تبدو علامات القلق واضحة للغاية على الأوساط الإسرائيلية من احتمال إدانة تل أبيب خلال مداولات محكمة العدل الدولية، وما قد يترتب عليها من تداعيات دولية مُضرة.

وأمس الخميس، بدأت المحكمة، ومقرها في مدينة لاهاي بهولندا، النظر في طلب من جنوب أفريقيا تتهم فيه إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

ومن بين التداعيات التي تخشاها إسرائيل من احتمال إدانتها في محكمة العدل الدولية:

أن تمهد أي إدانة لها في محكمة العدل لمحاكمة قادة ومسؤولين إسرائيليين أمام المحكمة الجنائية الدولية (في لاهاي أيضا). الإضرار بمكانتها الدولية. خلق رأي عام دولي مناهض لها. زيادة المقاطعة الدولية لها. الامتناع عن تزويدها بأسلحة. فرض عقوبات عسكرية واقتصادية عليها. قطع علاقات سياسية واقتصادية معها.

دولة منبوذة

وقال معهد "ديمقراطية إسرائيل" (خاص)، الأربعاء، إن "قضية جنوب أفريقيا تمثل تحديا كبيرا لإسرائيل، وتتعامل معه تل أبيب بجدية، وتستثمر موارد قانونية ومالية كبيرة في القضية".

وأشار المعهد البحثي إلى أنه "يجب على إسرائيل أن تتصرف بقوة أكبر ضد الدعوات التي تطلقها شخصيات عامة (إسرائيلية) من وقت إلى آخر، ويمكن تفسيرها حرفيا على أنها دعوات للإبادة الجماعية".

واعتبر المعهد أن "طلب جنوب أفريقيا جزء من الجهود المستمرة التي يبذلها الفلسطينيون والعديد من الدول لجعل إسرائيل دولة منبوذة".

وأوضح أن "خسارة القضية يمكن أن تضع إسرائيل في موقف إشكالي للغاية على الساحة الدولية.. والمحكمة تتمتع بسلطة إصدار "تدابير (أوامر) مؤقتة" في الحالات العاجلة، وقد تكون هذه التدابير غامضة إلى حد ما".

وكمثال على ذلك احتمال "إصدار المحكمة أمرا لإسرائيل بعدم ارتكاب جرائم إبادة جماعية، أو بوقف إطلاق النار فورا أو السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة بشكل غير محدود"، بحسب المعهد.

وقال المعهد إنه "يبدو أن التركيز الرئيسي لإسرائيل ينصب على ضمان عدم النظر إلى الإجراءات التي تتخذها المحكمة على أنها تدخل في المجهود الحربي في غزة".

ولفت إلى أنه "ليس لدى المحكمة قوة شرطة أو عسكرية لتنفيذ أحكامها، إلا أنه إذا انتهكت إسرائيل أوامر أو أحكام المحكمة، فستنظر إليها دول عديدة من منظور سلبي للغاية، مما سيُضر بمكانة إسرائيل في الساحة الدولية، وقد تمتنع دول عديدة عن بيع أسلحة لها".

كرة ثلج خطيرة

من جهتها، قالت صحيفة "إسرائيل هايوم" إن "المحكمة تستمتع إلى الالتماسات أمام لجنة كاملة مكونة من 15 قاضيا من مختلف البلدان، وجلسات الاستماع تستمر لسنوات، لكن جنوب أفريقيا طلبت أيضا تدابير مؤقتة (لحين البت في القضية)، أي إصدار أمر لإسرائيل بوقف القتال فورا"، بحسب تقرير الثلاثاء.

ورأت الصحيفة أن "فرص نجاح مثل هذا الطلب غير واضحة، ويمكن للمحكمة أيضا أن تصدر تدبيرا أكثر تساهلا تأمر إسرائيل بوقف الأعمال التي تعرض المدنيين للخطر، وهو يحمل المعنى نفسه".

وأشارت الصحيفة إلى أن أمرا كهذا "ليس له تأثير مباشر على إسرائيل، إلا أنه قد يدفع بعض الدول إلى الاستشهاد به في مجلس الأمن في جهودها لفرض عقوبات عسكرية واقتصادية على إسرائيل".

ولفتت إلى أنه من المحتمل أيضا "أن تنظر إليه دول ومنظمات مختلفة على أنه تأكيد على أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، وتستخدمها كذريعة لقطع العلاقات السياسية والاقتصادية".

كما وصفت الأمر بأنه "مثل كرة ثلج خطيرة"، محذرة من أن"أعداء إسرائيل سيستغلونها بالتأكيد في وسائل الإعلام المختلفة والجامعات لخلق رأي عام مناهض لها".

واعتبرت الصحيفة أن "مثل هذا الضغط يمكن أن يؤثر حتى على إدارة (الرئيس الأمريكي جو بايدن الداعم لتل أبيب في عدوانها على غزة) إلى درجة أنها قد تقيد مبيعات أنظمة الأسلحة لإسرائيل".

وأوضحت أنه يمكن أن يؤدي هذا الضغط "إلى إجراء تحقيق في المحكمة الجنائية الدولية ربما يُتوج بمحاكمة القادة الإسرائيليين وضباط الجيش الذين شاركوا بالحرب".

تشن إسرائيل عدوانا على غزة منذ 98 يوما خلف أكثر من 23 ألف شهيد معظمهم أطفال ونساء (غيتي) مقاطعة وعقوبات

أما صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، فرأت أن المحكمة لا تتمتع بصلاحيات تنفيذية، "إلا أن إجراء مثل الأمر بوقف الحرب فورا، من شأنه أن يُثبت أن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية، مما يتسبب في عزلتها ومقاطعتها وفرض عقوبات عليها أو ضد الشركات الإسرائيلية".

وأضافت الصحيفة أنه "يمكن للإجراءات غير الرسمية في المحكمة أن تؤثر على الإجراءات في المحكمة الجنائية، فإذا تقرر في محكمة العدل أن إسرائيل ترتكب أعمالا تشكل إبادة جماعية، فيمكن للمدعي العام في المحكمة الجنائية النظر في اتخاذ خطوات ضد كبار المسؤولين الإسرائيليين لتورطهم في هذه الأعمال".

وأشارت هآرتس إلى أنه إذا أمرت المحكمة بوقف إطلاق النار في غزة، فإن "أمر المحكمة يُلزم إسرائيل من ناحية قانونية، باعتبارها دولة موقعة على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها".

واستدركت "ولكن يمكن لإسرائيل أيضا أن تقرر عدم تنفيذ الأمر (المؤقت) أو الادعاء بأن الخطوات المطلوبة ليست ذات صلة".

وشددت هآرتس على أنه في هذه الحالة "ستكون الدول الأخرى مسؤولة عن اتخاذ إجراءات خاصة بها ضد إسرائيل، على المستوى الدولي".

ويشن الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عدوانا على غزة خلّف أكثر من 23 ألف شهيد و59 ألفا و410 جرحى، معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقا لسلطات القطاع والأمم المتحدة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: المحکمة الجنائیة جنوب أفریقیا إبادة جماعیة محکمة العدل فی المحکمة إلى أنه على أنه إلى أن على أن

إقرأ أيضاً:

المحكمة الجنائية الدولية تؤكد على استمرار تحقيقاتها في الجرائم ضد الإنسانية دون تراجع

 

في خطوة لافتة، دانت رئيسة المحكمة الجنائية الدولية، اليابانية توموكو أكاني، خلال خطاب ألقته في الاجتماع السنوي للدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، الضغوط السياسية والتهديدات التي تعرضت لها المحكمة في الآونة الأخيرة.

وفي سياق حديثها، أبدت أكاني قلقها البالغ من التعاملات المستمرة مع المحكمة من قبل بعض القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي وصفت المحكمة بأنها "منظمة إرهابية"، في إشارة إلى التصريحات السلبية والتدخلات التي تعرقل عمل المحكمة.

تأتي هذه التصريحات في وقت حساس بعد إصدار المحكمة مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، حيث تواجه القيادة الإسرائيلية اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة.

هذه الخطوة من المحكمة الجنائية الدولية قد أثارت موجة من الانتقادات، ليس فقط من قبل إسرائيل، بل من بعض الدول الحليفة لها.

وفي تعبير عن موقف المحكمة الثابت تجاه محاولات تعطيل عملها، أكدت أكاني أن المحكمة لن تستسلم لأي تهديدات أو تدابير قسرية.

وقالت: "لن نرضخ للتدابير القسرية أو التهديدات أو التخريب. سنواصل سعيَنا لتحقيق العدالة والدفاع عن كرامة وحقوق ضحايا الفظائع دون خوف أو محاباة."

وأضافت أن المحكمة ستمضي قدمًا في عملها، مُشيرة إلى أن هناك حاجة ماسة لتعزيز التدابير الأمنية لحماية مسؤولي المحكمة من التهديدات المتزايدة.

وقد لفتت رئيسة المحكمة الجنائية الدولية إلى أن المحكمة قد اجتذبت في الآونة الأخيرة اهتمامًا سياسيًا متزايدًا، خاصة في ظل القضايا الحساسة التي تتعامل معها، سواء تعلق الأمر بالجرائم في غزة أو حتى القضايا الأخرى التي تمس القادة والسياسات العالمية.

وفي هذا السياق، أعربت عن استنكارها للجهود التي تهدف إلى تسييس المحكمة، بما في ذلك التهديدات التي تضمن فرض عقوبات اقتصادية قاسية، وتحديدا من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، التي تعهدت سابقًا باتخاذ خطوات للضغط على المحكمة ومنعها من ممارسة عملها بحرية واستقلالية.

لا شك أن هذه التصريحات تأتي في وقت بالغ الأهمية للمحكمة الجنائية الدولية، التي أصبحت محط أنظار العالم في الآونة الأخيرة بعد إصدار مذكرات اعتقال بحق عدد من الشخصيات البارزة، منها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والمفوضة الروسية لحقوق الطفل ماريا لفوفا-بيلوفا، وذلك بتهم تتعلق بترحيل الأطفال الأوكرانيين قسرًا إلى الأراضي الروسية، وهي خطوة اعتبرها المجتمع الدولي جريمة حرب.

من جانب آخر، تبدو المحكمة الجنائية الدولية في موقف حساس وسط التوترات السياسية المتزايدة على الساحة الدولية، حيث تمثل مواقف بعض الدول الكبرى تحديًا خطيرًا لقدرة المحكمة على العمل بشكل مستقل، مما يثير أسئلة حول دورها في النظام الدولي المستقبلي.

في هذا السياق، ترى أكاني أن المحكمة يجب أن تظل محايدة في عملها، وأن تواصل القيام بدورها في محاكمة مرتكبي الجرائم الدولية، بغض النظر عن الضغوطات السياسية التي قد تمارس عليها.

وفي النهاية، يبدو أن المحكمة الجنائية الدولية ستواصل التصدي لمحاولات التأثير عليها من قبل القوى الكبرى، على الرغم من المخاطر التي تواجهها في ظل الضغوط السياسية والتهديدات التي قد تعرض استقلالها للخطر.

مقالات مشابهة

  • خبير: الحرب في قطاع غزة وصلت إلى مرحلة لا يمكن السكوت عليها
  • المحكمة الجنائية الدولية تؤكد على استمرار تحقيقاتها في الجرائم ضد الإنسانية دون تراجع
  • في مواجهة موسكو وواشنطن…رئيسة “الجنائية الدولية”: وجود المحكمة في خطر
  • الجنائية الدولية: الضغوط تهدد وجود المحكمة واستقلالها
  • رئيسة الجنائية الدولية تقر بهجمات على المحكمة تهدد وجودها
  • رئيس المحكمة الجنائية الدولية تشن هجومًا عنيفًا على أمريكا وإسرائيل
  • مسؤولون أمنيون إسرائيليون: الأحداث في سوريا يمكن أن تساعد على المدى القصير في إحلال الهدوء على الحدود الشمالية لإسرائيل
  • القمة الخليجية.. تنديد بالإبادة الجماعية في غزة ومطالبة بوقف النار
  • القمة الخليجية الـ45 تندد بالإبادة الجماعية في غزة وتبحث التحديات الإقليمية والعالمية
  • بعد رفض استئناف إسرائيل.. هل يمكن أن تؤثر الضغوط الدولية على مذكرة اعتقال نتنياهو؟