الموت يُغيب الشاعر الكبير السيد غازي إبن كفرالشيخ
تاريخ النشر: 12th, January 2024 GMT
رحل الشاعر الكبير السيد حسن غازي الشهير بالسيد غازي، اليوم الجمعة، حيث سيواري الثري في أحد المقابر بمدينة كفرالشيخ، مدفونًا مع أحزانه وآلام التهميش المحمل بالفقر والعزلة، لم ينل السيد غازي،الشهرة التي نالها من هم أقل منه من أنصاف الموهوبين، ولم تكن له شلة تدفع به لدائرة الضوء وتلمعه.
عاني السيد غازي شاعر الأحزان من الحرمان والعوز والفقر، رغم أنه لو باع شعره وقلمه لجني الكثير من المال، عاش فقيرًا ومات على هذا النحة، بداخل حجرة بالإيجار، بمنطقة القنطرة البيضاء التابعة العشوائية لمدينة كفرالشيخ،يعانى كل صنوف الحرمان مابين الإهمال والتهميش وضيق ذات اليد.
يقول الشاعر والأديب أحمد زكي شحاتة زميل ورفيق السيد غازي،لم يتوقع أحد أن يُصبح الفتى الذى هجر مدرسته في الصف الرابع الابتدائي ليلتحق بالعمل في دكان أبيه، ليخلفَه في صناعته "نجارًا"، وكأنما طرقات "الجاكوش" تحولت فى أذنيه إلى تفاعيل "الخليل الفراهيدى"، التى وضعها بدوره على أساس طرقات النحاسين، فتكونت لديه الذائقة الموسيقية والتي ساعد فى ترسيخها هُيام والده بكوكب الشرق وإدارة المذياع على أغنياتها ليل نهار فى المنزل والورشة.
ويضيف،هنا أدركت الصبي السيد_غازي لوثة الشعر، فلم يلبث أن هجر العمل إلى الملتقيات الأدبية، وكبر السيد وكبرت معه موهبته، وازداد إعجاب مخالطيه يومًا بعد يوم بهذا الشاعر الذي يكتب الفصحى دون أن يلحن في وزن أو ضبط نحوي، رغم أنه لم ينل حظًا وفيرًا من التعليم الذى يؤهله ليكون ضليعًا فى اللغة والعروض.
وهو الأمر الذى حدا بالشاعر الراحل محسن الخياط أن يقول عنه: "لقد وُلِدَ عقادٌ جديد فى كفرالشيخ".
ولما بلغ السيد مبلغ الرجال، تزوج وأنجب "شادي" و"إيثار"، وفي ظهيرة يوم قائظ خرج "إيثار" الصغير يلهو أمام منزل أسرته وعاد لينتفض في حجر والده، الذي لم يملك رغم محاولات الأطباء دفع الحمى عن الفتى اليافع ليختطفه الموت من بين يديه.
وهنا خرج السيد غازي هائمًا على وجهه لا يلوي على شيء ينشد الشعر الحزين في ولده الراحل، وكأنما الحزن أبى أن يفارقه، منشدًا كلمات "هذارة.. كالويل رامية / كالرعد.. كالطوفان.. كالنار".
واختصته الأقدار بوابل من المآسي، فلم يكد يفيق من وفاة نجله حتى فشلت زيجته، فراح يردد:
"أعرف.. أكتر..أكثر.. أكثر/ أن اليوم الغائم / ثوب حداد يتأهب للمجهول/ أعرف حين يطول الليل على البشرية/ أن الشمس الذهبية/ تتلوى في قبضة غول"
ولم تفلح فرحته بصدور ديوانيه "قطرات من طوفان الغربة"، و"الوجه الهارب" عن هيئة قصور الثقافة في إزاحة غيوم الحزن عن سماء حياته، التي ما لبثت أن تلبدت مجددًا بعدما تعرض نجله الباقي "شادي" لمحنة ألقت به خلف القضبان، ليزداد حزن الشاعر ويتسع جب المعاناة لينطلق بلبلا صداحًا وحسونا مغردًا بأعذب الأشعار.
ومنذ أغسطس/آب 1958 وحتى يوم رحيله يعيش #السيد_حسن_غازي، داخل حجرة بالإيجار وسط حي القنطرة البيضاء بكفرالشيخ، يعاني كل صنوف الحرمان ما بين الإهمال والتهميش وضيف ذات اليد، حتى ردد البعض أنه اضطر لعرض دروع التكريم والجوائز للبيع لتوفير متطلبات الحياة.
ليردد: لكأنما الأهوال في جسدي/ تسعي بأنياب وأظفار/ تبغي دمًا ما حف من ضعة/ وأنا عليك معلق ثاري"، ويتساءل: "هل كنتُ نجمًا دونما ألَقِى/ أو نبتة من غير أمطارِ/ أو زهرة إلا برابيتي/ أو جدولًا إلا بأمطارى/ أوفتنة الا بحاليتي/ أو نغمة إلّا بأوتاري؟!.
ونعي الشاعر الكبير محمد الشهاوي،صديقة السيد غازي، واصفًا رحيله بأنه فادحة للشعر.
كما نعت مديرية الثقافة بكفرالشيخ، برئاسة أحمد الشهاوي مدير عام المديرية، الشاعر الكبير السيد غازي، متمنين له بالرحمة والمغفرة ولأسرته الصبر والسلوان، مشيرًا إلي أنه سيتم عمل حفل تأبين للشاعر الكبير يوم الخميس القادم، علي هامش انتخابات نادي الأدب.
received_758632256287254 received_739492787829960المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الشاعر الکبیر
إقرأ أيضاً:
نجم الهنعة
لطالما كان للنجوم حضور قوي في الثقافة العربية، ولا تزال الكثير منها تحمل أسماء عربية حتى اليوم، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى في سورة الأنعام: "وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ"، وارتبط العرب بالنجوم بشكل وثيق، فأطلقوا عليها أسماء ووصفوها بدقة، ولم يقتصر تأثيرها على علم الفلك وحسب، بل امتد أيضًا إلى الشعر والأدب، حيث تغنّى بها الشعراء وحيكت حولها الأساطير، مستخدمينها لرسم صور خيالية تربط بين النجوم وتوضح مواقعها في السماء ضمن حكايات وقصص مشوقة.
