سلط أستاذ السياسة العربية الحديثة والتاريخ الفكري بجامعة كولومبيا الأمريكية، جوزيف مسعد، الضوء على ما كشفه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة من طبيعة الصهيونية كـ "طائفة إبادة جماعية" حسب تعبيره، مشيرا إلى أن قرار محكمة العدل الدولية لشأن ممارسات جيش الاحتلال في غزة قد يمثل منطلقا لتحرر الفلسطينيين.

وذكر مسعد، في مقال نشره موقع "ميدل إيست آي" (MEE) وترجمه "الخليج الجديد"، أن توصيف "الأكثر عنصرية" للحكومة الإسرائيلية الحالية، بقيادة بنيامين نتنياهو، بات محل إجماع التيار الرئيسي في الغرب، وهو ما جاء تاليا لاستقرار توصيف منظمات حقوق الإنسان الغربية الرئيسية لإسرائيل بأنها دولة "فصل عنصري" منذ تأسيسها.

وأضاف أن نفس الحكومة، التي كانت موضع إدانة دولية، هي التي تشن حرب الإبادة الجماعية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني، ومع ذلك فإنها تحظى بالدعم والتسليح والتمويل من الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، الذين تناسوا انتقاداتهم السابقة ولم يتراجعوا عن تبرير الجرائم و

وبات السؤال المطروح على نحو متزايد، بحسب مسعد، هو: هل غالبية اليهود الإسرائيليين تنطبق عليهم أوصاف حكومتهم أيضًا؟ وهل حكومتهم ليست انعكاس لثقافتهم السياسية السائدة؟

ليست هامشية

وهنا يشير مسعد إلى ما لاحظه رئيس تحرير موقع "ميدل إيست آي"، ديفيد هيرست، مؤخراً بشأن أولئك الذين يعبرون عن عنصرية الإبادة الجماعية بين اليهود الإسرائيليين، بما في ذلك الجنود والفنانين والسياسيين، وبالتالي فهذا الفكر لم يعد هامشياً، بل يمثل ما يعتقده التيار السائد في إسرائيل من تأييد للإبادة الجماعية والعنصرية والفاشية، وهو ما يعبرون عنه عندما يتحدثون عن الفلسطينيين دون خجل، بل بفخر.

ووفقاً لاستطلاعات الرأي التي أجراها معهد الديمقراطية الإسرائيلي ومؤشر السلام التابع لجامعة تل أبيب، فبعد أكثر من شهر من بدء العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة، قال 57.5% من اليهود الإسرائيليين إنهم يرون أن قوات الجيش الإسرائيلي تستخدم قوة نيران "قليلة جدًا" في غزة، بينما قال 36.6% إن الجيش الإسرائيلي يستخدم قدرًا مناسبًا من قوة النيران، وقال 1.8% فقط إنهم يعتقدون أن الجيش يستخدم قدرًا كبيرًا من القوة النارية.

وهنا يلفت مسعد إلى أن عنصرية الحركة الصهيونية منذ بدايتها معروفة وموثقة، ولذا فقد شرعت دائما في تطهير فلسطين عرقيا من سكانها الأصليين، وهو ما عبرت عنه الصحافة الإسرائيلية مؤخرا، عبر مقالات تصور التطهير العرقي الذي تخطط له إسرائيل لفلسطينيي غزة وطردهم المحتمل إلى سيناء المصرية وتصوره على أنه "أمر رائع" و"واحد من أكثر الحلول المناسبة لضمان مستقبل سلمي لسكان غزة".

اقرأ أيضاً

إسرائيل تتحرك دوليا لمواجهة قضية الإبادة الجماعية أمام العدل الدولية

ويشير مسعد إلى أن هذا الاقتراح من الممكن أن يواجه باقتراح مماثل بانتقال المستعمرين اليهود في إسرائيل طوعا إلى الولايات المتحدة وأوروبا، وخاصة ألمانيا، لضمان حقوقهم وامتيازاتهم، باعتبارهم أنسب البلدان لهم؛ لأن المسؤولين والمثقفين الإسرائيليين غالباً ما يزعمون أنهم يعيشون في محيط يشبهونه بـ"الغابة".

هذا التعبير هو ما وصف به منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، العالم غير الغربي في العام الماضي، بينما وصف أوروبا بأنها "حديقة"، فيما شددت الرئيسة الألمانية للاتحاد الأوروبي، أورسولا فون دير لاين، أيضًا على أن "الثقافة اليهودية أوروبية" وأن "أوروبا يجب أن تقدر يهوديتها. حتى تتمكن الحياة اليهودية في أوروبا من الازدهار مرة أخرى".

ويضيف مسعد أن خطوة الهجرة الطوعية لليهود الإسرائيليين، الذين يحمل أكثر من مليون منهم بالفعل جوازات سفر أوروبية وأمريكية، من شأنها أن تنقذ الشعب الفلسطيني (والشرق الأوسط على نطاق أوسع) من العنف والحروب التي شنها الاستعمار الصهيوني منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر إلى قيام إسرائيل عام 1948 وما بعده.

ويضيف: "بدلاً من دفع إسرائيل ورعاتها الغربيين إلى التفاوض سراً مع الكونغو أو كندا لاستقبال الفلسطينيين، كما أورد تقارير مؤخراً، يتعين على الأمم المتحدة والدول العربية أن تحث الدول الغربية بكل حماس على الترحيب باليهود الإسرائيليين في وسطها".

التراث اليهودي

ومع كشف استطلاعات الرأي والتحليلات الأخيرة عن تأييد غالبية اليهود الإسرائيليين لإبادة الفلسطينيين جماعيا، فإن انتقالهم إلى أوروبا والولايات المتحدة "سيجلب لهم المزيد من السعادة وراحة البال"، حسب تعبير مسعد.

وفي هذا السياق، أكدت منسقة المفوضية الأوروبية لمكافحة معاداة السامية وتعزيز الحياة اليهودية، الألمانية، كاتارينا فون شنوربين، مؤخرا أن "أوروبا لن تكون أوروبا بدون تراثها اليهودي"، وأوضحت: "التراث اليهودي جزء من الحمض النووي لأوروبا. وكمؤسسات أوروبية، نريد حماية التراث اليهودي، والحفاظ عليه والاعتزاز به. وهذا جانب رئيسي لتعزيز الحياة اليهودية، وهو الهدف النهائي لاستراتيجية الاتحاد الأوروبي بشأن مكافحة معاداة السامية".

اقرأ أيضاً

الإبادة الجماعية في غزة.. متى بدأتها إسرائيل؟ وما أبشع جرائمها؟

وإزاء ذلك، يرى مسعد أنه من المفترض أن تفتح أوروبا أبوابها أمام اليهود، على عكس ما حدث في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، أو أن تفع ذلك الولايات المتحدة، التي رفضت قبول اللاجئين اليهود الفارين من النازيين وأعادت سفينة مليئة بهم في عام 1939 إلى أوروبا حيث لقي الكثير منهم حتفهم في معسكرات الموت التابعة لهتلر.

ويضيف: "لقد غادر عدد كبير من الأطباء النفسيين إسرائيل بالفعل نظرا لعبء العمل الكبير الذي زاد منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، ونظام الصحة العقلية الذي بات على شفا الانهيار"، مشيرا إلى أن ذلك ليس مفاجئاً، "لأن دعم ذبح الفلسطينيين منذ عام 1948 أصبح بمثابة عبادة للإبادة الجماعية بين جميع شرائح المجتمع والحكومة في إسرائيل".

ويتابع مسعد: "مثل جميع أعضاء الطوائف العنيفة، فالطريقة الوحيدة لإنقاذهم من أنفسهم هي إلغاء برمجتهم. ولا شك أن هذه ستكون عملية طويلة ومعقدة، وستتطلب في حالة العديد من اليهود الإسرائيليين، التراجع عن عقود من غسيل الأدمغة. ولعل نفس هؤلاء الأطباء النفسيين الذين غادروا إسرائيل يمكن أن يساعدوا في تفكيك برمجة اليهود في بيئة أوروبية آمنة لتخليصهم من ارتباطهم بالتطهير العرقي وحروب الإبادة الجماعية".

مستقبل فلسطين

وفي هذه الأثناء، تثير القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، والتي تتهم فيها إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية، إنذارات في البيت الأبيض وعواصم أوروبا الغربية، فهي ليست سوى الحلقة الأخيرة لاتهام إسرائيل بارتكاب جرائم.

فقبل عام، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على طلب فتوى من محكمة العدل الدولية بشأن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية بأغلبية 87 صوتاً مؤيداً و26 صوتاً معارضاً، و"كانت الأصوات المعارضة لنفس الدول التي تدعم اليوم حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة"، بحسب مسعد.

ويرى مسعد أن تاريخ هذا النوع من القضايا بمحكمة العدل الدولية يبشر بخير بالنسبة للفلسطينيين، إذ سبق للمحكمة أن نظرت، في قضية تفويض نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا لحكم مستعمرة "ناميبيا" بعدما رفض هذا النظام قرار إلغاء تفويضه بحكمها عام 1969.

 وعندما تحدت جنوب أفريقيا الأمم المتحدة ورفضت الانسحاب، أحيل الأمر في يوليو/تموز 1970 إلى محكمة العدل الدولية للحصول على رأي استشاري، وكان قرار المحكمة بتأييد انسحاب جنوب أفريقيا عام 1971.

ورغم أن جنوب أفريقيا لم تلتزم بالقرار أيضا، واستمر رعاة نظامها الغربيين بحلف شمال الأطلسي في دعم تكتيكات التأخير المتنكرة في صورة "عملية سلام"، واستخدموا حق النقض (الفيتو) ضد قرارات الأمم المتحدة التي دعت إلى فرض عقوبات على الدولة المتعصبة للبيض، إلا أن قرار محكمة العدل الدولية كان هو الأساس الذي أدى لاحقا إلى الاعتراف بحق الشعب الناميبي في تقرير المصير.

واستغرق الأمر "حرب تحرير" لناميبيا قبل حصولها على الاستقلال أخيرًا في عام 1990، ما يعني أن قرار محكمة العدل الدولية بشأن حرب الإبادة في غزة، قد "يبشر بالخير لنضال الشعب الفلسطيني ضد مستعمريه المتعطشين للدماء"، حال إدانته لإسرائيل، بحسب مسعد.

فالقرار لن يحقق التحرر وإنهاء الاستعمار بشكل فوري، لكنه سيعمل على تسريع هذه العملية بشكل ملموس حتى تفكك نظام التفوق اليهودي الإسرائيلي وإنقاذ الفلسطينيين من عبادة الإبادة الجماعية الصهيونية.

اقرأ أيضاً

تقرير: الغرب بعين العاصفة حال إدانة العدل الدولية لإسرائيل بالإبادة الجماعية لغزة 

المصدر | جوزيف مسعد/ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: بنيامين نتنياهو غزة الإبادة الجماعية إسرائيل الحركة الصهيونية الیهود الإسرائیلیین محکمة العدل الدولیة الإبادة الجماعیة جنوب أفریقیا إلى أن فی غزة

إقرأ أيضاً:

السعيد: إسرائيل تصعد هجماتها بشكل ممنهج في غزة وتنتهك القوانين الدولية (فيديو)

أكد الدكتور أسامة السعيد، رئيس تحرير جريدة الأخبار، أن ما أقدمت عليه سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال الساعات والأيام الأخيرة في قطاع غزة هو تصعيد ممنهج وإجراء أصبح معتاد من سلطة الاحتلال التي تنتهك كل المواثيق الإنسانية ومبادئ وقواعد حقوق الإنسان، منوهًا بأن الاعتداء على مستشفى كمال عدوان الذي يقدم الخدمات المواطنين ويأوي النازحين هي جريمة جديدة تضاف إلى سجل أسود من الجرائم الإسرائيلية.

قوات الاحتلال تعتقل مدير مستشفى كمال عدوان شمالي قطاع غزة غزة ولبنان وفوز ترامب وأوكرانيا.. أبرز محطات عام 2024 اعتداء قوات الاحتلال على مستشفى كمال عدوان

وأوضح «السعيد»، خلال مداخلة هاتفية ببرنامج «صباح جديد»، المُذاع عبر شاشة «القاهرة الإخبارية»، أن اعتداء قوات الاحتلال على مستشفى كمال عدوان هي جريمة متعمدة؛ لأنه واضح أن هناك هدف لدى إسرائيل وهو إخلاء منطقة شمال قطاع غزة والتخلص من السكان والإبادة الجماعية للسكان، بالقضاء على كل وسائل الحياة وكل وسائل المعيشة الممكنة، لدفع سكان الشمال إلى نزوح قسري من هذه المناطق.

المستشفيات وسيارات الإسعاف

وشدد على أن المستشفيات وسيارات الإسعاف والأطقم الطبية لم تسلم من الإجرام الإسرائيلي، مؤكدًا أنه يعتقد بتصاعد عمليات العدوان والإبادة ضد الفلسطينيين طالما مازالنا نشهد صمت عالمي وعجز مشين إيزاء الجرائم التي يرتكبها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني.

غزة بحاجة لمسارات إنسانية عاجلة

جدير بالذكر أن جوست هيلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط بمجموعة الأزمات الدولية، قال إن الوضع الراهن في غزة يتدهور بشكل كارثي، مؤكدا أن ما حققه الاحتلال الإسرائيلي خلال العام الماضي لا يعكس أي تحسن، بل أدى إلى تفاقم الأوضاع، خاصة أمام المجتمع الدولي

وأضاف هيلترمان خلال مداخلة عبر قناة «القاهرة الإخبارية»، أن هناك حاجة ماسة لفتح المسارات الآمنة لدخول الطواقم الإنسانية إلى غزة، مؤكدا أهمية التدخل الفوري لتهدئة الأوضاع، مشيرًا إلى أن الوضع الإنساني في شمال القطاع يستدعي تدخلًا عاجلًا من الأمم المتحدة ومنظماتها ذات الصلة.

وأشار هيلترمان إلى أن الوكالات الإنسانية المعنية في الولايات المتحدة أبدت قلقها من عدم حصولها على التصاريح اللازمة لدخول الأراضي الفلسطينية من قبل إسرائيل.

وأوضح أن حقوق الإنسان في غزة شهدت تدهورًا كبيرًا بسبب القيود الإسرائيلية، مما أدى إلى انخفاض أنشطة المنظمات الدولية، مشيرا إلى أن الدعم الأمريكي وبعض الدول لإسرائيل يتم دون وجود مؤسسات دولية قادرة على حماية المدنيين في غزة.

مقالات مشابهة

  • اليوم العالمي لمنع الإبادة الجماعية .. لا يشمل غزة
  • السعيد: إسرائيل تصعد هجماتها بشكل ممنهج في غزة وتنتهك القوانين الدولية (فيديو)
  • تعليق المساعدات الدولية لليمن وتحذير أممي من مساعي إسرائيل لتعطيل مطار صنعاء
  • قيادي بفتح: إسرائيل تستهدف إشعال المنطقة وفرض واقع يتنافى مع القرارات الدولية
  • فعاليات شعبية في مختلف محافظات المملكة تندد بحرب الإبادة الجماعية في غزة
  • قصة التحالف بين الكوشيون (النوبيون) و العبرانين (اليهود) عام 701 قبل الميلاد
  • رئيس مهرجان السينما الفرنكوفونية: استقبال طلبات التقدم لمسابقة «أفضل سيناريو» لإنتاج فيلم حول حرب الإبادة الجماعية حتى ٣١ يناير
  • علماء المسلمين: الصمت الدولي على حرب الإبادة ضد الفلسطينيين لم يعد مقبولا
  • محاكمة علي كوشيب: بارقة أمل لضحايا الإبادة الجماعية في دارفور
  • نقابة الصحفيين الفلسطينيين تدين استهداف إسرائيل مخيم النصيرات