تنتشر على شبكة التواصل الاجتماعي رؤى وتحليلات تجد مصداقا لها في الواقع، سواء كان عفويا أو تصرفا فرديا من جماعة منسجمة تعمل على أجندات واستراتيجيات، ومثل تلك الحوادث العرضية تحتاج إلى يقظة، وتفاعل يومي يقوم بتصحيح الموقف والمسار، لأن الموضوع يكون ملتبسا ومظنة ريبة وشك، فالنوايا لا يمكن القياس عليها، ولذلك لم يحدد الرسول عليه الصلاة والسلام موقفا من المنافقين، خوف أن يقع في الظلم أو في منزله من منازله، بل ترك الأمر لليقظة في التفاعل، وكانت السماء حاضرة في بيان الموقف في القضايا التي يصعب بيانها، أما اليوم فالأمر يختلف اختلافا كبيرا من حيث الفارق الحضاري والثقافي، ولذلك فالقول باليقظة لتصحيح المسارات وبيان الموقف من جل الحركات والتفاعلات والحد من الظواهر التي تنشأ، سواء كانت بحسن من ظاهر النوايا أو بسوء منها فالأمر سيان .
لا يكفي أن نكون غير راضين عن بعض التصرفات أو جلها، لكن المسارعة في بيان الموقف منها هو الفيصل في الحد منها أو التغلب على مقاصدها التي لا تضمر خيرا، وإن كان ظاهر أمرها خلاف باطنه، فالأثر والنتائج هي القياس، وندع النوايا فحسابها على الله، لأننا لا بد من أن نحسن الظن حتى نجد يقينا واضحا يقيم الحجة ولا يدع المرتاب إلا على قلق المضطرب وإحساس المذنب في حق الله والمسلمين .
طبيعة التموج السياسي أنه يحاول أن يزرع المعوقات في الطرق والمنعطفات ولذلك فالهزائم التي لحقت بالتحالف يتحمل وزرها في الإطار الوطني حزب الإصلاح، وهو في السياق نفسه يشعر بذلها وبمرارتها ولذلك يرى أن انتصاره يكمن في تفعيل كوادر شوقي القاضي – أقصد كوادر التنمية البشرية، إذ أنهم مؤهلون في السيطرة على الموجهات وتحديد المسارات – وقد بدأوا في الانتشار في شبكات التواصل الاجتماعي تحت مظلات مقالات الرأي وكتابة التحليلات وزرع المخاوف وإثارة سؤال المستقبل، وهم يضمرون من الأمر ما لا يظهرون ويجدون في نسيج الواقع الاجتماعي من يتعامل مع أسئلتهم بقدر من المسؤولية والقلق من الآخر، ومثل ذلك قد بدأت سماته تظهر في الكثير من التفاعلات التي لن تفضي في قابل الأيام إلا إلى التباين وشق الصف وهو ما لا نحمده وستكون البداية للانكسارات المتوالية التي يحسن حزب الإصلاح صناعتها ويعجز كل العجز عن البناء، فهو وفق طبيعته التاريخية لا يعيش إلا في البيئات الوطنية غير المستقرة التي يحسن النمو والتعامل مع طحالبها وقد دل تاريخه على ذلك، ولعل نظرة إلى عقد الستينات توحي بهذا التوجه فهو ضد الثورة ومعها في الآن نفسه، حتى يحدث حالة القلق والاضطراب ويتمكن من النمو، وقد اعترف بمثل ذلك قيادي بارز فيهم وهو عضو مجلس النواب محمد العديني في فيديو متناقل عبر وسائط التواصل الاجتماعي، وهو اليوم ضد التحالف ومعه بنفس السياسة القديمة / الجديدة، فيوما ضد الإمارات وحينا ضد السعودية وتصريحات متناقضة بين قادته لا هدف لها إلا بقاء الحال قلقا ومضطربا حتى يتغلب على خصومه الذين ينازعونه السيطرة على مقاليد الأمور في تعز ومارب والجوف وشبوة وحضرموت وفي عدن التي خرج منها مذموما مدحورا .
لا يمكن للإصلاح كحزب سياسي – يشكل امتدادا لحركة الإخوان المسلمين – أن يتناغم مع حركة المجتمع اليمني ولا مع امتداده الحضاري والثقافي والتاريخي، فالتباين والتضاد أصبح واضحا وجليا ولذلك فشل في مارب وفشل في عدن وفشل في تعز فشلا ذريعا وهي بيئات قد يجد فيها حواضن ذات تناغم وانسجام مع فكره وعقائده، فكيف به إذا خاض تجاربه وحيدا في صنعاء وذمار وحجة وصعدة وغيرها من المناطق التي لا تنسجم ولا تتناغم معه وهي محسوبة على العقيدة الزيدية؟ لا أظن الأمر سيكون محققا لأهدافه، ولذلك فهو يعي تلك الحقائق فيعمل على الاضطرابات الأمنية وتشكيل عصابات في الطرقات لتعطيل الخدمات، ويقوم بالاغتيالات والتفجيرات وصناعة الأحزمة الناسفة من أجل إرهاب خصومه وإخضاع المجتمع، فقد فعل ذلك في الماضي وفعله في زمن حكم المبادرة الخليجية وكان مسيطرا على القرار إلى ثورة 21سبتمبر 2014م، ونفذ نفس السيناريو بعد سيطرته على مارب وتعز وعدن وتحدث إعلامه عن حركة “الموتر سيكل” التي كانت تمارس حركة اغتيالات في صنعاء وانتقلت إلى مارب بذات الآلية بعد أن تمكن من السيطرة عليها، ومثل ذلك لم يعد خافيا على المتابع الحصيف للمشهد السياسي وتفاعل الإصلاح معه.
