خطاب مفتوح للأستاذة رشا عوض من مريم المهدي
تاريخ النشر: 12th, January 2024 GMT
الحبيبة الأستاذة رشا.. اطلعت على كلمتك (إلى من يهمه الأمر في حزب الأمة القومي) بتاريخ اليوم 11 يناير 2024م، ومفادها أن هناك “استراتيجية مخدومة بعناية لعزل حزب الأمة عن الاصطفاف مع القوى المدنية الديمقراطية وجرجرته إلى التكتل مع الجيش والمؤتمر الوطني وما يسمى بالكتلة الديمقراطية برعاية مصرية، بهدف إضعاف الصف المدني، ونزع مشروعيته الشعبية، وتقسيم حزب الأمة”، محذرة من تكرار ما حدث بعد نداء الوطن، وانشقاق مجموعة مبارك الفاضل بمساعدة الأجهزة الأمنية حينها وهو مخطط أفشله وجود الإمام عليه الرضوان كعاصم من تشتت الحزب، والآن فإن أي اتجاه شبيه سوف يمزق الحزب شذر مذر… وأقول، أولًا: انظر لاهتمامك بما يدور في الحزب الذي غادرته بإحسان كاهتمام مفهوم في إطار الهم الوطني فهو أكبر حزب سوداني بحسب آخر انتخابات ديمقراطية، والأكبر ضمن تكتل (تقدم) الذي يضم معه أحزابًا وكيانات أخرى لا تبلغ حجمه.
ثانيًا: أطمئنك بأنه لا توجد أي محاولة داخل حزب الأمة الآن للتكتل مع الجيش والمؤتمر الوطني والكتلة الديمقراطية برعاية مصرية أو بغيرها. ولا شك أنك وقعت فريسة تضليل معلوماتي، أو أنك قرأت بعض الآراء التي خطها بعض قادة الرأي في الحزب بعين أصابتها الكيزانوفوبيا في مقتل للمنطق مؤسف. والحقيقة هي أن الحزب إذا لم يتخذ موقفًا يطابق قراره بـ”ضرورة السعي للتوسط لوقف هذه الحرب اللعينة فورًا والتزام مسافة واحدة من طرفيها”، وإذا لم يفلح في تطوير موقف (تقدم) بصورة تبطل الانحياز الحالي للدعم السريع، فإن تقسيمه سوف يحدث لا محالة. العاصم الوحيد للحزب الآن ليس أن يسير خلف الدعم أو الجيش أو أي من الأجسام التي تدعم هذا أو ذاك، فقواعد الحزب الاجتماعية، وتياراته الداخلية موزعة في التعاطف بين الطرفين بصورة هيكلية، والحل الوحيد للحفاظ على وحدته هو هجران المواقف المنحازة وشق طريق ثالث توافقي يرضي الجميع.
ثالثًا: الآراء التي أزعجتك بصورة بالغة مثلها بقوة مقال د. عبد الرحمن الغالي الموسوم (قراءة أولية في إعلان أديس أبابا بين تقدم وقوات الدعم السريع ومقترح تطويره لحوار سوداني سوداني جامع)، فقد اطلعت على تعليقك في صفحته المنزعج من الفكرة الواردة فيه بضرورة جلوس الجميع بمن فيهم المؤتمر الوطني، لبحث أسس وقف الحرب اللعينة والاتفاق على سودان المستقبل. ثم مقالك أمس المعرّض بفكرته والمخطيء لها، ثم ها أنت تلحقين كل ذلك الشرر بهذه الرسالة في بريد حزب الأمة. وما ورد في المقال لا يتجاوز الحديث عن لقاء جامع لا يستثني أحدًا ولا يتحكم فيه أحد، ولا ينادي باصطفاف بديل لـ(تقدم) بل يخاطبها بضرورة تطوير خطوة اتفاق أديس أبابا نحو توافق سوداني شامل. والحقيقة أن الدعوة في المقال مطلوب وطني مهم وعاجل، إذا لم تتقدم تقدم نحوها فسوف يصنع الفراغ بدائله.
