«أم العبد وسهام أبوغوطة» جارتان مسنتان فشلت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة فى إبعادهما عن بعضهما، يتشاركان قصص الحرب والعزاء على أطلال المبانى، تجلسان أعلى حطام منزلهما الكائن وسط القطاع، يلهو حولهما من نجا من أحفادهما، تُصّبر كل منهما الأخرى، فالمصاب جلل، والفقد لا يحتمل.

بين الفينة والأخرى تنظر «أم العبد»، السبعينية، حولها تتفحص الدمار والركام مرددة: «إنّا لله وإنا إليه راجعون»، فى الوقت الذى تنهمر فيه دموعها على خديها، قائلة لـ«الوطن»: «الحسرة مالية قلوبنا، بس بنحب أرضنا ونتمسك بها، وأولادى كلهم استشهدوا، أثناء انتظارى فى طابور طويل أمام المخبز للحصول على لقيمات يسد بها الصغار جوعهم.

. حفيدى قالى يا ستى عمى العبد وكريم ماتوا».

«أم العبد»: بيتي راح وأولادي استشهدوا.. و«سهام»: بنقرأ الفاتحة على روحنا قبل النوم 

وبالقرب من الأم الثكلى تجلس جارتها الخمسينية سهام أبوغوطة، تحاول جاهدة التخفيف عنها: «كلهم شهداء وشفعاء لنا»، ولا تنوى «سهام» النزوح نحو الجنوب، حيث الخيام ومغادرة الديار: «سنظل هنا.. إما نستشهد أو تنتهى الحرب.. لازلنا نؤمن بوطننا ونقضى نهارنا على أطلال منازلنا»، تلك الكلمات مثلت حافزاً دائماً لباقى السكان والأطفال كما تحثهم على الصبر والتحمل: «لا يوجد إنسان يتحمل هذه الحياة، لكن الفلسطينيات لديهن كرامة، ورغم هدم المنازل سنظل نحيا على أطلالها».

عند حلول الليل الذى يعتبره الغزاويون أسوأ توقيتات اليوم بسبب تكثيف الغارات والقصف والاستهدافات المتكررة، تقول بصوت حزين: «أى شىء بيتحرك هنا بيتم قصفه، ومافيش حداً بيتعود على الموت، وأكيد بنخاف ننقصف واحنا نايمين، وقبل ما ننعس بنجمع أحفادنا حوالينا وبنقرأ الفاتحة على روحنا، يمكن مانصحاش غير فى قبورنا، لو قدروا يطلعونا ونندفن».

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: جريمة القرن حرب الإبادة الإسرائيلية

إقرأ أيضاً:

في أنقاض غزة حيث الأحياء يحسدون الموتى

ترجمة: أحمد شافعي -

على مدار حرب غزة، استشهدت كثيرا بالباحث اللغوي الغزاوي محمد الشناط الذي يمثل إلى حد كبير نقيضا لحماس.

ففي كتاباته قبل الحرب، أبدى الشناط إعجابه بالديمقراطية الغربية، وأدان التفجيرات الانتحارية، وأعرب عن توقه إلى أن يعيش العرب واليهود في سلام وتناغم. ومع وقف إطلاق النار، فإنه يحاول الآن أن يستعيد أجساد أحبائه ليدفنهم بصورة لائقة.

كتب لي في رسالة نصية بالإنجليزية: «لقد انتهت غزتنا الحبيبة» مضيفا: إن الأحياء الآن يحسدون الموتى «لأنهم غير مضطرين إلى رؤية ذلك».

أتفهم فجيعة هذا الرجل المنهك، بعد شهور من الجوع والتشرد ورؤية ابنه يصاب، وبرغم الترحاب بوقف إطلاق النار، ما من طريق واضح للمضي قدما، وما من أسباب كثيرة للاحتفال.

كتب الشناط: «إن كل ما أريد فعله هو أن أنصب خيمتي على الأنقاض وأبكي. فادعوا لنا».