اليوم يقوم الإصلاح بتفكيك النسيج الاجتماعي عن طريق كوادر التنمية البشرية التي يقودها شوقي القاضي في الإطار الجغرافي الذي تسيطر عليه سلطة المجلس السياسي حتى يعيد إنتاج نفسه في المعادلة الوطنية، بعد أن وجد نفسه يتكبد الهزائم العسكرية والسياسية والثقافية والإعلامية .
هناك محاولات حثيثة لشق الصف الوطني عن طريق الحرب الناعمة التي تجد في التحليل مجالا لدس السم بين الدسم، أو من خلال فرض حالات غير واقعية في السلوكيات والتفاعلات اليومية، أو من خلال ترتيب نسق شللي يحاول أن يمارس أعمالا غير منسجمة مع المبادئ والقيم السماوية، أو إحداث الفرز الطائفي حتى تنفر الطبيعة السليمة وتنفصم النفوس ويحدث التشظي، أو زراعة الأوهام في الأذهان وبالتالي القيام بحركة تضييق لحريات المجتمع حتى يشعر بحالة الغليان وبالتالي الانفجار العظيم.
فالمحتوى الثقافي الرقمي الذي تشتغل عليه خلايا الإخوان العنقودية معد وفق رؤى واستراتيجيات استخبارية يتعامل معها الإخوان منذ عام 2007م أي زمن استراتيجية راند للإسلام المعتدل، وهو تعاون أصبح معلنا سواء عن طريق المذكرات أو التصريحات في الصراع على البيت الأبيض أو عن طريق المواقف والسياسات التي ينتهجها .
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
كيف تحولت العلاقة بين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده من تحالف فكري إلى خلاف سياسي؟
تعد العلاقة بين جمال الدين الأفغاني، والشيخ محمد عبده واحدة من أبرز التحالفات الفكرية في التاريخ الإسلامي الحديث، حيث جمعتهما رؤية إصلاحية تهدف إلى تجديد الفكر الإسلامي ومواجهة الاستعمار، لكنها انتهت بخلاف فكري وسياسي كبير.
ورغم الاختلاف الذي نشأ بينهما لاحقًا، فإن تأثيرهما المشترك لا يزال حاضرًا في الفكر الإسلامي حتى اليوم.
جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده
التقى الأفغاني وعبده لأول مرة في مصر خلال سبعينيات القرن التاسع عشر، حيث تأثر محمد عبده بشخصية الأفغاني وأفكاره الداعية إلى النهضة الإسلامية والوحدة بين المسلمين، وجد عبده في الأفغاني نموذجًا للمفكر الحر الذي يربط بين الإصلاح الديني والسياسي، بينما رأى الأفغاني في عبده تلميذًا نابهًا قادرًا على نشر أفكاره بين العلماء والمثقفين.
سرعان ما أصبح الاثنان من أبرز وجوه التيار الإصلاحي في مصر، وساهما معًا في إصدار صحيفة “العروة الوثقى”، التي كانت منبرًا لنشر أفكارهما حول مقاومة الاستعمار والدعوة للوحدة الإسلامية.
لكن رغم هذا التحالف القوي، بدأ الخلاف يدب بينهما بعد نفي الأفغاني من مصر عام 1879، إذ اتخذ كل منهما مسارًا مختلفًا.
ظل الأفغاني متمسكًا بالعمل السياسي الثوري ودعا إلى مواجهة الاستعمار بالقوة، بينما أصبح محمد عبده أكثر ميلًا إلى الإصلاح التدريجي، حيث رأى أن النهضة تبدأ من إصلاح التعليم والمؤسسات الدينية دون الدخول في صدام مباشر مع السلطات، هذا الاختلاف تجسد بوضوح عندما اختار الأفغاني المواجهة مع الخديوي توفيق والسلطان العثماني عبد الحميد الثاني، بينما فضل عبده التعاون مع السلطة لتحقيق الإصلاح من داخلها.
مع مرور الوقت، زاد التباعد بين الرجلين، وظهرت بينهما انتقادات متبادلة.
رأى الأفغاني أن نهج محمد عبده في الإصلاح كان بطيئًا وغير فعال، بينما اعتبر عبده أن أسلوب الأفغاني الثوري لم يكن عمليًا وقد يجر على المسلمين مزيدًا من الأزمات، رغم ذلك، لم ينكر أي منهما تأثير الآخر، وظلت أفكارهما متقاطعة في كثير من القضايا