تحل يوم السبت المقبل ذكرى عظيمة لدى المسلمين وهي بداية شهر رجب، حيث أنه من الأشهر الحرم الذي قال عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الشهر الذي أسري به الله سبحانه وتعالي من مكة إلى المسجد الأقصى ثم أُعرج به إلى سدرة المنتهى.
وأوصانا النبي أن هذا الشهر من الشهور العظيمة المملؤة بالنفحات الربانية التي يجب على كل مسلم أن يغتنمها ويتقرب فيه إلى الله استعدادًا لا ستقبال شهر رمضان ومن ثم شهر رمضان المعظم، وستعرض «البوابة»، في هذه السطور أحب الأعمال والسنن التي وردت عن النبي في هذا الشهر.


وذكر الشيخ محمد عمارة، الواعظ بالأزهر الشريف، أن من حكمة الله عزّ وجلّ أنه فضل بعض الأيّام وَالشّهور على بعض كما فضل بعض الأمكنة على بعض، ففضَّل الأشهر الحُرم على سائر شهور العام، وشهر رجب هو أحد الأشهر الحُرم الأربعة الّتي أمر اللهُ سبحانه وتعالى بتعظيمِها وإجلالها، والالتزام فيها بدينه وشرعه وطاعته، ولقد خصّها الله تعالى بالذّكر ونهى فيها عن الظُّلم والقتال تشريفا واحترامًا وتعظيمًا ؛ فقال تعالي: "إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ" (التوبة:٣٦).
وتابع «عمارة»، على موقع الأزهر الشريف: وكانت العرب في الجاهلية تحرم هذه الأشهر الأربعة الحُرم، وسبب تحريمهم لذي القعدة وذي الحجة والمحرم هو أداء شعيرة الحج، فكانوا يحرمون قبله شهرًا ليتمكنوا من السير إلى الحج، ويسمونه القعدة لقعودهم عن القتال فيه، ثم يحرمون ذا الحجة وفيه أداءُ مناسكهم وأسواقهم، ثم يحرمون بعده شهرًا ليعودوا إلى ديارهم، وحرموا شهر رجب في وسط الحول لأجل زيارة البيت والإعمار، حتي يأمن قاصدُ البيت الغارةَ فيه، فيجب علينا أن نحذرَ من المعصية في الأشهرُ الحُرم؛ لأنّها ليست كالمعصية في غيرها؛ بل المعصيةُ فيها أعظمُ؛ حيث تعظم المعصية بسبب شرف الزمان الذي حرّمه الله، كما قال سبحانه: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ" (البقرة: 217)، أي: ذنبٌ عظيمٌ، وجرمٌ خطيرٌ.
ولفت، إلى أنه كما أنّ المعاصيَ تعظُمُ في الأشهر الحُرم؛ فكذلك الحسنات والطّاعات تعظُم وتُضاعف في تلك الشهور؛ والتّقرّبُ إلى اللهِ عزّ وجلّ بالطّاعةِ في الشّهرِ الحرامِ أفضلُ وأحبُّ إليه سبحانه من التّعبُّدِ في سائر الأيّام؛ فعن أَبي بكرةَ نفيع بن الحارث رضي الله عنه عن النبي _صلي الله عليه وسلم _ قال: "إنّ الزّمَان قد اسْتدار كهيئته يوم خلق الله السَّماوات والأرض: السَّنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعةٌ حُرُم: ثلاثٌ مُتوالياتٌ: ذُو القعدة، وذو الحجَّة، والمُحرَّم، وَرجب مُضَر الذي بين جمادى وَشعبان" (متفقٌ عَلَيهِ)، وشهر رجب شهر تهذيب النفس، حيث يجاهد الإنسان نفسه للتخلص من كافة الصفات السيئة والمكروهة الموجودة فيه، للوصول إلى درجة التقوى وزيادة الإيمان.

 

تعظيم الذنوب في الأشهر الحرم يقابله مضاعفة الحسنات

من جانه أكد الدكتورمحمد سليم السيد، أستاذ الحديث كلية بنات العاشر من رمضان بجامعة الأزهر، أن التقرب إلى اللهِ عزّ وجل بالطّاعةِ في الشّهرِ الحرامِ أحبُّ إليه من التعبُّدِ في سائرِ الأيّامِ، ولكن لم يثبت في السنة شيء عن فضلِ صيام رجبٍ دون أيام العام، وأن الأحاديث والأخبار عن تخصيص رجب بعبادة مخصوصة بدعة باطلة.
وأضاف سليم في تصريحات سابقة علي موقع الأزهرالشريف، أن ما تقوم به داعش وغيرها من الجماعات الإرهابية في هذا الشهر المبارك لم يقم به أهل الجاهلية قبل الإسلام، ما يبرهن على أنهم جماعة من صنيعة اليهودية العالمية جاءت لتشويه صورة الدين الإسلامي الحنيف.
وقال «السيد»: إن من أظهرِ الدلائلِ على تعظيمِ هذا الشّهرِ الحرامِ هو الابتعادُ عن ظلمِ الإنسانِ نفسَه باجتِراحِ الذنوبِ والسيّئاتِ ومقارَفَةِ الآثامِ والخطيئاتِ لأنّ الذنبَ في كلِّ زمانٍ شرٌّ وشؤمٌ على صاحبِه لأنّه اجتراءٌ على اللهِ جلَّ جلالُه وعظُم سلطانُه لكنّه في الشهرِ الحرامِ أشدُّ سوءًا وأعظمُ شؤمًا لأنّه يجمعُ بين الاجتراءِ على الله تعالى والاستخفافِ بما عظّمه اللهُ جلّ وعلا فالظلمُ عاقِبَتُه وخيمَةٌ وآثارُه شَنِيعةٌ فلا فلاحَ مع الظلمِ ولا بقاءَ مع الظّلم مهما بلَغ شأنُ الظّالمِ فقد قال اللهُ عزّ وجلّ: "إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ"، وقال جلّ في عُلاه "هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ"، فلاَ بقاءَ للظلمِ والاعتداءِ والطغيانِ ولا سُلطانَ لها على الدوامِ مهما طال وامتدّ بها الزّمانُ فقد قال الملكُ العظيمُ الشَّانِ "وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ المَصِيرُ"، وثبت في الصحيحين أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ اللهَ لَيُملِي للظَّالمِ حتَّى إِذَا أَخَذَهُ لم يُفلِتْهُ"، كما أنّ المعاصيَ تعظُمُ في الشهرِ الحرامِ فكذلك الحسناتُ والطّاعاتُ تعظُمُ وتُضاعفُ في هذه الأيّام، فالتّقرّبُ إلى اللهِ عزّ وجلّ بالطّاعةِ في الشّهرِ الحرامِ أفضلُ وأحبُّ إليه سبحانه من التّعبُّدِ في سائرِ الأيّامِ كما سبق في قول ابن عبّاس رضي الله عنهما: "وجعل الذنب فيهنّ أعظم والعمل الصّالح والأجر أعظم".
وتابع الأستاذ بجامعة الأزهر: على المسلم أن يكون في هذا الشّهر أكثرَ ابتعادًا عن الذّنوبِ والآثامِ، وتوقِّيًا لكلِّ ما يغضبُ الملكَ ويبتعد عن ظلمِه لإخوانِه بالاعتداءِ عليهم وسفكِ دمائِهم أو أكلِ أموالِهم وحقوقِهم أو التحدث في أعراضِهم بالغيبة، وتتبّعِ عوراتِهم وإفشاءِ أسرارِهم وإلحاقِ الأذى بهم ويبتعد عن ظلمِه لنفسِه والإساءةِ إلى شخصِه بمعصيتِه لخالقِه، خاصّة ما يتساهلُ فيه بعضُ النّاسِ من صغائرِ الذُّنوبِ فإنّ صغائرَ الذّنوبِ متى استرسل فيها الإنسانُ كان على وجهِه في النّارِ مكبوبٌ، فيستحبُّ للمسلمِ في هذا الشّهر الإكثارُ والمواظبةُ على ما ثبتت به السنّةُ في سائرِ الأيّامِ من نوافلِ الطّاعاتِ من صلاةٍ وصيامٍ وصدقاتٍ وغيرِها من القرباتِ مع المحافظةِ على الفرائضِ والواجباتِ ولكنْ لا يشرعُ تخصيصُه بعبادةٍ من العباداتِ أو اعتقادُ أنّ لها فضلًا في هذا الشّهرِ على سائر الطّاعاتِ والحالُ أنّه لم يشـرعْها لنا فيهِ النّبيُّ عليه الصّلاةُ والسّلامُ ولا فَعَلَها فيه صحابتُه الكرامُ رضي الله عنهم.
