عربي21:
2025-02-24@07:22:48 GMT

جنوب أفريقيا تضع العالم المتحضر أمام نفسه

تاريخ النشر: 12th, January 2024 GMT

يقف من أطلق على نفسه العالم المتحضر أمام مرآة الحقيقة؛ النظام الدولي بقوانينه ومواثيقه ومبادئه الذي فصّلها بعد الحرب العالمية الثانية، لينظر إن كان ذلك النظام لا يزال على مقاسه أم إنه أصبح واسعا عليه بعد أن تقلصت أردافه بفعل ضربات الشعوب الحرة خلال الأعوام الخمسين الماضية.

في لاهاي، حيث مقر محكمة العدل الدولية، تتجه أنظار العالم لخمسة عشر قاضيا يعتلون منصة أعلى منبر للعدالة في العالم، وينظرون أيهتدون أم يكونون من الذين لا يهتدون، إذ إن دور القضاة الخمسة عشر هو حل النزاعات بين الدول، طبقا للقانون الدولي و"العدالة الدولية"، وصولا للحفاظ على السلم والأمن الدوليين.

كما أن دورهم تعزيز وحماية حقوق الإنسان، مما يسهم في تحقيق العدالة والإنصاف، ومحاسبة الأطراف المسؤولة عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، مثل جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، وهي كلها جرائم تضمنتها عريضة الدعوى المرفوعة من دولة جنوب أفريقيا ضد الكيان المحتل لفلسطين منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. وعلى الرغم من أن العريضة ربطت الجرائم بهذا التاريخ، إلا أن جرائم الاحتلال سبقت حتى الإعلان عن الكيان، والضحايا يتجرعون مرارات انتهاكاته وويلات جرائمه منذ ما يقارب الثمانين عاما، من قتل وتهجير قسري واغتصاب للأموال والنساء واختطاف للأطفال.


من المفترض أن هذه الهيئة العدلية العليا مؤسستية ومهنية، ولا يخضع قضاتها لسياسات الدول التي ينحدرون منها، لكن هذا الكلام العظيم، إلى أي مدى يمكن أن ينسحب على ذلك الكيان المدلل؟
من المفترض أن هذه الهيئة العدلية العليا مؤسستية ومهنية، ولا يخضع قضاتها لسياسات الدول التي ينحدرون منها، لكن هذا الكلام العظيم، إلى أي مدى يمكن أن ينسحب على ذلك الكيان المدلل لدى أكثر من خمس دول، ينحدر عدد من القضاة منها، وعلى رأسهم رئيسة الهيئة القاضية جوان دونوهيو، الأمريكية الأصل، التي وقفت كمحامية لبلادها أمام المحكمة نفسها في الدعوى المرفوعة من نيكارجوا، التي بالمناسبة خسرتها واشنطن، لكن أمريكا لا تنسى أبناءها، فقد عينت السيدة دونوهيو في الخارجية الأمريكية، وتشربت من سياساتها و"ألاعيبها" قبل أن تختارها قاضيا في محكمة العدل الدولية، وهي القاضية الوحيدة في التشكيلة الحالية للمحكمة، التي لم يصبها دور التغيير الذي يتم كل ثلاث سنوات، وتتم الآن دورتها الثالثة.

حديث المجتمع الدولي عن العدالة تنقصه العدالة، إذ إن كل الآليات والأدوات أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية، ونظّر لها المفكرون من أمثال هوجو جروتيوس، والمكنى بــ"أبو القانون الدولي"، وإيمانويل كانط، وهانز كيلسن، وغيرهم. فحتى لو كانت النظريات والأفكار غُلفت بالمثالية، إلا أن تطبيقها طوع لمصلحة الأقوى، ولعل بعض هؤلاء المنظرين رأى بأم عينه هذا الإجحاف وليّ عنق النظريات لمصالح سياسية في دوائر استخلاص الحقوق، فأُذل فيها الضعيف وأُعز القوي ولو كان باغيا، أو أُنصف المظلوم نكاية في الظالم أو من يدعمه.

ومن ذلك، قضية الإبادة الجماعية في البوسنة والهرسك ضد صربيا والجبل الأسود، التي نُظرت عام 2007، فعلى الرغم من أن المحكمة انتهت إلى أن صربيا انتهكت التزامها بمنع الإبادة الجماعية، لكنها لم تجد صربيا مسؤولة بشكل مباشر عن ارتكاب الإبادة الجماعية، وضاع دم المسلمين البوسنيين في أروقة قصر السلام في لاهاي، حيث مقر العدل الدولي

من المهم أن نضع في اعتبارنا أنه بينما تعالج محكمة العدل الدولية النزاعات بين الدول، فإن قراراتها قد تكون لها آثار أوسع على حقوق الإنسان والعدالة، وهو ما يكفينا كانتصار إذا ما أدانت المحكمة فعل الاحتلال. ومع ذلك، علينا أن نتفهم أن سلطة محكمة العدل الدولية تقتصر على إثبات موقف وإقرار حال، وفي حالتنا هذه، يكفينا انتصارا أن كسرنا ذلك الحاجز الذي لم نستطع أن نعبره على مدار خمسين عاما، في ظل محاباة من الغرب المنحاز للاحتلال والجائر على حقوق الفلسطينيين والعرب والمسلمين.
والحقيقة التي يجب أن يقف العالم عندها، هي أن غزة وحدها بشعبها الصامد تكتب تاريخ العالم الآن، غزة وحدها اليوم هي من تضع العالم عند حقائق، طالما تم تزويقها لكي يختفي قبح ما حوته سياسات ومصالح الأنظمة أمام عدالة القضايا وحقوق الشعوب، غزة وحدها هي من كشفت فساد تلك الأدوات والآليات التي وضعتها الدول التي تدعي التحضر لتكيل مكيالين؛ مكيالا يزن العدالة بين شعوبها ودولها، وآخر صُنع خصيصا من أجل تلك الشعوب المستضعفة. لكن جنوب أفريقيا، التي تصنف ضمن الفئة الثانية، أرادت أن تعدل تلك الموازين وتكسر قواعد القياس بمقاييس عنصرية تقيس المظالم بقياس من يطالب بها، وهي بدعواها هذه تضع المرآة أمام هذا العالم، كما تضعها أمام من يدعي العروبة ويدعي الإسلام ويدعي الإنسانية.

من المهم أن نضع في اعتبارنا أنه بينما تعالج محكمة العدل الدولية النزاعات بين الدول، فإن قراراتها قد تكون لها آثار أوسع على حقوق الإنسان والعدالة، وهو ما يكفينا كانتصار إذا ما أدانت المحكمة فعل الاحتلال. ومع ذلك، علينا أن نتفهم أن سلطة محكمة العدل الدولية تقتصر على إثبات موقف وإقرار حال، وفي حالتنا هذه يكفينا انتصارا أن كسرنا ذلك الحاجز الذي لم نستطع أن نعبره على مدار خمسين عاما، في ظل محاباة من الغرب المنحاز للاحتلال والجائر على حقوق الفلسطينيين والعرب والمسلمين. وعلينا أن نعلم أن المحكمة ليس لديها من آليات التنفيذ ما يجعل أحكامها قاطعة ملزمة، إلا أنها ستدعم موقف المظلومين أمام المحكمة الجنائية الدولية لملاحقة كل مجرمي الحرب، كما حدث في البوسنة ورواندا. وعلينا أخيرا أن نؤمن بأن شجرة العدالة لن تورق إلا بالتضحيات؛ فإن أردت أن تشارك في إنماء ثمارها، فعليك أن تتحرك في هذه الفاصلة التاريخية التي تجني فيها الشعوب مكتسبات، وتنتزع حقوقها انتزاعا ممن سلبها.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العدل الدولية جنوب أفريقيا الإبادة الجماعية غزة إسرائيل غزة جنوب أفريقيا الإبادة الجماعية العدل الدولية مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة محکمة العدل الدولیة على حقوق

إقرأ أيضاً:

جنوب أفريقيا تتقرب من أوروبا وسط تراجع العلاقات مع أميركا

مع تصاعد التوترات الجيوسياسية، تراجعت العلاقات بين جنوب أفريقيا والولايات المتحدة بشكل ملحوظ، بعد أن فرضت إدارة الرئيس دونالد ترامب سياسات عقابية تجاه بريتوريا.

وفي المقابل، يبدو أن الاتحاد الأوروبي قد استغل الفرصة لتعزيز علاقاته مع جنوب أفريقيا، في خطوة تؤكد الدور الأوروبي المتنامي في القارة الأفريقية وسط تراجع النفوذ الأميركي.

تعزيز التحالف الأوروبي عمال عاطلون عن العمل في جوهانسبرغ (رويترز)

وجاء التحرك الأوروبي بعد سلسلة من التوترات بين بريتوريا وواشنطن، حيث قررت الأخيرة تعليق بعض برامجها الاقتصادية مع جنوب أفريقيا، مع انتقادات علنية من جانب مستشاري ترامب، بمن فيهم إيلون ماسك الذي زعم أن حكومة جنوب أفريقيا تمارس "إبادة جماعية" ضد المزارعين البيض.

وقد زادت هذه التصريحات من حدة التوتر، خاصة مع سياسات ترامب الحمائية التي فرضت رسومًا جمركية عالمية متبادلة، مما أثار استياء الاتحاد الأوروبي ودفعه إلى البحث عن شركاء اقتصاديين جدد، من بينهم جنوب أفريقيا.

وفي هذا الإطار، كثّفت الدول الأوروبية جهودها لتعزيز التعاون مع بريتوريا، حيث شهدت الأسابيع الأخيرة اجتماعات دبلوماسية مكثفة بين الطرفين، كان آخرها في 19 فبراير/شباط الحالي، حيث التقى دبلوماسيون أوروبيون مسؤولين من جنوب أفريقيا لمناقشة سبل توسيع التعاون الاقتصادي والسياسي.

أحد الحقول في جنوب أفريقيا (غيتي)

ووفقًا لمصادر مطلعة، شدد الطرفان على أهمية تعزيز التعاون في مجالات التجارة والاستثمار والطاقة المستدامة.

إعلان استثمارات أوروبية 

من المتوقع أن تُتوَّج هذه الجهود بالقمة الثنائية المرتقبة في 13 مارس/آذار المقبل، حيث تخطط بروكسل للإعلان عن استثمارات جديدة في قطاع الطاقة النظيفة في جنوب أفريقيا، في إطار مبادرات الاتحاد الأوروبي لتعزيز الشراكات الخضراء حول العالم.

وتتضمن المفاوضات بين الطرفين استثمارات في الطاقة المتجددة، إضافةً إلى مشاريع لاستخراج المعادن النادرة التي تعد جنوب أفريقيا أحد أكبر منتجيها عالميًا.

شراكة جنوب أفريقيا مع أوروبا لتعزيز استخدام الطاقة النظيفة (شترستوك)

ويأتي هذا الاهتمام الأوروبي مدفوعًا بالحاجة إلى تقليل الاعتماد على الصين، خاصة في ظل تنامي أهمية هذه الموارد في التحول العالمي نحو التكنولوجيا النظيفة.

ويأتي هذا في وقت يواجه فيه الاتحاد الأوروبي تحديات في تأمين إمدادات المعادن الحيوية، بديلا عن الصين التي تهيمن على سوق هذه المعادن عالميًا.

وفي هذا السياق، يمكن أن تلعب جنوب أفريقيا دورًا إستراتيجيًا كبديل موثوق، مما يعزز شراكتها الاقتصادية مع أوروبا.

الاتحاد الأوروبي وترامب

من جانب آخر، أعرب مسؤولون أوروبيون عن قلقهم المتزايد من القرارات التجارية الحمائية لإدارة ترامب، وخاصة الرسوم الجمركية التي قد تعرقل التجارة مع أميركا.

أبراج التبريد لمحطة توليد الكهرباء في كيب تاون جنوب أفريقيا (رويترز)

ففي عام 2024، بلغ إجمالي حجم التجارة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي 975.9 مليار دولار، مع تسجيل عجز تجاري أميركي بقيمة 235.6 مليار دولار لصالح الاتحاد الأوروبي.

وقد دفعت هذه الإجراءات بروكسل إلى إعادة النظر في إستراتيجياتها التجارية، مما يفسر جزءًا من توجهها نحو تعزيز العلاقات مع جنوب أفريقيا وشركاء آخرين في قارتي أفريقيا وآسيا.

مجموعة العشرين وتوجهات بريتوريا

على الصعيد الدبلوماسي، افتتح رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين في جوهانسبرغ بدعوة إلى "التعاون والتعددية" في مواجهة التحديات الجيوسياسية المتزايدة.

(الجزيرة)

وأكد رامافوزا أهمية دعم المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية، مشددًا على ضرورة تعزيز الشراكات الاقتصادية العادلة.

إعلان

ومع استمرار التغيرات في المشهد الدولي، تتجه جنوب أفريقيا نحو شراكة إستراتيجية أعمق مع الاتحاد الأوروبي، في خطوة قد تعيد رسم خريطة التحالفات العالمية.

ويعكس هذا التحول ابتعاد العديد من الدول عن السياسات الأحادية التي تنتهجها إدارة ترامب، لصالح شراكات أكثر تعددية وتوازنًا، بما في ذلك مع القوى الصاعدة في أفريقيا وآسيا.

مقالات مشابهة

  • مجلس النواب يقر بمنح المحكمة فرض غرامة 500 جنيه لمواجهة محاولات تعطيل العدالة
  • «النواب» يمنح المحكمة فرض غرامة 500 جنيه لمواجهة محاولات تعطيل العدالة
  • وزير العدل يتفقد محكمة البحر الأحمر ويؤكد على تطوير المنظومة القضائية
  • كاريكاتير| رسالة إلى العالم المتحضر
  • وزير العدل يفتتح مجمع الشهر العقاري بالغردقة.. ويتفقد محكمة البحر الأحمر
  • وزير العدل يفتتح مجمع خدمات الشهر العقاري بالغردقة ويتفقد مقرات محكمة البحر الأحمر الابتدائية
  • وزير العدل يتفقد مقرات محكمة البحر الأحمر وهيئتي قضايا الدولة والنيابة الإدارية.. صور
  • مؤتمر العدالة لضحايا الإبادة الجماعية في غزة: محطة مفصلية في مسار المساءلة الدولية
  • جنوب أفريقيا تتقرب من أوروبا وسط تراجع العلاقات مع أميركا
  • وزراء خارجية مجموعة الـ20 يجتمعون في جنوب أفريقيا