«جرافيتى المقاومة».. وسيلة «فتاة عشرينية» لتوثيق الجرائم: «مستمرون.. وسنتجاوز الصعوبات والألم»
تاريخ النشر: 12th, January 2024 GMT
بعلبة ألوان وفرشاة صغيرة، ترسم الفنانة الفلسطينية «أمل أبوالصباح»، عشرينية، جداريات فوق أنقاض المنازل والمبانى المدمّرة شرق مدينة رفح، أقصى جنوبى قطاع غزة، تحاول إخفاء معالم الدمار برسائل صمود للسكان، وكأن «فرشاتها» تقول إنه لا مكان للقبح والموت على هذه الأرض، تحاول محو صورة الدم برسومات للأطفال بألوان العلم الفلسطينى، كما توثّق على الجدران المقصوفة أعداد الشهداء والمجازر وأيام العدوان الإسرائيلى على مدينتها.
تقول «أمل»، فى حديثها لـ«الوطن»، إنها نزحت من وسط القطاع نحو الجنوب بعد استهداف منزلها: «حملت الأشياء اللى غالية عليّا وكانت الألوان هى أول شىء حطيته بالشنطة، زيها زى ملابسى وفلوسى»، وتستلهم الفنانة النازحة أفكار الجداريات من الأحداث الدموية التى يشهدها القطاع منذ أكثر من 3 أشهر: «الفكرة جاية من داخل الروح، ومن داخل الركام، ومن عمق الأزمة، وبحرص أكتب جملة Gaza 2024 فى كل رسوماتى على كل جدار، علشان لما الحرب توقف نكون موثقين إن غزة بتضلها عايشة وهتضل هيك».
ترى «أمل» أنّ على كل فلسطينى توثيق ما يجرى فى القطاع بالوسائل المتاحة له: «يعنى أنا فنانة، وبالتالى لازم أوصل رسالتى للعالم من خلال مهنتى، فى سبيل إنى أضل أوصل صوتنا وصورتنا للعالم خاصة للدول اللى بتدعم الاحتلال»، فيما تكتب الفتاة العشرينية على الجداريات أيضاً أعداد الشهداء والضحايا من الأطباء والصحفيين: «دول الفئتين المفروض لهم حماية خاصة، بس الاحتلال مجرم وما بيفرق بين الناس، وكل واحد لسه متمسك بأرضه فهو هدف للصواريخ والقذائف، والإعدامات الميدانية كمان»، ورغم الألم والعدوان فإنّ «فنانة الحرب» لا يزال لديها أمل فى العودة إلى كل مخيمات وأحياء القطاع: «من خلال تطوعى فى الرسم فأنا باوصل رسالتنا كفنانين إننا مستمرين وصامدين، ومش هنفقد الشغف، وسنستغل هذه الظروف الصعبة فى تفريغ ما بداخلنا، وسنُحاول تجاوز هذه الصعوبات».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: جريمة القرن حرب الإبادة الإسرائيلية
إقرأ أيضاً:
لا توقفوا الحديث عن غزة.. وصية مراسل الجزيرة مباشر حسام شبات للعالم
غزة- في ظل الحرب المستمرة على غزة، كان مراسل قناة الجزيرة مباشر حسام شبات صوتا قويا يروي معاناة شعبه في لحظات الخطر، موجها كاميرته نحو ما تحاول إسرائيل إخفاءه.
شاب في ريعان شبابه، اختار أن يكون في مقدمة المشهد الإعلامي، يوثق كل لحظة قصف وكل قطرة دم، ليكشف للعالم ما تعيشه غزة، وقبل استشهاده، ترك وصية تم تناقلها بشكل واسع عبر شبكات التواصل الاجتماعي، طلب فيها بوضوح أن تستمر تغطية معاناة سكان قطاع غزة، وكتب فيها "إذا كنتم تقرؤون هذا، فهذا يعني أنني قُتلت، على الأرجح مستهدفا على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي".
وتابع "على مدار الـ18 شهرا الماضية، كرّست كل لحظة من حياتي لشعبي، وثّقت الأهوال في شمال غزة دقيقة بدقيقة، مصمما على أن أُظهر للعالم الحقيقة التي حاولوا دفنها".
وأردف "نمت على الأرصفة، وفي المدارس، وفي الخيام، أينما استطعت، كان كل يوم معركة من أجل البقاء، تحملت الجوع لشهور، ومع ذلك لم أفارق شعبي أبدا، الآن، أخيرا استرحت، وهو أمر لم أعرفه خلال الـ18 شهرا الماضية".
وطلب في وصيته "أسألكم الآن: لا تتوقفوا عن الحديث عن غزة، لا تدعوا العالم يُشيح بنظره عنها، استمروا في النضال، واستمروا في رواية قصصنا، حتى تتحرر فلسطين" خاتما وصيته بالتوقيع: "للمرة الأخيرة، حسام شبات، من شمال غزة".
إعلان مسألة وقتولد حسام شبات في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2001 في بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، ونشأ وسط عائلة عريقة، ودرس الصحافة في الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية بغزة.
بدأ شبات عمله الصحفي منذ صغره، ففي عام 2016، وحينما كان يبلغ من العمر 14 عاما فقط، أنشأ منصة "إعلام بيت حانون" على شبكات التواصل الاجتماعي، للحديث عن بلدته ونقل مشاكلها، بحسب شقيقه صلاح، الذي يضيف للجزيرة نت "منذ صغره، كان أخي عاشقا للصحافة، وكان مبادرا يسعى لإثبات نفسه، وبعد دراسته للإعلام في الجامعة بدأ بالعمل مع وكالات أنباء محلية".
وخلال الحرب، التي بدأت إسرائيل بشنها على القطاع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، عمل حسام مراسلا "متعاونا" مع العديد من وكالات الأنباء العالمية، والفضائيات العربية، إلى أن استقر مراسلا لقناة الجزيرة مباشر.
ويشير شقيقه إلى أن حسام كان "على يقين أنه سوف يستشهد"، وأضاف "بعد التهديدات التي تلقاها من الاحتلال، كان يعلم أن الاحتلال سوف يستهدفه قريبا، وأصبحنا نحن عائلته على يقين بأن استشهاده مسألة وقت، لكننا نحمد الله على كل حال".
وفي معرض حديثه عن صفاته الشخصية، يقول شقيقه صلاح إنه كان "كريما للغاية، وهذه من أبرز صفاته، حتى في لحظاته الأخيرة، كان يفكر بالآخرين، إذ كان من ضمن وصاياه لنا: ديروا بالكم على الناس، وقبل أن يستشهد بقليل، كان يوصينا بإحضار دواء لأحد المرضى"، وأكمل "كان حسام بارا بوالديه وبإخوته جميعا، لم يكن مجرد صحفي، بل كان إنسانا يحمل هموم الناس في قلبه".
يتحدث مراسل قناة الجزيرة في غزة محمد قريقع عن زميله الشهيد حسام شبات قائلا "عرفتُ حسام منذ بداية الحرب، رغم أن مسيرته الصحفية كانت قصيرة، إذ لم يتجاوز عمره 23 عاما، فإنها كانت مؤثرة للغاية".
إعلانوأضاف "استطاع الشهيد أن يصل إلى العالم العربي والدولي من خلال المقاطع المصورة التي كان يلتقطها لحظة القصف الإسرائيلي، وفي اللحظات الأولى للنزوح والانتهاكات الإسرائيلية".
"حسام لامس بكاميرته وصوته أوجاع الناس الموجودين في مراكز الإيواء والخيام، وكان منسجما مع معاناتهم تماما، وهذا ما صنع له قاعدة شعبية ليست بسيطة" يقول عنه قريقع، "كان مع المواطن أينما كان، لحظة نزوحه، ولحظة تعرضه للقصف الإسرائيلي، ولحظة مواجهته للموت، أنجز الكثير من المواد الإعلامية التي بُثت على منصته في إنستغرام وعلى قناة الجزيرة مباشر".
وتابع "كان يزود العالم بالكثير من المواد الإعلامية، وهذا إنجاز كبير للفلسطينيين كافة، لأنه أظهر معاناتهم في وقت كانت فيه إسرائيل تمنع دخول الصحفيين الأجانب لتغطية الأحداث، سدّ حسام هذا الفراغ، وكان بمثابة عين العالم داخل غزة".
وأشار قريقع إلى أن حسام تعرض للكثير من الأخطار خلال عمله، لكنه نجا منها، ومع ذلك "لم يتراجع أبدا، شجاعته لا مثيل لها، كان بلا منافس في جرأته، ودائما يكون أول الواصلين إلى مواقع القصف، يوثّق اللحظات الأولى للعدوان".
وختم بالقول إن "حسام كان ينظر للعمل الصحفي كرسالة وليس كمهنة، لم يكتفِ برصد أوجاع الناس، بل كان يقف معهم إنسانيًا، يساعدهم في نقل جالونات المياه، وحمل أمتعتهم، ويؤمن أن هذه رسالة شعب مظلوم أكثر من كونها مجرد وظيفة".
بدوره، يتحدث صديقه الصحفي يوسف فارس عن لحظاتهم الأخيرة معا ومسيرته، مشيرا إلى أنه يمتلك "شجاعة تصل إلى حد التهور، وبساطة تقترب من براءة الأطفال".
ويقول فارس للجزيرة نت "حسام كان بريئا جدا، بقلب وملامح وتصرفات طفل كبير، لكنه كان مندفعا حد الشجاعة المفرطة، كنا دائما نطلب منه كبح جماح اندفاعه، لكنه لم يكن يعرف الخوف، في أكثر من مرة، كان يصل إلى الحدث في اللحظة التي يسقط فيها الصاروخ الثاني، وكان على وشك الاستشهاد عدة مرات، لكنه لم يتوقف".
وتابع "كان محبوبا جدا من زملائه، فكنا كعائلة، وكنا نرجوه أن يحافظ على نفسه، لكنه كان شغوفا بمهنة الصحافة لدرجة الجنون، فقد وجد فيها روحه، كنا ننسحب خوفا عند اشتداد القصف، لكنه كان يتقدم للتغطية، وكان هذا الأمر يخيفنا على حياته".
وأكمل "رغم سنه الصغير، ورغم محدودية تجربته الصحفية، فإنه حفر لنفسه مكانة مهمة، جميع الجهات التي عمل معها سابقا لم تكن تستطيع التفريط به، لأنه كان يملأ فراغا لا يستطيع أحد سواه ملأه، وهو خانة اللحظة الأولى والصورة الأولى".
إعلانويتابع "إذا كان هناك نازحون، يكون حسام بينهم، وإذا كان هناك مصابون، يكون وسطهم، وإذا خرجت سيارة دفاع مدني، يكون معهم".
وختم فارس حديثه عن صديقه بالقول "الله حبا حسام بقبول كبير بين الناس رغم بساطته وعفويته، لأنه كان يشبههم، كان يشبه الأرض وناسها وأهلها".