منير أديب يكتب: المأزق الأمريكي في غزة
تاريخ النشر: 12th, January 2024 GMT
مائة يوم مرت على الحرب الإسرائيلية في غزة، تلك التي ورطت فيها تل أبيب واشنطن، فلا أوقفت إسرائيل هذه الحرب ولا نجت أمريكا من الفخ الإسرائيلي، خاصة وأنّ الأخيرة كانت تبحث عن شريك في الحرب وليس مجرد داعم.
دعم واشنطن لتل أبيب في الحرب الحالية سوف يُكلفها تبعات تدفع ضريبتها حاليًا ومستقبلًا، فضلًا عن الضريبة التي تدفعها إسرائيل يومًا بعد الآخر خاصة وأنها مازالت مستمرة في الحرب رغم خسائرها العسكرية والبشرية والإستراتيجية والدبلوماسية أيضًا.
باتت القوات الأمريكية هدفًا في منطقة الشرق الأوسط وتحديدًا في العراق، بل طالبت الأخيرة برحيل قوات التحالف الدولي عن أراضيها فكان التصريح الأمريكي بأنه لا تفاوض على خروج القوات وقت الصراع، بل بات البحر الأحمر منطقة نزاع وحرب حتى بعد أنّ تحركت البوارج الأمريكية لحماية مياهه.
الضربة الأمريكية البريطانية لـ ميناء ومدينة الحديدة هو دليل على المأزق الأمريكي الذي لم يجد بدًا غير المواجهة العسكرية، وما سوف يستتبعها من رد ورد مقابل، وهو ما لا تُريده واشنطن ولكنها أجبرت عليه.
وهنا يبدو المأزق الأمريكي، حيث شعرت واشنطن مؤخرًا أنّ ضريبة دعم إسرائيل ذات تكلفة باظه وأنها ما عادت قادرة عليها، خاصة وأنها أدركت منذ اللحظة الأولى أنّ أهداف حليفتها المعلنه من القضاء على حماس ثم تفكيكها وتحرير الإسرى الإسرائيليين يبدو أمرًا صعبًا للغاية.
فتورطت أمريكا في الحرب الإسرائيلية، صحيح كانت تُريد الأخيرة أنّ تدخل واشنطن الحرب بنفسها حتى يصبح موقف تل أبيب العسكري أفضل حالًا مما هو عليه الآن، ولكن الدعم الذي قدمته واشنطن ومازالت لإسرائيل جعلها شريكًا وليس مجرد دعم.
فصورة واشنطن في العالم العربي حاليًا لا تقل عن صورتها في العام 2003 وما بعد عندما أحتلت العراق، بل أسوأ وهذه تكلفة كبيرة تدفعها واشنطن حاليًا، فضلًا عن التهجم عليها واحتمال تهديد مصالحها في المنطقة بصورة أكبر، ولعلها تسير في نفس الطريق الذي سارت فيها فرنسا فخرجت من وسط وغرب أفريقيا في العام 20023، على خلفية الانقلابات العسكرية الأخيرة هناك.
وهذا يقودنا إلى نقطة مهمة تتعلق بجهود مكافحة الإرهاب التي تأثرت كثيرًا؛ فلا شك أنّ دخول واشنطن الحرب في شرق أوروبا وتحديدًا في أوكرانيا قبل عام ونصف ثم الحرب في الشرق الأوسط وتحديدًا في فلسطين أثر على دورها في مكافحة الإرهاب، وهو ما سوف تستفيد منه جماعات العنف والتطرف عابرة الحدود والقارات.
لا شك أنّ الرئيس الأمريكي جو بايدن خسر معركته الإنتخابية القادمة بسبب موقفة من دعم إسرائيل بالصورة التي شاهدها الأمريكان؛ نجاح بايدن مرتبط بضعف المرشح المنافس أمامة، فالرجل خسر شعبيته وبات في أضعف حالاته، خاصة وأنّ عدد كبير من الدبلوماسيين الأمريكان أعلنوا رفضهم وتمردهم على السياسة الأمريكية في العراق.
وربما وجدنا هتافات مناهضة في وجه جو بايدن بسبب دعمه لإسرائيل، وعبارات من عينة أوقفوا الحرب في غزة وأخرى قد تصفه بالسفاح؛ فشلت واشنطن في اقناع إسرائيل في أنّ تستمع لصوت العقل بينما أرادت الأخيرة أنّ تنتصر لنفسها أو أنّ تحقق أي انتصار فورطت واشنطن معها في الحرب ولم يحققا كل منهما أيًا من أهدافهما بعد المائة الأولى للحرب.
أمريكا دخلت مستنقع الشرق الأوسط من جديد ولعلها لا تُريد أنّ تخرج، سبق ودخلته باحتلالها للعراق وخرجت منه تلملم أذياع الهزيمة بعد سنوات من الاحتلال، ونفس الشيء في أفغانستان، ولعلها تورطت في فلسطين الآن، صحيح هي لم تدخل بقواتها العسكرية على غرار العراق وأفغانستان، ولكنها باتت الآن في مرمى الأهداف على الأقل في البحر الأحمر.
لم تنتهي الحرب في غزة ولا أحد يُدرك على أي صورة سوف تنتهي ومازالت كل السيناريوهات مطروحه ولا توجد رؤية واضحه تتعلق بوقف آلة الحرب ولا بترميم أمريكا لعلاقاتها في منقطة الشرق الأوسط، خاصة وأنّ تل أبيب ترفض النصائح الأمريكية التي تتعلق بضرورة السير في طريق حل الدولتين.
واشنطن تبذل قصارى جهدها في الحفاظ على أمن إسرائيل عبر مقترحات حل الدولتين وطلب وقف إطلاق النّار، خاصة وأنها مدركه بأنّ تل أبيب لن تستطيع أنّ تحقق في حربها الحالية أي انجازات غير مزيد من الخسائر العسكرية والبشرية والأهم الخسارة الإستراتيجية.
وهنا يبدو المأزق الأمريكي ممثلًا في الدعم المتواصل لإسرائيل على مدار مائة يوم، فضلًا عن فشل واشنطن في اقناع تل أبيب بإنهاء الحرب أو حتى إقامة الدولة الفلسطينية من أجل حماية إسرائيل، ويُضاف لهذا وذاك المأزق الذي سوف يعيشه العالم مستقبلًا بتنامي جماعات العنف والتطرف على خلفية هذه الحرب.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: منير أديب واشنطن اتفاق الحديدة اليمن الحوثي الضربات الأمريكية البريطانية الشرق الأوسط فی الحرب الحرب فی تل أبیب فی غزة
إقرأ أيضاً:
أمريكا تعترف بفشل حملتها على اليمن: صنعاء تفرض معادلة الردع البحري وتربك الاستراتيجيات العسكرية الأمريكية
يمانيون../
رغم الاستعراض العسكري الواسع خلال ولاية ترامب الثانية، أقرّت الولايات المتحدة بفشل حملتها على اليمن، في ظل استمرار وتعاظم الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة التي تنفذها القوات المسلحة اليمنية ضد كيان الاحتلال الصهيوني ومصالح واشنطن في البحر الأحمر، وتعثّرها في تأمين ممرات التجارة الدولية رغم الكلفة العسكرية الهائلة.
وأكدت مجلتا “فورين بوليسي” و”معهد واشنطن للدراسات” في تقريرين منفصلين أن اليمن بات يشكل تهديداً نوعياً على الهيمنة البحرية الأمريكية، ويقوّض فعالية الإنفاق الدفاعي الهائل الذي بذلته وزارة الدفاع دون تحقيق أهداف ملموسة.
مجلة فورين بوليسي وصفت العمليات الأمريكية في اليمن بأنها “نزيف عسكري بلا إنجاز”، مشيرة إلى أن الأهداف التي أعلنتها واشنطن، وعلى رأسها تأمين الملاحة البحرية وردع الهجمات، لم تتحقق، بل تصاعدت عمليات صنعاء التي استهدفت السفن الأمريكية و”الإسرائيلية” في البحر الأحمر، ما أدى إلى شلل شبه تام لحركة السفن عبر هذا الممر الحيوي.
كما انتقدت المجلة غياب الشفافية العسكرية الأمريكية، حيث تفتقر العمليات إلى بيانات رسمية واضحة، وتُختزل التغطية الإعلامية بفيديوهات دعائية. وأشارت إلى أن الهجمات اليمنية استخدمت ذخائر موجهة تستهلك قدرات بحرية “محدودة أصلاً”، بحسب وصف خبراء عسكريين.
من جهته، حذّر تقرير أعده المقدم في القوات الجوية الأمريكية “جيمس إي. شيبارد” لصالح معهد واشنطن، من أن الحصار البحري الذي تفرضه صنعاء بات يهدد ليس فقط التجارة العالمية بل كذلك قدرة واشنطن على التحرك السريع عسكرياً في مناطق النزاع، مؤكداً أن مضيق باب المندب يُعد أحد أهم الشرايين الحيوية للوجستيات العالمية والعسكرية، حيث تمر عبره سلع تتجاوز قيمتها التريليون دولار سنويًا.
ووفقاً للتقرير، أجبرت هجمات القوات اليمنية شركات الشحن العالمية على تجنب البحر الأحمر وسلوك طريق رأس الرجاء الصالح، وهو مسار أطول بـ15 يومًا وأكثر كلفة بمليون دولار إضافي لكل رحلة، ما يمثل ضغطاً هائلًا على سلسلة الإمدادات الدولية.
ورغم محاولات واشنطن لفرض الحماية على سفنها، فإن بعض السفن تعرضت لهجمات رغم وجود مرافقة عسكرية، ما كشف ضعف الردع الأمريكي في المنطقة. واعتبر التقرير أن هذه التطورات تتطلب “إعادة صياغة العقيدة البحرية الأمريكية”، إذ إن تعطيل النقل البحري يهدد فعليًا القدرات الأمريكية على الاستجابة الطارئة وإعادة التموضع الاستراتيجي.
واعتبر التقرير أن صنعاء، ورغم غياب حاملات الطائرات أو الأساطيل العملاقة، قد نجحت في فرض معادلة ردع دقيقة وفعالة، أربكت المخططين العسكريين الأمريكيين وأجبرتهم على مراجعة الخيارات التكتيكية واللوجستية.
وتوقع التقرير استمرار الهجمات اليمنية باستخدام الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية، ليس فقط في البحر الأحمر، بل لتمتد إلى بحر العرب وشمال المحيط الهندي، مع احتمال توسع الأهداف لتشمل الممرات البديلة التي تحاول واشنطن الاعتماد عليها.
وفي محاولة للحد من تأثير الهجمات اليمنية، اقترحت شبكة النقل عبر الجزيرة العربية (TAN) التابعة للبنتاغون إنشاء 300 منشأة لوجستية – تشمل مطارات وموانئ ومراكز برية – لتسهيل نقل البضائع خارج باب المندب، مشيرة إلى إمكانية نقل الحمولات عبر ميناء جدة أو ممر بري يربط ميناء حيفا في الكيان الصهيوني بالخليج العربي مروراً بالأردن والسعودية والبحرين.
ورغم ما يبدو من بدائل، إلا أن التقارير الأمريكية نفسها تحذر من أن هذه الخيارات مكلفة ومعقدة، وتقع هي الأخرى في نطاق نيران القوات اليمنية، ما يعقّد قدرة واشنطن على تنفيذ استراتيجيتها البحرية في المنطقة، ويجعلها عرضة لردود فعل غير تقليدية من صنعاء، التي تُدير المعركة بإيقاع منضبط يدمج بين السياسة والتكتيك العسكري بفعالية غير مسبوقة.