صديق الزيلعي

تجارب الشعوب الأخرى حول الانتقال الديمقراطي، وابعاد العسكر عن السلطة، لا تنعزل عن مصاعب وضعنا الحالي ومستقبل بلادنا. فقضية إنهاء الحرب الكارثية هي الأولوية القصوى التي يجب ان تتوجه نحوها كل جهودنا، وطاقاتنا الفكرية، وحوارات قوانا المدنية، واتصالاتنا الدولية. لكن ذلك لا يتعارض مع التفكير في ماذا بعد الحرب؟ وأري ان كل الجهود يمكن ان تتواصل جنبا الي جنب.

فالتفكير يجب ان يشمل الطريقة العملية لإنهاء الحرب وتوصيل المساعدات، والقراءة النقدية لتجاربنا السابقة، خاصة تجارب الانتقال، والتخطيط لإعادة بناء ما دمرته الحرب (وهو ما تقوم به نقابة المهندسين)، وإعادة تشغيل المرافق الصحية (وهو ما تخطط له تجمعات الأطباء بالخارج)، ودراسة تجارب الشعوب الأخرى. ما اكتبه عن تجارب التحول الديمقراطي، في البلدان الأخرى، أرتئي النظر اليه في اطاره الأكبر، خاصة ما يتعلق بعلاقات القوى المدنية مع بعضها وقضايا التحالفات. وأيضا الكيفية التي تم بها اخراج العسكر من السياسة، والمصاعب التي تواجه ذلك. وأود ان أؤكد اننا لن ننقل أي تجربة بحذافيرها، مهما كان نجاحها، فبلادنا لها سماتها الخاصة، وتاريخها الشائك وعسكرها الشره للاستحواذ على معظم خيرات بلادنا.
تبنت البرازيل الملكية الدستورية البرلمانية على النمط الإنجليزي طوال عقود بعد استقلالها عن البرتقال عام 1822، ثم تحولت الى النمط الرئاسي الأمريكي عقودا أخرى، لتقع تحت الحكم الدكتاتوري خلال الفترة ما بين 1930 – 1945، ثم عادت للتعددية الحزبية. أدى الجيش دورا محدودا خلال تلك الفترات. لكن الجيش، بدعم من الولايات المتحدة، تدخل في 1965 لإسقاط رئيس حزب العمال المنتخب. تداول حكم البرازيل، منذ ذلك الحين وحتى 1985، عدة جنرالات.
أستند العسكر، آنذاك ولتبرير استمرارهم في الحكم، الى مفهوم متسع للأمن القومي، لا يشمل الدفاع الخارجي فقط، بل أضاف مواجهة الخطر الشيوعي الداخلي. خلال تلك الفترة استطلاع الجيش استغلال الانقسامات بين الأحزاب والمجتمع المدني للحفاظ على قبضته على الحياة السياسية. ومنع معظم الأحزاب وسمح للأحزاب اليمينية بالنشاط العلني. قام الجيش بمجهودات كبيرة في تطوير الاقتصاد، عن طريق كوادره، مما أعطاه شرعية وقبول وسط قطاعات من الشعب. انقسم العسكريون، بمرور الزمن، بين تيار متشددين يخشى عودة المدنيين، وفتح ملف انتهاكات الجيش، واصلاحيين يرون ان الوقت قد حان لعودة المدنيين للحكم. وازداد الشرخ داخل المؤسسة العسكرية.
بدأت عملية الانفتاح المتدرج الذي قاده الجناح الإصلاحي داخل الجيش في عام 1973 في ظل سياقين اجتماعي وعسكري غير مواتين لاستمرار الحكم العسكري. فالركود الاقتصادي الذي أصاب البرازيل والأزمة المعيشية الحادة، والقرارات التقشفية المفروضة من البنك الدولي، بعد التقدم الذي شهدته البرازيل فترة الستينات، فازداد وتصاعد الرفض الشعبي لحكم العسكر. من الجانب الآخر تضخم خوف العسكريين من تصاعد نفوذ الأجهزة الأمنية على حساب المؤسسة العسكرية. كما تعرض الحكم العسكري للحصار بعد انتقال بلدان مجاورة الى الديمقراطية. وبعدها ظهرت ازمة النظام مع الكنيسة الكاثوليكية. كان من عوامل الضغط التظاهرات الشعبية الحاشدة والإضرابات العمالية، وظهور مجموعات ومنظمات دينية وشبابية ونسوية كمجموعات ضغط. كما ظهرت اتحادات عمالية جديدة وقوية، استطاعت تعبئة العمال للمطالبة برفع اجورهم والدفاع عن حقوقهم. وكان من أبرز قادتها لولا دي سيلفا. كان سلوك قوى المعارضة بالغ الأهمية، فبعد الانفتاح، حشدت قواها في تكتل انتخابي ضم كل التيارات السياسية والفكرية.

بعد صراع كبير داخل المؤسسة العسكرية خلال فترة الرئيس المتشدد ميديشي، تمكنت مجموعة العسكر الإصلاحيين من ترشيح الجنرال غيزيل للرئاسة. بدأ الرئيس الجديد إجراءات تدريجية لتحقيق الانتقال الديمقراطي، وسط مضايقات مستمرة من المتشددين. وساعد الرئيس في فرض خليفته فيغيريدو الذي وعد بنقل البلاد الى الديمقراطية وفتح حوارا مع المعارضة وأصدر عفوا عاما وسمح بعودة المنفيين وألغى النظام الحزبي المشوه وسمح بالتعددية الحزبية. ورغم تلك الإصلاحات الا ان الجناح العسكري المتشدد نجح في فرض قوانين انتخابية تمنع التحالفات، ورغم ذلك أحرزت أحزاب المعارضة انتصارات كبيرة في الأقاليم، وصارت حاكمة في عشرة أقاليم.

اندلعت مظاهرات ضخمة في 1984 للمطالبة باختيار مباشر للرئيس. وبدأت مفاوضات ماراثونية مع الجيش المصر على التمسك بالحكم. اتفقت المعارضة على مرشح معتدل لكي يوحد المعارضة ويجذب أصوات المعتدلين داخل الجيش. ففاز بالرئاسة، ولكنه توفي قبل تتويجه، فاختير نائبه سارني الذي ظل في الحكم من 1985 وحتى 1990. ثم استقر النظام الديمقراطي ليتم انتخاب النقابي دي سيفيا للرئاسة، الذي قام بإجراءات قوية لترسيخ الحكم المدني الديمقراطي وإنجاز إصلاحات اقتصادية وإبقاء الجيش خارج السياسة.

الوسومصديق الزيلعي

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: صديق الزيلعي

إقرأ أيضاً:

شيشاوة.. مجلس سيدي غانم يسحب الثقة من الرئيس

زنقة 20 ا محمد المفرك

أفادت مصادر أن خلافات احتدت بين رئيس المجلس الجماعي لجماعة سيدي غانم اقليم شيشاوة و”المعارضة الأغلبية”.

وحسب المصادر ذاتها، أن الرئيس المذكور فقد أغلبيته من قبل و نجحت “المعارضة الأغلبية” في إسقاط ميزانية المجلس برسم سنة 2023 من خلال التصويت عليها بالرفض.

وطالبت الأغلبية المشكلة من 12 عضوا بملتمس الإقالة في وجه رئيس المجلس الجماعي بعد انصرام ثلاث سنوات من مدة انتداب المجلس، بناء على المادة 70 من القانون التنظيمي 113-14 المتعلق بالجماعات.

وأكدت المصادر، أن الرئيس قام بتلاوة ومناقشة ميزانية 2025 خلال دورة استثنائية يوم الخميس 21 نونبر 2024 والتي صوت على مقترحاتها ثمانية أعضاء أمام احتجاج الأعضاء العشرة الذين تشبتوا بحصر المناقشة في النقطة الأولى في جدول الأعمال لأنها لم يتم الإنتهاء منها بعد واللذين تقدموا بطعن في أشغال الدورة الإستثنائية إلى عامل إقليم شيشاوة.

مقالات مشابهة

  • رئيس جامعة طنطا يشارك فى مؤتمر هندسة القوى الميكانيكية الدولي الأول
  • هذه هي قيم الجيش وأخلاقه هذا هو الرحم الذي لا ينجب إلا الفرسان
  • شيشاوة.. مجلس سيدي غانم يسحب الثقة من الرئيس
  • البرهان ينفي الترتيب لحوار مع القوى المدنية.. ويؤكد: «باب التوبة مفتوح» 
  • مشهد سياسي مقلق في مالي مع تسلم العسكر قيادة الحكومة
  • هل تتجه تركيا نحو انتخابات مبكرة؟
  • بكلمات مؤثرة.. رامي إمام ينعي والدة مي عز الدين
  • المعارضة المصرية بين المبدئية والبراجماتية
  • زعيم المعارضة بإسرائيل يعرض خططه لإنهاء الحرب في غزة ولبنان
  • قيادة في «مهب الريح».. المستشار الألماني يقاوم ثورة خصومه داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي