرية وأيضًا وجود الدبابات الإسرائيلية على الحدود برفح المصرية.
إسرائيل احتلت أجزاءً جديدة من سورياوأكدت أن هذا المخطط الإسرائيلي لهدم البلد، وأن تكون الفوضى هي المقدمة والذريعة واستغلال الوضع غير المستقر لتكرار مشهد سوريا في مصر؛ إذ أنه في ظل الأحداث في سوريا استغلت دولة الاحتلال الأوضاع ودخلت بمدرعاتها ودباباتها واحتلت أجزاءً جديدة من الأراضي السورية.
وتابعت مقدمة برنامج «الحياة اليوم»: «إسرائيل والإخوان يد واحدة في المخطط والهدف، ويتحدثون في الوقت نفسه، ويريدون الفوضى والمظاهرات وعدم الاستقرار في مصر، لكن ده مش هيحصل بفضل ربنا ووعي المواطن المصري والإدارة والقيادة المصرية ومؤسساتنا الوطنية، وكلنا واعيين للمخطط وفاهمين ده وحائط صد له».