عربي21:
2024-11-23@02:42:22 GMT

جنوب أفريقيا تضع العالم المتحضر أمام نفسه

تاريخ النشر: 12th, January 2024 GMT

يقف من أطلق على نفسه العالم المتحضر أمام مرآة الحقيقة؛ النظام الدولي بقوانينه ومواثيقه ومبادئه الذي فصّلها بعد الحرب العالمية الثانية، لينظر إن كان ذلك النظام لا يزال على مقاسه أم إنه أصبح واسعا عليه بعد أن تقلصت أردافه بفعل ضربات الشعوب الحرة خلال الأعوام الخمسين الماضية.

في لاهاي، حيث مقر محكمة العدل الدولية، تتجه أنظار العالم لخمسة عشر قاضيا يعتلون منصة أعلى منبر للعدالة في العالم، وينظرون أيهتدون أم يكونون من الذين لا يهتدون، إذ إن دور القضاة الخمسة عشر هو حل النزاعات بين الدول، طبقا للقانون الدولي و"العدالة الدولية"، وصولا للحفاظ على السلم والأمن الدوليين.

كما أن دورهم تعزيز وحماية حقوق الإنسان، مما يسهم في تحقيق العدالة والإنصاف، ومحاسبة الأطراف المسؤولة عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، مثل جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، وهي كلها جرائم تضمنتها عريضة الدعوى المرفوعة من دولة جنوب أفريقيا ضد الكيان المحتل لفلسطين منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. وعلى الرغم من أن العريضة ربطت الجرائم بهذا التاريخ، إلا أن جرائم الاحتلال سبقت حتى الإعلان عن الكيان، والضحايا يتجرعون مرارات انتهاكاته وويلات جرائمه منذ ما يقارب الثمانين عاما، من قتل وتهجير قسري واغتصاب للأموال والنساء واختطاف للأطفال.


من المفترض أن هذه الهيئة العدلية العليا مؤسستية ومهنية، ولا يخضع قضاتها لسياسات الدول التي ينحدرون منها، لكن هذا الكلام العظيم، إلى أي مدى يمكن أن ينسحب على ذلك الكيان المدلل؟
من المفترض أن هذه الهيئة العدلية العليا مؤسستية ومهنية، ولا يخضع قضاتها لسياسات الدول التي ينحدرون منها، لكن هذا الكلام العظيم، إلى أي مدى يمكن أن ينسحب على ذلك الكيان المدلل لدى أكثر من خمس دول، ينحدر عدد من القضاة منها، وعلى رأسهم رئيسة الهيئة القاضية جوان دونوهيو، الأمريكية الأصل، التي وقفت كمحامية لبلادها أمام المحكمة نفسها في الدعوى المرفوعة من نيكارجوا، التي بالمناسبة خسرتها واشنطن، لكن أمريكا لا تنسى أبناءها، فقد عينت السيدة دونوهيو في الخارجية الأمريكية، وتشربت من سياساتها و"ألاعيبها" قبل أن تختارها قاضيا في محكمة العدل الدولية، وهي القاضية الوحيدة في التشكيلة الحالية للمحكمة، التي لم يصبها دور التغيير الذي يتم كل ثلاث سنوات، وتتم الآن دورتها الثالثة.

حديث المجتمع الدولي عن العدالة تنقصه العدالة، إذ إن كل الآليات والأدوات أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية، ونظّر لها المفكرون من أمثال هوجو جروتيوس، والمكنى بــ"أبو القانون الدولي"، وإيمانويل كانط، وهانز كيلسن، وغيرهم. فحتى لو كانت النظريات والأفكار غُلفت بالمثالية، إلا أن تطبيقها طوع لمصلحة الأقوى، ولعل بعض هؤلاء المنظرين رأى بأم عينه هذا الإجحاف وليّ عنق النظريات لمصالح سياسية في دوائر استخلاص الحقوق، فأُذل فيها الضعيف وأُعز القوي ولو كان باغيا، أو أُنصف المظلوم نكاية في الظالم أو من يدعمه.

ومن ذلك، قضية الإبادة الجماعية في البوسنة والهرسك ضد صربيا والجبل الأسود، التي نُظرت عام 2007، فعلى الرغم من أن المحكمة انتهت إلى أن صربيا انتهكت التزامها بمنع الإبادة الجماعية، لكنها لم تجد صربيا مسؤولة بشكل مباشر عن ارتكاب الإبادة الجماعية، وضاع دم المسلمين البوسنيين في أروقة قصر السلام في لاهاي، حيث مقر العدل الدولي

من المهم أن نضع في اعتبارنا أنه بينما تعالج محكمة العدل الدولية النزاعات بين الدول، فإن قراراتها قد تكون لها آثار أوسع على حقوق الإنسان والعدالة، وهو ما يكفينا كانتصار إذا ما أدانت المحكمة فعل الاحتلال. ومع ذلك، علينا أن نتفهم أن سلطة محكمة العدل الدولية تقتصر على إثبات موقف وإقرار حال، وفي حالتنا هذه، يكفينا انتصارا أن كسرنا ذلك الحاجز الذي لم نستطع أن نعبره على مدار خمسين عاما، في ظل محاباة من الغرب المنحاز للاحتلال والجائر على حقوق الفلسطينيين والعرب والمسلمين.
والحقيقة التي يجب أن يقف العالم عندها، هي أن غزة وحدها بشعبها الصامد تكتب تاريخ العالم الآن، غزة وحدها اليوم هي من تضع العالم عند حقائق، طالما تم تزويقها لكي يختفي قبح ما حوته سياسات ومصالح الأنظمة أمام عدالة القضايا وحقوق الشعوب، غزة وحدها هي من كشفت فساد تلك الأدوات والآليات التي وضعتها الدول التي تدعي التحضر لتكيل مكيالين؛ مكيالا يزن العدالة بين شعوبها ودولها، وآخر صُنع خصيصا من أجل تلك الشعوب المستضعفة. لكن جنوب أفريقيا، التي تصنف ضمن الفئة الثانية، أرادت أن تعدل تلك الموازين وتكسر قواعد القياس بمقاييس عنصرية تقيس المظالم بقياس من يطالب بها، وهي بدعواها هذه تضع المرآة أمام هذا العالم، كما تضعها أمام من يدعي العروبة ويدعي الإسلام ويدعي الإنسانية.

من المهم أن نضع في اعتبارنا أنه بينما تعالج محكمة العدل الدولية النزاعات بين الدول، فإن قراراتها قد تكون لها آثار أوسع على حقوق الإنسان والعدالة، وهو ما يكفينا كانتصار إذا ما أدانت المحكمة فعل الاحتلال. ومع ذلك، علينا أن نتفهم أن سلطة محكمة العدل الدولية تقتصر على إثبات موقف وإقرار حال، وفي حالتنا هذه يكفينا انتصارا أن كسرنا ذلك الحاجز الذي لم نستطع أن نعبره على مدار خمسين عاما، في ظل محاباة من الغرب المنحاز للاحتلال والجائر على حقوق الفلسطينيين والعرب والمسلمين. وعلينا أن نعلم أن المحكمة ليس لديها من آليات التنفيذ ما يجعل أحكامها قاطعة ملزمة، إلا أنها ستدعم موقف المظلومين أمام المحكمة الجنائية الدولية لملاحقة كل مجرمي الحرب، كما حدث في البوسنة ورواندا. وعلينا أخيرا أن نؤمن بأن شجرة العدالة لن تورق إلا بالتضحيات؛ فإن أردت أن تشارك في إنماء ثمارها، فعليك أن تتحرك في هذه الفاصلة التاريخية التي تجني فيها الشعوب مكتسبات، وتنتزع حقوقها انتزاعا ممن سلبها.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العدل الدولية جنوب أفريقيا الإبادة الجماعية غزة إسرائيل غزة جنوب أفريقيا الإبادة الجماعية العدل الدولية مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة محکمة العدل الدولیة على حقوق

إقرأ أيضاً:

الفلسطينيون يرحبون بأوامر الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق مسؤولين إسرائيليين  

 

 

القدس المحتلة - رحبت السلطة الفلسطينية وحركة حماس بمذكرتي الاعتقال اللتين أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق فيما يتصل بالحرب على غزة.

وقالت السلطة الفلسطينية في بيان نشرته وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "وفا"، إن "دولة فلسطين ترحب بالقرار" بإصدار مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت.

وقالت المحكمة الجنائية الدولية إنها وجدت "أسبابًا معقولة" للاعتقاد بأن نتنياهو وجالانت يتحملان "المسؤولية الجنائية" عن جريمة الحرب المتمثلة في التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، فضلاً عن الجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في القتل والاضطهاد وغيرها من الأعمال اللاإنسانية.

وقال البيان الفلسطيني إن "قرار المحكمة الجنائية الدولية يمثل الأمل والثقة في القانون الدولي ومؤسساته"، وحث الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية على قطع "الاتصالات والاجتماعات" مع نتنياهو وغالانت - الذي أقاله رئيس الوزراء الإسرائيلي في وقت سابق من هذا الشهر.

ولم يشر البيان الصادر عن السلطة الفلسطينية التي تمارس سيطرة إدارية جزئية على الضفة الغربية المحتلة إلى مذكرة الاعتقال التي صدرت الخميس أيضا بحق القائد العسكري لحركة حماس محمد ضيف بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وقالت إسرائيل إنها قتلت الضيف في غزة في يوليو/تموز، لكن حماس لم تؤكد وفاته.

ولم تذكر المجموعة، في بيانها الخاص بشأن قرار المحكمة الجنائية الدولية، ضيف أيضًا.

وقالت حماس إن مذكرات الاعتقال الصادرة بحق القادة الإسرائيليين "خطوة مهمة نحو العدالة ويمكن أن تؤدي إلى إنصاف الضحايا بشكل عام".

لكن عضو المكتب السياسي للحركة باسم نعيم قال إن "الخطوة ستبقى محدودة ورمزية إذا لم تدعمها كل دول العالم بكل الوسائل".

- "مجازر" -

وفي رد على سؤال لوكالة فرانس برس حول مذكرة اعتقال الضيف، قال مسؤول في حماس طلب عدم الكشف عن هويته إنه "لا مقارنة بين المحتل المجرم والضحية".

وأشار الفلسطينيون الذين هجروا من منازلهم في غزة إلى أن أوامر المحكمة الجنائية الدولية لن تحدث أي فرق في معاناتهم.

وقال يوسف أبو هويشل، من داخل ملجأ هش ذو أرضية ترابية في وسط غزة، "من المهم أن نرى شخصا يتحدث عن هذه المجازر والشعب المضطهد"، ولكن "لا تزال هناك الولايات المتحدة" التي تدعم إسرائيل.

وفي المخيم ذاته في الزوايدة، قال حسن حسن إنه متأكد من أن "القرار لن ينفذ لأنه لم يتم تنفيذ أي قرار لصالح القضية الفلسطينية على الإطلاق".

وأسفرت حرب غزة، التي اندلعت ردا على هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عن مقتل 1206 أشخاص، معظمهم من المدنيين، وفقا لإحصاءات وكالة فرانس برس استنادا إلى أرقام رسمية إسرائيلية.

وتم احتجاز نحو 250 رهينة خلال الهجوم، ولا يزال 97 أسيراً في غزة، بما في ذلك 34 يقول الجيش الإسرائيلي إنهم لقوا حتفهم.

وأسفرت الحملة العسكرية الإسرائيلية الانتقامية عن مقتل 44056 شخصا على الأقل خلال أكثر من 13 شهرا من الحرب، معظمهم من المدنيين، وفقا لأرقام وزارة الصحة في قطاع غزة الذي تحكمه حركة حماس، والتي تعتبرها الأمم المتحدة موثوقة.

 

Your browser does not support the video tag.

مقالات مشابهة

  • لبنان يرحب بقرار المحكمة الجنائية الدولية ضد نتنياهو
  • سابقة خطيرة.. غالانت يعلق على قرار محكمة العدل الدولية
  • الخارجية رحّبت بقرار المحكمة الجنائية الدولية بعد إصدار مذكرتيّ اعتقال بحقّ نتنياهو
  • الفلسطينيون يرحبون بأوامر الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق مسؤولين إسرائيليين  
  • تعليقات نارية من دول ومنظمات على قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو وجالانت
  • العدالة والتنمية يشيد بقرار المحكمة الجنائية الدولية بخصوص “نتنياهو وغالانت” ويدعو دول العالم إلى الالتزام به
  • باحث في العلاقات الدولية: على محكمة العدل الدولية إدانة «بايدن» على غرار نتنياهو
  • وزير العدل التركي: قرار المحكمة الجنائية الدولية متأخر لكنه إيجابي
  • الحكومة العراقية: إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت قرار تاريخي
  • مبتسمًا.. إمام عاشور أمام محكمة جنوب الجيزة: "اصطبحوا يا جماعة في إيه"