الدكتور أيمن الرقب يكتب: إبادة جماعية
تاريخ النشر: 12th, January 2024 GMT
لقد مر مائة يوم من حرب الإبادة الجماعية ضد شعب أعزل، ارتكب الاحتلال خلالها مئات من المجازر التى راح ضحيتها ما يقرب من ثلاثين ألف شهيد ومفقود وخمسة وستين ألف مصاب من أبناء الشعب الفلسطينى الأعزل جلهم من الأطفال والنساء، حسب إحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية، وتدمير معظم منازل قطاع غزة، إضافة لتدمير البنية التحتية لقطاع غزة، وهدم ثلاثين مشفى والعديد من المدارس والجامعات والمساجد والكنائس.
هذه الحرب التى لم تشهدها الأراضى الفلسطينية منذ احتلالها عام 1948 تؤكد أننا نواجه عدواً تجرد من كل القيم والأخلاق، وتحالف قوى الناتو لمحاربة قطاع غزة وكأنهم يواجهون دولة عظمى، وليس منطقة صغيرة مساحتها ٣٦٠ كيلومتراً مربعاً ويقطنها ما يقارب من مليونين ونصف المليون نسمة.
بعد 100 يوم من هذه الحرب لم تعد هناك أى رؤية عن مستقبل قطاع غزة بعد هذا الدمار الكبير، ولا حتى توقع بموعد وقف هذه الحرب، وحتى الاحتلال نفسه لا يدرك كيف سيتعامل مع ملف قطاع غزة، حيث التخبط بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية.
خلال الأيام المائة المنصرمة قدمت جمهورية مصر، دولة وشعباً، الدعم المعنوى والإعلامى والمادى للشعب الفلسطينى، فكان الموقف المصرى منذ اللحظات الأولى للحرب داعماً للرواية السردية الفلسطينية، ورفضاً للرواية الإسرائيلية وفتحت كل منصاتها الإعلامية للدفاع عن الموقف الفلسطينى، محملةً العدو الإسرائيلى مسئولية أحداث السابع من أكتوبر نتيجة الحصار المتواصل على الشعب الفلسطينى والاعتداء على الشعب الفلسطينى ومقدساته دون الاستماع لكل المواقف والنداءات التى طالبت الولايات المتحدة الأمريكية بكبح جماح المتطرفين الذين يحكمون فى تل أبيب مما أوصل الأمور إلى حد الانفجار.
جمهورية مصر العربية أصرت على عقد مؤتمر للسلام هدفت منه لتركيز الموقف العربى والدولى على ضرورة وقف الحرب وطرح أفكار جديدة تفتح آفاق عودة الأمل لعملية السلام على أساس حل الدولتين، ورغم فشل المؤتمر نتيجة تباين مواقع المشاركين العرب إلا أن بيان الرئاسة المصرية كان بمثابة بيان ختامى للمؤتمر، وقد كان البيان شديد اللهجة وحمل الاحتلال مسئولية جرائم الإبادة الجماعية فى قطاع غزة.
مصر توقف عملية التهجير للشعب الفلسطينى من قطاع غزة
لقد كان الموقف المصرى واضحاً وعلى لسان الرئيس عبدالفتاح السيسى برفض التهجير القسرى والطوعى للشعب الفلسطينى من قطاع غزة، ورفضت أن يكون التهجير تجاه سيناء أو أى دولة أخرى لأن هذا يعنى انتهاء وتصفية القضية الفلسطينية، وقد أيد الشعب الفلسطينى هذا الموقف الذى أصر على البقاء على أرضه ورفع شعار نموت كراماً أو نعيش أحراراً، وقد أيد الموقف المصرى أيضاً المملكة الأردنية الهاشمية، التى تدرك قيادتها أن تهجير الفلسطينيين من غزة سيتبعه تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية والقدس، وقد تحركت القيادة المصرية والأردنية لعدة عواصم وطالبتها بإصدار بيان واضح يرفض أى مقترح لتهجير الفلسطينيين قسراً أو طوعاً من قطاع غزة، وقد أصدرت الخارجية الأمريكية والبريطانية والفرنسية بيانات تؤكد رفضها لتهجير الشعب الفلسطينى.
إدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة
لقد رفض الاحتلال فى الأيام الأولى للحرب إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة عبر معبر رفح، وأقدم على قصف الجانب الفلسطينى من معبر رفح لمنع وصول شاحنات المساعدات إلى قطاع غزة، مما فاقم الأزمة الإنسانية وظهور بوادر مجاعة بعد أن قطع الاحتلال الماء والكهرباء والمشتقات النفطية من الدخول لقطاع غزة كذلك الأغذية والأدوية، وقد تداعى الشعب المصرى والدولة المصرية بتوفير مئات الشاحنات من المساعدات لتصل معبر رفح فى الأيام الأولى للحرب قبل أن تصل المساعدات العربية والدولية لمطار العريش، ولكن رفض الاحتلال لدخول هذه المساعدات مما حدا بمصر لاستخدام الدبلوماسية الخشنة لفتح معبر رفح وإدخال المساعدات الغذائية والطبية لقطاع غزة، وذلك من خلال رفض سفر الرعايا الأجانب من قطاع غزة قبل دخول المساعدات لقطاع غزة، وقد مارست الولايات المتحدة الأمريكية ودول غربية أخرى ضغطاً على الاحتلال الإسرائيلى للسماح بإدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة عبر معبر رفح وخروج الجرحى، وقد تم ذلك أمام هذا الموقف الصلب، وحتى الآن ما يقارب من سبعين بالمائة من المساعدات التى وصلت إلى قطاع غزة مساعدات مصرية حكومية وشعبية.
الوضع الإنسانى فى قطاع غزة
بعد مائة يوم من الحرب تم تهجير ما يقارب تسعين بالمائة من سكان قطاع غزة من منازلهم، التى لم تعد مؤهلة للسكن إلى مناطق عديدة أكبرها كان فى رفح، ووصل عدد النازحين فى رفح من مناطق شمال ووسط قطاع غزة إلى مليون وثلاثمائة نسمة فى منطقة مساحتها تقارب أربعة وستين كيلومتراً، يعيشون فى ظروف قاسية نتيجة موسم الشتاء وسقوط الأمطار التى لم تقِهم خيامهم منها، كما ينتشر بين النازحين نتيجة الاكتظاظ العديد من الأمراض، خاصة أمراض الجهاز التنفسى، ونتيجة تدمير المستشفيات ينذر هذا بانتشار الأوبئة بشكل كبير، كما أن نقص المواد الغذائية أوصل جزءاً من سكان قطاع غزة، خاصة من بقوا فى شمال قطاع غزة إلى حافة المجاعة.
مستقبل قطاع غزة
رغم كل الإرهاصات والتصريحات من قبل الاحتلال بالقضاء على حكم حماس فى قطاع غزة، وتأسيس نظام سياسى غير معادٍ للاحتلال فى قطاع غزة يعتمد على نظام العشائر، إلا أن هذا الموقف الإسرائيلى سيبوء بالفشل، ونتوقع ألا يحقق الاحتلال أهدافه التى أعلنها بالقضاء على حركة حماس، التى ستصبح جزءاً من الحل وليس إبعادها هو الحل، والمقاومة التى ما زالت صامدة تؤكد أن تحقيق أهداف الاحتلال شبه مستحيلة رغم ما تعرضت له غزة من إبادة، ولقطع الطريق على الاحتلال تم تشكيل لجان شعبية فى أكثر من منطقة ستتوسع لإنشاء قوى شعبية قادرة على إدارة مناطق قطاع غزة لو حدث أى فراغ أمنى، وتقوم اللجان حالياً بتنظيم توزيع المساعدات على النازحين فى عدة مناطق فى قطاع غزة.
ولا أتوقع بعد مائة يوم من الحرب إلا فشل الاحتلال فى تحقيق أهدافه، التى أصبح التدمير وقتل الأطفال والنساء هو أهم إنجازاته بعد مائة يوم من الحرب، والتى لم يتمكن خلالها من تحرير أسراه أو الوصول لقيادة المقاومة، وسيفشل الأيام القادمة كما فشل فى الأيام الماضية.
أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس
القيادى بحركة فتح
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: جريمة القرن حرب الإبادة الإسرائيلية الشعب الفلسطینى من قطاع غزة فى قطاع غزة لقطاع غزة معبر رفح التى لم
إقرأ أيضاً:
حظر وكالة الأونروا.. إبادة غير مسبوقة للشعب الفلسطيني
أثار إعلان وزارة خارجية الكيان الصهيوني إبلاغ الأمم المتحدة بإلغاء الاتفاقية المبرمة بين الكيان ووكالة الأونروا في العام 1967، انتقادات وردود فعل واسعة، وذلك بعد أسبوعٍ على إقرار الكنيست قانونا يحظر نشاط وكالة الأونروا في الأراضي المحتلّة والضفة الغربية وقطاع غزة، التي تقدم المساعدات والخدمات التعليمية لملايين الفلسطينيين، وذلك ربطا بمزاعم وسردية الاحتلال حول تورّط موظّفين من الوكالة بعملية طوفان الأقصى في 7 من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وحسب وصف وزير خارجية الكيان كاتس، فقد اتهم وكالة الأونروا وقال بأنها "جزء من المشكلة في قطاع غزة وليست جزءا من الحل"، كما كرر المزاعم والسردية والادعاءات الكاذبة.
لم يكتفِ الاحتلال على مدار أكثر من عام بشن عدوان وحشي ونازي على قطاع غزة فحسب، والذي أسفر حتى الآن عن أكثر من 43,374 شهيدا و102,261 جريحا فلسطينيّا، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، بل تجاوز ذلك إلى تبني نهج عداء صارخ تجاه المؤسسات الدولية والأممية.
أثار العدوان الهمجي على غزة نداءات ومطالبات متتالية من مسئولين أمميين لاتخاذ موقف حاسم تجاه تل أبيب، وصلت إلى حد المطالبة بتعليق عضويتها في الأمم المتحدة.
وأوصت مقررة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فرانشيسكا ألبانيزي، في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، بالنظر في تعليق عضوية "إسرائيل" في الأمم المتحدة، وإعلانها دولة فصل عنصري، بسبب الإبادة الممنهجة التي ترتكبها في حق الشعب الفلسطيني.
وقالت ألبانيزي في تقرير قدمته إلى الأمم المتحدة إن "إسرائيل" لا ترتكب جرائم حرب في غزة فحسب، بل ترتكب إبادة جماعية ممنهجة في صورة مشروع يهدف لمحو الفلسطينيين من الوجود، لإقامة "إسرائيل الكبرى"، وامتد مشهد الانتهاكات التي مارستها الكيان بحق المؤسسات الدولية والأممية ليشمل مؤسسات وشخصيات عدة في مقدمتهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ومحكمة الجنايات الدولية ومنظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (اليونيفيل) في لبنان، وغيرهم.
لم يكن عداء كيان الاحتلال لوكالة الأونروا التابعة للأمم المتحدة وليد اللحظة مع بداية العدوان على غزة، بل إن الاستفزاز والتحرش الصهيوني بالوكالة يتزايد منذ سنوات ليبلغ ذروة غير مسبوقة في هذا العدوان.
فبعد وقت قصير من أحداث معركة طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، اتَّهم الاحتلال 12 موظفا في وكالة الأونروا بالمشاركة في الهجوم، ما أدى إلى تعليق نحو 11 دولة غربية مساعداتها لوكالة الأونروا، فيما لم يُقدم الاحتلال أي أدلة على اتهامه لموظفي الوكالة، بحسب تقارير عدة.
لم تكن مزاعم الاحتلال بحق وكالة الأونروا والعاملين فيها الأولى من نوعها، بل هي أحدث فصل من فصول التوترات المستمرة منذ عقود بين الاحتلال والأونروا، حسب ما ورد في تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
تشكل وكالة الأونروا المصدر الأساسي للدعم الإنساني لحوالي 5.9 مليون لاجئ فلسطيني في فلسطين المحتلة والدول المجاورة التي تستضيف اللاجئين الفلسطينيين.
من جهته قال المفوض العام لوكالة الأونروا، فيليب لازاريني، إن القرار الصادر عن الكنيست "الإسرائيلي" بحظر "أنشطتنا غير مسبوق، ويشكل سابقة خطيرة، ويعارض ميثاق الأمم المتحدة".
وقالت صحيفة الغارديان البريطانية، إن حظر وكالة الأونروا دون إيجاد بديل لها لن يؤدي إلّا إلى شل المساعدات المقدمة للفلسطينيين في وقت الشدة.
ووصفت الغارديان في افتتاحيتها القرار بأنه خطوة غير مسؤولة إلى حد كبير من جانب المشرعين "الإسرائيليين"، وأضافت الصحيفة أن الحكومة اليمينية "الإسرائيلية" تُظهر ازدراء صارخا للمعايير العالمية التي تحكم حقوق الإنسان والنزاعات والدبلوماسية، مما يجعل "إسرائيل" تتحول إلى دولة مارقة.
وقال إيريك بيورج، أستاذ القانون في جامعة بريستول، إن القوانين "الإسرائيلية" الجديدة بحظر وكالة الأونروا تشكل خرقا واضحا لميثاق الأمم المتحدة، حيث تعتبر المنظمة الأممية قطاع غزة أرضا تحتلها "إسرائيل"، ويلزم القانون الدولي القوة المحتلة بالموافقة على برامج الإغاثة لمستحقيها وتسهيل ذلك بكل الوسائل المتاحة لها.
لا يخفى على أحد سعي الاحتلال منذ زمن لتقويض وكالة الأونروا وإنهائها بأسرع وقت ممكن، باعتبارَها شاهدا أمميا على النكبة والمأساة الفلسطينية المستمرة إلى هذا الوقت، ويؤجج هذا السعي أن وكالة الأونروا تمثّل إطارا مؤسسيا جامعا لشريحة واسعة من الفلسطينيين، إذ تقدم خدماتها لمجمل المخيمات داخل فلسطين وخارجها، الأمر الذي ساهم في حفظ الهوية الفلسطينية وتكريسها، خصوصا في مخيمات اللجوء داخل الدول المضيفة، التي راهن الاحتلال على تماهي اللاجئين واندماجهم فيها مع المجتمعات المضيفة، وخسارتهم هويتهم الوطنية الجامعة.
وعليه، إن دور وكالة الأونروا ينتهي عندما يتحقق حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم وأرضهم وديارهم، ولا أعتقد أن شعبنا بكل أطيافه والعالم الحر سيسمح بتصفية قضية اللاجئين من خلال تصفية وكالة الأونروا.