"ممددا على سرير المشفى منذ يومين ولا يعي ما يجري حوله. بين ساعة وأخرى يتعرض لتشجنات عصبية حادة.. لم يستقر وضعه وهو في العناية المركزة".. هي حالة الطفل السوري "أحمد.ز" بعد تعرضه لتعذيب وحشي "لا يتخيله عقل"، كما يروي والده المقيم في مدينة غازي عنتاب التركية لموقع "الحرة".

الحادثة أحدثت ضجة كبيرة داخل الأوساط التركية والسورية خلال الساعات الماضية ودفعت معلقين عبر مواقع التواصل الاجتماعي للدعوة لمحاسبة المرتكبين وتطبيق أشد العقوبات بحقهم، بعدما تم الكشف عن تفاصيل التعذيب الذي تعرض له الطفل ذو الرابعة عشرة من عمره على يدهم.

ووفق روايات متقاطعة لأقرباء أحمد وأبيه ونشطاء حقوقيين بينهم الناشط السوري طه الغازي بدأت القصة بعدما انتهى الطفل "أحمد.ز" من لعبة كرة القدم في إحدى المدارس القريبة من حي جمهورييت في مدينة غازي عنتاب.

وفي أثناء اللعب تجادل مع بعض الأطفال الأتراك، وعلى إثر ذلك أبلغت إحدى الطالبات ذويها، ما دفعهم للتوجه باتجاه أحمد وضربه، ومن ثم وضعه في سيارة وأخذه لمنطقة نائية، إلى أن بدأت واقعة التعذيب. 

تعرض الطفل وهو يتيم الأم عندما كان بعمر العام الواحد للتعذيب بشتى الوسائل، كما يوضح الناشط الحقوقي الغازي لموقع "الحرة" وعمه الذي تحدث عن الواقعة لوسائل إعلام سورية.

ويقول الغازي: "قاموا بضربه بأدوات معدنية وبنتف شعره ووضعه في فمه، كما أوهموه بإقدامهم على خنقه عبر وضع كيس على وجهه"، وهي الرواية التي سردها أبيه وعمه حسن لوسائل إعلام سورية محلية.

ويشرح الناشط الحقوقي المتابع لقضية الطفل الموجود في مشفى مدينة غازي عنتاب الحكومي أن مجموعة الأفراد التي اختطفت أحمد "أحرقت لسانه أيضا خلال عملية التعذيب وأجزاء من جسمه بأعقاب السجائر".

كما "أدخلوا أدوات معدنية (مفاتيح) في منطقة الشرج، ومن ثم تركوه على قارعة الطريق ظنا أنه مات".

لكن وبعد العثور عليه يشير والده إلى أنهم أسعفوه ونقلوه إلى إحدى المشافي الحكومية (شهير) وما يزال تحت المراقبة الطبية حتى الآن، مع عدم قدرته على الحديث أو التواصل مع محيطه.

"ولاية غازي عنتاب تتحرك"

ومنذ أمس الخميس انتشر هاشتاغ عبر مواقع التواصل الاجتماعي حمل عنوان "أحمد نجا من الموت"، واستنكر مستخدمون سوريون وأتراك من خلاله طريقة التعذيب التي تعرض لها الطفل أحمد، وحمّل البعض منهم المسؤولية للسياسيين القائمين على نشر خطاب الكراهية.

والد الطفل أوضح لموقع "الحرة" أن والي غازي عنتاب، كمال تشيبر زارهم في مشفى شهير الحكومي الجمعة، وتعهد "بمتابعة القضية على أعلى المستويات"، حتى محاسبة الجناة.

وقبل ذلك أصدرت الولاية بيانا جاء فيه قوات الأمن ألقت القبض على شخصين بصفتهم "متسببين بالحادثة، واعتقلوا بأمر من المحكمة".

وأضاف البيان: "وعبر فحص سجلات الأرشيف للأشخاص المذكورين، تبين أن لدى (H.Ö) ثلاث سجلات جرائم سابقة بسبب الإصابة الناجمة عن الإهمال".

ولا تعتبر حادثة الطفل أحمد الأولى التي يتعرض لها أطفال سوريون في المدن التركية، بل تكررت الحالة لأكثر من مرة.

قبل أسبوع كانت محكمة الجنايات العليا في كلّس قررت استمرار اعتقال المتهمين التركيين بقتل الطفلة السورية غنى مرجمك ورميها في بئر، في الرابع من أبريل الماضي.

وفي أكتوبر الماضي تعرضت طفلة سورية تدعى شام وتبلغ من العمر 13 عاما للطعن على يد طفل تركي آخر، يدرس معها في المدرسة نفسها، في ولاية غازي عنتاب.

وسبق وأن سلط موقع "الحرة" الضوء على حادثة ضرب وحشي كان ضحيتها الطفل السوري محمد الأحمد في حي أوندر بالعاصمة أنقرة.

ويرى الناشط الحقوقي، طه الغازي أن "واقعة الطفل (أحمد.ز) تذكّر أيضا بحادثة سابقة جرت في مايو في 2022 عندما اعتدى مواطن تركي على مسنّة سورية في مدينة غازي عنتاب". وأثارت تلك الحادثة التي حصلت قبل عامين ضجة داخل الأوساط التركية والسورية.

ويقول الغازي لموقع "الحرة" إن هذه الأحداث "باتت تمثل جانبا من العنف المجتمعي ضد اللاجئين السوريين في تركيا".

ويضيف أن "السلوكيات ذات الطابع العنيف لدى فئة معينة من المجتمع التركي هي جزء لا يتجزأ من مشاعر الكراهية والعنصرية لذات الفئة".

ومن أكثر من 3 سنوات يعاني السوريون في تركيا من حملات التحريض والكراهية التي تنظّم ضدهم، من قبل شخصيات تحسب على التيار المتطرف في البلاد، وعلى رأسها زعيم "حزب النصر"، أوميت أوزداغ.

ورغم أن السلطات التركية اتخذت إجراءات قبل أشهر ضد حسابات تحرض ضد اللاجئين والعرب عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتثير خطاب الكراهية والاستفزازات يجادل حقوقيون بشأن فعالية ذلك، ويقولون إن علاج المشكلة يتطلب خطوات أكبر.

ويعتقد الحقوقي الغازي أن "المشاعر والسلوكيات العنصرية انتقلت اليوم وللأسف إلى مرحلة العنف المجتمعي"، وأن "الأمر يعزى لأسباب عدة".

ما الأسباب؟

أولى الأسباب كما يشرحها الغازي تتعلق بـ"خطاب الكراهية والتمييز العنصري الذي ما يزال يحرض عليه بعض الساسة سواء كان فيما يتعلق بتيارات المعارضة أو فيما يتعلق ببعض المعلومات الخاطئة التي يتم تقديمها من قبل شخصيات حكومية".

ولا يقترن خطاب الكراهية بالمشاعر فحسب، بل "يكون هذا السلوك العدواني مبنيا بالأساس على تقديم معلومات خاطئة من قبل قيادات في الحكومة"، كما يقول الناشط الحقوقي.

ويتحدث عن سبب آخر يتعلق بـ"غياب الرغبة الحقيقية لدى الحكومة في مساءلة ومحاسبة كل من يحرض على الخطاب وكل من يكون جزءا بسلوكياته ضد اللاجئين".

ومنذ 7 سنوات هناك وقائع كثيرة قتل على إثرها شبان سوريين في تركيا ولم يكون "هناك إجراءات رادعة تجرم خطاب العنصرية"، حسب الغازي. 

ويشير إلى أن سبب ثالث تعود جذوره إلى "الغياب التام لمؤسسات المعارضة السورية والمنظمات واللجان الملحقة بها لمتابعة أمور اللاجئين".

ويضيف: "هذه الحالة لها دور سلبي، وتعطي فكرة أن اللاجئ السوري وحيدا ولا توجد أي جهة تناصره وتدافع عن حقه".

الباحث السياسي والأكاديمي التركي، مهند حافظ أوغلو يوضح أن "أصل المشكلة لما جرى للطفل أحمد أو ما يجري لغيره يتعلق بأن العقوبات الرادعة لهذا التطرف السلوكي وللعنصرية ضعيفة".

وبالتالي "تكون القوانين الرادعة مغيبة عن هذا الواقع"، وفق حديث حافظ أوغلو لموقع "الحرة".

ويعتقد الباحث السياسي أنه "لو وجدت عقوبات رادعة وقاسية بحق ساسة الأحزب المعارضة كأوميت أوزداغ لرأينا أن الأمر سينعكس بالإيجاب".

ويضيف أن "ترك هذا الملف فقط ما بين التنديد وعدم القبول والتحذيرات وعدم التحول إلى عقوبات ثقيلة يبقي من الأمر على ما هو عليه، بل ويزداد بشكل مضطرد".

"خطر على الأمن القومي"

ورغم خفوت حملات الكراهية ضد اللاجئين في البلاد على إثر الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها وزارة الداخلية في البلاد ما تزال أصوات القائمين عليها تتردد وبشكل متواتر عبر مواقع التواصل الاجتماعي. 

ودائما ما يحذر ناشطون وصحفيون أتراك من الحملات ومخاطرها، وحتى أن مسؤولين أتراك اتجهوا خلال الأسبوعين الماضيين لاعتبار السياسيين القائمين على التحريض والاستفزاز "خطر على الأمن القومي".

الصحفي التركي، فرقان أرتان نشر تغريدة على "إكس" تتضمن تسجيلا مصورا للطفل أحمد، وقال: "تعرض طفل سوري في غازي عنتاب يبلغ من العمر 14 عاما لتعذيب مماثل لما يمارسه نظام الأسد".

وطالب أرتان بمحاسبة أفراد ومؤسسات لم يسمها، بكونها بدأت تشكل خطرا على الأمن القومي التركي، مضيفا: "من الواضح من هو سبب هذه الكراهية والتعذيب، ولابد الآن من اتخاذ الخطوات اللازمة ضد الأفراد والمؤسسات التي أصبحت تمثل مشكلة على الأمن القومي لتركيا".

الناشطة والصحفية التركية، إسراء الأونو عبرت عبر "إكس" أيضا عن رفضها الاعتداء الحاصل على الطفل أحمد بسبب كونه سوريا.

وقالت: "هذا الطفل ليس وحيدا!! أي إنسان تعرض للظلم ليس وحيدا. تعرض للضرب والتعذيب والتحرش، وأُلقي به على جانب الطريق بعد أن ظنوه ميتا.. عمره 14 سنة ونعم هو سوري!! الضمير يتبع جنسية الرحمة، والنذالة تخضع لأمر القسوة".

وطالب الصحفي التركي، فرقان بلوكباشي بسجن زعيم حزب النصر، أوميت أوزداغ ، وقال إنه "سمم عقول الناس بالأكاذيب لمدة ثلاث سنوات، مما أدى بنا إلى هذه النقطة المخزية".

وتابع: "لو كان في أي مكان آخر في العالم، لكان قد حُكم ونال عقابه بالفعل، لكنه لا يزال يهدد الجميع وهو يسير بحرية. يكفي، أوقفوا هذا المجنون الآن".

ويعتبر الناشط الحقوقي الغازي إلى أن "صورة اللاجئ السوري باتت اليوم في ذهنية المجتمع التركي على أنه مستضعف، وبالإمكان الاعتداء عليه، بينما لن تكون هناك جهة تدافع عنه أو تطالب بحقوقه".

ويقول إنهم دعوا خلال السنوات الماضية المؤسسات السورية لمتابعة قضايا اللاجئين السوريين، وحشد الدعم القانوني من قبل الهيئات والمنظمات الحقوقية التركية، مضيفا أن "الهدف من وراء ذلك كان لإيصال رسالة للفئات العنصرية بأن اللاجئ ليس وحيدا ولديه من يدافع عنه".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: عبر مواقع التواصل الاجتماعی على الأمن القومی الناشط الحقوقی خطاب الکراهیة ضد اللاجئین فی ترکیا إلى أن من قبل

إقرأ أيضاً:

قصّة مروّعة من صيدنايا.. تعذيبٌ طال سائقاً على خط عمّان - بيروت

"معروف عن السجون والأفرع الأمنية في سورية بأن الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود، لم أكن أحلم يوما بأنني سأخرج من السجن، على الأقل لن أخرج منه حيا أو هكذا ظننت".     
بهذه الكلمات يروي الأردني إبراهيم سليم فريحات سائق السفريات بين عمان ودمشق وبيروت مرحلة اليأس الإحباط التي وصل إليها حين كان  يقبع في الزنزانة عاريا، تنهشه أنياب الرطوبة والبرد، وتخز أنفه رائحة العفن، بينما يقضي حكما جائرا وقع عليه بعد اعتراف انتُزع منه بأشد الطرق الوحشية واللاإنسانية على الإطلاق.
بداية القصة تعود إلى الثالث والعشرين من آذار عام 2008 عندما كان إبراهيم على وشك الانطلاق من عمان باتجاه دمشق مع حمولته من الركاب. 
يومها، طلب منه أحدهم أن يوصل أمانة إلى شخص آخر في دمشق، إذ من المألوف أن يرسل الناس الهدايا والطرود بين العواصم مع سائقي السفريات.
كانت الأمانة عبارة عن حقيبة أراد الشخص المرسِل أن تكون هدية لأحد أصدقائه، ولأن الحقيبة فاخرة وفارغة لم يتردد إبراهيم في حمل الأمانة كما طلب منه.


وصل إبراهيم إلى دمشق وأوصل ركابه بسلام، واتصل بصاحب الحقيبة وحدد معه مكاناً للتسليم. لم يكن يعلم أن هذه اللحظة ستغير حياته إلى الأبد. فور تسليمه الحقيبة، أحاط به مسلحان ووضعا مسدسيهما على ظهره قبل أن يقيدانه ويعصبان عينيه ويلقيانه في سيارتهما... وكانت تلك بداية رحلته نحو المجهول.
انتهى المطاف بإبراهيم في أحد الأفرع الأمنية السورية، والمعروف باسم فرع فلسطين، وهناك تبين له أن الحقيبة كانت تحتوي على رسالة حول معلومات عن الجيش السوري مخفية داخل بطانة الحقيبة.
واجه إبراهيم أساليب تعذيب قاسية، شملت الصعق الكهربائي، التعليق من اليدين لمدة يومين، والتجويع. لم تكن هذه الأساليب تهدف فقط إلى انتزاع اعترافات، بل أيضاً إلى كسر الروح الإنسانية. إبراهيم، الذي أقسم عدم معرفته بمحتوى الرسالة أو أي نشاط مخالف، وجد نفسه، وحيداً ومحاطاً بالشكوك والتهم.
لم يكن الألم الجسدي هو الجانب الوحيد من معاناة إبراهيم. في زنزانة انفرادية، كان يقضي أيامه محاطاً بالصمت والخوف، والشوق للأهل والأحباب.
وهكذا تحول إبراهيم من مواطن يتمتع بكل حقوقه إلى مجرد رقم فصار اسمه السجين رقم "31".
بعد تعذيب شديد، وقف إبراهيم أمام محكمة أمن الدولة العليا في سوريا، ووُجهت إليه تهم التخابر مع جهات معادية ونقل معلومات عسكرية، وحُكم عليه بالسجن لمدة تجاوزت العقدين. 
لم تكن المحاكمة سوى إجراء شكلياً لتثبيت الحكم؛ حيث لم يتمكن إبراهيم من الدفاع عن نفسه، ونقل إلى مسلخ سوريا البشري "سجن صيدنايا".
وبينما هو غارق في اليأس في زنزانته التي قضى فيها نحو 17 عاما ضج السجن وعلت التكبيرات في جنباته، وكأنه يوم القيامة. رجال مسلحون يفتحون أبواب السجن وسط ذهول المساجين الذين راحوا يتدافعون لاستنشاق عبق الحرية بعد سنوات عجاف التهمت أجسادهم وأرواحهم.
"سقط نظام الأسد" تلك الكلمة التي ترددت في أجواء السجن وقوبلت بفرح عارم لا يقل نشوة عن نشوة الحرية.
بخطوات مترنحة، سار إبراهيم لمسافة تصل إلى 35 كيلو متراً حتى وصل إلى العاصمة دمشق وهناك التقى بمجموعة من الشباب الذين ساعدوه على العودة إلى الأردن، حيث التقى أخيراً بعائلته.
إبراهيم اليوم بات بين أهله، لكنه يعيش مع ذكريات محفورة على جدران ذاكرته كتلك النقوش التي وجدت على جدران زنازين سجن صيدنايا. (الحرة)

مقالات مشابهة

  • تركيا تكشف عن العدد المهول للطلاب السوريين الذين تخرجوا من الجامعات التركية
  • قصّة مروّعة من صيدنايا.. تعذيبٌ طال سائقاً على خط عمّان - بيروت
  • استقالة تثير الجدل في تركيا
  • عايز اشوفه تاني.. القصة الكاملة لـ الطفل الباكي أمام شيخ الأزهر في الأقصر (فيديو)
  • جلس على كرسي الرئيس.. تيكتوكر سوري يثير الجدل بصورة له في القصر الرئاسي بدمشق
  • وفاة رابعة لطفل في غزة بسبب البرد
  • أسعار الزيتون التركي في هولندا تثير الجدل في تركيا.
  • أردوغان يعلن افتتاح القنصلية التركية في حلب
  • احتمالية حدوثها واحد في الألف.. حادثة نادرة جدًا تقع في تركيا
  • تركيا: 25 ألف سوري عادوا إلى بلدهم