جائزة ترضية.. لماذا يعيد جعجع طرح فكرة المقايضة بين الرئاسة والتسوية؟!
تاريخ النشر: 12th, January 2024 GMT
مجدّدًا، يخرج رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع ليحذّر ممّا بات يوصَف بـ"المقايضة" بين رئاسة الجمهورية والتسوية الإقليمية التي يُعمَل عليها، ملمّحًا إلى أنّ "محور الممانعة"، وفق وصفه، يضع رئاسة الجمهورية والحكومة المقبلة في إطار المفاوضات الجارية بين هذا المحور والموفدين الغربيين، وبالأخصّ الأميركيين، حول إعادة انتشار "حزب الله" في الجنوب، وأمور أخرى مرتبطة بالقرار 1701 وغيره.
يؤكد جعجع أنّ هذا الأمر مرفوض جملة وتفصيلا، فرئاسة الجمهوريّة، وفق ما يقول، "ليست بدلًا عن ضائع، ولن تكون جائزة ترضية لمحور المقاومة، ولن تكون أمرًا ملحقًا لأيّ صفقة لا من قريب ولا من بعيد"، ملاقيًا بذلك ما يقوله آخرون خصوصًا في المعارضة، أنّ استحقاق الانتخابات الرئاسية "منفصل" عن كلّ ما عداه، بما في ذلك عن الوضع الأمني الناتج عن الحرب الإسرائيلية على غزة، وانعكاساتها على "الجبهة المفتوحة" في جنوب لبنان.
وإذا كان ما يقوله جعجع ليس بجديد، إذ سبق أن تحدّث بنفسه عن "مقايضات مطروحة"، فإنّ علامات استفهام بالجملة تُطرَح حول أسباب وخلفيّات إعادة طرح الفكرة في هذا التوقيت، ومدى "الجدية" التي قد تنطوي عليها، في وقتٍ يبدو "السباق" على أشدّه بين التسوية السياسية والمواجهة العسكرية، مع تصاعد وتيرة العمليات في جنوب لبنان، وتصاعد التهديدات الأمنية المتبادلة بين لبنان وإسرائيل من جهة ثانية.
ما تخشاه المعارضة
يقول العارفون إنّ حديث جعجع المتكرّر عن "المقايضة" يعكس في جانبٍ منه وجود خشية حقيقية لدى شريحة واسعة في صفوف قوى المعارضة بشكل خاص، من أن يكون هناك مسعى لـ"ربط" الاستحقاق الرئاسي بالوضع القائم في جنوب لبنان، بحيث يشترط "حزب الله" إيصال مرشحه إلى قصر بعبدا، لتطبيق القرار الدولي 1701 كما يريد المجتمع الدولي، ما يمنحه "انتصارًا مجانيًا" يمكنه تضخيمه، للقول إنّه لم يتراجع ولم يخضع.
ومع أنّ مثل هذا الحديث لم يَرِد "صراحةً" في الخطاب الرسمي لـ"حزب الله"، وخصوصًا في المواقف المُعلَنة لأمينه العام السيد حسن نصر الله، فإنّ أوساط "القوات" تشير إلى أنّ "طيفه" يحضر في الكثير من مواقف المحسوبين على الحزب، الذين يصرّون دائمًا على ترداد معادلة أنّ الانتخابات الرئاسية "مرهونة" بنتائج الحرب في غزة، ويلمّحون إلى أنّ حظوظ مرشح الحزب سترتفع بناءً على هذه النتائج، أو التسوية التي ستتحقق.
بالنسبة إلى أوساط "القوات"، فإنّ مثل هذا الأمر مرفوض في الشكل وفي المضمون، فالرئاسة ليست "جائزة ترضية" كما قال جعجع، بل إنّ مثل هذه "المقايضة" من شأنها أن ترسل إشارات "سلبية" حول رئاسة الجمهورية، التي تصبح مجرّد "بند" على طاولة المفاوضات، يمكن استخدامه على طريقة "الابتزاز" بين هذا الفريق وذاك، ما يؤكد أنّ هناك من يريد رئيسًا "صوريًا"، وهو ما لا يمكن قبوله بأيّ حال من الأحوال.
هل من مقايضة فعلاً؟
لكنّ ما تقوله أوساط "القوات" لا يبدو واقعيًا بالنسبة لآخرين، ممّن يعتبرون أنّ فكرة المقايضة غير منطقية وغير واقعية، بل يسألون عن الأساس الذي يستند إليه جعجع حين يقول إنّ محور المقاومة يقول في معرض حديثه عن المفاوضات، إنّ الأمور تحتاج إلى وضع داخلي "يتصل بملف رئاسة الجمهورية والحكومة"، في حين أنّ القاصي والداني يدرك أنّ ملف الرئاسة مغيّب بالمطلق عن مواقف "حزب الله" منذ عملية "طوفان الأقصى".
وفيما يشير هؤلاء إلى ما ورد في خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" الأخير حين قال صراحةً إنّ "لا شيء لديه ليقوله" في ملف الرئاسة أو غيره، ما يدحض فكرة الربط أو المقايضة المطروحة، يذكّرون بالموقف المُعلَن في المقابل لرئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي قيل سابقًا إنّه من يطرح فكرة المقايضة نيابة عن "حزب الله"، حين نفى الأمر جملة وتفصيلاً، وقال "إننا لا نبادل مترًا واحدًا من الجنوب بكل المناصب والمراكز في الدولة".
أما الحديث عن البناء على نتائج الحرب في غزة، فيقول العارفون بأدبيّات "حزب الله" إنّ البعد المقصود منه هو "سياسيّ" في المقام الأول، وهو ينطلق من معادلة واضحة مفادها أنّ مثل هذه الحرب، مع كلّ ما أفرزته من تموضع هنا أو هناك، لا بدّ أن يكون لها تبعاتها على الاستحقاقات، ومن بينها الرئاسة، ربطًا بتأثيرها المحتمل على موازين القوى، وهذا أمر طبيعي في السياسة، ويفسّر الرهانات المتكرّرة على متغيّرات معينة من أجل إحداث "خرق ما".
حتى الآن، لا مقايضة ولا من يحزنون، وفق ما يقول العارفون بالكواليس السياسية، بمعزل عن "التركيز" على هذه الفكرة، لغاياتٍ معلومة أو مجهولة. بالنسبة إلى هؤلاء، فإنّ جوهر مثل هذه "المقايضة" لا يبدو ثابتًا، ولا سيما أنّ الفريق المتّهَم بها، متهَم أيضًا بأنّه "يهمّش" الرئاسة، ولا يضعها في سلّم أولوياته، في حين أنّ الفريق المدّعي متّهَم هو الآخر، بتعطيل الاستحقاق، عبر رفض التجاوب مع كل المبادرات، ولا سيما الحواريّة منها!
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: رئاسة الجمهوریة حزب الله ما یقول
إقرأ أيضاً:
FP: لماذا لم يدعم النظام السوري غزة وتجنّب دخول الحرب المستمرة بالمنطقة؟
نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، تقريرا، للمراسلة المتخصصة في السياسة الخارجية، أنشال فوهرا، تساءلت فيه عن سبب تجنّب النظام السوري الدخول في الحرب المستمرة بالمنطقة.
وقالت فوهرا، في التقرير الذي ترجمته "عربي21" إنّ: "أسوأ أسرار الحكومة السورية التي تحتفظ بها هي استغلالها للقضية الفلسطينية. ففي بداية الحرب الإسرائيلية على غزة بداية تشرين الأول/ أكتوبر، شكّك البعض في قدرة سوريا على الانضمام إلى الحرب، ضد إسرائيل، وفتح جبهة أخرى".
وأضافت: "لم يكن أحد من السوريين الذين كنت على اتصال بهم يعتقد أن رئيس النظام السوري، بشار الأسد، سوف يصبح طرفا في الصراع، وخاصة بالنيابة عن حماس".
ونقلت الصحيفة الأمريكية، عن الدبلوماسي السوري السابق، بسام بربندي، قوله: "تصور الحكومة نفسها وكأنها تحارب إسرائيل، لكن كانت هذه كذبة؛ فإن لدى بشار ووالده من قبله، معاهدة صامتة، لإبقاء الهدوء على الحدود مع إسرائيل. ولهذا السبب لن تتورط سوريا في النزاع في غزة".
ووفقا للتقرير نفسه، "قد تردد صدى هذا الكلام بين السوريين والفلسطينيين الذين تحدثت الكاتبة معهم، على مدار السنين الماضية. وفي المرات الماضية عندما اندلعت الحرب على غزة، شجّعت الحكومة السورية التظاهرات الكبرى لإظهار التضامن مع الشعب الفلسطيني، إلا أن التظاهرات في هذه المرة كانت صغيرة وكان الدعم للمقاومة صامتا".
ويقول بربندي: "لم تسمح الحكومة بأي احتجاجات كبرى ضد إسرائيل، ولم تسمح بأي دعوات لدعم رفاق في محور المقاومة"، مضيفا أن هذه: "علامة على أن سوريا لا تريد فقط البقاء بعيدا عن الصراع، بل تريد أيضا أن ينظر إليها بوضوح على أنها بعيدة عنه".
وتابع التقرير: "على الرغم من القصف الإسرائيلي المنتظم على سوريا، ووعد الحكومة السورية بالوقوف إلى جنب الشعب الفلسطيني، إلا أن النظام السوري وقف متفرّجا على الحرب التي اندلعت منذ أكثر من عام على غزة".
ويقول الخبراء والمراقبون أن أهم أولوية للأسد هي نجاة نظامه والبقاء متحكما في الجماهير السورية. ورغم سحقه للمقاومة، إلا أن نسبة 40 في المئة من الأراضي السورية خارجة عن سيطرة الحكومة، وفقا لذات التقرير،
وبحسب دبلوماسي غربي، نقلت عنه وكالة "فرانس برس" فقد حذّرت دولة الاحتلال الإسرائيلي، الأسد، بأنها سوف تدمّر نظامه لو استخدمت سوريا ضدها. وأشار تقرير إلى أنّ: "منزل شقيق الأسد قد تعرض للقصف من قبل إسرائيليين، رغم عدم وجود تأكيد من حدوث هذا".
وقال النائب السابق لمدير مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، عيران ليرمان: "لو ارتكب خطأ وانضم لمحور المقاومة بنشاط فستكون العواقب سريعة"، مضيفا: "في الوقت الحالي، أعتقد أن الأسد متردد للإنخراط، ورغم أن الحكومة السورية هي قومية عربية، إلا أن فلسطين تقع في أسفل قائمة الأولويات. فعلى رأسها النجاة".
وتقول فوهرا، في تقريرها: "هناك عوامل أخرى وراء ابتعاد الأسد عن النزاع، فهو يأمل بأن يكافئه الغرب على ضبط نفسه وتخفيف العقوبات المفروضة على نظامه". مضيفة: "قد وضع نفسه إلى جانب الإمارات العربية التي تعدّ لاعبا رئيسيا في إعادة تأهيل الحكومة السورية".
وبعد أيام من عملية "طوفان الأقصى" التي شنّتها حركة حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2023، على الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ حذّرت الإمارات، الأسد، من عدم التورط في الحرب، وذلك حسب موقع "أكسيوس" الأمريكي.
ويضيف التقرير: "أما العامل الآخر، فيتعلق بعلاقة الأسد مع حماس، فهو ليس في مزاج من يرغب العفو عن الحركة الفلسطينية، التي وقفت إلى جانب المعارضة المسلحة بعد اندلاع الانتفاضة عام 2011".
وأضاف: "لم تقدم سوريا عزاء طويلا بعد اغتيال المسؤول السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران، رغم المصالحة مع الحركة التي جرت خلال عام 2022".
وفي مقابلة العام الماضي، قال الأسد، إنه "من الباكر لأوانه عودة الأمور لما كانت عليه مع حماس". مشيرا إلى أن هذا ينطبق على دول عربية مثل السعودية والإمارات اللتان يعول عليهما لتمويل إعادة إعمار سوريا.
ووفقا لتقرير الصحيفة الأمريكية، فإن الأسد يأمل في تحقيق نقاط إيجابية مع الغرب، وبخاصة مع تنامي الدعوات لترحيل السوريين في أوروبا. وتسعى ثماني دول أوروبية بقيادة إيطاليا، إلى إقامة نوع من التعاون مع دمشق لضمان عودة السوريين إلى بلادهم.
كذلك، تدرس المفوضية الأوروبية، فكرة ترشيح مبعوث خاص جديد إلى سوريا. وتمت إعادة تأهيل الأسد في الجامعة العربية ورحبت به كل الدول في المنطقة إلا دولة قطر.
وتقول المتخصصة في السياسة الخارجية، أنشال فوهرا: "في الوقت الذي لا يستطيع فيه طرد الإيرانيين من سوريا، وإلا بدا كناكر للجميل بسبب ما قدموه له من دعم عسكري ومالي أثناء الحرب، يبدو أن إسرائيل تلعب بحرية في المجال الجوي السوري وتستهدف الأرصدة الإيرانية وتقتل الجنرالات في داخل سوريا".
بدوره، يقول ليرمان:" لدينا تفاهم مع روسيا لكي نفعل ما يجب علينا فعله من داخل المجال الجوي السوري". فيما تشير تقارير إلى أن إيران سحبت قواتها من جنوب سوريا التي تعتبر مركز نشاط للجماعات الوكيلة لها، وبخاصة حزب الله.
وفي محاولة للتقليل من خسائرها وعودة القوات الروسية إلى المنطقة؛ تم إنشاء مواقع عسكرية روسية بعد اغتيال الجنرالات الإيرانيين في نيسان/ أبريل بسوريا. وهو ما أثار المخاوف من انتشار الحرب داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى سوريا.
ويقول بربندي: إن "روسيا قد تغضّ النظر عن الهجمات الإسرائيلية على جنوب سوريا، مع أنها خرقا للمجال الجوي السوري". وفسر بربندي سبب بناء مواقع روسية على خط المواجهة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي: "عندما بدأ حزب الله في الذهاب إلى الجولان لمهاجمة إسرائيل، كانت رسالة الأسد هي: أنا لا أسيطر عليهم، وأن الجيش السوري لن يشارك".
وتابع: "لكن تطهير جنوب الجولان من حزب الله في صالح إسرائيل والروس، لأن إيران ستكون ضعيفة. وعندما ينتهي الإسرائيليون، ربما كانت روسيا ضامنا ولكي يتركوا الأراضي السورية".
وأضاف: "قد تحرك الأسد نحو موضع جعل كلا من إيران وحزب الله يجدان له الذريعة والبقاء بعيدا عن الحرب. وقد منحه زعيم حزب الله، حسن نصر الله، قبل اغتياله، العذر، في خطاب ألقاه في تشرين الثاني/ نوفمبر: لا يمكننا أن نطلب المزيد من سوريا، وعلينا أن نكون واقعيين، فالبلد يعيش حربا منذ 12 عاما. ورغم ظروفه الصعبة لا يزال يدعم المقاومة ويتحمل العواقب".
إلى ذلك، ظلت سوريا خارج النزاع وحاولت ألا تستفز دولة الاحتلال الإسرائيلي، ولكنها حاولت استرضاء إيران وسمحت لها بمواصلة استخدام أراضيها، ونقل السلاح إلى حزب الله.
ويقول رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، جوشوا لانديس، إنّ: "الأسد استمر في مساعدة حزب الله في تسليحه ونقل الأسلحة إلى لبنان من إيران"، مضيفا: "هذا هو السبب وراء قصف الاحتلال الإسرائيلي لسوريا وتدمير مصانع الصواريخ، واغتيال الجنرالات الإيرانيين، وتفجير قوافل الأسلحة".
وتعلق الصحيفة: "غياب سوريا عن الصراع الحالي هو دليل واضح على فشل استراتيجية إيران الرامية إلى -وحدة الساحات-، والتي تفترض استجابة منسقة من جانب جميع شركائها في محور المقاومة. ويكشف هذا عن أن البقاء السياسي للأسد يتقدّم على الموقف الإيديولوجي، وأن سوريا في وضعها الحالي لن تشكّل مشكلة بالنسبة لإسرائيل".