الراقصون على حبل خفض التصعيد المشدود
تاريخ النشر: 12th, January 2024 GMT
لا يُتصور أن لا يكون هناك قتلى في الهجمات على القواعد الأمريكية في سوريا والعراق بعد أن تجاوزت العشرات خلال الأشهر الثلاثة الماضية، إلا إذا كانت تلقي على القوات الأمريكية البسكويت والورود، كما لا يُتخيل أن لا تتسبب 18 مسيّرة وصاروخان مجنّحان وثالث بالستي بأي أضرار للمجموعة القتالية البحرية الأمريكية يوم الأربعاء في البحر الأحمر، إلا إذا كانت مصنوعة من ورق وشظاياها تحترق في السماء قبل أن ترتطم بالقطع البحرية.
لذلك يمكن القول: إن بلينكن لم يذهب للبحرين لمهمة دبلوماسية بل لتفقد الأسطول الخامس الأمريكي ومقره دولة البحرين، بعد استهداف مجموعة حاملة الطائرات داويت أيزينهاور في البحر الأحمر، فيما وُصف في بيان القيادة المركزية بالعملية المعقدة.
الهجوم يعد الأول من نوعه بعد 25 هجوما مسلحا على سفن الشحن وناقلات النفط المرتبطة بالكيان الإسرائيلي المحتل، فالهجوم المباشر على القوات الأمريكية يؤكد فشل السياسة الأمريكية التي يقودها بلينكن لخفض التصعيد واحتواء آثار الحرب المعلنة إسرائيليا على قطاع غزة.
انكشاف أمريكي لم يقتصر على الجانب العسكري بعد أن عجزت عن ردع جنوب أفريقيا في التوجه إلى محكمة العدل الدولية بدعوى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، لارتكاب الكيان الإسرائيلي المحتل جرائم إبادة جماعية في حربه المعلنة على قطاع غزة، في سابقة سرعان ما استقطبت اهتمام العديد من دول العالم
عملية حركة أنصار الله الحوثية في اليمن أحرجت الدبلوماسية الأمريكية؛ وتحدت استراتيجيتها، فالتصعيد في الإقليم واقع قائم؛ لم تفلح الجهود الأمريكية الدبلوماسية والتحركات العسكرية في منعه، فالتصعيد منحنى صاعد في العراق وسوريا ضد المصالح والقواعد الأمريكية؛ والمعارك تتوسع في جنوب لبنان بين المقاومة التي يقودها حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي.
التصعيد تحوّل إلى حالة انكشاف استراتيجي للولايات المتحدة؛ إذ لا يُتخيل أن تعلن أمريكا عن قتلى وجرحى واصابات في قطعها البحرية؛ إلا إذا كانت لديها نية لرد عسكري واسع، وتصعيد كبير يقود إلى حرب إقليمية، الأمر الذي لا ترغب فيه، وتسعى لاحتوائه بالدبلوماسية والتكتم وإشراك الحلفاء والأصدقاء.
انكشاف أمريكي لم يقتصر على الجانب العسكري بعد أن عجزت عن ردع جنوب أفريقيا في التوجه إلى محكمة العدل الدولية بدعوى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، لارتكاب الكيان الإسرائيلي المحتل جرائم إبادة جماعية في حربه المعلنة على قطاع غزة، في سابقة سرعان ما استقطبت اهتمام العديد من دول العالم ومن ضمنها العربية والإسلامية التي انضمت إلى جنوب أفريقيا في دعم توجهها والترافع معها في محكمة العدل يوم الخميس (11 كانون الثاني/ يناير).
التحذيرات الأمريكية والتهديدات والتحالفات التي أنشأتها في المنطقة واستصدرها قرار في مجلس الأمن يدعو لوقف هجمات الحوثيين على السفن التي تنقل بضائع للكيان؛ لم تفلح في خفض التصعيد أو ردع القوى المنخرطة في المواجهة، كما لم تفلح في احتواء الصراع وتداعياته على مكانتها ونفوذها وفاعلية تأثيرها في الساحة الإقليمية والدولية. والسبب تمثل بانخراطها في الحرب والعدوان على قطاع غزة، وفشل الاحتلال في حسم المعركة وهزيمة المقاومة الفلسطينية التي تقودها حركة حماس؛ ما أطال أمد الأزمة وهدد مكانة أمريكا واستراتيجيتها في المنطقة.
الحرب والعدوان على قطاع غزة يتهدد بمضاعفة الخسائر الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية في ظل العجز الإسرائيلي عن الحسم، وهي مسألة تضغط على أعصاب صانعي القرار والمخططين الاستراتيجيين في أمريكا
فأمريكا تواجه صعوبات متزايدة في جمع حلفائها قبل شركائها في عملية حارس الازدهار في البحر الأحمر، وفي جمعهم في الجمعية العامة في الأمم المتحدة ومجلس الأمن وغيرهما من المحافل الدولية، في حين تجتمع دول العالم حول جنوب أفريقيا ويتعاظم التعاطف العربي والإسلامي مع حركة أنصار الله وحكومتها في اليمن.
المكانة الاستراتيجية الأمريكية مهددة أكثر من أي وقت مضى، ذلك أن الكيان الإسرائيلي لا يعد مجرد خزانا انتخابيا أو لوبي ضاغطا يمكن تجاوزه؛ بل نقطة ارتكاز أساسية في رسم معالم الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة العربية وغرب آسيا، والضرر الاستراتيجي الناجم عن عملية طوفان الأقصى وقع، والجهود لتداركه واحتوائه فشلت ولن تفلح المناورات الأمريكية والدبلوماسية في إصلاحه لكنها تستطيع وقف التدهور بوقف الحرب.
فالحرب والعدوان على قطاع غزة يتهدد بمضاعفة الخسائر الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية في ظل العجز الإسرائيلي عن الحسم، وهي مسألة تضغط على أعصاب صانعي القرار والمخططين الاستراتيجيين في أمريكا، وهو قلق عكسته تسريبات القناة 13 العبرية مساء الأربعاء المكانة الاستراتيجية الأمريكية مهددة أكثر من أي وقت مضى، ذلك أن الكيان الإسرائيلي لا يعد مجرد خزانا انتخابيا أو لوبي ضاغطا يمكن تجاوزه؛ بل نقطة ارتكاز أساسية في رسم معالم الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة العربية وغرب آسيا بالقول: إن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أبلغ المسؤولين الإسرائيليين خلال زيارته الأخيرة لـ"تل أبيب"، بأنه "من المستحيل القضاء على حماس بشكل كامل"؛ وهي نقطة تحول ستبني عليها أمريكا سياساتها خلال الأسابيع المقبلة بحثا عن مخرج يحد من الخسائر ويمنع تفاقم الأضرار الاستراتيجية.
ختاما.. التصعيد وصمود المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وعجز الاحتلال عن تحقيق نصر وانقسام نخبته السياسية والعسكرية؛ حال دون تمكين الولايات المتحدة من إدارة الصراع والتحكم في مدخلاته ومخرجاته، وهدد بمضاعفة خسائر أمريكا الاستراتيجية في المنطقة العربية وغرب آسيا ليمتد أثرها إلى الساحة الدولية. وهي معضلة استراتيجية لن تتمكن أمريكا من إدارتها من خلال الرقص على الحبل المشدود لسياسة خفض التصعيد والاحتواء التي يتبناها بلينكن، وتكاد تنقطع دون وقف إطلاق النار الذي تحول إلى استحقاق لا يمكن الهروب منه إلا نحو حرب إقليمية تترقبها روسيا والصين للانتقام من أمريكا لإنهاء زعامتها الدولية.
twitter.com/hma36
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإسرائيلي التصعيد غزة إسرائيل امريكا غزة الإبادة الجماعية التصعيد مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاستراتیجیة الأمریکیة الکیان الإسرائیلی الأمریکیة فی جنوب أفریقیا على قطاع غزة فی المنطقة
إقرأ أيضاً:
بعد سنوات.. أمريكا تسحب بساط «السلع الفاخرة» من الصين
نجحت الولايات المتحدة في أن تتربع على قطاع السلع الفاخرة عالميا بعد أن نجحت فيها الصين خلال سنين عده خلت، غير أن مبيعات الموضة باهظة الثمن باتت أحدى رموز المكانة الراقية بالمنطقة كنقطة مضيئة لعام 2024، كما أشارت المبيعات الفصلية نهاية العام الماضي لتسارع مذهل بفضل مضاعفة معدل نموها بالولايات المتحدة لـ22%، فيما سجلت المجموعة زيادة وصلت نسبتها لـ10% بالمبيعات العالمية.
شهدت الموضة تغيرات عده خلال السنوات الماضيةوشهدت الموضة تغيرات عده خلال السنوات العديدة، وجاء نمو قطاع الصناعات الفاخرة مقتصرا على الصين والحقائق باهظة الثمن فيها، غير أن الأمر تحول حاليا في أمريكا بعد أن ارتفعت مبيعات شركة «كارتييه» الأمريكية، بشكل ضخم ساهم في ارتفاع النسبة فيها لـ15% مع نهاية العام الماضي
وأوضح تقرير نشره موقع «فايننشال تايمز» إلى أنه من المرجح أن يستمر الوضع مع تولي الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب الرئاسة، ذلك بسبب السياسات المتوقعة في عهده، بما فيها الحفاظ على المعاملة الضريبية المواتية للمكافآت المدفوعة بالنسبة لمديري الأسهم الخاصة، مع إلغاء ضريبة الرئيس جو بايدن على عمليات إعادة شراء الأسهم، والتي ستترك مزيدا من الأموال بأيدي الأغنياء.
وخلال العقد الماضي، تفوق قطاع السلع الجلدية على المجوهرات ونمي القطاع بنسبة 34%، في عام 2008 إلى 46% عام 2022 وفقًا لتقديرات «يو بي إس»، بينما حلت حقائب اليد محل الماس باعتبارها أفضل صديق لعملاء السلع الفاخرة.