كانت حرب غزة مأساة للجميع وفشلا منهم. ارتكبت حماس أعمالا رهيبة في أكتوبر 2023 لم تؤد إلى تقوية الفلسطينيين ولكنها تسببت لهم في الشقاء. ثم شنت إسرائيل حربا قتلت عشرات الآلاف من الفلسطينيين دونما تحقيق أهدافها حتى الآن سواء تفكيك حماس تفكيكا كاملا أو تحرير الأسرى. ويسَّر الأمريكيون للإسرائيليين هذا القتل بإمدادهم بأسلحة بقيمة مليارات الدولارات دونما محددات منطقية، فكان ذلك سخرية من حديثنا الجليل عن «النظام الدولي القائم على القواعد».

ما الذي حققته هذه الحرب كلها؟ ضعفت حماس عسكريا لكنها لا تزال في السلطة ولا تزال تحتجز رهائن إسرائيليين. وقد أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال لقادة من إسرائيل ومن حماس للاشتباه في جرائم حرب. وآلاف الأطفال الفلسطينيين مبتورو الأطراف، وثلاثمائة وسبعة وثلاثون من عمال الإغاثة لقوا مصرعهم. ولا يبدو أن حلم السلام الدائم في الشرق الأوسط قريب المنال.

تبدو حماس اليوم في غزة خاضعة لسيطرة محمد السنوار، وهو الشقيق الصغير المتشدد ليحيى السنوار، قائد حماس الذي لقي مصرعه على يد إسرائيل في أكتوبر. ومرة أخرى يقوم ضباط حماس بدوريات في شوارع غزة. ومثلما كتب زملائي في هذه الصحيفة فإن «مظهر المسلحين لم يوح بأنهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة، بل بدوا في زي رسمي نظيف، وفي هيئة طيبة، ويسوقون سيارات لائقة».

قال وزير الخارجية الأمريكي السابق أنطوني بلينكن في خطاب وداع: «إننا نقدر أن حماس جندت تقريبا مثل عدد من فقدت من المقاتلين». وأكد بلينكن أن إسرائيل بحاجة إلى رسم ملامح مستقبل الفلسطينيين في ما بعد الصراع وأن «حماس لا يمكن أن تمنى بالهزيمة من خلال حملة عسكرية فقط».

ولكن ما أخشاه أن رسالة عبثية الحرب اللانهائية لم تصل إلى إسرائيل أو حماس.

فقد أدى تبادل نظر كل طرف إلى الآخر وكأنه ليس إنسانا إلى نتيجة مفادها أن الشيء الوحيد الذي يفهمه الطرف الآخر هو القوة الغاشمة. فانخرط الجانبان في عنف رهيب، وبات لكل منهما نصيب من روايات موثوقة عما قام به من التعذيب والاغتصاب والأعمال الوحشية.

إن كثيرا للغاية من الناس يدينون الأعمال الوحشية من أحد الجانبين مع تبرير أفعال الآخر. لقد اختطفت حماس رضيعا إسرائيليا عمره ثمانية أشهر يدعى كفير بيباس. وتعرض أطفال فلسطينيون «للقتل والجوع والتجمد حتى الموت» حسبما قال رئيس الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة توم فليتشر حيث لقي أكثر من ثلاثة آلاف طفل ممن تقل أعمارهم عن خمس سنوات مصرعهم في غزة، بحسب منظمة Save the Children [أنقذوا الأطفال].

لم تبد إسرائيل كثيرا من الإنسانية تجاه أطفال غزة، وحسبما تبين لتحقيق أجرته هذه الصحيفة فإن السلطات الإسرائيلية أضعفت بشدة من حمايات المدنيين خلال القصف، ولكن حماس لا تختلف عنها في ذلك. وفي مرحلة ما قال يحيى السنوار في رسالة خاصة: إن إراقة دماء المدنيين الفلسطينيين سوف تفيد القضية، بحسب ما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال.

والآن لدينا وقف لإطلاق النار، لكن تراه يزيد عن توقف مؤقت؟ غالبا ما أحتكر سوق الأمل، لكن يصعب عليّ التفاؤل تجاه الشرق الأوسط في ما يتعلق بالسلام.

لقد ازداد العنف في الضفة الغربية، وخرج المستوطنون عن السيطرة حتى بعد أن رفع الرئيس ترامب العقوبات المفروضة عليهم، والحديث كثير عن ضم إسرائيل للضفة الغربية وهو ما سيعني بصورة شبه أكيدة إنكار حقوق الفلسطينيين الديمقراطية.

في الوقت نفسه، دفع المفاوضون بشأن غزة القضايا الأكثر تعقيدا إلى مراحل لاحقة من هذا الاتفاق. وهذا دأب المفاوضين في الشرق الأوسط، لأنه السبيل الوحيد لتحقيق أي شيء. ولكنني أتصور أننا لن نصل إلى نهاية المرحلة الثانية والمرحلة الثالثة من اتفاق وقف إطلاق النار هذا، تماما كما لم نصل إلى نهاية عملية السلام في أوسلو.

ولو أنكم أمعنتم النظر، فمن الممكن أن تتخيلوا طريقا إلى الأمام في حقل الألغام بقيادة ترامب ووزير الخارجية ماركو روبيو، باستخدام النفوذ الذي تتمتع به أمريكا على إسرائيل كصديقة ومورد للسلاح. ومن شأن هذا أن يعني طريقا إلى دولة فلسطينية في مقابل اعتراف السعودية بإسرائيل، وأنا أشك في حدوث ذلك ولكن يحسب لترامب أن الضغوط التي مارسها هو وفريقه ساعدت في تحقيق وقف إطلاق النار.

إن أي بنية للسلام الدائم سوف تنطوي على مفاوضات معقدة مع المملكة العربية السعودية والعديد من اللاعبين الآخرين، إلى جانب تنازلات مؤلمة من الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء. ولكن أي سلام سوف يتطلب في نهاية المطاف أساسا أخلاقيا فضلا عن الأساس الجيوسياسي.

ولا أعتقد أن حماس وإسرائيل متكافئتان أخلاقيا: ففي زياراتي إلى غزة قبل الحرب، كنت أرى دائما أن حماس قمعية وكارهة للنساء وكارهة للمثليين، في حين أن إسرائيل أفضل من بنيامين نتنياهو ولديها مجتمع مدني ثري وديمقراطية نابضة بالحياة داخل حدودها. ومع ذلك، ما من هيراركية للحياة البشرية: فأنا أؤمن تماما بالتكافؤ المعنوي بين الأطفال الفلسطينيين والإسرائيليين والأمريكيين ـ والاعتراف بهذه الإنسانية المشتركة هو أفضل أساس للسلام الدائم.

نيكولاس كريستوف من كتاب الرأي في نيويورك تايمز منذ عام 2001.

خدمة نيويورك تايمز

مقالات مشابهة

  • العائدون إلى أراضيهم في غزة: لولا مصر ما عشنا هذه اللحظات الحلوة
  • هقاضيهم كلهم.. والد آلاء عبدالعزيز يكشف مفاجأة بشأن ابنته
  • نقل ناشطة حقوقية معتقلة في تونس للعناية المركزة بعد تدهور صحتها
  • خلاف عائلي ينتهي باشتباكات دامية: تخلف قتلى وجرحى
  • بلا دولة... الفلسطينيون كلهم لاجئون
  • في أنقاض غزة حيث الأحياء يحسدون الموتى
  • تقرير أممي: 13 ألف طفل فلسطيني استشهدوا جراء العدوان على غزة
  • المواعيد الجديدة على خطي (القنطرة شرق/ بئر العبد) و(بشتيل/ كفر داود/ السادات)
  • مواعيد القطارات على خطى القنطرة شرق - بئر العبد والعكس وبشتيل - كفر داوود - السادات
  • تزامناً مع بدء عملية تبادل الأسرى... ماذا شهد مُخيّم عين الحلوة اليوم؟