عربي21:
2025-01-25@04:06:36 GMT

جنوب أفريقيا تضع العالم المتحضر أمام نفسه

تاريخ النشر: 12th, January 2024 GMT

يقف من أطلق على نفسه العالم المتحضر أمام مرآة الحقيقة؛ النظام الدولي بقوانينه ومواثيقه ومبادئه الذي فصّلها بعد الحرب العالمية الثانية، لينظر إن كان ذلك النظام لا يزال على مقاسه أم إنه أصبح واسعا عليه بعد أن تقلصت أردافه بفعل ضربات الشعوب الحرة خلال الأعوام الخمسين الماضية.

في لاهاي، حيث مقر محكمة العدل الدولية، تتجه أنظار العالم لخمسة عشر قاضيا يعتلون منصة أعلى منبر للعدالة في العالم، وينظرون أيهتدون أم يكونون من الذين لا يهتدون، إذ إن دور القضاة الخمسة عشر هو حل النزاعات بين الدول، طبقا للقانون الدولي و"العدالة الدولية"، وصولا للحفاظ على السلم والأمن الدوليين.

كما أن دورهم تعزيز وحماية حقوق الإنسان، مما يسهم في تحقيق العدالة والإنصاف، ومحاسبة الأطراف المسؤولة عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، مثل جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، وهي كلها جرائم تضمنتها عريضة الدعوى المرفوعة من دولة جنوب أفريقيا ضد الكيان المحتل لفلسطين منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. وعلى الرغم من أن العريضة ربطت الجرائم بهذا التاريخ، إلا أن جرائم الاحتلال سبقت حتى الإعلان عن الكيان، والضحايا يتجرعون مرارات انتهاكاته وويلات جرائمه منذ ما يقارب الثمانين عاما، من قتل وتهجير قسري واغتصاب للأموال والنساء واختطاف للأطفال.


من المفترض أن هذه الهيئة العدلية العليا مؤسستية ومهنية، ولا يخضع قضاتها لسياسات الدول التي ينحدرون منها، لكن هذا الكلام العظيم، إلى أي مدى يمكن أن ينسحب على ذلك الكيان المدلل؟
من المفترض أن هذه الهيئة العدلية العليا مؤسستية ومهنية، ولا يخضع قضاتها لسياسات الدول التي ينحدرون منها، لكن هذا الكلام العظيم، إلى أي مدى يمكن أن ينسحب على ذلك الكيان المدلل لدى أكثر من خمس دول، ينحدر عدد من القضاة منها، وعلى رأسهم رئيسة الهيئة القاضية جوان دونوهيو، الأمريكية الأصل، التي وقفت كمحامية لبلادها أمام المحكمة نفسها في الدعوى المرفوعة من نيكارجوا، التي بالمناسبة خسرتها واشنطن، لكن أمريكا لا تنسى أبناءها، فقد عينت السيدة دونوهيو في الخارجية الأمريكية، وتشربت من سياساتها و"ألاعيبها" قبل أن تختارها قاضيا في محكمة العدل الدولية، وهي القاضية الوحيدة في التشكيلة الحالية للمحكمة، التي لم يصبها دور التغيير الذي يتم كل ثلاث سنوات، وتتم الآن دورتها الثالثة.

حديث المجتمع الدولي عن العدالة تنقصه العدالة، إذ إن كل الآليات والأدوات أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية، ونظّر لها المفكرون من أمثال هوجو جروتيوس، والمكنى بــ"أبو القانون الدولي"، وإيمانويل كانط، وهانز كيلسن، وغيرهم. فحتى لو كانت النظريات والأفكار غُلفت بالمثالية، إلا أن تطبيقها طوع لمصلحة الأقوى، ولعل بعض هؤلاء المنظرين رأى بأم عينه هذا الإجحاف وليّ عنق النظريات لمصالح سياسية في دوائر استخلاص الحقوق، فأُذل فيها الضعيف وأُعز القوي ولو كان باغيا، أو أُنصف المظلوم نكاية في الظالم أو من يدعمه.

ومن ذلك، قضية الإبادة الجماعية في البوسنة والهرسك ضد صربيا والجبل الأسود، التي نُظرت عام 2007، فعلى الرغم من أن المحكمة انتهت إلى أن صربيا انتهكت التزامها بمنع الإبادة الجماعية، لكنها لم تجد صربيا مسؤولة بشكل مباشر عن ارتكاب الإبادة الجماعية، وضاع دم المسلمين البوسنيين في أروقة قصر السلام في لاهاي، حيث مقر العدل الدولي

من المهم أن نضع في اعتبارنا أنه بينما تعالج محكمة العدل الدولية النزاعات بين الدول، فإن قراراتها قد تكون لها آثار أوسع على حقوق الإنسان والعدالة، وهو ما يكفينا كانتصار إذا ما أدانت المحكمة فعل الاحتلال. ومع ذلك، علينا أن نتفهم أن سلطة محكمة العدل الدولية تقتصر على إثبات موقف وإقرار حال، وفي حالتنا هذه، يكفينا انتصارا أن كسرنا ذلك الحاجز الذي لم نستطع أن نعبره على مدار خمسين عاما، في ظل محاباة من الغرب المنحاز للاحتلال والجائر على حقوق الفلسطينيين والعرب والمسلمين.
والحقيقة التي يجب أن يقف العالم عندها، هي أن غزة وحدها بشعبها الصامد تكتب تاريخ العالم الآن، غزة وحدها اليوم هي من تضع العالم عند حقائق، طالما تم تزويقها لكي يختفي قبح ما حوته سياسات ومصالح الأنظمة أمام عدالة القضايا وحقوق الشعوب، غزة وحدها هي من كشفت فساد تلك الأدوات والآليات التي وضعتها الدول التي تدعي التحضر لتكيل مكيالين؛ مكيالا يزن العدالة بين شعوبها ودولها، وآخر صُنع خصيصا من أجل تلك الشعوب المستضعفة. لكن جنوب أفريقيا، التي تصنف ضمن الفئة الثانية، أرادت أن تعدل تلك الموازين وتكسر قواعد القياس بمقاييس عنصرية تقيس المظالم بقياس من يطالب بها، وهي بدعواها هذه تضع المرآة أمام هذا العالم، كما تضعها أمام من يدعي العروبة ويدعي الإسلام ويدعي الإنسانية.

من المهم أن نضع في اعتبارنا أنه بينما تعالج محكمة العدل الدولية النزاعات بين الدول، فإن قراراتها قد تكون لها آثار أوسع على حقوق الإنسان والعدالة، وهو ما يكفينا كانتصار إذا ما أدانت المحكمة فعل الاحتلال. ومع ذلك، علينا أن نتفهم أن سلطة محكمة العدل الدولية تقتصر على إثبات موقف وإقرار حال، وفي حالتنا هذه يكفينا انتصارا أن كسرنا ذلك الحاجز الذي لم نستطع أن نعبره على مدار خمسين عاما، في ظل محاباة من الغرب المنحاز للاحتلال والجائر على حقوق الفلسطينيين والعرب والمسلمين. وعلينا أن نعلم أن المحكمة ليس لديها من آليات التنفيذ ما يجعل أحكامها قاطعة ملزمة، إلا أنها ستدعم موقف المظلومين أمام المحكمة الجنائية الدولية لملاحقة كل مجرمي الحرب، كما حدث في البوسنة ورواندا. وعلينا أخيرا أن نؤمن بأن شجرة العدالة لن تورق إلا بالتضحيات؛ فإن أردت أن تشارك في إنماء ثمارها، فعليك أن تتحرك في هذه الفاصلة التاريخية التي تجني فيها الشعوب مكتسبات، وتنتزع حقوقها انتزاعا ممن سلبها.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العدل الدولية جنوب أفريقيا الإبادة الجماعية غزة إسرائيل غزة جنوب أفريقيا الإبادة الجماعية العدل الدولية مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة محکمة العدل الدولیة على حقوق

إقرأ أيضاً:

المشاط في منتدى دافوس: توسيع نطاق الشراكة بين قارة أفريقيا والمؤسسات الدولية يُدعم جهود التنمية الاقتصادية

أكدت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، على أهمية توسيع نطاق الشراكة بين قارة أفريقيا والمؤسسات الدولية وبنوك التنمية متعددة الأطراف، من أجل دعم جهود التنمية في القارة، مشيرةً إلى أهمية الخطوة التي اتخذها صندوق النقد الدولي في العام الماضي، وموافقته على رفع تمثيل منطقة أفريقيا جنوب الصحراء.

جاء ذلك خلال كلمتها بالجلسة التي عقدها منتدى «أفريكا هاوس» لمناقشة مستقبل التنمية في قارة أفريقيا، وذلك على خلفية مشاركتها بأعمال المنتدى الاقتصادي العالمي 2025، والمنعقد بمدينة دافوس بسويسرا تحت شعار "التعاون من أجل العصر الذكي"، وذلك خلال الفترة من 20 حتى 24 يناير الجاري.

كما أشارت إلى أهمية معالجة عبء الديون الذي تعاني منه القارة من أجل تحرير الموارد لتحقيق التنمية، وهو ما يناقشه المجتمع الدولي في المحافل الدولية وكان محورًا رئيسيًا للنقاش بقمة المستقبل، كما سيتم بحثه في المنتدى الدولي الرابع لتمويل التنمية بأسبانيا العام الجاري.

وأضافت أن إعادة هيكلة النظام المالي العالمي أضحى ضرورة لا غنى عنها من أجل إتاحة المزيد من الموارد المالية للدول النامية والناشئة وقارة أفريقيا على رأسها، بما يُعزز جهود التنمية المستدامة والشاملة.

في سياق آخر، طالبت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، دول القارة بضرورة استغلال الموارد المتاحة حيث تتمتع القارة بموارد بشرية وثروات طبيعية ضخمة يجب استغلالها بالشكل الأمثل، مضيفة أن التكامل بين دول القارة يُمكن أن يمثل سبيلًا نحو تعظيم الاستفادة وتحقيق التنمية وتبادل الخبرات والتجارب التنموية.

ويعد «أفريكا هاوس» Africa House، منصة متخصصة في تحقيق التواصل بين أصحاب الرؤى في جميع أنحاء القارة، وإطلاق المبادرات وتشجيع التحالفات الهادفة لتحقيق تأثير نوعي على مستوى جهود التنمية في القارة.

جدير بالذكر أن Africa House اختار الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، رئيس مشارك للمنتدى المنعقد خلال فعاليات "دافوس" 2025، إلى جانب السيد/ واميكلي ميني، الأمين العام لاتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA).

*إعادة صياغة الاقتصادات*

من جانب آخر، شاركت الدكتورة رانيا المشاط، في الجلسة النقاشية التي نظمها المنتدى الاقتصادي العالمي، تحت عنوان «إعادة صياغة الاقتصادات»، وذلك في إطار مشاركتها بأعمال المنتدى الاقتصادي العالمي 2025، والمنعقد بمدينة دافوس بسويسرا تحت شعار "التعاون من أجل العصر الذكي"، خلال الفترة من 20 حتى 24 يناير الجاري.

وفي كلمتها، أوضحت الدكتورة رانيا المشاط، أنه في ظل الأزمات العالمية المتعددة فإن الحاجة تزداد بشكل ملح إلى إصلاحات سياسية وتحولات هيكلية في الاقتصادات الناشئة والنامية، خاصة مع ارتفاع الدعوات للانتقال العادل إلى اقتصادات مرنة وخضراء.

وأشارت «المشاط»، إلى تقرير الأمم المتحدة حول الوضع الاقتصادي العالمي وآفاقه (2025)، والذي يتوقع أن يظل النمو الاقتصادي العالمي عند 2.8% في عام 2025، مشيرة إلى أن انخفاض التضخم والتحول نحو سياسات التخفيف النقدي من شأنه ان يُمثل دفعة للنمو الاقتصادي عالميًا، ويحقق أثرًا إيجابيًا على الأسواق الناشئة.

وتحدثت عن تقرير "فخ الدخل المتوسط" الصادر عن مجموعة البنك الدولي، والذي يوضح أن 75% من سكان العالم يعيشون في دول ذات دخل متوسط، بما في ذلك حوالي 66% من الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع، مشيرة كذلك إلى تقرير منتدى الاقتصاد العالمي حول مستقبل النمو والذي يوضح أن النمو العالمي كان أبطأ في العقد الماضي مقارنة بالعقود السابقة، وأن التعافي بعد الجائحة يفقد زخمه.

وتابعت أن "فخ الدخل المتوسط" يشير إلى حالة تعاني فيها الدول من نمو سريع وتنتقل من حالة الدخل المنخفض إلى الدخل المتوسط، لكنها تكافح بعد ذلك لبلوغ مرحلة الدخل المرتفع، مضيفة أنه غالبًا ما تواجه الاقتصادات العالقة في فخ الدخل المتوسط بطء نمو الإنتاجية، وضعف البنية التحتية، وضعف المؤسسات، ونقص الابتكار التكنولوجي، كما تواجه تلك الدول أيضًا صعوبات في تنويع اقتصاداتها والابتعاد عن الاعتماد على الصناعات ذات الأجور المنخفضة والمهارات المنخفضة.

واستعرضت عددًا من التوصيات للخروج من ذلك الفخ وتسريع النمو، مشيرة إلى توصيات تقرير البنك الدولي والتي تتضمن ضبط استراتيجي للسياسات الاقتصادية المتعلقة بالاستثمار، والتدفق، والابتكار.، والتركيز على زيادة الاستثمار من خلال إصلاحات مثل تحديد الإنفاق الحكومي.

وأكدت «المشاط»، ضرورة قيام الدول بتنويع اقتصاداتها بعيدًا عن الصناعات الأولية والتصنيع منخفض القيمة، مضيفة أن تطوير الصادرات إلى منتجات وخدمات ذات قيمة أعلى، خاصة في قطاعات كالتكنولوجيا والصناعات القائمة على المعرفة والتصنيع المتقدم، يمثل أمرًا أساسيًا، مع ضرورة الاستثمار في البنية التحتية على المدى الطويل، وإصلاح الأطر التنظيمية، وضمان أن تكون الفوائد الاقتصادية شاملة لتجنب التوترات الاجتماعية والركود.

كما شددت على ضرورة التركيز على النمو النوعهي الذي يشير إلى التنمية الاقتصادية التي تركز ليس فقط على زيادة الناتج المحلي الإجمالي ولكن أيضًا على تحسين الدخول، والاستدامة البيئية، والعدالة الاجتماعية.

وشارك في الجلسة العديد من المسئولين رفيعي المستوى، من بينهم اللورد نيكولاس ستيرن رئيس معهد غرانثام لتغير المناخ والبيئة، بكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية بالمملكة المتحدة، والسيد/ أندريه دومانسكي، وزير المالية البولندي، والسيد/ دورجخان توغميد، نائب رئيس وزراء منغوليا، والسيدة/ أماني أبو زيد، مفوضة للبنية التحتية والطاقة والرقمنة، بمفوضية الاتحاد الأفريقي، والسيد/ سانتياجو باوسيلي رئيس البنك المركزي الأرجنتيني، وغيرهم من ممثلي الحكومات وشركاء التنمية والقطاع الخاص.

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية الإيطالية: المحكمة الجنائية الدولية ليست كلام الله وليست مصدر كل الحقيقة
  • قلق داخل المحكمة الجنائية الدولية من العقوبات الأمريكية المرتقبة
  • المشاط: توسيع نطاق الشراكة بين قارة أفريقيا والمؤسسات الدولية يُدعم جهود التنمية
  • المشاط في منتدى دافوس: توسيع نطاق الشراكة بين قارة أفريقيا والمؤسسات الدولية يُدعم جهود التنمية الاقتصادية
  • رئيس مجلس القضاء: تطوير العدالة الجنائية والمدنية وفق المعايير الدولية
  • ترامب يسخر من قرارات بايدن في أيامه الأخيرة بالبيت الأبيض: «نسي العفو عن نفسه»
  • إيران تشكك في اختصاص محكمة العدل الدولية بقضية الطائرة الأوكرانية
  • المحكمة الدستورية العليا تعقد مؤتمرا عالميا لرؤساء محاكم أفريقيا
  • "الوطني الاتحادي" يؤكد أهمية استقلالية معهد التدريب القضائي
  • المواقع الدولية الأفريقية تختار مصر ضمن أفضل الوجهات السياحية في أفريقيا