رابعًا: هذه الآراء التي ترفضينها تمليها ضمائر وقرائح صادقة في البحث عن حلول لمأساة وطن يذبح بأيدي فجرة متحاربين على جسده، ويمكن لمن أراد الاتفاق معها أو الاختلاف، لكن من الجور مقارنتها باختراق الحزب بأيدي المؤتمر الوطني عام 2000م. وقد عمل المؤتمر الوطني حينها بأمواله وآلة سلطته وصولجانه لتقسيم الحزب والتنكيل به لأنه رفض المشاركة في حكمه إلا عبر انتخابات حرة أو حكومة قومية تحقق الانتقال الديمقراطي. فالقياس بين الاتجاهين ليس مائلًا فقط، وكما تعلمين فإن القياس علم يتطلب أركانًا، كلها ساقطة الآن: فلا المال والصولجان الآن عند المؤتمر الوطني بل لا سلطة حقيقية حاليًا وقد دكت البلاد ومزقت، والسلطة المنظورة بحسب نتائج الحرب ربما آلت لابن حمدان لا للبرهان، والمال والصولجان منظور في كف الأول أكثر من الأخير. والموقف الذي يستبطنه المقال يشكل التنفيذ الأصدق لقرار الحزب المؤسسي، بينما كان الانسلاخ حينها رفضًا لقرار المؤسسة، ولا بيع ولا شراء ولا انحياز للديكتاتورية في الدعوة الحالية، بل محاولة حثيثة لرسم طريق لخلاص وطن يحتضر. يمكن ألا يوافقها من لا يراها صالحة، لكن المسارعة لتشبيهها بتلك السقطة الأخلاقية تعدٍ بالغ، وجور عظيم قبل أن يكون فقدان تام لأسس المنطق والقياس السليم. وغني عن القول إن القلم الذي تعرضين به وبأنه يساق خلف خطط أجنبية وصفه الإمام عليه الرضوان بأنه التالي بعده في كياننا الذي يدرك أبعاد القضايا سياسيًا ودينيًا، ولا أظنه يحتاج لشهادة منك أو غيرك عن مدى نزاهته وعفته، ولا نفاذ بصيرته ومعارضته أهواء النفس والتعالي على جراحاتها من أجل الوطن.
خامسًا: من المدهش أنك لا ترين في هذه الحرب ولا تسمعين سوى صوت الكيزان وأفعالهم، كأنك جزء من هذه الحرب التي شبت بين طرفين حقيقة كلاهما انقلابيان وخارج مظلة الديمقراطية بالأساس، وليس لديك لأي مخالف لرؤاك سوى دمغات الكوزنة والكوزنة المستترة والغفلة وغيرها، ولا مكان لأي اجتهادات تخالف اجتهاداتك أو قراءات تخالف قراءاتك سواء في قراءة أسباب الحرب ودوافع طرفيها الزنيمين، ولا في خطط الحلول للخروج من مستنقعها الآسن. والحقيقة أن السوء في هذه الحرب مقسم بين الطرفين، وكلاهما صائد وجه بندقيته على الشعب بصورة يصدق عليها تصوير حميد رحمه الله (صياد عن شمال وصياد عن يمين). فأنتِ لا ترين سوى صائدًا وحيدًا وكل من يشير للصورة الأعم يصير عندك في عداد الغافلين، أو ربما المشتركين في مؤامرة مصرية كيزانية، إلخ. وهل مصر وحدها التي تعبث الآن في السودان، ولماذا لا تفهمين انزعاج آخرين من تدخلات أخرى أشد ظهورًا سارت بذكرها ركبان الصحف والمجلات العالمية وكادت طائراتها التي تمد ابن دقلو أن تبلغ المائتين؟
سادسًا: هذا الاتجاه الأحادي والإقصائي حينما يصدر من شخص يتقلد مسؤولية مهمة في تحالف ينتظر أن يجمع القوى المدنية والديمقراطية لا أن يفتتها، يصير أمرًا مقلقًا جدًا، لأنك من حيث لا تشعرين تضعين العراقيل أمام وحدة القوى الديمقراطية بتنصيب اجتهادك ورؤيتك ومن يوافقك الرأي بوصلة وحيدة للسداد وللوطنية. فهل أنت الشخص الوحيد النزيه في السياسة السودانية وكل الآخرين معروضون في سوق النخاسة والعمالة الأجنبية؟ هذا التشنج موضع خطر عظيم جدًا على الأمة السودانية التي لا تحتاج الآن لمن ينمي الكراهية ويوزع التهم حتى بين حملة لواء الديمقراطية ويخونهم ويدمغهم، فقط لاختلاف الرأي والرؤية، بل تحتاج بلادنا لمن يمد يده ويوسع صدره حتى لأولئك الذين أشقونا وأوسعوا شعبنا ذمًا ومهانة (سواء أكان البرهان أو ابن حمدان). وكما كان الإمام الصادق عليه الرضوان يقول: “السياسي الذي لا يدرك مواطن الخطر يصير هو نفسه موطنًا للخطر.”
