ملف بأدلة قوية.. هل تنجح جنوب أفريقيا في تثبيت تهمة الإبادة على إسرائيل؟
تاريخ النشر: 12th, January 2024 GMT
لاهاي- في سابقة تاريخية، عقدت محكمة العدل الدولية في لاهاي أولى جلساتها أمس الخميس للاستماع إلى مرافعة جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب إبادة جماعية في حق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
واعتمد الفريق القانوني لجنوب أفريقيا على انتهاك الاحتلال الإسرائيلي لاتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948، التي تأسست في أعقاب "المحرقة"، وتنص على منع جميع الدول من تكرار مثل هذه الجرائم، وطالب الفريق المحكمة العليا في الأمم المتحدة بإصدار أمر طارئ بتعليق الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة.
وأشار المحامون إلى عدد الفلسطينيين الذين استشهدوا، بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر على القطاع منذ أكثر من 3 أشهر، تجاوز عددهم 23 ألف شخص، إلى حين وقت عقد الجلسة، معظمهم من النساء والأطفال، فضلا عن أزمة النزوح وانعدام مقومات العيش الأساسية.
مظاهرة تدعم مرافعة جنوب أفريقيا أمام مقر محكمة العدل الدولية (الجزيرة) دفاع قوي سلاحه الأدلةوقدم المحامون أدلة على الإبادة الجماعية، تتمثل في صور الأعلام الإسرائيلية الموضوعة على أنقاض منازل المدنيين المدمرة جراء القصف العشوائي والمقابر الجماعية للفلسطينيين، فضلا عن تصريحات قادة سياسيين وعسكريين إسرائيليين.
وقالت المحامية التي تمثل جنوب أفريقيا عادلة هاشم لمحكمة العدل الدولية إن "إسرائيل انتهكت المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية، والتي تضمنت القتل الجماعي للفلسطينيين في غزة"، مشيرة إلى أن "إسرائيل نشرت 6 آلاف قنبلة في الأسبوع، ولم يسلم منها أحد، بمن فيهم الأطفال حديثو الولادة، ووصف رؤساء الأمم المتحدة غزة بمقبرة الأطفال".
وفي مقابلة خاصة للجزيرة نت، أكد المتحدث باسم الفريق القانوني لجنوب أفريقيا زين دانغو أنهم سيقومون بصياغة مطلب فوري متمثل في "وقف إطلاق النار ووضع حد للهجمات"، فضلا عن ضرورة تدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع.
من جانبه، أشاد زعيم حزب العمال البريطاني السابق جيرمي كوربن بالملف "المثير للإعجاب" لأنه "تم إعداده بعناية فائقة، وتناول ما تنص عليه اتفاقية مناهضة التعذيب التي انتهكتها الحكومة والجيش الإسرائيلي"، على حد تعبيره.
وذكر كوربن، في حديثه للجزيرة نت، أن الوفد القانوني تطرق إلى "التصريحات التي أدلى بها كبار السياسيين، بمن فيهم بنيامين نتنياهو، حيث أوضحوا نيتهم طرد الفلسطينيين، وقالوا إنه لا يوجد مدنيون أبرياء في قطاع غزة".
ولفت السياسي البريطاني، الذي انضم إلى فريق جنوب أفريقيا، إلى الوضع الإنساني السيئ في القطاع المحاصر، قائلا إن "عدد الأشخاص الذين يموتون الآن بسبب الأمراض يفوق عدد الذين قتلوا جراء القنابل، هناك أزمة صحية ونفسية ستستمر لعقود قادمة".
من جهته، أكد المحامي في القانون الدولي طيب علي، الذي حضر جلسة الاستماع، قوة الدعوى التي سلطت الضوء على التفاصيل التاريخية التي أدت إلى ما نعيشه اليوم "وتكمن أهمية ذلك في تقديم فهم حقيقي لما تفعله إسرائيل بالضبط على أرض الواقع".
ووفقا للمتحدث، فقد قدم الفريق القانوني دلائل لا تقبل الشك حول الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي والدمار الذي يلحقه الجيش الإسرائيلي بالمباني السكنية ووقف المياه والمساعدات الإنسانية واستهداف المستشفيات، وهي أمور تشكل "أركان جريمة الحرب".
"ورقة ضغط ضعيفة"
من ناحيته، اعتبر الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي أن دفاع إسرائيل سيكون ضعيفا جدا، لأنه سيستند على أمرين أساسيين، الأول هو "لعب دور الضحية" فيما جرى يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وجنوب أفريقيا أكدت أنه مهما كانت حدة الهجوم فهذا لا يمكن أن يُقابل بإبادة جماعية. أما الثاني، فسيركز على قضية "معاداة السامية"، في وقت أعرب فيه نحو 660 إسرائيليا عن دعمهم للدعوى في خطوة غير مسبوقة.
وقال المرزوقي -للجزيرة نت بعد خروجه من جلسة محكمة العدل الدولية- إن هذا الملف "يضع إسرائيل في حرج كبير، والقضاة اليوم أمام مسؤولية تاريخية، فإذا لم يأخذوا القرار الصحيح ويقوموا بالإدانة أو على الأقل طلب وقف الحرب، فإنهم سيرتكبون جريمة في حق الإنسانية بأكملها".
أما المحامي ومدير "المركز الدولي للعدالة للفلسطينيين" في لندن طيب علي، فيرى أن ورقة الدفاع عن النفس مفهوم مثير للاهتمام، فبموجب ميثاق الأمم المتحدة، يندرج الدفاع عن النفس تحت المادة (51) التي تنص على أن الدولة تستخدمه لحماية نفسها من دولة عدوانية، "لكن الوضع في غزة مختلف تماما، لأن إسرائيل هي القوة المحتلة، وأن الفلسطينيين هم الذين يدافعون عن أنفسهم"، حسب المتحدث.
وبالتالي، لا يعتمد على أن ما حدث يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، "مهما كان شنيعا أو سيئا"، يبرر ما فعلته إسرائيل طيلة الأشهر الماضية، واصفا العدوان الإسرائيلي بـ"الرد الانتقامي". وهنا تساءل قائلا "كيف سيكون من المنطقي أو العقلاني أن يتم الرد على مقتل 1200 شخص ـونحن نعلم أن الرقم أقل من ذلك ـ بإبادة 27 ألف شخص؟".
جيريمي كوربن دعا الولايات المتحدة وبريطانيا إلى وقف سلسلة توريد الأسلحة والدعم لإسرائيل (الجزيرة) داعمو إسرائيل في مأزقورغم استمرار إسرائيل في حصد الأصوات المؤيدة لها في عدوانها المستمر على قطاع غزة، فإن المتحدث باسم الفريق القانوني لجنوب أفريقيا زين دانغو أصرّ على أن نص الدعوى قوي، وفي حال الفوز بالقضية، "ستكون إسرائيل ملزمة باحترام القانون الدولي بموجب المادة التاسعة"، حسب قوله.
وأعرب عن أمله في مساهمة الجهات الداعمة لدولة الاحتلال في تنفيذ قرار المحكمة، ومنها وقف تزويدها بالأسلحة "لأن هذا يعني في جوهره أيضا، أن تلك الدول تساعد وتحرض على عمل غير مشروع دوليا".
وفي سياق متصل، يرى زعيم حزب العمال البريطاني السابق جيرمي كوربن، أن الولايات المتحدة وبريطانيا والدول الأوروبية يمكنها أن تحدث فرقا كبيرا جدا وبسرعة لإنهاء الحرب الحالية، وبيّن أن الرئيس الأميركي جو بايدن وقع على أمر تسليم مزيد من الأسلحة إلى إسرائيل، وبريطانيا فعلت الأمر ذاته، "لكن إذا أوقفوا سلسلة التوريد هذه، فلن تتمكن إسرائيل من الاستمرار في قصف المدنيين في قطاع غزة".
واعتبر المحامي في القانون الدولي طيب علي أن استمرار هذه الدول في تأييد عمل الإبادة الجماعية سيؤدي بها إلى التورط والتواطؤ في الجريمة، بموجب المادة (25) من نظام روما الأساسي، وبالتالي، "فإن تزويدهم بالأسلحة والمعدات العسكرية لتنفيذ أنشطتهم أو حتى تشجيعهم يعد جريمة حرب"، حسب المتحدث.
وأضاف علي "يجب على هذه البلدان أن تكون حذرة للغاية، لأن منظمتي في لندن على سبيل المثال تحقق مع السياسيين بشكل فردي في المملكة المتحدة لدورهم في التواطؤ في جرائم الحرب، وقد يجدون أنفسهم أمام المحكمة مثلما حدث مع إسرائيل".
من جانبه، رحب المرزوقي بشجاعة جنوب أفريقيا "لأنها استطاعت أن تتخطى كل العقبات، سواء من اللوبيات أو الدول"، غير مستبعد التأثير الذي قد يحدثه دعم الولايات المتحدة وغيرها من الدول لإسرائيل على مسار القضية وقرار محكمة العدل الدولية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: محکمة العدل الدولیة الإبادة الجماعیة الفریق القانونی جنوب أفریقیا قطاع غزة على أن
إقرأ أيضاً:
«جيروزاليم بوست» العبرية: كيف ترى إسرائيل المقاومة الفلسطينية بعد طوفان الأقصى؟.. المروجون الفلسطينيون: سكان غزة أمة من الأسود بعد نجاتهم من الإبادة الكاملة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تعد المقاومة الفلسطينية جزءاً لا يتجزأ من تاريخ الشعب الفلسطينى فى نضاله من أجل التحرر واستعادة حقوقه الوطنية.
انطلقت المقاومة بأشكال متعددة عبر العقود الماضية، متأثرة بالظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التى مر بها الشعب الفلسطينى ورغم التحديات العديدة التى واجهتها، لا تزال المقاومة تشكل محوراً أساسياً فى الصراع الفلسطينى الإسرائيلي.
وفى هذا السياق، نشرت صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية مقالا للكاتب أطار بورات عن استمرار استراتيجية حماس بسبب منطق مشوّه يحتفى بالمعاناة كقوة ويستغل الديناميكيات العالمية لصالحها.
قال بورات إن المنطق فى استراتيجيات الحرب يعتمد بالكامل على نظرية أنه إذا أردت إجبار عدوك على الهزيمة، عليك أن توقع به ثمناً باهظاً بحيث تدفعه للاستسلام ومع ذلك، لا يعمل هذا المنطق مع إسرائيل فى تعاملها مع الفلسطينيين وحماس من وجهة نظر الكاتب.
وأضاف أن هناك عدة أسباب لذلك، لكن السبب الرئيسى هو أن إسرائيل والولايات المتحدة (وجهات دولية أخرى تضغط على إسرائيل) لكى تخلق إطارًا يجعل فكرة المقاومة (المقاومة) بالنسبة للفلسطينيين منطقية بشكل مستمر.
ولكى تنتصر إسرائيل، يجب أن تعيد صياغة قواعد الصراع بحيث تصبح المقاومة غير مجدية، وغير فعالة على المدى الطويل، وبالتالى لا معنى لها فى نظر الفلسطينيين.
جوهر الروح الفلسطينية هو المقاومة الفكرة يمكن تلخيصها فى جملة واحدة: إسرائيل هى الشر المطلق فى العالم، مصدر كل ما هو خاطئ فى العالم، وإجابة الفلسطينى عن سؤال معنى الحياة هى محاربة إسرائيل، والتضحية بالنفس (وبالعائلة) لإلحاق أكبر قدر ممكن من الدمار بإسرائيل.
وتابع "لا يهم إذا ما حسّنت المقاومة حياة الفلسطينيين، لأن فلسفتها تركز على تدمير إسرائيل وإذا تسبب إلحاق الضرر بإسرائيل أيضًا فى إيذاء المجتمع الفلسطيني، فإنه يُعتبر مسعى مرغوبًا.
وقد أكد على هذا المعنى أحد قادة حماس فى خطاب ألقاه بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار، قائلاً: "سنواصل السير على درب القادة الشهداء حتى نحقق النصر أو الشهادة، بإذن الله".
ترتكز الروح الفلسطينية على وجود إسرائيل، وتبنى هويتها بالكامل فى معارضة لها باختصار، يحتاج الفكر الفلسطينى إلى وجود إسرائيل لإضفاء معنى على وجوده – كهدف للكراهية وإسقاط كل الشر عليه.
ويدعى الكاتب أن القضية الفلسطينية وفلسفتها،، تشبه ما يمثله الجوكر لباتمان، إذا اختفت إسرائيل غداً، لن يعرف مروجو الفكر الفلسطينى ماذا يفعلون بأنفسهم، تماماً كما يعتمد وجود الجوكر على مواجهة باتمان.
من وجهة النظر الفلسطينية، لا يُعتبر هناك أى خسارة، كل خسارة فى الأرواح خلال المقاومة تُعتبر تضحية من أجل القضية الكبرى، مما يجعل هذه التضحية ليست فقط مقدسة بل أيضًا مدعاة للاحتفال. كلما عانى الفلسطينيون أكثر، كلما أثبتوا مزيدًا من "الصمود" أو الثبات، وكلما زادت المعاناة، زادت الإشادة بهم – حيث تصبح التضحية عملاً بطوليًا.
وبعد وقف إطلاق النار، قدم المروجون الفلسطينيون سكان غزة على أنهم "أمة من الأسود" بعد "نجاتهم من إبادة جماعية".
ويرى الكاتب أن ضمن هذا الإطار الفكري، يصبح من شبه المستحيل ردع الفلسطينيين لأنهم لا يربطون بين الفعل والنتيجة لا يرون الدمار فى غزة، الذى جلبته حماس عليهم، كنتيجة مباشرة لعدوان حماس فى ٧ أكتوبر. والمعاناة التى يتحملونها تُعتبر جزءًا من الثمن الذى يدفعونه مقابل "صمودهم" البطولى فكرة أن "الليل يكون أشد ظلمة قبل الفجر" واضحة فى معظم مقاطع الفيديو الدعائية من غزة فى هذه الأيام لهذا السبب، يرون أنفسهم حقًا كمنتصرين، وليس فقط كوسيلة لحفظ ماء الوجه فى مقاطع الفيديو الدعائية.
وأحد المبادئ الفكرية التى يستند إليها الفلسطينيون هى فكرة "الصبر"، والتى تعنى أنه يمكنك الانتصار على أى خصم إذا لعبت على عامل الوقت وأظهرت تصميمًا أكبر منهم.
قد تعانى أكثر من خصمك، ولكن إذا تمكنت من الصمود لفترة أطول، فستنتصر فى النهاية.
وقد قال بسام نعيم، مسئول آخر فى حماس: "الضربة التى بدأت فى ٧ أكتوبر، والصمود والمقاومة التى تلتها، تثبت أن الشعوب قادرة على امتلاك الوسائل والظروف المناسبة لتحقيق أهدافها العظيمة فى الحرية والاستقلال." يشير هذا إلى إيمانهم بأن المقاومة تحقق مكاسب فعلية.
وقال خليل الحية نائب رئيس حركة حماس فى خطابه: "سيظل يوم ٧ أكتوبر مصدر فخر لشعبنا ومقاومتنا." وإذا حاولنا رؤية الحرب من المنظور الفلسطيني، فإن سلوكهم المدمر ذاتيًا له منطق خاص بهم. منطق مريض ومشوّه، يجعل إسرائيل دون قصد تضفى عليه طابعًا مقبولاً.بعد أن يتم الحكم على من المقاومة الفلسطينية ، غالبًا ما يلقون خطابًا يُفترض أن يكون متحديًا وبطوليًا قبل دخولهم السجن يصرحون بأنهم يدركون أحيانًا أنهم سيتم الإفراج عنهم فى المستقبل، وأن روح مقاومتهم لم تُكسر رغم سجنهم من قبل إسرائيل وللأسف، هم ليسوا مخطئين فى ذلك.
عندما يتم سجن أحدا منهم ويؤمن دينيًا بأنه سيتم إطلاق سراحه فى صفقة مستقبلية، فهذا يعتمد على قصر نظر إسرائيل وتفكيرها العاطفى المفرط.
والمقاومة الفلسطينية تعلم أن الرهائن سيتم اختطافهم فى المستقبل، مما سيكون بمثابة بطاقة خروجهم من السجن مجانًا.
تحتفل حماس بـ"نصرها" مع حشود فلسطينية تهتف "خيبر يا يهود" لأنهم نجوا من الحرب، ولا تزال حماس مسيطرة. ولا يمكننا السماح للمنطق المشوّه للمقاومة أن يكون مقبولًا للفلسطينيين إذا رأوا أن هذه الاستراتيجية تحقق نتائج – إطلاق سراح الإرهابيين، واستعداد إسرائيل للتخلى عن هدفها فى القضاء على حماس فقط من أجل إطلاق سراح بعض الرهائن – فإنهم سيستمرون فى طريق المقاومة.
وحماس حققت مكاسب سياسية فى غزة والضفة الغربية بما فى ذلك تحقيق إطلاق سراح المعتقلين من جميع الفصائل كجزء من الصفقة.