الكتاب: حرب المئة عام على فلسطين ـ قصة الاستعمار الاستيطاني والمقاومة 1917 ـ 2017
الكاتب: رشيد الخالدي
الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون ـ بيروت ـ الطبعة الأولى 2017، (358 صفحة من القطع الكبير).


بالنسبة إلى القوة الصاعدة في الولايات المتحدة الأمريكية فقد كان الزعماء العرب الذين تم اختيار أغلبهم من قِبل أسيادهم الأوروبيين بسبب مرونَتهم وليونتهم فقد أظهروا ضَعفاً ممزوجاً بانخفاض مذهل في مستوى الخبرة وعدم الوعي للتغيرات الدولية، وقّع الملك عبد العزيز في العربية السعودية اتفاقية مستقبلية مهمة مع شركات بترول أمريكية سنة 1933 على حساب المصالح البترولية البريطانية، واجتمع مع الرئيس المريض فرانكلين روزفلت في سفينة حربية أمريكية في ربيع 1945 قبل أسابيع من وفاة الرئيس الأمريكي، وحصل على وعود مؤكدة مباشرة من الرئيس بأن الولايات المتحدة لن تفعل شيئاً يضر بالعرب في فلسطين وأنها ستتشاور مع العرب قبل القيام بأي تصرف هناك، تجاوز هاري ترومان الذي جاء بعد روزفلت جميع هذه الوعود دون اكتراث ولم يعترض الملك على ذلك ولم يقدم أي محاولة مؤثرة لصالح الفلسطينيين بسبب اعتماد النظام السعودي اقتصادياً وعسكرياً على الولايات المتحدة الأمريكية، ولم يفعل ذلك أيضاً أي واحد من أولاده الستة الذين جاؤوا من بعده، الاعتماد على أمريكا بالإضافة إلى جهل أجيال بعد أجيال من الحكام العرب بأسلوب عمل النظام السياسي الأمريكي والسياسة الدولية حرم العالم العربي من أية فرصة لمقاومة التأثير الأمريكي أو لتغيير السياسة الأمريكية.



يقول الأستاذ الخالدي ك"إن ديفيد بن غوريون وإسحاق بن زفي، الذي أصبح فيما بعد الرئيس الثاني لإسرائيل، قد قضيا سنوات عدة في نهاية الحرب العالمية الأولى في العمق من أجل القضية الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية حيث عاشت غولدا مائير منذ طفولتها، (بينما كان والدي هو أول من فعل ذلك من أفراد العائلة)، فهِمت القيادة الصهيونية المجتمع الأوروبي وغيره من المجتمعات الغربية بشكل عميق متطور، وكان أغلب أفراد هذه القيادة مواطنين أو مُقيمين فيها، بينما لم يتمتع قادة العرب سوى بفهم محدود لسياسات وثقافات ومجتمعات الدول الأوروبية، فكيف العرب سوى بفهم القوى العظمى الناشئة! تحدّث والدي عن تفرق الفلسطينيين والعرب، وكذلك الدكتور حسين ويوسف صايغ ووليد الخالدي، كما وصَفوا الدسائس والخلافات الداخلية التي كانت كارثية في النهاية بالنسبة لخطة المكتب العربي في تمثيل الفلسطينيين دولياً، وكذلك بالنسبة لفرصهم في قمة صراع 1947 – 1948، لقد دخلوا هذا الصراع المصيري باستعدادات هزيلة سياسياً وعسكرياً، وبقيادة ممزقة ومتفرقة، كما لم يكن لديهم أي دعم خارجي سوى من دول عربية منقسمة بعمق وغير مستقرة وخاضعة لتأثير القوى الاستعمارية القديمة، وكان سكانها فقراء وغير متعلّمين إلى حد كبير، كان هذا بالمقاربة الصارخة مع الدعم الدولي الكبير وبناء أسس الدولة القوية الحديثة التي تمتعت به الحركة الصهيونية على مدى عقود"(ص106).

