سلط الكاتب الصحفي الأمريكي، جيرمي سكاهيل، الضوء على نظر محكمة العدل الدولية في ارتكاب الجيش الإسرائيلي لجريمة "الإبادة الجماعية" في قطاع غزة، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية هي "المتآمر المشارك في الجريمة"، الذي لم يذكر اسمه في القضية.

وذكر سكاهيل، في مقال نشره موقع "إنترسبت" وترجمه "الخليج الجديد"، أن الملف الذي قدمته جنوب أفريقيا إلى المحكمة، والمؤلف من 84 صفحة، "وثيقة مروعة تقدم بتفصيل دقيق لمحة عامة عن حملة قاتلة شنت ضد السكان المدنيين (في غزة) تحت غطاء الدفاع عن النفس الاحتيالي".

وأضاف أن الملف يعرض النطاق المروع للتدمير الإسرائيلي في غزة للحياة البشرية والبنية التحتية المدنية والتاريخ والثقافة، ويرسم صورة مدمرة للظروف الخطيرة التي يواجهها الفلسطينيون الذين تمكنوا من البقاء على قيد الحياة.

وتصف الاتهامات "حملة عسكرية وحشية بشكل استثنائي تشنها إسرائيل في غزة، وهي واسعة النطاق ومستمرة، وتنوي إسرائيل تكثيفها بشكل أكبر"، كما قال محامو جنوب إفريقيا، الذين اتهموا إسرائيل بممارسة الإبادة الجماعية في غزة.

ويستشهد ملف جنوب أفريقيا بعشرات التصريحات الإسرائيلية الداعية إلى الإبادة الجماعية والتي أدلى بها مسؤولون حكوميون وعسكريون إسرائيليون ومشرعون، ومسؤولون سابقون، وتصف نوايا إسرائيل في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.

ويرى سكاهيل أنه من الصعب تخيل أن مجموع هذه التصريحات، بما في ذلك استحضار رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لحكاية "عماليق" التوراتية عن القتل الجماعي الذي قام به الإسرائيليون للرجال والنساء والأطفال والمواشي، لا تشكل إعلانًا عن نية الإبادة الجماعية.

ويضيف: "لو كنا نعيش في مجتمع عادل، يحكمه حكم القانون المطبق بالتساوي والعادل على جميع الدول، لكان المسؤولون الأمريكيون سيمثلون أمام محاكم جرائم الحرب الدولية إلى جانب القادة الإسرائيليين الذين يسهلون أعمالهم الإجرامية بكل طريقة قابلة للقياس. ولكن هذا لن يحدث أبدا". ويشير الكاتب الأمريكي إلى أن الولايات المتمدة عملت، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كإمبراطور في مسائل القانون الدولي، وأصدرت مراسيم حول من يمكن ومن لا يمكن مساءلته عن أخطر الجرائم.

بل إن هناك قانونًا، يُعرف باسم قانون لاهاي للغزو، يسمح للرئيس الأمريكي باستخدام القوة لتحرير أي أفراد أمريكيين أو من الحلفاء يتم تقديمهم أمام محكمة دولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

اقرأ أيضاً

تقرير: الغرب بعين العاصفة حال إدانة العدل الدولية لإسرائيل بالإبادة الجماعية لغزة 

مدافع مارق

وفيما يتعلق بالمسائل المتعلقة بإسرائيل، عملت الولايات المتحدة "كمدافع مارق عنها من خلال عقيدة الحزبين الجمهوري والديمقراطي، أو استخدام حق النقض بمجلس الأمن ضد منع الجرائم ضد الفلسطينيين"، بحسب سكاهيل، مشيرا إلى أن "وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، واصل خلال زيارته الأخيرة مع رجال العصابات في تل أبيب، لعب دور المروج المتفاني والميسر لهيجان إسرائيل" حسب تعبيره.

ويضيف: "من الطقوس المروعة أن يتظاهر بلينكن بالحزن على أطفال غزة القتلى"، مشيرا إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، عززت، مع دخول حرب الإبادة الإسرائيلية ضد شعب غزة شهرها الرابع، إرثها باعتبارها الراعي السياسي والعسكري الرئيسي لحملة القتل الجماعي.

ويتابع سكاهيل: "أي قدر من العبارات المبتذلة التي يقدمها بلينكن وغيره من كبار المسؤولين الأمريكيين للمدنيين في غزة لن يمسح الدماء من أيدي إدارة بايدن".

ويلفت الكاتب الأمريكي إلى أن محاكمة إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية قد تستغرق سنوات، لكن جنوب أفريقيا تقول إن المحكمة يمكنها أن تصدر تدابير طارئة لحماية الفلسطينيين في غزة من الهجمات المستمرة، مستشهدة بأدلة ضخمة على أن إسرائيل متورطة في انتهاكات مستمرة لاتفاقية الإبادة الجماعية.

ودعت جنوب أفريقيا، في الدعوى، محكمة العدل الدولية إلى أن تأمر إسرائيل بـ "التعليق الفوري لعملياتها العسكرية في غزة"، وهو ما يمكن أن تصدره المحكمة في غضون أسابيع.

واتهمت المحامية الجنوب أفريقية، عديلة هاشم، إسرائيل بالتورط في "نمط سلوك منهجي يمكن الاستدلال منه على الإبادة الجماعية"، وقالت إن إسرائيل أخضعت شعب غزة "لواحدة من أعنف حملات القصف التقليدية في تاريخ الحروب الحديثة" بحراً وبراً وجواً.

وأضافت: "إن مستوى القتل الإسرائيلي واسع النطاق لدرجة أنه لا يوجد مكان آمن في غزة. لقد قتلت إسرائيل عدداً غير مسبوق من المدنيين، مع العلم الكامل بعدد الأرواح التي ستزهقها كل قنبلة. إن الدمار مقصود بغزة".

وبعيداً عن الاستشهادات بأعداد كبيرة من القتلى والجرحى بين المدنيين في غزة، أكد محامو جنوب أفريقيا أن أوامر "الإخلاء"، التي وجهتها إسرائيل لسكان شمال القطاع كانت في حد ذاتها إبادة جماعية.

ومن المقرر أن تقدم إسرائيل، التي اتهمت جنوب أفريقيا بـ"التشهير"، دفاعها اليوم الجمعة، فيما قرر فريق جنوب أفريقيا القانوني تكليف المحامي البريطاني المخضرم "فوغان لوي" بتوقع الحجج الإسرائيلية المحتملة ودحضها.

اقرأ أيضاً

ميدل إيست آي: زعماء أوروبا مستمرون بدعم الإبادة الجماعية في غزة.. ما السبب؟

دفاع استباقي

 ويلفت سكاهيل إلى أن لوي تحدث بشكل استباقي عن محاولة إسرائيل تحويل التركيز إلى حركة حماس وعملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قائلا إن "القضية المنظورة أمام محكمة العدل الدولية تتعلق بالهجمات الإسرائيلية في غزة، وحماس ليست دولة ولا يمكن أن تكون طرفا في اتفاقية الإبادة الجماعية".

ورفض لوي مزاعم إسرائيل بأنها تتصرف "دفاعًا عن النفس"، واستشهد بأحكام الأمم المتحدة التي تقضي بأن غزة تظل أرضًا محتلة بسبب السيطرة الكبيرة التي لا تزال إسرائيل تمارسها على أراضيها وبحرها وأجوائها، وعلى إمكانية الوصول إلى ضرورات الحياة الأساسية.

وأضاف لوي: "مهما كان الهجوم أو الاستفزاز وحشياً أو مروعاً، فإن الإبادة الجماعية ليست رداً مسموحاً به على الإطلاق. كل استخدام للقوة، سواء كان ذلك دفاعاً عن النفس أو فرض احتلال أو عمليات شرطية، يجب أن يظل ضمن الحدود التي وضعها القانون الدولي".

وطالب لوي أيضًا محكمة العدل الدولية بأن تأمر بوقف فوري للهجمات الإسرائيلية على غزة، قائلاً: "إذا تم تنفيذ أي عملية عسكرية بناءً على نية تدمير شعب، كليًا أو جزئيا، فإن ذلك ينتهك اتفاقية الإبادة الجماعية ويجب أن يتوقف".

وأكد المحامي المخضرم أن إسرائيل "لا يمكنها التهرب من أحكام المحكمة، من خلال الإعلان ببساطة من جانب واحد أنها تتبع القانون الدولي".

واختتم مادونسيلا، سفير جنوب أفريقيا لدى هولندا، جلسة محكمة العدل الدولية، الخميس، بقراءة مطالب جنوب أفريقيا بإصدار أمر بوقف الهجمات الإسرائيلية على غزة، قائلا: "جاءت جنوب أفريقيا إلى هذه المحكمة لمنع الإبادة الجماعية".

اختبار مهم

وهنا يشير سكاهيل إلى أن اسم الولايات المتحدة لم يذكر في مرافعة جنوب أفريقيا، إلا أن إدارة بايدن "دعمت العدوان الإسرائيلي وسلحته بشكل علني وحماسي، وينبغي أن يُنظر إليها على أنها متآمر غير مسمى في تصرفات إسرائيل".

ويقر سكاهيل بأن إجراءات محكمة العدل الدولية "قد لا تفعل شيئاً لوقف الهيجان القاتل الذي ترتكبه إسرائيل"، حسب تعبيره، لكنه يرى، في الوقت ذاته، أن صدور حكم لصالح جنوب أفريقيا من شأنه أن يزيد الضغوط على البلدان في مختلف أنحاء العالم لحملها على توضيح مواقفها من الجريمة المستمرة في غزة.

 كما ستكون إدانة إسرائيل "بمثابة اختبار مهم لما إذا كانت الدول، وتحديدًا حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا، تؤمن بدعم القوانين والاتفاقيات الدولية أو ما إذا كانت تقبل الولايات المتحدة باعتبارها السيد الأعلى الذي يفرض مجموعتها الخاصة من القواعد المطبقة بشكل غير متساو" بحسب سكاهيل.

اقرأ أيضاً

جرائم الإبادة الجماعية بغزة.. المحاكمة الدولية لإسرائيل في 6 أسئلة

المصدر | جيرمي سكاهيل/إنترسبت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الولايات المتحدة غزة إسرائيل الإبادة الجماعية جنوب أفريقيا حماس طوفان الأقصى محکمة العدل الدولیة الإبادة الجماعیة الولایات المتحدة جنوب أفریقیا فی غزة إلى أن

إقرأ أيضاً:

“فيتو” استمرار جريمة الإبادة الجماعية

يمانيون../
ليست المرة الأولى ولن تكونَ المرةَ الأخيرة التي تستخدم فيها الإدارة الأمريكية الفيتو في مجلس الأمن الدولي؛ للحيلولة دون صدور قرار ملزم يوقف جريمة الإبادة الجماعية المقترَفة منذ أكثر من سنة بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

لكن استخدام الإدارة الأمريكية للفيتو في هذه المرة مختلف تمامًا عن المرات السابقة، التي استخدمت فيها هذه الإدارة المجرمة هذا الإجراء، ففي هذه المرة بلغ انكشافها مداه بعد جولات متعددة قدمت نفسها فيها بأنها وسيط سلام، هدفه المعلن وقف إطلاق النار، وإنهاء ما تصفه بحالة الحرب في قطاع غزة، والهدف المستتر توفير مساحات من الزمن لاستكمال كيانها الوظيفي الإجرامي الصهيوني لفصول جريمة الإبادة الجماعية بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

وفي هذه المرة بلغت فيها أفعال جريمة الإبادة الجماعية الذروة؛ نظرًا لتعدُّدِ وسائلِ وأساليبِ تنفيذِها بين قتل مباشر بالقنابل والصواريخ الأمريكية، وموت جماعي؛ بسَببِ تدمير مقومات الحياة الإنسانية من مستشفيات لعلاج الجرحى والمرضى وتدمير المدارس المساجد التي يأوي إليها السكان بعد تدمير مساكنهم وانعدام الماء والغذاء والدواء بفعل الحصار المتعمد، وما تعرض له السكان من أذى وألم نفسي وجسدي خطير، وحصرهم في ظروف معيشية غاية في الصعوبة نتيجتها الحتمية الموت الجماعي جوعًا وعطشًا، خُصُوصًا بعد قرار كيان الاحتلال والإجرام الصهيوني الوظيفي بحظر نشاط الوكالة الأممية المتخصصة (الأونروا).

كل ذلك يؤكّـد بما لا يدع مجالًا للشك أن أفعال الإبادة الجماعية المقترفة في قطاع غزة منذ أكثر من سنة هدفٌ وغايةٌ ورغبةٌ للإدارة الأمريكية أكثر منها إسرائيلية، وهذه الرغبة تدحض كُـلّ مزاعم وزيف وخداع وتضليل هذه الإدارة المجرمة حول ما رَوَّجَت له سابقًا من فرص حقيقية متاحة لتحقيق السلام، ووقف إطلاق النار أصبح في متناول اليد، وإنهاء الحرب في قطاع غزة! وغيرها من العبارات الخادعة التي تهدف فقط إلى توفير المزيد من المساحات الزمنية لأفعالها وأفعال كيانها الصهيوني الوظيفي الإجرامية وامتداداتها إلى الضفة الغربية والضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، وعموم الجغرافيا اللبنانية وجزء من الجغرافيا السورية.

رغبةٌ في استمرار أفعال جريمة الإبادة الجماعية:

وعندما تقدمت عشر دول بمشروع قرار لوقف إطلاق النار، بل وقف أفعال جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، تصدت الإدارة الأمريكية، لهذا الموقف الدولي المتأخر جِـدًّا باستخدامها للفيتو ضد مشروع القرار؛ وهو ما يؤكّـد رغبة الإدارة الأمريكية في استمرار أفعال جريمة الإبادة الجماعية، ولا عبرة مطلقًا بما ردّدته هذه الإدارةُ المجرمةُ بأن تقديمَ مشروع القرار بصيغته التي تم عرضُه بها أمام المجلس، إنما كانَ بهَدفِ إجبار الإدارة الأمريكية لاستخدام الفيتو حسب زعمها، وتذرعت هذه الإدارة المجرمة بعدد من الذرائع منها أن القرار لم يُدِنْ حماس بشكل صريح، وأن القرار لم يتضمن الإفراج عن الرهائن كشرط لوقف إطلاق النار، وتهدف الإدارة الأمريكية المجرمة من تضمين مشروع القرار مثل هذه الذرائع إلى تحميل حماس مسؤولية الدمار والإبادة الجماعية.

وكذلك تحقيق الهدف الذي أعلنه كيان الاحتلال الوظيفي الصهيوني حين بدأ بتنفيذ أول فعل من أفعال الجريمة، والإدارة الأمريكية بهذه الذرائع تهدف إلى تحقيق ما فشلت هي وكيانها المجرم من تحقيقه بوسائلها الإجرامية المتعددة، وَإذَا ما تم الأخذ بذريعة الإفراج عن الرهائن كشرط لوقف إطلاق النار كما تتذرَّعُ الإدارةُ الأمريكية المجرمة، فَــإنَّ أفعالَ الإبادة الجماعية ستتضاعَفُ عشرات أضعاف ما هي عليه في ظل الحالة الراهنة!

ومنطقيًّا ستترتب على وقف إطلاق النار عمليات تبادل للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، لكن الإدارة الأمريكية وكيانها الإجرامي الصهيوني ليسا معنيَّينِ بوقف جريمة الإبادة الجماعية، بل مضاعفة أفعال هذه الجريمة إذَا ما تحقّق لها فعلًا هدفُ الإفراج عن الرهائن، وسيكون ذلك حافزًا ودافِعًا لها لمزيدٍ من أفعال جريمة الإبادة الجماعية والدمار الشامل لبنية وبنيان غزة، وليس مبالغةً القولُ إن الإدارة الأمريكية هي من يرغب في استمرار وتتابع أفعال جريمة الإبادة الجماعية أكثر من رغبة كيانها الوظيفي الصهيوني.

ويمكننا التدليل على ذلك بواقعتين إحداهما سابقة لجريمة غزة والأُخرى معاصرة لها، يثبتان بما لا يدع مجالًا للشك أن هذه الإدارة المجرمة هي صاحبةُ القرار وصاحبةُ الإرادَة الفعلية في استمرار الجرائم الهمجية والوحشية حول العالم، والواقعة الأولى تتعلق بالنظام السعوديّ فقد أدرك محمد بن سلمان بعد عام تقريبًا من العدوان على اليمن حجم ورطة بلاده وما تكبدته من خسائر وما ستتكبده من خسائر في حال استمرت الحرب العدوانية على بلادنا حينها أعلن وزير خارجيته عادل الجبير بتاريخ 15 مارس 2016 (أن الحل في اليمن لا يمكن أن يكون عسكريًّا وأن الحل لن يكون إلا سلميًّا سياسيًّا)، وفي مساء ذات اليوم خرج متحدث البيت الأبيض ليقول بالحرف الواحد وبشكل صارم (أن الحل السلمي في اليمن لا يزال بعيد المنال).

وبالفعل فقد استمرت الحرب العدوانية لأكثر من سبع سنوات عقب تصريح متحدث البيت الأبيض، ولم يكن أمام محمد بن سلمان سوى الإذعان لإرادَة مشغله الأمريكي، الذي وبَّخه على جرأته بالحديث عن الحل السلمي دون إذنٍ مسبقٍ من صاحب الإرادَة الحقيقية في تقرير حالة السلم أَو استمرار حالة الحرب! وعندما تمكّن شعبنا من المساس بالعصب المحرك للإدارة الأمريكية أوعزت هذه الإدارة المجرمة إلى نظامها الوظيفي في الرياض بالذهاب إلى هُدنة تلتها هُدنة تلتها تهدئة مفتوحة، وهي مؤقتة بطبيعة الحال إلى أن ترتب الإدارة الأمريكية أوراقها وتتجاوز المأزِق الذي حصرها فيه أبناءُ الشعب اليمني؛ فهي لم تقرّر إنهاء حالة الحرب العدوانية تمامًا، بل عملت على تبريد مِلف الساحة اليمنية لتتمكّن من إعادة ترتيب صفوف العملاء والخونة من أبناء البلد، لتغلق الصراع على الداخل اليمني، وترفع يد أدواتها الإقليمية من المشاركة المباشرة في الحرب العدوانية ليقتصر دورها على تمويل العملاء والخونة والمرتزِقة؛ لتتجنب بذلك استهداف المنشآت النفطية في السعوديّة والإمارات؛ باعتبَار أن الحرب أصبحت داخلية مغلقة على أبناء الشعب اليمني، وليس هناك من تدخل مباشر من جانب الآخرين!

والواقعة الثانية التي يتأكّـد من خلالها أن الإدارة الأمريكية هي صاحبة الإرادَة في اسمرار القتل والدمار، ذلك الموقف الذي أعلنه منتشيًا رئيس أوكرانيا عقب إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بأنه سينخرط مع ترامب في توجّـهاته الرامية إلى إنهاء الحرب بين بلاده وروسيا! فلم تمهِلْه الإدارةُ الأمريكيةُ التي أعلنت من أعلى مستوى فيها أنها قد سمحت لــ زيلنسكي باستخدام الصواريخ الأمريكية بعيدة المدى لضرب العُمق الروسي.

والحقيقة أن الأمر لا يتعلق بسماح الإدارة الأمريكية أَو عدم سماحها بل إن الأمر يتعلق أَسَاسًا بتوجيه الإدارة الأمريكية أمرًا صارمًا إلى عميلها الأوكراني بالاستمرار في الحرب، وهذا الأخير حالُه كحال محمد بن سلمان لم يملك سوى الإذعان للأوامر الرئاسية الصادرة عن الإدارة الأمريكية وبدأ بضربِ العُمق الروسي بالصواريخ بعيدة المدى، والواضح أن الرئيس الأوكراني مدرك تمامًا الكلفة الباهظة لاستمرار الحرب مع روسيا؛ ولذلك التقط إشارة ترامب للخروج من ورطة الحرب لكن الإدارة الأمريكية الحالية وبَّخته وأجبرته على الاستمرار في استنزاف بلاده كما فعلت مع محمد بن سلمان تمامًا!

وذات الأمر تكرّر يوم الأربعاء الفائت في مجلس الأمن الدولي حين أجهضت الإدارة الأمريكية مشروع قرار مقدَّمًا من عشر دول ينص على الوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة، لتقول هذه الإدارة بشكل واضح وصريح لا لبس فيه ولا غموض أنها هي صاحبة الإرادَة الحقيقية في استمرار الأفعال الإجرامية في قطاع غزة، وفي كامل النطاق الجغرافي للكرة الأرضية ولا عبرة بمجلس الأمن ولا بغيره من مؤسّسات منظمة الأمم المتحدة، وأنها وكيانها الوظيفي الإجرامي الصهيوغربي لن يتوقفا أبدًا عن الاستمرار في اقتراف أفعال جريمة الإبادة الجماعية التي امتدت إلى الضفة الغربية والضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، بل شملت كافة النطاق الجغرافي للبنان وجزء واسع من جغرافية الجمهورية العربية السورية، والمعطيات تؤكّـد أنها ستمتد في قادم الأيّام إلى الأراضي العراقية، وستستخدم الإدارة الأمريكية وغيرها من القوى الاستعمارية الصهيوغربية كيانها الوظيفي الصهيوني في تنفيذ تمدد الجريمة؛ فهذا الكيان قاعدتها المتقدمة في المنطقة ومشروعها لإخضاع دول المنطقة.

وقد ورد في كلمة السيد القائد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- يوم الخميس الفائت جملة في غاية الأهميّة شخّص بها كيان الاحتلال الصهيوني بأنه (مشروع للقوى الغربية تؤمن به وتحميه، وهو يستهدف الأُمَّــة العربية والإسلامية بشكل عام ولا يقتصر على الأراضي الفلسطينية)، وفعلًا فهذه هي حقيقةُ كيان الاحتلال الوظيفي الصهيوني؛ فالقوى الاستعمارية الغربية عندما قرّرت الإقلاعَ عن أُسلُـوبها الاستعمارية التقليدي القائم على الاحتلال المباشر للبلدان العربية، وإخضاع شعوبها بالقوة المسلحة، لجأت إلى الأُسلُـوبِ الحديثِ غير المباشر، واستبقت لها من أُسلُـوبها الاستعماري القديم قاعدةً متقدمةً في منطقة الشرق الأوسط أسمتها (إسرائيل).
—————————————–
د. عبد الرحمن المختار

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة تحذر من تصاعد العنف ضد المرأة.. مقتل امرأة كل 10 دقائق على يد الشريك أو الأقارب
  • وزير الخارجية: مصر الشريك التجاري الأول لأوكرانيا في أفريقيا والشرق الأوسط
  • سفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة: إسرائيل وحزب الله على وشك التوصل إلى اتفاق
  • “آسيا تايمز”: الولايات المتحدة و”إسرائيل” تفشلان في إيقاف هجمات أنصار الله اليمنية 
  • إسرائيل.. المصادقة على تعيين سفير جديد إلى الولايات المتحدة
  • “فيتو” استمرار جريمة الإبادة الجماعية
  • كاتب أمريكي: العراق ركيزة أساسية في محور المقاومة الذي تقوده إيران
  • خبير استراتيجي: الولايات المتحدة تخشى العدالة الدولية ومتناقضة فيما يخص قراراتها
  • الرئيس الكولومبي: إسرائيل تمارس حرب إبـادة في غزة لمنع قيام وطن للفلسـطينيين
  • 50 يومًا على الإبادة الجماعية والحصار شمالي القطاع