نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا لمحرر الشؤون العالمية، جوليان بورجر، قال فيه إنه "وبعد مرور شهر واحد فقط على الذكرى السنوية الخامسة والسبعين لإقرارها، ربما تدخل اتفاقية الإبادة الجماعية عصرا جديدا ذا أهمية أكبر مع انعقاد محكمة العدل الدولية في لاهاي للنظر في الحرب بين إسرائيل وغزة".

وأشار في المقال الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "جنوب أفريقيا رفعت قضية أمام محكمة العدل الدولية تتهم فيها "إسرائيل" بارتكاب جرائم إبادة جماعية في ردها العسكري على الهجوم الذي شنته حركة حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر وأدى إلى مقتل مئات المدنيين الإسرائيليين.

وتتضمن دعوى جنوب أفريقيا إشارات إلى استخدام إسرائيل للقصف الشامل وقطع إمدادات الغذاء والمياه والدواء عن غزة".

وجاء في الدعوى أن "كل هذه الأفعال تُنسب إلى إسرائيل، التي فشلت في منع الإبادة الجماعية وترتكب إبادة جماعية في انتهاك واضح لاتفاقية الإبادة الجماعية".

ولفت المقال إلى أن دولة الاحتلال "أعربت عن تصميمها على الرد على الاتهامات التي رفضتها تل أبيب وواشنطن ووصفتها بأنها لا أساس لها من الصحة. قد يستغرق الأمر سنوات من المحكمة لإصدار حكم، لكنها يمكنها أيضا إصدار تدابير مؤقتة تتطلب اتخاذ إجراءات، مثل وقف إطلاق النار، للتخفيف من خطر الإبادة الجماعية".

وقال إنه "من الممكن أن تتجاهل الحكومة الإسرائيلية هذه التدابير، ولكن القيام بذلك من شأنه أن يلحق ضررا هائلا بسمعة كل من إسرائيل وداعمتها الرئيسية، الولايات المتحدة، وخسارة نفوذهما على المسرح العالمي".


وأضاف أن "تدخل جنوب أفريقيا، الدولة التي لم تشارك في الحرب في غزة ولم تتضرر منها بشكل مباشر، نادر للغاية، لكنه ليس الأول. فكانت غامبيا قد استحدثت سابقة، عندما رفعت قضية على ميانمار في محكمة العدل الدولية في عام 2019 متهمة إياها بارتكاب إبادة جماعية ضد الروهينجا".

وفي عام 2021، فرضت المحكمة إجراءات مؤقتة على ميانمار، حيث طلبت من المجلس العسكري توجيه قواته بعدم ارتكاب إبادة جماعية، والحفاظ على جميع الأدلة ذات الصلة. وفي العام التالي، قررت لجنة قضاة محكمة العدل الدولية بأغلبية 15 صوتا مقابل صوت واحد (كان القاضي الصيني هو المنشق الوحيد) أن لغامبيا الحق في رفع القضية بموجب التزام الجميع المنصوص عليه في اتفاقية الإبادة الجماعية، ما يعني أنها واجب الدولة الفردية تجاه المجتمع الدولي ككل.

ونقل المقال عن سافيتا باونداي، المديرة التنفيذية للمركز العالمي لمسؤولية الحماية، وهي منظمة غير حكومية، قولها إن "قيام غامبيا بإحالة ميانمار إلى محكمة العدل الدولية بسبب انتهاكاتها بموجب التزامات اتفاقية الإبادة الجماعية فتح الباب أمام ما يحدث الآن في حالة رفع جنوب أفريقيا قضية على إسرائيل. وأعتقد أن هذه خطوة رائعة في معالجة مناخ الإفلات من العقاب الذي ساد لعقود من الزمن".

ولفت المقال إلى أنه قبل السابقة الغامبية، نادرا ما نظرت محكمة العدل الدولية في قضايا الإبادة الجماعية. وفي عام 2007، قضت المحكمة بأن صربيا فشلت في منع الإبادة الجماعية التي وقعت عام 1995 في سربرينيتسا في البوسنة والهرسك، وهي قضية رفع فيها الضحية دعوى على مرتكب الجريمة المزعوم إلى المحكمة، لكنها لم تحمل حتى الآن دولة مسؤولية ارتكاب الإبادة الجماعية. ولا تزال القضية التي رفعتها أوكرانيا ضد روسيا في شباط /فبراير 2022 مستمرة.

وذكر أنه تم إصدار إدانات الإبادة الجماعية من قبل محاكم أخرى، مثل محاكم جرائم الحرب في لاهاي لرواندا ويوغوسلافيا السابقة، والمحكمة الجنائية الدولية لها ولاية قضائية في قضايا الإبادة الجماعية، لكن تلك المحاكم تتابع محاكمة الأفراد وبعد وقوع الأحداث، بعد أن تم دفن القتلى.