واليوم نتحدث عن نجم الهنعة، وهو أحد الأنجم التي كان لها دور كبير في الثقافة العربية، حيث يعد أحد منازل القمر، وهو المنزل الرابع عشر من منازل القمر الثمانية والعشرين، كما استخدموه في تحديد بعض المواسم الزراعية والتغيرات المناخية، فنجد أن طلوعه ارتبط ببدء اشتداد الحرارة، ولأنهم يلاحظون البيئة من حولهم ويرصدون التغيرات في حركة الحيوانات بسبب اختلافات درجات الحرارة، فقد لاحضوا أن الأفاعي تخرج من جحورها بالتزامن مع طلوع هذا النجم، وهذا من الثقافة الشعبية عند العرب القائمة على الرصد والملاحظة. معنى هذا الاسم كما جاء في معجم لسان العرب لابن منظور أنه يقصد به: الجزء البارز أسفل حلق البعير.
ويبدأ هذا النجم الظهور في السماء من 3 يوليو تقريبا وكان طلوعه مؤشرًا لبدء بعض الزراعات الصيفية وحصاد المحاصيل، وقد استخدموا هذا النجم أيضا كجزء من نظام الأنواء لتحديد الأوقات المناسبة للزراعة والسفر والصيد.
أما أذا تحدثنا عن خصائص هذا النجم الفلكية فنجد أن حجمه يبلغ 9 أضعاف حجم شمسنا، وتبلغ درجة حرارة سطحه حوالي 9,200 كلفن، وهي أعلى من درجة حرارة سطح الشمس التي تبلغ حوالي 5,500 كلفن، يبعد حوالي 105 سنوات ضوئية عن الأرض.
وقد جاء ذكر هذا النجم في كتاب الأنواء في مواسم العرب لابن قتيبة الدينوري فقال: "الهنعة وهي كوكبان أبيضان بينهما قيد سوط، على إثر الهقعة، في المجرّة، وبينهما وبين الذراع المقبوضة، ويقال لأحد الكوكبين "الزرّ" وللآخر الميسان. وقال ابن كناسة: «إنما ينزل القمر بالتحايي» وهي كواكب ثلثة حذاء الهنعة، الواحدة منها تحياة، وقال أدهم بن عمران العبدي: «الهنعة قوس الجوزاء ترمى بها ذراع الأسد. وهى ثمانية أنجم في صورة قوس ففي مقبض القوس النجمان اللذان يقال لهما الهنعة."
وإذا أتينا إلى أشعار العرب فسنجدهم ذكروا هذا النجم في قصائدهم، فنجد الملاح العماني أحمد بن ماجد يذكر هذا النجم في منظومته فيقول:
وَهَقعَةٌ مِن بَعدِها والهَنعَه
ذراعُ والنَّثرَةُ والطَّرفُ مَعَه
وجَبهةٌ وزُبرَةٌ والصرفه
ما في صفاتي قطُ لك حرفه
وهذا الشاعر العباسي ابن الرومي يذكر هذا النجم وهذا يدل على ثقافته بالنجوم وموعد طلوعها فذكره الهنعة بعد الهقعة فقال:
وزعمتَ سيدَنا الأمير سما بالجود حتى صافح الهَقعه
وهو الذي أدنى مواطئه فوق الذي سميت والهنعه
ونجد أن الشاعر الأموي الأحوص الأنصاري يذكر هذا النجم فيقول:
تَعْقِصُ وَحْفاً كَأَنَّ مُرْسلَهُ
أَساوِدٌ شبَّ لَوْنَهَا جَرَعُ
عَلَى نَقِيِّ اللَيْلَتَيْنِ مَعْتَدِلٍ
لَا وَقَصٌ عَابَهُ وَلَا هَنَعُ
ومن الشعراء الذين ذكروا هذا النجم في قصائدهم نجد الشاعر الشهير أبا نواس ذكر هذا النجم في معرض مدحه لأحدهم وكان يسمى أحمد فقال أن في خديه نجم الهنعة فقال:
وَلَكِنَّ الفَتى أَحمَدَ
يَجلو اللَيلَ بِالطَلعَه
عَلى جَبهَتِهِ الشعرى
وَفي وَجنَتِهِ الهَنعَه
كما نجد الفيلسوف محيي الدين بن عربي الذي عاش في العصر الأيوبي يذكر هذا النجم في إحدى قصائده فيقول:
هَنعة الأنعام في أفلاكها
ذرعت بلدتها في الغَسَقِ
نثرةُ الذابحِ للطرفِ رات
بلعاً يشكو كمينَ الحُرَق
أما القاضي التنوخي فنجده يذكر هذا النجم ويقول:
كأنّما الهنعة لمّا طلعت
مقلة صبٍّ لم تبن من البكا
مقبلة على الذراع تشتكي
شكوى محبٍّ ضاق ذرعاً فاشتكى
ونجد الشاعر ابن زقاعة الذي عاش في العصر المملوكي يذكر هذا النجم في منظومته فيقول:
وكذاك هقعتها تحاكي غرة
والصولجانة شبهت بالهنعة
وذراعها كذراع ليث مده
وذراعها اليَمَنىّ كالمقبوضة