سابعًا وأخيرًا: أرجو أن تقبلي نقدي هذا ونقد الذين وجهوا لك السهام مؤخرًا بسبب الـ”نصف دقيقة” التي خففتِ الإدانة فيها للدعم السريع، وأعني أولئك الذين انتقدوك من داخل حوشك الديمقراطي، فلست معنية بسفاهات الكيزان ومشانقهم المنصوبة ولا بأكاذيبهم التي تعودنا عليها فـ”العيب لما يجي من أهل العيب ما ببقى عيب” كما في المثل. أما النقد الموجه من صفك الديمقراطي فأرجو أن تتقبليه على أنه مقياس للاهتمام ودليل على الاحترام، فكثير من الساسة المعروضين الآن في الأسواق لا يرفعون حاجب دهشة ولو قالوا إن الله مات!
والسلام.. مريم الصادق المنصورة ،،
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: المؤتمر الوطنی حزب الأمة هذه الحرب
إقرأ أيضاً:
المعارضة تفشل في مواجهة حزب الله: لا تسوية معه
يبدو أن قوى المعارضة تنتظر نهاية الحرب لتبدأ معركتها السياسية الداخلية بهدف تحصين وتحسين واقعها السياسي، علماً أن كانت لديها فرصة جدية في الأيام الأولى للمعركة للحصول على مُكتسبات أكبر في ظلّ الضربات التي تعرّض "حزب الله" والتي أضعفته لعدّة أيام.
لكن من الواضح أن المعارضة فشلت في الدخول في معركة سياسية مؤثّرة خلال الحرب، والأمر لا يعود حتماً الى أسباب مرتبطة بحسن النوايا، غير أن السرّ يكمن في المشاكل العضوية الجذرية التي تسيطر عليها وتقف عقبة في طريق أي حراك سياسي نافع سواء لجهة الاصطفافات النيابية أو لجهة التكتيك لإضعاف "حزب الله" وحلفائه.
ولعلّ أبرز العوامل التي أعاقت خُطط المعارضة، وبمعزل عن ما يظهر في وسائل الإعلام من خلال الحملات الضاغطة التي تؤشر الى نهاية "حزب الله" تماما، حيث اتجه البعض الى اعتبار أنّ لبنان بات يترقّب مرحلة جديدة خالية من "الحزب"، فإن المعارضة غير متوافقة في ما بينها ولا متطابقة في مجمل المواقف ولو ظهر الامر عكس ذلك، فلا مرشّح رئاسيا واحدا يجمعها ولا خطاب سياسيا يوحّدها أو حتى نظرة تكتيكية واستراتيجية للواقع اللبناني. لذلك فإنها لم تتمكن من أن تفرض نفسها في مواجهة "الحزب" أو الوصول الى تسوية معه مرتبطة بالقضايا الخلافية.
ثمة عامل آخر ساهم في تعقيد تنفيذ تصوّر المعارضة، ويتركّز في نقطة التفاف القوى الاسلامية حول "حزب الله"؛ إذ إنّ "الثنائي الشيعي" المتمثل "بحزب الله" و"حركة امل" لا يزالان توأمان برأس واحد لا ينفصلان، وكذلك القوى السنّية بغالبيتها العظمى التي تؤيد "الحزب" وتدعمه بعيداً عن بعض الخلافات غير المرتبطة بالمعركة الراهنة. وهذا أيضاً ينطبق على الأحزاب الدرزية الأساسية وتحديداً الحزبين الاشتراكي والديمقراطي، اضافة الى الوزير السابق وئام وهاب الذي يتمايز قليلاً عن "حزب الله" من دون أن يخرج عن تأييده له في القضايا الاستراتيجية.
وفي سياق متّصل فإنّ المعارضة فشلت أيضاً في استقطاب رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل بشكل كامل، حيث بقي الرجل خارج المعارضة بالرغم من خلافه العميق مع "الحزب" في مرحلة تعتبر الاكثر حساسية في لبنان، لكن هذه الخلافات ما لبثت أن تقلّصت بشكل أو بآخر ما يجعل من "حزب الله" قادراً على الخروج من الحرب، رغم الاضرار الكبيرة التي تعرّض لها، بقوّة جدية لا يمكن الاستهانة أو الاستفراد بها في الداخل اللبناني.
المصدر: خاص "لبنان 24"