وأشار الكاتب إلى أن محكمة العدل الدولية تحكم بشأن مسؤولية الدولة ويمكنها اتخاذ خطوات لمنع الإبادة الجماعية. من المؤكد أن الوقاية كانت الطموح وراء الاتفاقية في عام 1948 عندما اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في باريس، في أعقاب الحرب العالمية الثانية والمحرقة.

ويمكن القول إن هذه الاتفاقية كانت من عمل شخص واحد، وهو رافائيل ليمكين، المحامي اليهودي البولندي الذي لجأ إلى الولايات المتحدة من النازيين، أكثر من أي اتفاقية دولية أخرى. في عام 1944، صاغ ليمكين مصطلح "الإبادة الجماعية" لما أسماه ونستون تشرشل "جريمة بلا اسم"، وقضى سنوات ما بعد الحرب مباشرة في حملة ضغط فردية في الأمم المتحدة المشكلة حديثا، وفقا للمقال.

ولفت المقال إلى أن هذا النصر الشخصي شابه فشله في إقناع الكونغرس الأمريكي بالمصادقة على الاتفاقية، حيث رفض مجلس الشيوخ مجرد الاستماع إليه وهو يتحدث، وأثار اعتراضات مفادها أن مثل هذا القانون قد يترك الولايات المتحدة عرضة للملاحقات القضائية بسبب تدمير الأمريكيين الأصليين والفصل العنصري.


وقال إن ليمكين توفي عام 1959، فقيرا وكاد أن يُنسى. حضر سبعة أشخاص جنازته. لقد أنهى حياته بخيبة أمل لأنه رأى أن المصادقة أمر حيوي لنجاح الاتفاقية. ومن وجهة نظره، فإن الولايات المتحدة وحدها هي التي تمتلك القوة والمكانة الدولية اللازمة لفرض الاتفاقية وجعلها قاعدة عالمية.

وأضاف أن مجلس الشيوخ الأمريكي لم يصدق عليها حتى عام 1988، واحتاج الأمر إلى خطأ كبيرا لتحقيقه. فقبل ذلك بثلاث سنوات، كان رونالد ريغان قد حضر حفلا في مقبرة في بيتبورج بألمانيا، ولم يكتشف إلا لاحقا أن 49 عضوا من الجناح العسكري للحزب النازي (فافن إس إس) كانوا مدفونين هناك.

وذكر أن ريغان لم يكن في السابق مهتما بالضغط من أجل المصادقة على اتفاقية الإبادة الجماعية، لكن البيت الأبيض سارع إلى عكس مساره في محاولة لاستعادة ثقة اليهود الأميركيين. وتلقى محامي الحكومة الذي كان قد كتب ورقة تدعو إلى المصادقة، هارولد كوه، مكالمة عاجلة.

وقال كوه: "فجأة، طُلب مني أن أحمل نصيحتنا بشأن اتفاقية الإبادة الجماعية إلى البيت الأبيض حتى يتمكنوا من طرحها في ذلك اليوم. ذهبت هناك بسيارتي وخرج رجل يرتدي الزي العسكري وانتزع الورقة مني وقلت لنفسي: لماذا يرتدي هذا الرجل الزي العسكري إذا كان في مجلس الأمن القومي؟".

أوضح المقال أن الرجل الذي كان يرتدي الزي العسكري هو العقيد أوليفر نورث، الذي أدين لاحقا بجرائم تتعلق بفضيحة إيران-كونترا التي ربطت البيت الأبيض بمنتهكي حقوق الإنسان في كل من نيكاراغوا وإيران، ما جعل نورث تجسيدا لخطر النفاق الذي يواجه أي دولة تسعى إلى استخدام القانون الدولي الإنساني ضد الآخرين.

وعندما صادق مجلس الشيوخ على الاتفاقية، جعل أيضا الإبادة الجماعية جريمة بموجب القانون الأميركي، ولكنه أغلق الطريق إلى محكمة العدل الدولية. لقد حمّلت المصادقة محاذير نصت على أنه لا يمكن رفع دعوى قضائية ضد الولايات المتحدة دون موافقة حكومتها. وبموجب مبدأ المعاملة بالمثل، فإن أي دولة ترفعها إلى المحكمة يمكنها أن تطالب بنفس الحماية، وفقا لما أورده المقال.

وسلط المقال الضوء على قول ديفيد شيفر، الذي كان أول سفير أمريكي متجول لقضايا جرائم الحرب، إن "الدول الأخرى تمضي قدما في اتفاقية الإبادة الجماعية، لذا لا أعتقد أن الموقف الأمريكي بتحفظها ضار للغاية. إنه أمر مؤسف للغاية لأننا بحاجة إلى أن نكون قادرين على استخدام اتفاقية الإبادة الجماعية والمشاركة فيها كأداة قوية لإنفاذ القانون".