رمَت حكومة كليمنت البريطانية سنة 1947 مشكلة فلسطين في أحضان منظمة الأمم المتحدة الوليدة، أنشأت الأمم المتحدة لجنةً خاصة بفلسطين (UNSCOP) لتقديم اقتراحات بشأن مستقبل البلد، وكانت القوى المسيطرة على الأمم المتحدة هي الولايات الأمريكية والاتحاد السوفييتي، قد توقّعت الحركة الصهيونية هذه التطورات بدَهاء بفضل جهودها الدبلوماسية نحو هاتَين الدولتين، إلا أن ذلك فاجأ الفلسطينيين والعرب تماماً، ظهر توازن القوى العظمى بعد الحرب في أعمال هذه اللجنة وفي تقريرها الذي صدر مؤيداً تقسيم فلسطين بطريقة كانت في صالح الأقلية اليهودية فمَنحتْهم 56% من فلسطين مقارنةً بالدولة اليهودية الأصغَر بكثير (17%) التي اقتَرحَتها خطة تقسيم لجنة بيل (Peel) سنة 1937، كما ظهر تأثير توازن القوى العظمى الجديد كذلك في الضغط الذي أدّى لإصدار قرار الجمعية العامة رقم 181 الذي استَند إلى تقرير الأغلبية في اللجنة الخاصة بفلسطين (UNSCOP).

قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم 181 الذي صدر في 29 نوفمبر 1947 أقرّ تقسيم فلسطين إلى دولة يهودية كبيرة ودولة عربية أصغر ووضع مدينة القدس كمنطقةٍ منفصلةٍ دولية وعكس توازن القوى الدولية الجديد، أصبح واضحاً أن الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي اللذان أيدا القرار  قد لعبا الدور الحاسم في التضحية بالفلسطينيين لصالح دولة يهودية تحلّ محلَّهم وتسيطر على أغلب مناطق بلادهم، كان قرارُ التقسيم إعلان حرب آخر منح وثيقة ميلاد لدولة يهودية في أرض كانت عربية في معظم أرجائها في مخالفةٍ صريحة لمبدأ تقرير المصير الذي أعلنه ميثاق تأسيس الأمم المتحدة، وقد تبع ذلك بالضرورة طرد عدد من العرب يكفي لصنع دولة أغلبية يهودية، ومثلما لم يعتقد بلفور بأن الصهيونية ستؤذي العرب، يبدو أن ترومان وستالين عندما ضغطا لتمرير قرار التقسيم رقم 181 في الجمعية العمومية لم ينتبها أو أن مستشاريهِما لم يَمنَحوا أية أهمية لما يمكن أن يحدّث للفلسطينيين نتيجة لتصويتهما.

في حرب 1967الخاطفة حققت "إسرائيل" والولايات المتحدة الأمريكية نصراً كبيراً على الزعيم الراحل عبد الناصر والحركة القومية العربية. كانت "إسرائيل" هي التي اتخذت المبادرة بتدمير الطائرات المصرية وهي جاثمة في المطارات.في تلك الأثناء لم يعد خلق دولة يهودية هدف بريطانيا فقد استشاطت غضباً بسبب الحملة الصهيونية العتيقة التي أخرجَتها من فلسطين، كما أنها لم تعد ترغب بإثارة استياء رعاياها العرب فيما تبقى لها من إمبراطوريتها في الشرق الأوسط، ولذلك فقد امتَنعتْ بريطانيا عن التصويت على قرار التقسيم، أدرك السياسيون البريطانيون منذ الورقة البيضاء سنة 1939 أن مصالح بلادهم الرئيسية في الشرق الأوسط هي مع الدول العربية المستقلة وليست مع المشروع الصهيوني الذي رَعَتْه بريطانيا على مدى عَقدين من الزمن.

أدّى قرار التقسيم الذي أصدرته الأمم المتحدة إلى دعم القوتين الدوليتين الناشئتين في فترة ما بعد الحرب للمؤسسات الصهيونية العسكرية والمدنية، فاستعدّت للاستيلاء على أكبر جزء ممكن من الأرض، كانت المأساة الفلسطينية التي تَبِعت ذلك نتيجة ضعفهم وضعف العرب وكذلك نتيجة قوة الصهاينة وتأثير أحداثٍ كانت تجري في أماكن بعيدة في لندن وواشنطن وموسكو ونيويورك وعمّان.

يقول الأستاذ الخالدي: "عندما احتلّت الهاغانا وغيرها من الميليشيات الصهيونية الأحياء العربية للقدس الغربية في أبريل 1948 استولَتْ على المركز الرئيسي للصندوق العربي في حي القطمون وأسر مديره يوسف الصايغ، قبل ذلك بأسابيع قليلة سافر الصايغ إلى عمّان ليطلب المساعدة من الملك عبد الله ليمنع السقوط المحتّم للأحياء العربية من القدس الغربية، إلا أن القنصل الأردني العام في القدس أخبَر الملك هاتفياً أثناء وجود صايغ بعدم وجود أي خطر وصرّح: "مولاي، مَن الذي يخبركَ بهذه القصص وأن القدس ستسقط بيد الصهاينة؟ هذا غير صحيح!" رفض الملك عبد الله طلب الصايغ نتيجة لذلك، وسقطت الأحياء العربية الثرية في القدس الغربية، قضى الصايغ بقية فترة الحرب في معسكرٍ لسُجناء الحرب على الرغم من أنه لم يكن عسكرياً"(ص110)..

هزيمة 1967

في حرب 1967الخاطفة حققت "إسرائيل" والولايات المتحدة الأمريكية نصراً كبيراً على الزعيم الراحل عبد الناصر والحركة القومية العربية. كانت "إسرائيل" هي التي اتخذت المبادرة بتدمير الطائرات المصرية وهي جاثمة في المطارات. هكذا بدأت "حرب استباقية" احتلّت "إسرائيل" في نهايتها أربعة أضعاف مساحة أراضيها، في الضفة الغربية والقدس الشرقية وسيناء والجولان. وتم تشريد 400 ألف لاجئ فلسطيني جديد . ورفضت "إسرائيل"إعادة الأراضي المحتلة ،وأبقت تحت سلطتها شعباً فلسطينياً مقاوماً معتبرة أن اللجوء إلى القوة وحده يحلّ المشاكل؛ وهذا ما أغرقها في أزمة سياسية وأخلاقية عميقة، ليست فضائح الفساد المتكررسوى واحدة من ظواهرها.

يقول الأستاذ الخالدي:"عرف الرئيس ليندن جونسون أنَّ الأمر يختلف عن ذلك، فقد أخبره آبا إيبان الذي كان وزير خارجية إسرائيل خلال اجتماع عُقد في واشنطن بتاريخ 26 مايو1967 أن مصر على وشك القيام بهجوم، طلب الرئيس من وزير دفاعه روبرت ماكنمارا أن يضع الأمور في نِصابها، بحثَتْ ثلاثة مجموعات استخباراتية منفصلة جيداص في هذه القضية، وقال ماكنمارا: "حسب أفضل تقديراتنا لا يوجد احتمال للهجوم" أضاف جونسون: "وقد أجمع رجال استخباراتنا على ذلك" وعلى أنه "إذا هاجمت مصر فسنوجِّهُ لها ضربة ساحقة"، كانت واشنطن تعلم أن القوة العسكرية الإسرائيلية في حرب 1967 كانت أقوى بكثير من كافة جيوش الدول العربية مجتمعة مثلما كانت الحال في جميع الصراعات بينهم.

شنّت حركة فتح في الأول من يناير 1965 هجوماً لتعطيل محطة ضخ للمياه في وسط إسرائيل، كانت هجمة رمزية هدفها الأساسي مثل كثير غيرها هو إظهار أن الفلسطينيين يستطيعون التصرف بكفاءة حينما لا تستطيع الحكومات العربية ذلك، وكذلك لإحراج تلك الحكومات وإجبارها على التصرف..أكّدت الوثائق الحكومية التي نُشرت منذ ذلك الوقت على هذه الحقائق توقّعت مصادر عسكرية واستخباراتية أمريكية نصراً ساحقاً لإسرائيل في جميع الأحوال بالنظر إلى تفوق قواتها المسلحة، بعد خمس سنوات من حرب 1967 دولة صغيرة ضعيفة تهديداً مستمراً بالفَناء وما زالت تواجه هذا الخطر، ساعدته هذه الأسطورة على تبرير الدعم الكامل لسياسة إسرائيل مهما كانت متطرفة وعلى الرغم من دحضها مِراراً حتى من جهة آراء إسرائيلية مسؤولة"(ص 142).

تطوَّر مسار الحرب تماماً مثلما توقعت وكالة المخابرات الأمريكية ووزارة الدفاع، دمَّرت ضربة سريعة قام بها سلاح الجو الإسرائيلي غالبية الطائرات المصرية والسورية والأردنية على الأرض، منح ذلك إسرائيل تفوقاً جوياً تاماً وامتيازاً لقواتها البرية في تلك المنطقة الصحراوية في ذلك الفصل من السنة، وتمكنت أرتال المدرعات الإسرائيلية في ستة أيام من احتلال سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية العربية ومرتفعات الجولان.

كانت أسباب انتصار إسرائيل الحاسم في يونيو 1967 واضِحة، إلا أن العوامل التي أدت إلى الحرب كانت أقل وضوحاً، كان السبب الرئيسي في ذلك هو تصاعد جماعات الفدائيين الفلسطينيين المسلَّحين، كانت الحكومة الإسرائيلية قد بدأت بتحويل مياه نهر الأردن إلى وسط البلاد على الرغم من رفض الجماهير العربية وضعف الأنظمة العربية، شنّت حركة فتح في الأول من يناير 1965 هجوماً لتعطيل محطة ضخ للمياه في وسط إسرائيل، كانت هجمة رمزية هدفها الأساسي مثل كثير غيرها هو إظهار أن الفلسطينيين يستطيعون التصرف بكفاءة حينما لا تستطيع الحكومات العربية ذلك، وكذلك لإحراج تلك الحكومات وإجبارها على التصرف، كان المسؤولون المصريون ينظرون بعين الشك إلى حركة فتح ويعتبرونها مدفعاً منفلتاً يحرض إسرائيل بتهور في وقت كانت فيه مصر مشغولة بتدخل عسكري في حرب أهلية في اليمن وفي بناء اقتصادها.

حدث ذلك في ذروة ما أطلق عليه الباحث مالكوم كير "الحرب العربية الباردة" حينما قادت مصر تحالفاً من الأنظمة القومية العربية المتشددة ضد التحالف المحافظ بقيادة السعودية، كانت نقطة الصراع بينهم في اليمن حيث قامت ثورة ضد الملكية سنة 1962 وأدّت إلى حرب أهلية انخرطت فيها قوات عسكرية مصرية كبيرة.

إقرأ أيضا: تاريخ المقاومة الفلسطينية للاستعمار الصهيوني الاستيطاني.. قراءة في كتاب

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب فلسطين احتلال احتلال فلسطين كتاب تاريخ كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة الأمریکیة الأمم المتحدة دولة یهودیة فی حرب حرب 1967

إقرأ أيضاً:

الواقع والجمهورية في اليمن.. قراءة في كتاب عبدالله البردوني

بمقدور الكاتب أن يكون شاهداً على التاريخ إن كان أميناً، ذاكرة عصره الّتي توثق أعظم الانعطافات والتحوّلات والمفارقات، ليس في الشأن السياسي فحسب، بل في كل شؤون ومناحي الحياة، توصلت إلى هذه القناعة وهذا الاستنتاج بعد أن انهيت القراءة الفاحصة لكتاب اليمن الجمهوري للراحل عبدالله البردوني.

بتقادم السنوات تكتسب بعض الأعمال خلود، إذ أن الأحداث التي قالت تكتسب مغزي عصري وكتاب اليمن الجمهوري من هذا النوع، رغم مرور العقود عليه، ومروره بين ثورتين القديمة والجديدة إلاّ أننا نلحظ تلك الأحداث في واقعنا اليوم، وأخطاء الأمس تكررت بالفعل، وكذلك قابلة للتكرار في المستقبل إذا لم ننتبه لها ونعمل جاهدين على تفاديها.

الزمن لعب دوراً هاماً في الكتاب، فمن خلال الألمامة البعيد والأرومة يُبصّرنا البردوني بهذه الحقيقة؛ حقيقة زمن الفترة الذي يقاس بصناعة الأثر والإنجازات الّتي يحققها شعباً من الشعوب أو حضارةً من الحضارات، زمن السنين عندي البردوني هامشي ولايُبنى عليه شيء؛ لأن هذا الزمن الهامشي هو السرداب الذي يفضي منه رسوب أمةٍ ما في الحياة، فالأمة التي تستفيد من أخطاءها لسببٍ ما فإنها أمة ستظل في ذيل الأمة، كسيرة وكسيحة وعاجزة عن صناعة المصير لشعبها، تعاني من التشابه والتكرار، فالغد يعود إلى الأمس دائماً، فيما يحدث العكس مع الأمة التي تستفيد من أخطاء الأمس وتوظفه لصالحها.

الكتاب ذا سردية تأريخة، تم خروجه إلى الحياة 1997م، في، ٥٤٤ صفحة، مقسمة على 11 فصل..يبدأً بمقدمة الإلمامة من بعيد، حيث يستنهض فيها الأحداث الغافية في الحضارات اليمنية القديمة- السبئية والحميرية- مسلطاً الضوء على انهيار سد مأرب للمرة الخامسة على التوالي، حيث يعلل ذلك بضعف وهشاشة الدولة.

في الفصل الأول بعد الإلمامة تناول محفزات قيام الثورة اليمنية وأساس البحث عن الجمهورية من بدايتها، ثم تطرق إلى الدور المنوط بالإمام يحيى في توطيد المذهب الزيدي بعد دخول المذهب الهادوي إلى اليمن.

فيماتحدث في الفصل الثاني عن تفجرات المناطق القبلية التي كانت ترى التغيير إلى أن الإمام كان يخمدها فور اندلاعها، وتحدث هذا الفصل بشكل منصف عن ثورة المقاطرة التي تعد من أهم الثورات في التاريخ اليمني.

ويركز الكاتب إلى دور الثقافة في دعم الثورة، وقدرتها على رسم التاريخ إذ كتبت بإنصاف، ويستقرئ الكاتب دور الشعر في نقل المعارك التي خاضها الأئمة ضد الزرانيق والمقاطرة أو القبائل إذ أنها كانت تتسم بنوع من تمجيد القوي على الضعيف.

ويتحدث الفصل الثالث عن مسيرة الأحزاب في اليمن، وكيف بدأت بتنظيمات سرية، وبجهود بسيطة؛ سواء في الشطر الجنوبي الراغب في الانعتاق من الاحتلال البريطاني، أو الشطر الشمالي الرازح تحت وطأة الإمامية المستبدة؛ وينوه الكاتب بشكل منصف إلى دور الإمام يحيى ذي الثقافة الموسوعية إذ أن بفترته ازدهرت العلوم الدينية والأدبية على عكس فترة حكم ابنه أحمد.

ويحكي الفصل الرابع عن تنظيم الاتحاد اليمني؛ كيف بدأ كجمعية سميت بجمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهي وسيلة تتناسب مع تلك الفترة، إذ أنها طالبت بإصلاحات بسيطة تحت دعوى الشريعة وإن كانت تبطن انتقاد الإمام على سياسته المنغلقة وقتذاك.

ويؤرخ الكاتب التغيير في الوسيلة والخطاب لهذه الجمعية التي تعد أول تنظيم سياسي في عمر اليمن، واستمرت حركة الجمعية التي تحولت فيما بعد إلى الاتحاد اليمني حوالي 34 عامًا ؛ وانتهت عام 74 على يد حركة 13 يونيو، ومثل هذه التجربة الوليدة تستحق التأمل، متحدثاً عن دور الشرائح المهمة في المجتمع اليمني ويرصد دورها في تأجيج الثورة وقلب موازين المعادلات، حيث شارك الجنود في السقوط المبكر لحكومة 48؛ كما شاركوا في انقلاب 55، وانضموا للثوار والطلاب في 62.

فصيل الطلاب تحرك بشكل ملفت بعد أن انتشر الوعي قبل أحداث 62، والجميل في هذا الكتاب أنه لم يغفل دور المرأة اليمنية في صناعة الأحداث على مر التاريخ؛ إذ عدد مجموعة أسماء لأعلام من اليمنيات مثل: الملكة أروى بنت أحمد الصليحي. الشريفة دهماء، فقيهة. صفية بنت المرتضى، فقيهة. فاطمة بنت علي، مصلحة اجتماعية. زينب الشهارية، أديبة وسياسية. نخلة الحياسية. عوقت الجيش التركي مع بعض بنات صنعاء لمدة عشرين يومًا. ذكر أيضاً دور نساء المقاطرة اللاتي هاجمن حرس الإمام دفاعًا عن بلادهن مع أزواجهن.

أمّا الفصل السادس فيتحدث باستفاضة عن حركة 48 وأسباب سقوطها مبكرًا بعد قيامها بثلاثة أسابيع وحسب، وذلك لعدم إشراك الشعب فيها استنقاصًا لأهليته من قبل النخبة التي نفذت تلك الحركة.

على الضفة الأخرى سوء التخطيط وتقدير الأمور لعبا دورًا أساسيًا في شحة الموارد مبكرًا عن صنعاء مما أدى إلى سقوطها المدوي ما إن جاءها أحمد مستعينًا ببعض القبائل الموالية؛ كما تضارب رأي القيادة في الجنوب والشمال مؤثرا على تنفيذ الخطة المرسومة؛ فلم يكن من المخطط قتل الإمام أحمد وفوجئ بعض الثوار كالزبير ونعمان بذلك الخبر.

وتأثر مثقفو تلك الفترة بكتب محددة كانت متاحة لهم، أو كتب أخرى اتسمت بالثقافة التقليدية؛ غير أن ما دفعهم للخروج على الحاكم هو رغبتهم في تغيير الواقع

ويؤكد البردوني من خلال هذا الفصل على أن الثقافة المتفشية في تلك الفترة كانت ثقافة سلفية تمامًا كون الدين هو المعيار الأساسي لتقلد الوظائف بغض النظر عن الكفاءات، وأن الكتابات التي تناولت تلك الفترة لم تراعي حقيقة شحة الكتب، من ناحية أخرى تأثر مثقفو تلك الفترة بكتب محددة كانت متاحة لهم، أو كتب أخرى اتسمت بالثقافة التقليدية؛ غير أن ما دفعهم للخروج على الحاكم هو رغبتهم في تغيير الواقع.

ويسرد الكاتب في الفصل السابع مجموعة من الحركات الهامة والتي لم تدون ضمن كتب التاريخ كونها صنفت بأنها ثانوية أو ليست على قدر من الأهمية كونها لم تخلق حدثًا مباشرًا؛ لكن هذا لم يمنع البتة أنها شاركت في حدوث شرارات أدت إلى ثورة 62، ومن تلك الحركات حركة ذمار بقيادة عبد الله الديلمي الذي استفاد من سوء اختيار الإمام للعامل في ذمار ليبث سخطه على الإمام بالتملل من عامله في ذمار (علي الهمداني)؛ وكيف أن اليمن فوجئت بتلك الصرخة التي انبعثت من ذمار معقل الشيعة في اليمن.

يتحدث الفصل الثامن عن الازدواجية والثنائية في انقلاب مارس 55، والتي نفذها الإمام عبد الله بالتعاون مع الثلايا وفشل بسبب عدم التنسيق بين مختلف المعسكرات، ويشير الكاتب إلى الازدواجية في العقلية الثورية إذ أنها في مرحلة من المراحل زجت بنفسها في أتون الخصامات العائلية ووقفت مع إمام ضد آخر!

الفصل التاسع يتحدث عن ثورة 62 ويشرح الخطوط التي تدفق منها سبتمبر، ويتحدث عن تطور حركة القوى القبلية والعسكرية في اليمن؛ إذ أنها بدأت خصاماتها فيما بينها؛ ثم اتحدت ضد الأتراك، ثم اتحدث تحت لواء الإمامية، ثم استقلت بنفسها وصارت جزءًا من الشعب وذلك لارتفاع نسبة الوعي بين صفوفها.

الجمهورية الأولى بدأت منذ 62 وحدث فيها صراع بين الملكين والقوات المصرية التي جاءت لتساعد الجمهوريين في اليمن، والجمهورية الثانية قامت في 67ولكنها سقطت بسبب الخلافات المتفاقمة بين صفوف الثوار أنفسهم، الجمهورية الثالثة قامت في 77 وكافحت لتواصل جذوة الثورة اشتعالها، وذلك بعد أحداث 12 يونيو 74، وأشار الكاتب في نهاية هذا الفصل إلى مجموعة من الأخطاء التي وقع فيها الثوار في تلك الفترة لنقرأها ونستفيد منها؛ منها: ركزوا على الإمام ولم يركزوا على الوضع والبديل القادم.

وأكد على أن الثورة يجب أن تسير في خطين متوازيين؛ حرب الحرب؛ أي مقارعة القوى الظلامية؛ وإن تم التركيز على أحدهما وأهمل الآخر لم تنجح الثورة في شيء.

يتحدث الفصل العاشر عن مشاكل اليمن الجمهوري، منها ما هو أخطاء موروثة مثل الاتحاد على هدف واحد وهو إسقاط الغمام، وغياب الرؤية عن البديل الأنسب، والمعايير التي يجب أن تؤخذ في بناء الدولة الجديدة.

كما تحدث عن حقيقة أن الفساد استشرى في عهد الثورة مما قاد إلى تساؤل حول حقيقة أهمية الثورة من عدمها!

كما أكد هذا الفصل على أن تحقيق مرحلة التجاوز هو مسؤولية جماعية لا تقع على عاتق فئة دون أخرى، كما تساءل حول حقيقة استفادة البعثات الدراسية للطلاب اليمنيين في الخارج، وأهمية وجود الخبراء لحل المشاكل الوطنية! وذكر أن البعثات لا قيمة لها إن لم تنبع من احتياجات البلد نفسه؛ أما مشكلة الخبراء ستظل قائمة كونهم يفتقرون إلى الإدارة المحلية، وأكد على أن الاهتمام بقضية الأمن يأتي على رأس مطالب التنمية فلا قيمة لقطاع التنمية في التعليم والصحة طالما بقي عصب الأمن تالفًا!

وحمل هذا الفصل عنوانًا عريضًا؛ الديمقراطية بين الإعلان والممارسة، إذ أنها كانت عنوانًا فضفاضًا يستخدمه الساسة والمثقفون اليمنيون دون أن يتفقوا على معاييره، لهذا فشلت كثير من المحاولات للوصل إليها حتى اللحظة.

الفصل الحادي عشر تكلم باستفاضة عن الوحدة وكيف تمت؛ ثم تحدث عن رؤساء اليمن الجمهوري وسرد بعض سيرتهم ونضالهم الثوري، وأكد الكاتب ضمن سياق هذا الفصل على مفهوم الثائر من حقيقته إلى تحقيقه، فحقيقته لا تكفي وإنما تحتاج إلى معايير ليكون ثائرًا حقيقيًا؛ أبرز تلك المعايير هو أن يقدم مصلحة الوطن على مصلحة أي شيء.

يعد هذا الكتاب ضمن الكتب المهمة التي بإمكانها أن تشكل الوعي المجتمعي اليمني على يقظة لأهدافه ووجوده؛ كما أنه يعمل على خلق سلسلة متصلة من الوعي الثوري الذي بدأ منذ ثورة 62؛ بحيث ينقل خبرة الآباء للأبناء والأحفاد، ويذكرهم بالأخطاء التي وقعوا بها لنتنبه لها لا أن نسقط فيها ثم نلوم التاريخ أنه لم ينقل لنا تلك الأخطاء؛ والعيب هو أننا لم نقرأها بعين العظة والعبرة.

محمد العميسي7 يناير، 2025 شاركها فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام خبراء إسرائيليون: ضرب إيران الحل لوقف الحوثيين تليغراف: النظام الإيراني سينهار قريباً والحوثيون يوقعون حكم الإعدام مقالات ذات صلة البنتاغون يرسل 11 سجينا يمنيا من غوانتانامو إلى عُمان 7 يناير، 2025 متحدثة باسم المبعوث الأممي: زيارة صنعاء تمهد الأرض لإجراءات ملموسة 7 يناير، 2025 تليغراف: النظام الإيراني سينهار قريباً والحوثيون يوقعون حكم الإعدام 7 يناير، 2025 خبراء إسرائيليون: ضرب إيران الحل لوقف الحوثيين 7 يناير، 2025 اترك تعليقاً إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التعليق *

الاسم *

البريد الإلكتروني *

الموقع الإلكتروني

احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.

Δ

شاهد أيضاً إغلاق كتابات خاصة قلاع رملية.. المجلس الرئاسي الهش وصراع وحدة الصف 5 يناير، 2025 الأخبار الرئيسية البنتاغون يرسل 11 سجينا يمنيا من غوانتانامو إلى عُمان 7 يناير، 2025 متحدثة باسم المبعوث الأممي: زيارة صنعاء تمهد الأرض لإجراءات ملموسة 7 يناير، 2025 تليغراف: النظام الإيراني سينهار قريباً والحوثيون يوقعون حكم الإعدام 7 يناير، 2025 الواقع والجمهورية في اليمن.. قراءة في كتاب عبدالله البردوني 7 يناير، 2025 خبراء إسرائيليون: ضرب إيران الحل لوقف الحوثيين 7 يناير، 2025 الأكثر مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 اخترنا لك قلاع رملية.. المجلس الرئاسي الهش وصراع وحدة الصف 5 يناير، 2025 سقطرى لا تشبهكم أيها الصهاينة 5 يناير، 2025 الأسم الورطة! 31 ديسمبر، 2024 برحيل الشاعر سلطان الصريمي… اليمن يخسر ربان الأغنية السياسية 31 ديسمبر، 2024 الحوثي وإسرائيل: هل يدفع اليمن الثمن؟ 30 ديسمبر، 2024 الطقس صنعاء غيوم متفرقة 13 ℃ 21º - 11º 35% 0.92 كيلومتر/ساعة 21℃ الثلاثاء 21℃ الأربعاء 20℃ الخميس 22℃ الجمعة 22℃ السبت تصفح إيضاً البنتاغون يرسل 11 سجينا يمنيا من غوانتانامو إلى عُمان 7 يناير، 2025 متحدثة باسم المبعوث الأممي: زيارة صنعاء تمهد الأرض لإجراءات ملموسة 7 يناير، 2025 الأقسام أخبار محلية 28٬945 غير مصنف 24٬201 الأخبار الرئيسية 15٬431 عربي ودولي 7٬212 غزة 7 اخترنا لكم 7٬155 رياضة 2٬428 كأس العالم 2022 72 اقتصاد 2٬286 كتابات خاصة 2٬111 منوعات 2٬043 مجتمع 1٬863 تراجم وتحليلات 1٬855 ترجمة خاصة 120 تحليل 14 تقارير 1٬641 آراء ومواقف 1٬569 صحافة 1٬489 ميديا 1٬452 حقوق وحريات 1٬348 فكر وثقافة 922 تفاعل 825 فنون 490 الأرصاد 375 بورتريه 66 صورة وخبر 38 كاريكاتير 32 حصري 26 الرئيسية أخبار تقارير تراجم وتحليلات حقوق وحريات آراء ومواقف مجتمع صحافة كتابات خاصة وسائط من نحن تواصل معنا فن منوعات تفاعل English © حقوق النشر 2025، جميع الحقوق محفوظة   |   يمن مونيتورفيسبوكتويترملخص الموقع RSS فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق فيسبوكتويترملخص الموقع RSS البحث عن: أكثر المقالات مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 أكثر المقالات تعليقاً 1 ديسمبر، 2022 “طيران اليمنية” تعلن أسعارها الجديدة بعد تخفيض قيمة التذاكر 30 ديسمبر، 2023 انفراد- مدمرة صواريخ هندية تظهر قبالة مناطق الحوثيين 21 فبراير، 2024 صور الأقمار الصناعية تكشف بقعة كبيرة من الزيت من سفينة استهدفها الحوثيون 29 نوفمبر، 2024 الأسطورة البرازيلي رونالدينيو يوافق على افتتاح أكاديميات رياضية في اليمن 4 سبتمبر، 2022 مؤسسة قطرية تطلق مشروعاً في اليمن لدعم أكثر من 41 ألف شاب وفتاه اقتصاديا 4 يوليو، 2024 دراسة حديثة تحلل خمس وثائق أصدرها الحوثيون تعيد إحياء الإمامة وتغيّر الهوية اليمنية أخر التعليقات جمال

اشتي اعرف الفرق بين السطور حقكم وأكد المسؤول العراقي في تصري...

محمد شاكر العكبري

أريد دخول الأكاديمية عمري 15 سنة...

عبدالله محمد علي محمد الحاج

انا في محافظة المهرة...

سمية مقبل

نحن لن نستقل ما دام هناك احتلال داخلي في الشمال وفي الجنوب أ...

عبدالله محمد عبدالله

شجرة الغريب هي شجرة كبيرة يناهز عمرها الألفي عام، تقع على بع...

مقالات مشابهة

  • بيان لسفيرة الولايات المتحدة: الطرفان المتحاربان يتحملان مسؤولية أعمال العنف والمعاناة التي تشهدها السودان ويفتقران إلى الشرعية لحكم السودان
  • مبارزة مع القلق.. كتاب جديد يتناول آفة العصر ويرصد طرق مواجهتها
  • خريطة تقسيم سوريا!!
  • المستقبل الاقتصادى للعلاقات العربية الأمريكية بعد صعود ترامب (٦- ١٠)
  • «ترامب»: هناك فرص هائلة للاستثمار في الولايات المتحدة الأمريكية
  • ساحات أخرى للمواجهة مع الاحتلال في حرب غزة.. قراءة في كتاب
  • الولايات المتحدة تكشف عن أسلحة سرية كانت مدفونة لعقود
  • الواقع والجمهورية في اليمن.. قراءة في كتاب عبدالله البردوني
  • مسؤول عسكري أردني سابق: إسرائيل أداة لتنفيذ المخططات الأمريكية في المنطقة
  • وزير الخارجية يجري اتصالاً هاتفيًا بوزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية