موقع النيلين:
2024-11-08@12:26:52 GMT

تمازج الجبهة الثالثة فازعة مع الدعم السريع

تاريخ النشر: 12th, January 2024 GMT


تمازج الجبهة الثالثة فازعة مع الدعم السريع (1-2)
(جاء في حديث أخير للدكتور بكري الجاك بعد لقاء له مع حميدتي في أديس أبابا ولأول مرة الحديث عن الدعم السريع في مصطلح “الفزع” أي انتهاز قيادات وجماعات محلية سانحة غطاء الدعم السريع لتخرج مستقلة عنه، وبموارده، لتصفية ثأر ما، أو غبن ما، أو لمجرد الكسب غير الحلال.

فقال حميدتي لهم إنه لم يصدر قرار غزو مدني. فغذا صدق كان من غزاها كيكل الغبين من القوات المسلحة. فكانت أهانته بتفريق جمع “درع السودان” الذي كونه قبيل الحرب لينتصف للشرق من اتفاقية سلام جوبا. فأغضبه منال حركات دارفور العظيم من الاتفاق لمجرد حملها السلاح. فأراد أن يحمل السلاح مثلهم ويكسب كسبهم. فتحرك في بعض جنده وكسابة الدعم السريع وأم باغتة وعاث فساداً حتى خضعت له مدني. ووضع الدعم السريع أمام الأمر الواقع. فسعى لتدارك فساد ما وقع من غزوة الجزيرة بحملة علاقات عامة في منتهى الاستغفال. وجاء على لسان الجاك أن حميدتي نفسه يخشى أن ينقلب عليه “الفزاعة” هؤلاء في يوم ما متى اخشوشن ما بينها.
كان ما أذاعه الجاك المقاربة الأولى لتركيبة الدعم السريع وسلسلة القيادة فيه التي يتفاداها محسنو الظن فيه ككيان عسكري موحد مهما يكن سيبلغ بهم ما يشتهون). وفي هذه المناسبة أنشر كلمة قديمة عن حركة تمازج التي كانت أعلنت انضمامها للدعم السريع ليرى القارئ جانباً من تركيب الفزع فيه)
ما كاد خاطر السودانيين المروع بنذر المواجهة بين القوات المسلحة و”الدعم السريع” يهدأ بلقاء الفريق أول عبدالفتاح البرهان القائد العام للقوات المسلحة والفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد “قوات الدعم السريع”، أخيراً، حتى هرج السلاح في الخرطوم بين قوات الشرطة وحركة “الجبهة الثالثة” (تمازج من حركات الكفاح المسلح الموقعة على اتفاق جوبا في أكتوبر 2020).
ففي 12 مارس 2023 الجاري بلغ ضابط شرطة من قوة مكافحة سرقة السيارات أن اللواء حسين جقود أحد قادة “تمازج”، اعترضه أثناء قيامه بواجبه في التحقق من قانونية ترخيص السيارة التي كان يقودها وهدده بالقتل. فتم القبض عليه وحرر له بلاغاً بالاعتراض والتهديد. وبلغ شرطي آخر بعد ذلك عن القبض على فرد من “تمازج” يحمل سلاحاً غير مرخص، ثم بلغ شرطي ثالث باعتراض خمسة من الحركة له أثناء أداء واجبه الرسمي.
وبعد القبض على أولئك الأفراد من “تمازج” قامت جماعة مؤلفة من 50 من عناصرها بالارتكاز على نحو 10 سيارات “صالون” و”بكاسي” في موضع شرق قسم الشرطة، وشرعوا في تهديد القوة الموجودة هناك مطالبين بالإفراج عن المقبوض عليهم. ودخل اللواء أحمد قجة، وهو أحد قادة “تمازج” ببزته العسكرية، وتوعد بإطلاق القائد جقود عنوة، فأخرجوه ليحرض القوة المرتكزة للإحاطة بمبنى القسم.
واتخذت الشرطة إجراءات تسليح أفرادها وتأمين الحراسات وتمركزت جماعة منهم بأعلى مبنى القسم. ولدى تبليغ القسم رئاسة الشرطة عن أوضاعه، جاء مدير المباحث ووقف على إجراءات الإفراج على المضبوطين لتهدئة الوضع. وأخذت “قوة تمازج” أفرادها المفرج عنهم بين الصيحات وإطلاق الأعيرة النارية في دلالة على الانتصار. ونوه بيان الشرطة بحكمة قيادة القسم والشرطة لكبحهم جماح الاستفزازات.
ووقعت هذه المواجهة في سياق أرق قديم للشرطة صرحت به مصادر فيها لـ”صوت الهامش” في يونيو 2021 بأن سيارات تمازج تتحرك بلوحات مخالفة لقوانين المرور، ويعتدي عناصرها على أفراد الشرطة عند توقيفهم بسبب تلك المخالفات. كما أن واقعة القسم هي الثانية بين الشرطة و”تمازج”. ففي سبتمبر 2021 تعرضت القوات المشتركة من الشرطة والقوات المسلحة والدعم السريع لإطلاق نار من متفلتين من “تمازج” بمجمع اللجنة الأولمبية بناحية سوبا جنوب الخرطوم خلال إزالتها لظواهر سالبة وأوكار جريمة.
وظهرت “تمازج” في المشهد السياسي والعسكري بعد توقيع سلام جوبا في أكتوبر 2020. وتراها حركات مسلحة مشهودة في الساحة مع ذلك صنيعة الاستخبارات العسكرية السودانية لإرباك مساعي السلام بإغراقها بكل من هب ودب، والتربح من انفلاته وتعدياته في المدن لإلصاق سوء السمعة بالحركات المسلحة.
فلا تعلم هذه الحركات، بحسب قولها، عن “تمازج” وماهيتها قبل الآن. فالعميد حامد حجر عضو فريق الترتيبات الأمنية عن “حركة العدل والمساواة” صرح بأنها “صنيعة للاستخبارات العسكرية من أفراد كانوا في ميليشيات الدفاع الشعبي لنظام الإنقاذ المحلولة”، وقال إن صناعتها تمت أمام ناظريهم في مسرحية مشهودة في فندق بمدينة جوبا خلال مفاوضات السلام.
وتبرأت الاستخبارات العسكرية من تهمة صنع تمازج، وقالت إن ما يذاع عنها صادر ممن يريد إحداث شروخ في الجسد العسكري. وأضافت أنها تقدم الدعم للحركات المسلحة من غير تفضيل بينها.
ونفى رضوان جدو القيادي بـ”تمازج” اتهامهم بأنهم صنيعة الاستخبارات وتجارتهم في سوق السيارات غير المقنن وبيع الرتب العسكرية. وقال إنها ليست سوى “مكايد واتهامات باطلة توجه للحركة من قبل أعداء السلام”، واعترف مع ذلك بانفلات بعض عناصرهم على رغم الأمر العام لهم بالانضباط.
وقال الأمين العام لـ”تمازج” ياسر محمد حسن إن حركتهم معروفة لحركات الكفاح المسلح إلا من مكر عن غرض. فهي إحدى فصائل “الحركة الشعبية لتحرير السودان” (جون قرنق) عند خط التماس مع جنوب السودان عند ولايات سنار والنيل الأبيض وكردفان ودارفور، وأنها خرجت لرفع التهميش عن أهل الحدود، ومن هنا كان اسمها “تمازج” لوجودها على الشريط الحدودي بين السودانين، أو ما تسميه هي “شريط الموارد، مثل النفط والصمغ العربي والسمسم. وكثيراً ما لوحت حيال استبعادها في تنفيذ اتفاق جوبا، كما سيرد، أنها ستضطر إلى “تتريس” هذا الشريط وحجب موارده عن بقية السودان. وقال أمين الحركة العام إن “الحركة الشعبية بعد الانفصال فكت الارتباط بقوات الجبهة الثالثة التي كان مقرها آنذاك بمنطقة راجا القريبة من حدود السودان”، وهذا مفاد قولها إنها “تناسلت” عن الحركة الشعبية.
ولم يتعرف عمر أبو روف القيادي بالحركة الشعبية – شمال على “تمازج” كفصيل في حركتهم. وقال “لا علم لي بانتماء قيادات تمازج للحركة الشعبية الأم. إذا كانوا ينتمون إلى الحركة الشعبية عليهم أن يثبتوا تبعيتهم إلى أي منطقة أو أي قائد”.
ولكن هناك من الحركة الشعبية من وجد سبباً للانتساب لـ”تمازج”، إذ لمح قيادي من “الحركة الشعبية” إلى أن “(تمازج) مأوى لسواقط الحركة الشعبية انتهزوا سانحة التفاوض في جوبا لحجز مقعد في الاتفاق ومنافعه”. وقال قيادي في العدل والمساواة “إن تمازج كانت في طرف رياك مشار نائب رئيس جمهورية جنوب السودان في صراعه الدموي ضد سلفا كير رئيس دولة الجنوب في عام 2013”.
ونواصل

تمازج الجبهة الثالثة فازعة مع الدعم السريع (2-2)
عبد الله علي إبراهيم
كانت تمازج الجبهة الثالثة من بين المليشيات التي تحالفت أخيراً مع الدعم السريع. وهي من الحركات الموقعة على اتفاق جوبا للسلام في أكتوبر 2020. وهي حركة اختلفت الآراء في أصلها وفصلها كما بينا في الحلقة الماضية. وكان آخر أخبارها في مارس من العام الماضي مواجهة مسلحة بينها وبين شرطة ولاية الخرطوم التي طال ما اشتكت من أن سيارات تمازج تتحرك بلوحات مخالفة لقوانين المرور، ويعتدي عناصرها على أفراد الشرطة عند توقيفهم بسبب تلك المخالفات ال فصلها.
بأن سيارات تمازج تتحرك بلوحات مخالفة لقوانين المرور، ويعتدي عناصرها على أفراد الشرطة عند توقيفهم بسبب تلك المخالفات.
(جاء في حديث أخير للدكتور بكري الجاك بعد لقاء له مع حميدتي في أديس أبابا ولأول مرة الحديث عن الدعم السريع في مصطلح “الفزع” أي انتهاز قيادات وجماعات محلية سانحة غطاء الدعم السريع لتخرج مستقلة عنه، وبموارده، لتصفية ثأر ما، أو غبن ما، أو لمجرد الكسب غير الحلال. فقال حميدتي لهم إنه لم يصدر قرار غزو مدني. فغذا صدق كان من غزاها كيكل الغبين من القوات المسلحة. فكانت أهانته بتفريق جمع “درع السودان” الذي كونه قبيل الحرب لينتصف للشرق من اتفاقية سلام جوبا. فأغضبه منال حركات دارفور العظيم من الاتفاق لمجرد حملها السلاح. فأراد أن يحمل السلاح مثلهم ويكسب كسبهم. فتحرك في بعض جنده وكسابة الدعم السريع وأم باغتة وعاث فساداً حتى خضعت له مدني. ووضع الدعم السريع أمام الأمر الواقع. فسعى لتدارك فساد ما وقع من غزوة الجزيرة بحملة علاقات عامة في منتهى الاستغفال. وجاء على لسان الجاك أن حميدتي نفسه يخشى أن ينقلب عليه “الفزاعة” هؤلاء في يوم ما متى اخشوشن ما بينها.
كان ما أذاعه الجاك المقاربة الأولى لتركيبة الدعم السريع وسلسلة القيادة فيه التي يتفاداها محسنو الظن فيه ككيان عسكري موحد مهما يكن سيبلغ بهم ما يشتهون). وفي هذه المناسبة أنشر كلمة قديمة عن حركة تمازج التي كانت أعلنت انضمامها للدعم السريع ليرى القارئ جانباً من تركيب الفزع فيه)
كانت تمازج الجبهة الثالثة من بين المليشيات التي تحالفت أخيراً مع الدعم السريع. وهي من الحركات الموقعة على اتفاق جوبا للسلام في أكتوبر 2020. وهي حركة اختلفت الآراء في أصلها وفصلها كما بينا في الحلقة الماضية. وكان آخر أخبارها مواجهة مسلحة بينها وبين شرطة ولاية الخرطوم التي طال ما اشتكت من أن سيارات تمازج تتحرك بلوحات مخالفة لقوانين المرور، ويعتدي عناصرها على أفراد الشرطة عند توقيفهم بسبب تلك المخالفات ال فصلها. ونواصل هنا في سيرة تمازج في سياق العلم بتكوين الدعم السريع الذي تنفرط سلسلة القيادة فيه لأن قادة المليشيات يتمتعون باستقلال حيث هم. فتتحكم في غزواتهم في مثل ما يحدث في ولاية الجزيرة مصالح خاصة بجماعاتهم أو لطلب الغنيمة لا استراتيجية للدعم منضبطة بسلسة قيادة آمرة زاجرة.
مع توقيع “تمازج” لاتفاق سلام جوبا إلا أنها ظلت طريدة من عملية السلام من جانب أطرافه الأخرى. فبدا توقيعها على اتفاقية سلام جوبا كأن لم يكن. فلم تنل حظاً من قسمة الوظائف في حكومة دارفور التي قام عليها مني أركو مناوي زعيم جيش تحرير السودان. وعادت الحكومة إلى سحب دعوتها لها لاجتماع لجنة ترتيبات دمج قوات أطراف السلام في القوات المسلحة في الفاشر في أكتوبر 2022 بعد تبليغ القصر الجمهوري لهم بحضوره، وزاد الطين بلة قرار مجلس الأمن والدفاع بإخلاء المدن من قوات “تمازج” مرة واحدة.
أما حميدتي فلم يشقق القول عن “تمازج”، فسأل في لقاء تلفزيوني في أغسطس (آب) 2022 عمن وراء تسليح تلك القوة التي تملك أسلحة لا تتوافر إلا عند الحكومة.، وكانت قد جاءت إلى مواجهة في بلدة سوبا بينها وبين القوات المشتركة (من الجيش والدعم السريع والحركات المسلحة) بأسلحة ثقيلة ومضادات طائرات. واتهم حميدتي “تمازج” بالتورط في الصراعات القبلية في غرب دارفور خلال الأعوام الثلاثة الماضية ليعلن القبض على أعضاء مكتبها في الولاية وترحيلهم إلى سجون نائية.
أما “تمازج” فشكت لطوب الأرض من فرط إهمالها في نيل مستحقاتها في ما تحقق من تنفيذ اتفاق جوبا. فقالت إنهم دخلوا الاتفاق 14 حركة مسلحة ومطلبية، نالت ست منها حظوظها من الاتفاق، بينما استبعدت الثماني الأخرى تماماً. وأضافت أن اتفاق جوبا محروس بوسطاء وشهود. ولن تتجرأ الحكومة على مصادرة سلاحها لأن في ذلك خرق للاتفاق ويؤذن بالحرب. ولفتت إلى أن عناصرها صبرت على جحود الحكومة وأطراف السلام الأخرى، ولكن للصبر حدوداً. وبدا على “تمازج” ملمح تفاؤل بأن حظهم ربما تغير للأحسن بالمصفوفة المحدثة لتنفيذ الترتيبات الأمنية التي صدرت عن ورشة جوبا انعقدت لاحقاً لتقييم تنفيذ اتفاق جوبا.
وما يحير هو نبذ حميدتي وحركات الكفاح المسلح لـ”تمازج” من فوق منصة أخلاقية قد لا يرقون مراقيها هم أنفسهم، فالدمامة واحدة في هرج السلاح الذي خيم لعقود في السودان، والاختلاف في الحظوظ منه اختلاف مقدار، لا نوع. فلم يستغرق قوميو جنوب السودان، الذين أخذتهم العزة بالسلاح لتحرير بلادهم من المركز الشمالي، سوى سنوات ثلاث ليجدوا أنفسهم يسددون نصل السلاح لصدور واحدهم الآخر في محرقة 2013. بل تقاتلوا قبل ذلك في عام 1991 خلال فتنة الحركة الشعبية بين شيعة جون قرنق وشيعة ريك مشار حرباً وصفت بأنها مما لم يرتكبه الجيش القومي “العدو” منذ عام 1955. وسمى الجنوبيون تلك الحرب بـ”حروب المتعلمين”، نظراً إلى درجة توحشها الكبير التي لا يقوى عليها إلا حق التعليم.
وحين يسأل حميدتي “من أين لتمازج هذا السلاح الكثير المتطور؟”، فقد نسي نفسه، إذ إن أسلحته من مضادات دبابات وطائرات ومدافع، مما يعد هرجاً بالسلاح، لا تملكاً في دولة حديثة، ناهيك بتواتر الأنباء في مايو (أيار) 2022 عن حصول “الدعم السريع” على منظومة تجسس من نوع “بريداتور” لاختراق الهواتف الذكية من شبكة إسرائيلية مصنعة. ولو صح سؤال “تمازج” عن مصدر سلاحها صح بالمثل سؤال حميدتي، ولكن السؤال هنا من حكم القوي على الضعيف.
أما حركات دارفور فلا وجه لها أن ترمي “تمازج” بالضعة الأخلاقية لأنها من صلب استخبارات السودان العسكرية. فإذا كانت إيجارة البندقية مطعناً في خلق الجماعة، فهذه الحركات والغة في هذه الإيجارة باصطفافها في الحرب الأهلية في ليبيا وجنوب السودان بشهادة خبراء مجلس الأمن الدولي، ناهيك بغزو “حركة العدل والمساواة” للعاصمة الخرطوم في مايو 2008 محرشة من تشاد. فكان هجومها على الخرطوم بمثابة رد معجل على هجوم جبهة معارضة تشادية مدعومة بنظام الإنقاذ في فبراير (شباط) 2008 على أنجامينا حتى احتلال القصر الجمهوري.
ربما كانت “تمازج” في ضعة الخلق السياسي الذي ترميه بها الحركات المسلحة، ولن تكون مع ذلك مهما قلنا عن سوئها سوى وجه دميم من وجوه فجور السلاح ضارب الأطناب في السودان.
دقت ساعة إخلاء كل يد غير القوات المسلحة من السلاح لتحتكر الحكومة امتلاكه كما هو الأصل في الدولة الحديثة. جاء وقت وضع السلاح أوزاره في السياسة. فخاطر الأمة مروع. وكان عبدالوهاب الأفندي قد قال مرة: إننا لربما لم نعطِ مطلب فصل السلاح عن السياسة ما أعطيناه لفصل الدين عن السياسة.

عبد الله علي إبراهيم

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: مع الدعم السریع الحرکة الشعبیة القوات المسلحة جنوب السودان اتفاق جوبا على اتفاق سلام جوبا التی کان

إقرأ أيضاً:

الدعم السريع يدمر حاضر السودانيين وقادة الجيش والإسلاميون يدمرون مستقبلهم

منذ ١٧ شهراً، يعيش السودان في صراع مستمر، حيث يجد السودانيون والسودانيات أنفسهم في مواجهة تدمير آني لحاضرهم ومستقبلهم بواسطة أولئك المناط بهم حماية مصالحهم ومن يدعون ذلك.

قوات الدعم السريع والحرب على حاضر السودان

تُعتبر قوات الدعم السريع رمزاً للدمار وعدم الاستقرار في حياة السودانيين. نشأت هذه القوات في إطار نظام الإسلاميين كقوة غير نظامية لها نفوذ واسع، وبدأت عملياتها بتدخلات مدمرة في دارفور، وامتدت تأثيراتها لاحقاً إلى مناطق أخرى، مخلفةً وراءها آثاراً كارثية على حياة الناس ومؤسسات الدولة والمجتمع.
لم تقتصر هجمات قوات الدعم السريع على الاشتباكات المسلحة فقط، بل طالت أيضاً حياة المدنيين وممتلكاتهم، والأنظمة الاجتماعية، والخدمات الأساسية، مما أدى إلى تدمير البنية التحتية وتشتيت السكان ونهب الموارد. وفي ظل سيطرتهم، أصبح من الصعب على المواطنين العيش بأمان أو السعي لكسب العيش، فقد قتلت الناس وهتكت عروضهم ونهبت أموالهم ودمرت سبل حياة الناس بالكامل. هذا الدمار الذي يطال الحاضر لن يختفي بسهولة، إذ أن آثاره الاجتماعية والنفسية والاقتصادية ستستمر لتؤثر على الأجيال القادمة، تاركةً وراءها جروحاً يصعب التئامها.

قيادة الجيش والإسلاميون وظلالهم على مستقبل السودان

بينما تدمر قوات الدعم السريع الحاضر، يُعَرِّض قادة الجيش والإسلاميون مستقبل السودانيين للخطر. فبدلاً عن بناء جيش وطني موحد، تعتمد قيادة القوات المسلحة والإسلاميون على تعزيز شبكات من الميليشيات القبلية والمناطقية كقوة موازية للدعم السريع، وبعض هذه المليشيات لها امتدادات قبلية مع دول جارة. المفارقة هنا أن هذا النهج ذاته تسبب في معضلة الدعم السريع، الذي يتمتع بعلاقات خارجية مستقلة وموارد مالية وقوانين خاصة.
تشكل هذه التحالفات بين قيادة الجيش والاسلاميين والميليشيات الجديدة هذه والقديمة تهديداً للاستقرار الوطني. فعندما تعتمد المؤسسة العسكرية الأولى في البلاد على الميليشيات، فإن ذلك يقضي على أي فرصة لبناء دولة قوية متماسكة. والأدهى من ذلك، يساهم هذا الأسلوب في تحويل السودان إلى مجتمع مليء بالانقسامات والصراعات الداخلية.
ومن منظور سياسي، فإن استراتيجيات قادة الجيش والإسلاميين تلقي بظلالها على الحكم في البلاد، إذ يركزون على تأمين سلطتهم من خلال تقوية نفوذ الميليشيات بدلاً من السعي لتأسيس نظام ديمقراطي أو حتى نظام عسكري متماسك داخلياً. نتيجةً لذلك، يصبح الانتقال إلى الاستقرار في السودان أكثر صعوبة، ويظل السودان محصوراً في دائرة مغلقة من الانقسامات، مما يعطل أي محاولة جادة لإقامة دولة قائمة على الوحدة وذات استقرار نسبي.

تأثيرات مزدوجة على المجتمع السوداني

وفي ظل هذا الواقع، يجد المواطنون السودانيون أنفسهم في وضع مأساوي. بينما تسلب قوات الدعم السريع الاستقرار من الحاضر، تضمن قيادة الجيش والإسلاميون مستقبلاً مليئاً بالتشظي والانقسامات. هذا الصراع المتبادل يهدد المجتمع السوداني بأكمله، ويمنع أي تقدم حقيقي نحو بناء دولة تحترم مواطنيها وتسعى لتحقيق تطلعاتهم. وبدلاً من أن يكون الجيل الجديد حاملاً لراية النهوض بالوطن، يجد نفسه ضحية لصراع لم يختاره، مما يدفعه إلى الهجرة أو الانخراط في نزاعات لا دخل له فيها. في ظل هذا الوضع، يتم تهميش قطاعات التعليم والرعاية الصحية والتنمية الاقتصادية، فتُترك الأجيال القادمة دون أي أساس قوي لبناء سودان مستقر وربما لا وجود للسودان الذي نعرفه حاليا.

ما يواجهه السودان اليوم هو أزمة وجودية تتطلب تدخلات حاسمة من أجل إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس قومية موحدة، بعيداً عن النزعات القبلية والتحالفات المؤقتة. الحلول قد تكون بعيدة المنال حالياً، لكنها تبدأ بوعي المجتمع السوداني بمخاطر هذه السياسات والسعي للوحدة الوطنية، إضافة إلى ضغط المجتمع الدولي لدعم السودان في سعيه لتحقيق السلام والاستقرار.

mkaawadalla@yahoo.com

محمد خالد  

مقالات مشابهة

  • الدعم السريع يستعد لهجوم كبير على شمال دارفور
  • رفض اتفاقية الحكم الذاتي ثم شارك في الانتخابات التي أجريت بموجبها (3- 15)
  • «القاهرة الإخبارية»: الدعم السريع يستهدف قرى شرق جزيرة السودان
  • السودان: قيادي أهلي يكشف عن «هجوم ضخم» من الدعم السريع على الفاشر
  • اتهامات للدعم السريع بالتحضير لهجوم على شمال دارفور
  • بعد حصار الدعم السريع ... 79 قتيلا بولاية الجزيرة السودانية
  • النازيون السمر.. الدعم السريع وهولوكوست التوحش في السودان
  • الدعم السريع يدمر حاضر السودانيين وقادة الجيش والإسلاميون يدمرون مستقبلهم
  • ياسر العطا يكشف تفاصيل عن مخطط حميدتي لحكم السودان وحجم قواته والانقلاب على البشير وينقل بشريات بشأن القتال
  • اتهممها تسليح الدعم السريع..السودان يشكو تشاد لدى الاتحاد الإفريقي