وأشار إلى أنه مثل الولايات المتحدة، كانت القوى الكبرى الأخرى مترددة في رفع دول أخرى إلى محكمة العدل الدولية خوفا من الملاحقة في المحكمة ذاتها أو مواجهة اتهامات بالنفاق.

وقال إن "هيومن رايتس ووتش" حاولت في عام 1994، إقناع الحكومات بإحالة العراق إلى المحكمة بتهمة القتل الجماعي للأكراد، لكن العواصم التي حاولت معها أرادت أن تتولى قوة أوروبية زمام المبادرة، ولم تكن أي دولة أوروبية مستعدة لذلك.

وأضاف أنه قد تم كسر هذا الجمود الآن عندما قررت غامبيا وجنوب أفريقيا أخذ زمام المبادرة. وحتى لو أصدرت محكمة العدل الدولية تدابير مؤقتة، فمن المحتمل أن تتجاهلها إسرائيل، لكن كيت فيرغسون، المؤسس المشارك لمجموعة "مقاربات الحماية" للدفاع عن حقوق الإنسان، أشارت إلى إن الجهود لن تذهب سدى.

وقالت: "هل سيكون ذلك كافيا لوقف موجة الجرائم الفظيعة؟  لا، بالطبع لا. ولكن إذا تمكنت المزيد من الدول من الوقوف والوفاء بالتزاماتها بموجب الاتفاقية، فلن يكون هذا إلا أمرا جيدا"، وفقا للمقال.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الإبادة الجماعية العدل الدولية جنوب أفريقيا غزة الاحتلال غزة جنوب أفريقيا الاحتلال الإبادة الجماعية العدل الدولية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة اتفاقیة الإبادة الجماعیة محکمة العدل الدولیة الولایات المتحدة إبادة جماعیة جنوب أفریقیا فی عام إلى أن

إقرأ أيضاً:

إندونيسيا تجدد دعوتها لضم فلسطين عضوا كاملا بالأمم المتحدة

إندونيسيا – جددت وزيرة الخارجية الإندونيسية ريتنو مارسودي، دعوة بلادها إلى دعم العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة.

جاء ذلك في لقائها امس الخميس، مع لجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، بحسب منشور لها على منصة إكس.

وقالت مارسودي: “أجرينا نقاشا مثمرا حول تقديم الدعم الدولي لفلسطين وتنفيذ حل الدولتين (فلسطينية وإسرائيلية) من خلال عمل اللجنة الأممية”.

وأكدت الوزيرة على ضرورة تقديم المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى فلسطين.

وشدت على ضرورة “إنهاء إسرائيل احتلالها غير القانوني ومستوطناتها، ودعم العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة”.

وتتمتع فلسطين بوضع “دولة غير عضو” لها صفة المراقب بالأمم المتحدة، بعد قرار اعتمدته الجمعية العامة بأغلبية كبيرة في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2012.

وفي 10 مايو/ أيار صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح مشروع قرار يدعم طلب فلسطين الحصول على عضوية كاملة بالأمم المتحدة.

ومنذ 9 أشهر تشن إسرائيل حربا مدمرة على غزة بدعم أمريكي مطلق، خلفت أكثر من 125 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، ما أدخل تل أبيب في عزلة دولية وتسبب بملاحقتها قضائيا أمام محكمة العدل الدولية.

وتواصل إسرائيل حربها رغم قرارين من مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية، وتحسين الوضع الإنساني المزري في غزة.

 

الأناضول

مقالات مشابهة

  • الأورومتوسطي: آلاف جثامين شهود جريمة الإبادة الجماعية الإسرائيلية تحت الأنقاض في غزة
  • وصول 13 طبيبا جزائريا إلى غزة .. هذه شهاداتهم (شاهد)
  • إندونيسيا تجدد دعوتها لضم فلسطين عضوا كاملا بالأمم المتحدة
  • الخارجية الإسبانية: انضممنا إلى دعوة جنوب إفريقيا وعلى الدول الأوروبية دعم محكمة العدل الدولية
  • اليمن تترأس اجتماعا طارئا في الجامعة العربية خرج بعدة قرارات
  • انطلاق أعمال الاجتماع الطارئ للجامعة العربية لبحث سياسة مواجهة جرائم الاحتلال
  • انطلاق أعمال الاجتماع الطارئ للجامعة العربية لبحث جرائم الاحتلال
  • حكومة حزب العمال على خطى دعم الإبادة أم دعم وقفها؟
  • من الأعمال التجسسية إلى التسليح.. بريطانيا ضالعة في الإبادة الجماعية بغزة
  • لليوم الـ 272 .. إسرائيل تواصل حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة