استيقظت المنطقة صباح اليوم الجمعة على وقع أخبار الغارات الجوية التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا على أهداف لجماعة أنصار الله الحوثيين في اليمن.

ووفق التصريحات التي أدلى بها مسؤول أميركي للجزيرة، فإن الضربات استهدفت مواقع رادار ومنصات مسيّرات وصواريخ ومواقع رصد ساحلية.

وبحسب المسؤول الأميركي ذاته، فإن "العملية انتهت ولكن نحتفظ بحق الرد إذا تواصلت التهديدات".

ويبدو أن المسؤول الأميركي ومن معه في واشنطن لم يستمعوا جيدا إلى النصيحة التي أطلقتها أمس الخميس ألكسندرا ستارك الباحثة في مؤسسة "راند" ومؤلفة الكتاب الذي سيصدر قريبا وعنوانه "نموذج اليمن"، فقد كتبت ستارك مقالا في مجلة "فورين أفيرز" وكان عنوانه مباشرا "لا تقصفوا الحوثيين.. فالدبلوماسية الهادئة كفيلة بوقف الهجمات في البحر الأحمر".

القشة التي قصمت ظهر البعير

ومن المعروف أن الحوثيين ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي كثفوا هجماتهم في البحر الأحمر ضد سفن تملكها إسرائيل أو تشغلها أو تحمل بضائع إليها، وقد تسبب ذلك في التالي:

الاقتصاد الإسرائيلي هو المتضرر الأكبر، حيث تجري الاستهدافات للناقلات المرتبطة بتل أبيب على صعيد الصادرات والواردات، وتكبد الاقتصاد الإسرائيلي خسائر في قطاعات السياحة، وهناك حديث عن انخفاض متوقع في معدلات النمو. قفزت هجمات الحوثيين على السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر بأجور الشحن البحري بين آسيا وأوروبا والأميركتين بنسبة وصلت إلى 173% منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. علقت كبرى شركات الشحن في العالم -مثل "إم إس سي" وميرسك"- رحلاتها التجارية عبر البحر الأحمر منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، واستعاضت عنه بالطريق الذي يمر برأس الرجاء الصالح جنوبي دولة جنوب أفريقيا.

وقبل الغارات الأميركية البريطانية على اليمن ومع استمرار استهداف الحوثيين السفن الإسرائيلية أو تلك المرتبطة بها أعلنت الولايات المتحدة في 18 ديسمبر/كانون الأول الماضي تشكيل قوة بحرية مشتركة من دول عدة باسم "حارس الازدهار"، وأوضحت أن الهدف من هذه القوة هو ردع هجمات الحوثيين في البحر الأحمر الذي يمر عبره قرابة 20% من التجارة العالمية.

لكن، كيف كانت الأوضاع؟ وما الذي أوصلها إلى ما وصلت إليه فجر اليوم؟ ولماذا تصاعد الصراع بين واشنطن والحوثيين بشكل مطرد في البحر الأحمر في 31 ديسمبر/كانون الأول الماضي؟

حاولت زوارق صغيرة تابعة للحوثيين مهاجمة إحدى السفن التجارية في البحر الأحمر، لكن المروحيات البحرية الأميركية ردت على الهجوم. لم يسكت الحوثيون وسارعوا بالرد على تلك الهجمات، لكن القوات الأميركية ردت بإطلاق النار وأغرقت 3 زوارق للحوثيين وقتلت 10 من أفرادها. في 9 يناير/كانون الثاني الجاري شن الحوثيون واحدة من أكبر هجماتهم في البحر الأحمر، حيث استخدموا 18 طائرة مسيرة وصاروخين كروز مضادين للسفن وصاروخا باليستيا مضادا للسفن. الحوثيون أعلنوا سيطرتهم على سفينة كانت متجهة إلى إسرائيل الشهر الماضي (الفرنسية) ضربة قد تقويهم

بدورها، تعتقد أكساندرا سترك الباحثة الأميركية في "راند" -والتي أشرنا إلى أنها دعت إلى الدبلوماسية الهادئة مع الحوثيين بدلا عن حوار البندقية- أن الضربات قد تفيدهم للأسباب التالية:

قد تؤدي الضربات الجوية ضد أهداف الحوثيين إلى تآكل قدرتهم بشكل طفيف على إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة، ولكن سيكون من الأصعب بكثير استهداف قوارب الحوثيين الصغيرة والرخيصة المأهولة وغير المأهولة والقضاء عليها بشكل فعال. ربما يكون الحوثيون قد ظهروا مؤخرا في عناوين الصحف العالمية، لكنهم ظلوا يتحدون الولايات المتحدة وشركاءها في المنطقة منذ عقدين من الزمن. استخدام القوة ضد الحوثيين في الماضي -سواء من قبل الرئيس الراحل علي عبد الله صالح أو ما بعد ذلك- لم يؤدِ إلا للسماح للجماعة بتحسين قدراتها العسكرية. الضربات ستسمح لجماعة أنصار الله بتصوير نفسها على أنها حركة مقاومة بطولية، مما يعزز شرعيتها في الداخل. لم تؤد الضربات الجوية على الحوثيين التي استمرت لسنوات إلا لتفاقم أسوأ أزمة إنسانية في العالم. ما بعد غارات الجمعة

يبدو أن المشهد في المنطقة المضطربة أصلا بعد غارات فجر الجمعة لن يكون كما كان قبلها، وثمة توقعات بأن مياه البحر الأحمر وأمواجه على موعد مع ما يزيد حركتها، وذلك للتالي:

القيادي في جماعة أنصار الله الحوثيين عبد الله بن عامر قال للجزيرة إن الحوثيين لم يترددوا في الرد، وأكد أن لدى الجماعة "قدرات، مما يتيح لنا الدفاع المشروع عن النفس"، وأنها ستواصل عملياتها في البحر الأحمر حتى إنهاء العدوان على غزة، متوعدا بضرب القواعد الأميركية والبريطانية إذا وسعت واشنطن ولندن المعركة. أعربت المملكة العربية السعودية عن قلقها البالغ إزاء العمليات العسكرية التي تشهدها منطقة البحر الأحمر والغارات الجوية التي تعرضت لها اليمن، مؤكدة على أهمية المحافظة على أمن واستقرار المنطقة، ودعت إلى "ضبط النفس وتجنب التصعيد". الخارجية الإيرانية أعلنت أن الضربات العسكرية الأميركية البريطانية تأتي في سياق دعم الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وأن نتيجتها ستكون مزيدا من عدم الأمن وعدم الاستقرار في المنطقة. شركات عالمية علقت مرور سفنها عبر البحر الأحمر بسبب هجمات الحوثيين على السفن الإسرائيلية (الفرنسية) كرة الثلج قد تكبر

ثمة مخاوف كثيرة عبر عنها متابعون للتطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة حاليا، وهي مخاوف لها ما يبررها، وتتمثل في إمكانية اتساع هذه الغارات وما قد يتبعها من ردود من الحوثيين حتى تصبح حربا إقليمية، وهذه المخاوف تتمثل في:

إمكانية دخول إسرائيل بطائراتها ومشاركتها في ما بدأته أميركا وبريطانيا، وتوجيه ضربات إلى الحوثيين على غرار ما تفعله في سوريا. يرى الكاتب الأميركي جاسون رضيان في مقال له بصحيفة "واشنطن بوست" أن الغارات الأميركية قد تقود إلى حرب أوسع نطاقا ويمكن أن تكون كارثية، وعليه فإن الرئيس الأميركي جو بايدن عليه التأكد من أن التعاطي مع الحوثيين لا يخرج عن نطاق السيطرة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی البحر الأحمر الأول الماضی

إقرأ أيضاً:

معهد أمريكي: كيف تحول الحوثيين من ظاهرة محلية إلى مشكلة عالمية؟ (ترجمة خاصة)

سلط معهد أمريكي الضوء على المخاطر المترتبة على إهمال منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي غير المستقرة في ظل الهجمات المتصاعدة التي تشنها جماعة الحوثي على سفن الشحن الدولية على مدى أكثر من عام.

 

وقال معهد الشرق الأوسط الأمريكي (MEI) في تحليل ترجمه للعربية "الموقع بوست" إن أزمة وجود الحوثيين في اليمن الذي أحدث حالة من عدم الاستقرار بمنطقة البحر الأحمر والقرن الافريقي خلال أكثر من عام، تتطلب نهجاً استشرافياً لحل مشكلة اليمن من قبل المجتمع الدولي.

 

ونقل المعهد عن الباحثة ميريت ف. مبروك قولها إن هجمات الحوثيين على الشحن في البحر الأحمر، والتي شلت أحد أكثر الطرق البحرية أهمية في العالم، هي مثال واضح على كيف يمكن لقضية محلية ظاهريًا أن تتحول بسرعة إلى مشكلة عالمية.

 

وأضافت أن إلقاء نظرة سريعة على الاضطرابات الحالية في البحر الأحمر والقرن الأفريقي قد يدفع المراقبين إلى الاعتقاد بأن المنطقة تغرق فجأة في حالة من الاضطراب.

 

وأضافت أن الحوثيين في اليمن هم في مركز هذا عدم الاستقرار، حيث كانت الميليشيا المدعومة من إيران تهاجم الشحن على طول أحد أكثر الطرق البحرية أهمية في العالم، احتجاجًا على الهجوم الإسرائيلي على غزة.

 

وترى أن الصراعات في السودان والصومال وإثيوبيا ــ التي تمر جميعها بمراحل انتقالية هشة من مختلف الأنواع ــ تنتشر إلى ما هو أبعد من حدودها، مما يخلق مجموعة جريئة من الجهات الفاعلة القادرة على تحدي المصالح الغربية وتشكيل تهديد مباشر لها. وتتلقى هذه الجهات الفاعلة الدعم من جهات خارجية. ولكن هذه التطورات لم تحدث فجأة.

 

وذكرت أنه خلال فترة ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترامب السابقة، أصبحت دول الشرق الأوسط، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر وتركيا، متورطة بشكل متزايد في منطقة القرن الأفريقي. مع أراضيها الصالحة للزراعة وموانئها بالإضافة إلى موقعها الحاسم كحلقة وصل بين البحر الأحمر والمحيط الهندي والهادئ والبحر الأبيض المتوسط، كانت المنطقة دائمًا مهمة للغاية بالنسبة لدول الخليج".

 

غياب الدور الأمريكي

 

وقالت "بعد عدة سنوات، أصبح الوضع أكثر تعقيدًا. فقد تفككت عملية الانتقال في السودان إلى حرب أهلية مدمرة أسفرت عن مقتل أكثر من 60 ألف شخص وتسببت في أكبر أزمة نزوح في العالم".

 

وأثار الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال لاستئجار ميناء مقابل اعتراف إثيوبيا بالجمهورية الانفصالية غضب الصومال، التي اقتربت من مصر وإريتريا، مما زاد من إثارة القدر الذي كان يهدد بالفعل بالغليان، حسب الباحثة.

 

وأوضحت أن الولايات المتحدة ظلت ثابتة في غيابها. لم تعط إدارة بايدن الأولوية للأزمات في منطقة القرن الأفريقي على وجه الخصوص بأي طريقة ذات مغزى؛ وفي حين أنه من السابق لأوانه استخلاص أي رؤى واقعية حول كيفية تعامل إدارة ترامب مع الأمر، فمن غير المرجح أن تكون أكثر انخراطًا. سيكون هذا خطأ.

 

وأفادت الباحثة ميريت ف. مبروك إننا بحاجة إلى استراتيجية دبلوماسية تضمن عدم تحول بلدان المنطقة إلى مجرد كرات قدم سياسية للقوى الخارجية المتنافسة.

 

وقالت "لابد أن تركز المساعدات الأميركية على النمو الشامل والحكم الشرعي لدعم نقاط الضعف المتمثلة في الفقر والصراع؛ ولابد من التأكيد على الصلة المباشرة بين المنطقة والتجارة والأمن العالميين. ولا شك أن الاهتمام الدولي بالبحر الأحمر والقرن الأفريقي ليس بالقليل، وإذا لم تتخذ الولايات المتحدة خطوات لضمان مصالحها الأساسية هناك، فإنها تخاطر بالتشرد".

 

طموح حوثي لتأكيد نفسه كقوة إقليمية

 

بدروها الباحثة اليمنية غير المقيمة ندوى الدوسري، قالت إن الحوثيين أظهروا باستمرار قدرتهم على استخدام المفاوضات كآلية للمماطلة والعنف كوسيلة لانتزاع التنازلات من الحكومة اليمنية والسعوديين والمجتمع الدولي. وقد سمح هذا النمط، الذي كان واضحا منذ بداية الحرب، للمجموعة بتأمين مزايا تكتيكية.

 

ونقل المعهد عن الدوسري قولها "كما تم تقويض خريطة الطريق التي أعلنتها الأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2023 من خلال تصرفات الحوثيين، بما في ذلك الهجمات غير المسبوقة على الشحن في البحر الأحمر وإسرائيل. وقد أدت هذه الأفعال إلى ضربات انتقامية من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإسرائيل، مما زاد من تعقيد الصراع".

 

وترى أن هجمات الحوثيين، التي وصفت بأنها جزء من "معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس"، تهدف ظاهريا إلى الضغط على إسرائيل بشأن حرب غزة. في الواقع، إنها تعكس طموحات الحوثيين لتأكيد أنفسهم كقوة إقليمية".

 

وأضافت "داخليا، أسسوا نظاما استبداديا ثيوقراطيا يتميز بالقمع والتلقين المنهجي. وفي إطار تكثيف عمليات التجنيد، أعلن الحوثيون أنهم جندوا 370 ألف مقاتل جديد، وفي صيف عام 2024 وحده، تخرج 1.1 مليون طفل من معسكرات التدريب الإيديولوجية الخاصة بهم. وهذا يؤكد التزامهم بعسكرة المجتمع.

 

وتابعت الدوسري "خارجيًا، يبرز الحوثيون باعتبارهم الوكيل الإقليمي الأكثر قدرة لإيران، وخاصة في ضوء انهيار نظام الأسد في سوريا والضعف الشديد لحزب الله في لبنان. وتمكنهم قدراتهم العسكرية المتنامية، بما في ذلك الأسلحة المتقدمة التي تزودهم بها إيران، من تهديد الشحن الدولي. كما أنهم يعملون على إنشاء "محور التعطيل" الخاص بهم، وتشكيل تحالفات مع جماعات إرهابية مثل القاعدة في شبه الجزيرة العربية، والشباب في الصومال، وتنظيم الدولة الإسلامية".

 

وأشارت إلى أن التعاون الناشئ مع روسيا، بما في ذلك تجنيد المقاتلين لأوكرانيا ودعم الهجمات في البحر الأحمر، يسلط الضوء بشكل أكبر على اتصالاتهم العالمية المتوسعة. وهذا لا يضع الحوثيين في موقف التهديد المحلي فحسب، بل وأيضًا كقوة مزعزعة للاستقرار في جميع أنحاء المنطقة الأوسع، مما يقوض المصالح الغربية ويصدر نموذجهم الثوري.

 

تضيف الدوسري بالقول "لقد شجع عمى المجتمع الدولي عن هذه الحقائق الحوثيين منذ عام 2014 ويستمر في ذلك اليوم، مما يسمح لهم بإعادة تشكيل المشهد الإقليمي بما يتماشى مع طموحاتهم الإيديولوجية".

 

وللتعامل مع تعقيدات الصراع في اليمن، قالت الدوسري "يتعين على المجتمع الدولي، والآن إدارة ترامب القادمة، أن يتعلموا من أخطاء الماضي. لقد كان صعود الحوثيين إلى السلطة مدفوعًا باستراتيجيات قصيرة الأجل وتفاعلية فشلت في معالجة طموحات الجماعة الأوسع. تقدم هذه اللحظة فرصة للولايات المتحدة لتبني نهج استراتيجي تقدمي يعطي الأولوية للحلول طويلة الأجل على إدارة الأزمات".


مقالات مشابهة

  • نتنياهو يهدد الحوثيين: ماذا وراء التصعيد؟
  • معهد أمريكي: كيف تحول الحوثيين من ظاهرة محلية إلى مشكلة عالمية؟ (ترجمة خاصة)
  • إسرائيل: الجيش والمؤسسة الأمنية يقران بأن محاربة الحوثيين معقدة
  • الحوثيين نجحنا في إفشال هجوم أمريكي بريطاني على اليمن
  • أول تعليق من الحوثيين على سقوط طائرة أمريكية F18 في البحر الأحمر
  • خبير عسكري: الضربات الأميركية البريطانية تضر بقدرات الحوثيين لكنها لن توقف هجماتهم
  • سقوط طيّارين من البحرية الأميركية فوق البحر الأحمر
  • بنيران صديقة.. سقوط طائرة امريكية في البحر الاحمر خلال الهجوم على الحوثيين
  • خبير عسكري: الضربات الأميركية البريطانية لن توقف هجمات الحوثيين
  • باحثة سياسية: القبة الحديدية الإسرائيلية لا تستطيع التصدي لصواريخ الحوثيين