قال الدكتور صفوت محمد عمارة، من علماء الأزهر الشريف، إنّ شهر رجب بداية النفحات الإلهية‏ لمواسم الخيرات وأزمنة البركات، وبداية التدريب والتأهيل للفوز بشهر رمضان، ولقد فضَّل اللَّه عزَّ وجلَّ بعض الأزمنة من الأيام والشهور على بعض، وجعل لعباده في هذه الأزمنة الفاضلة نفحات، ولقد حثنا النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، على اغتنام هذه النفحات في مواسم الطاعات حيث قال:- «افعلوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة اللَّه، فإن للَّه نفحات من رحمته، يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا اللَّه أن يستر عوراتكم، وأن يؤمن روعاتكم» {أخرجه الطبرانى، وحسنه الألبانى} أي: افعلوا الخير فى عمركم، وتعرضوا لنفحات رحمة اللَّه في مواسم الخيرات وأزمنة البركات التي يصيب اللَّه بها من يشاء من عباده.

وأضاف «صفوت عمارة»، خلال خطبة الجمعة اليوم، أنَّ اللَّه فضَّل الأشهر الحُرم عن غيرها من شهور العام، وجعل الطاعات والعمل الصالح فيها أفضل ثوابًا وأعظم أجرًا، كما جعل الظلم فيها أشد إثمًا وأعظم وزرًا عمّا سواها من الشهور، وذلك بسبب شرف الزمان الذي حرّمه اللَّه فقال تعالى-: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة:36]، وقال القرطبي في تفسيره: "لا تظلموا فيهن أنفسكم بارتكاب الذنوب، لأن اللَّه سبحانه إذا عظّم شيئًا من جهة واحدة، صارت له حرمة واحدة، وإذا عظمه من جهتين أو عدة جهات، صارت حرمته متعددة، فيضاعف فيه العقاب".

وأوضح الدكتور صفوت عمارة، أنَّ الأشهر الحُرم أربعة هى (رجب وذُو القعدة وذُو الحجة والمحرم) ولقد ورد تعيينها في صحيحي البخاري ومسلم، فعن أَبي بكرةَ نفيع بن الحارث رضي اللَّه عنه عن النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال: "إنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللَّه السماوات والأرض: السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعةٌ حُرم: ثلاثٌ مُتوالياتٌ: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان" [متفقٌ عَلَيهِ]، ولقد استمدت تسميتها وحرمتها حتى قبل الإسلام حيث كانت العرب في الجاهلية تحرم القتال في هذه الأشهر الأربعة، وسبب تحريمهم لذي القعدة وذي الحجة والمحرم هو تأمين أداء شعيرة الحج، فكانوا يحرمون قبله شهرًا ليتمكنوا من السير إلى الحج، ويسمونه القعدة لقعودهم عن القتال فيه، ثم يحرمون ذا الحجة وفيه أداءُ مناسكهم وأسواقهم، ثم يحرمون بعده شهرًا ليعودوا إلى ديارهم، وحرموا القتال في شهر رجب وسط العام لأجل زيارة البيت والإعمار، حتي يأمن قاصدُ البيت الغارة فيه، وقال ابن كثيرٍ في تفسيره: "كان الرجلُ يلقى قاتل أبيه فى الأشهُر الحُرم فلا يمُدُّ إليه يده"، إلا إذا بادر أحد في الإعتداء على أحد فحينئذ يسوغ له مقاتلته دفاعًا عن النفس ودرء للضرر اللاحق به؛ فعلينا أن نغتنم الأشهر الحُرم.

وأشار «صفوت عمارة» إلى أنَّ رجب هو مفتاح أشهر الخير والبركة، وشهر تهذيب النفس، والتدريب للفوز بشهر رمضان، حيث يجاهد الإنسان نفسه للتخلص من كافة الصفات السيئة والمكروهة الموجودة فيه، للوصول إلى درجة التقوى وزيادة الإيمان، وقال أحد السلف: رجب كالريح وشعبان كالغيم ورمضان كالمطر. فمن لم يزرع فى رجب ولم يسق فى شعبان فكيف يريد أن يحصد فى رمضان؟! فرجب شهر للزرع، وشعبان شهر السقي للزرع، ورمضان شهر حصاد الزرع، فمن أراد حصاد خيرٍ في رمضان، فلابد وأن يبدأ الزرع والغرس في شهر رجب، وأن يتعاهد ذلك في شهر شعبان، فعلى الإنسان أن يبدأ بالإعداد النفسي والروحي بالأعمال الصالحة في رجب، وأن يتعهدها بالتجويد والإتقان في شعبان، لكي يستطيع الإتيان بها على أكمل الوجوه في رمضان.

وأكد الدكتور صفوت عمارة، أنَّ الحسنات والطاعات تعظُم وتُضاعف فى تلك الشهور، والتقرب إلى الله عزّ وجلّ بالطاعة فى الأشهر الحُرم أفضلُ وأحبُّ إليه سبحانه من التعبد فى سائر الأيام، ويجب علينا أن نحذر من المعصية فى الأشهرُ الحُرم، لأنّها ليست كالمعصية فى غيرها، بل المعصيةُ فيها أعظمُ،
ويُستحب فى هذه الأزمنة كثرة التقرب إلى اللَّه تعالى بالعبادات وسائر الأعمال الصالحة، من توبة، وصلاة، وصيام، وصدقة، وعمرة، وذكر، وإماطة الأذى عن الطريق، والبشاشة فى وجوه الناس، والكلمة الطيبة، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والعطف على الفقير، والإحسان إلى المسكين، ومؤازرة الأرملة، ورحمة المصاب، والمسح على رأس اليتيم، وغيرها، وكل عامٍ وأنتم بخيرٍ.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: علماء الأزهر الشريف رمضان شهر رجب صفوت عمارة

إقرأ أيضاً:

التقوى مفتاحُ الفوز في الدنيا والآخرة

شاهر أحمد عمير

تحظى التقوى بمكانة عظيمة في القرآن الكريم، حَيثُ تُعدّ من أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها المؤمن، بل تأتي في الترتيب بعد الإيمان مباشرة من حَيثُ الأهميّة، وقد أكّـد الله سبحانه وتعالى، في كتابه العزيز أن التقوى هي مفتاح النجاح والفوز في الحياة الدنيا والآخرة، حَيثُ جعلها شرطًا للعديد من وعوده الإلهية، كما قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ من حَيثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: 2-3].

لقد قدّم الله سبحانه وتعالى، من خلال القرآن الكريم وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم، التوجيهات التي تساعد الإنسان على تحقيق التقوى، وجعلها الحصن الذي يحميه من المخاطر والشرور؛ فالتقوى ليست مُجَـرّد شعور داخلي أَو حالة نفسية، بل هي التزام عملي بتوجيهات الله وسلوك مسؤول ينبع من الوعي بمصير الإنسان في الدنيا والآخرة.

إن التقوى تُعلِّم الإنسان أن يكون مسؤولًا عن أفعاله، وأن يدرك أهميّة الأعمال الصالحة وما يترتب عليها من نتائج مباركة، مما يدفعه إلى الامتثال لأوامر الله تعالى واجتناب نواهيه.

ومن أهم العوامل التي تؤثر على تقوى الإنسان هو مدى وعيه وإدراكه لنتائج أعماله؛ فالإيمان بوعد الله ووعيده هو الذي يدفع المؤمن للاستقامة، لكن عندما تغيب هذه البصيرة، يصبح الإنسان عرضة للوقوع في المعاصي والانحرافات.

واليوم، تعاني الأُمَّــة الإسلامية من نقصٍ كبير في التقوى، رغم أنها تمتلك نعمة الإسلام التي توفّر لها طريق الهداية، غير أن الغفلة واتباع الشهوات والانفعالات السلبية جعلت البعض ينحرف عن هذا الطريق، مما انعكس سلبًا على أخلاق الأفراد وسلوكهم، وأدى إلى فساد في المجتمعات وانتشار المظالم والفتن.

في هذا السياق، يحرص السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي -حفظه الله- على تذكير الأُمَّــة بأهميّة التقوى كمنهج حياة، ويدعو دائمًا في جميع خطاباته ومحاضراته الرمضانية إلى العودة الصادقة إلى الله، والاعتماد عليه في مواجهة التحديات؛ فقد أكّـد في محاضراته العديدة أن ضعف التقوى هو السبب الأَسَاسي للكثير من الأزمات التي تعيشها الأُمَّــة الإسلامية، وأن الحل يكمن في تصحيح المسار، وإحياء القيم الدينية، والتمسك بالثوابت القرآنية.

كما أن اهتمامه الكبير بالشعب اليمني وبقضايا الأُمَّــة الإسلامية والعربية ينبع من إدراكه العميق أن التقوى والاستقامة على منهج الله هما السبيل الوحيد للعزة والنصر والكرامة.

إن العودة إلى التقوى هي الحل الأنجع لكل المشاكل التي تواجه الأُمَّــة الإسلامية اليوم، سواء أكانت سياسية أَو اجتماعية أَو اقتصادية؛ فالمجتمع الذي تسوده التقوى يكون مجتمعًا متماسكًا، تسوده العدالة والرحمة، وتنعدم فيه مظاهر الفساد والطغيان، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾ [النحل: 128].

إن تعزيز التقوى في نفوس المسلمين يجب أن يكون على رأس الأولويات، سواء من خلال التربية الأسرية، أَو الخطاب الديني والإعلامي، أَو السياسات العامة للدول؛ فبالتقوى تتحقّق العزة والنصر، وتستعيد الأُمَّــة الإسلامية مكانتها بين الأمم، كما أن كُـلّ فرد سيجد في التقوى مصدرًا للأمان والاستقرار، وسعادةً في الدنيا والآخرة.

وفي شهر رمضان المبارك، يطل علينا السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي -حفظه الله- بمحاضرات وإرشادات توعوية يحرص فيها على هدايتنا ورجوعنا إلى الله سبحانه وتعالى، ويدلنا على طريق القرآن الكريم، ويكشف لنا عن الأخطار التي تحيط بالأمة الإسلامية؛ فهو يوعي المسلمين بالمخطّطات التي تهدف إلى إبعادهم عن دينهم وقرآنهم، حتى تظل الأُمَّــة ضعيفة ومشتتة، تعاني من الظلم والقتل والاحتلال، وتواجه حصارًا وعقوبات ظالمة تستهدف المقاومين الشرفاء في حماس، وحزب الله، واليمن، والعراق، وكلّ من يسعى لاستعادة كرامة الأُمَّــة وعزتها.

إن التقوى ليست مُجَـرّد موعظة دينية، بل هي مشروع حياة، بها تتحقّق النجاحات، وتثبت المواقف، وتنتصر الشعوب المستضعفة؛ فبالتقوى والاعتماد على الله، تصنع الشعوب عزتها، وتحفظ كرامتها، وتحقّق نصرها على الطغاة والمستكبرين.

مقالات مشابهة

  • التقوى مفتاحُ الفوز في الدنيا والآخرة
  • صفوت النحاس:دعم تدريب 2000 من العاملين بالجهاز الإداري
  • سلام: سيلمس المواطن في الأشهر القليلة المقبلة مستوى جديدا من الأداء الحكومي والخدمات
  • وكيل تعليم دمياط يرصد صفحة تنتحل شخصيته على الفيسبوك
  • مدرب بوتسوانا :”الجزائر منتخب قوي ومأموريتنا ستكون صعبة للفوز عليه”
  • نائب أمير منطقة مكة يستقبل مدير “هدف” الجديد ويطّلع على برامج دعم التوظيف والتدريب
  • أين ومتى ستشاهدون حفل الأوسكار الـ97؟.. ومن أبرز المرشحين للفوز؟
  • هدم فيلا تاريخية في جنح الظلام لبناء عمارة زجاجية بمراكش
  • طبيبة: يمنع على الرضيع شرب الماء في أول الأشهر ..فيديو
  • مباحثات بين حكومة الدبيبة وتركيا.. اتفاق على تعزيز التعاون في الاستزراع السمكي والتدريب