وتطرق إلى أن العبادةَ لا تشـرعُ في الإسلامِ إلّا بدليلٍ ظاهرٍ من الكتابِ الكريمِ أو من صحيحِ سنّةِ خيرِ الأنامِ وإلّا كان العملُ غيرَ مقبولٍ بحالٍ لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ"، لذلك فإن هذه الأحاديثُ والأخبارُ لا تصلُحُ أن يعتمدَ عليها في إثباتِ مشـروعيّةِ تخصيصِ شهرِ رجبٍ بتلكَ العبادات فالصَّلاةً لمْ يَصِحَّ في شهرِ رجبٍ صلاةٌ مخصوصةٌ تختصُّ به والأحاديثُ المرويةُ في فضلِ صلاةِ الرَّغائبِ فِي أوّلِ ليلةِ جمعةٍ من شهرِ رجبٍ كذبٌ وباطلٌ لا تصحُّ وهذه الصلاةُ بدعةٌ عند جمهورِ العلماءِ وَأَمّا الصِّيَامُ فلمْ يَصِحَّ في فضلِ صومِ رجبٍ بخصوصِه شيءٌ عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابِه وَأَمَّا إخراجَ الزكاةِ في شهرِ رجبٍ لا أصلَ لذلك في السنّةِ ولا عُرِف عن أحدٍ من السَّلفِ وأمّا الاعتمارُ فِي رجبٍ، فقد روى ابنُ عمرَ رضي الله عنهما أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم اعتمَر في رجبٍ فأنكرتْ ذلك عائشةُ عليه وهو يسمعُ فسكَتَ، فواجب علينا في هذا الشهر الكريم ان نتقرب الى الله عزوجل بالطاعات وبالخير وان نأمر فيه بالمعروف وننهى فيه عن المنكر مصداقًا لقول الله تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله"، ولكن لم يثبت في السنة شيء عن فضلِ صيام رجبٍ دون أيام العام، وأن الأحاديث والأخبارعن تخصيص رجب بعبادة مخصوصة بدعة باطلة.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الأشهر الحرم أفضل الاعمال في رجب صلى الله علیه وسلم هذا الش فی هذا الش هذا الشهر رضی الله إلى الله فی سائر الله عن شهر رجب فی الش

إقرأ أيضاً:

هل الأيام البيض هي الست من شوال؟ دار الإفتاء تجيب

قالت دار الإفتاء المصرية، إن الأيام البيض هي أيام الليالي التي يكتمل فيها جِرْم القمر ويكون بدرًا، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من وسط كل شهر عربي، سُمِّيَت بذلك لأن القمر يكون فيها في كامل استدارته وبياضه؛ فالبياض هنا وصف للياليها لا لأيامها، وإنما وُصِفت الأيام بذلك مجازًا.

للصائمين الست من شوال.. 4 كلمات تفتح لك الأبواب المغلقةحكم من لم يكمل صيام الست من شوال .. داعية يجيبالأيام البيض

وقد جاء تحديدُها بذلك في الأحاديث النبوية الشريفة؛ منها: حديث جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «صِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صِيَامُ الدَّهْرِ، وَأَيَّامُ الْبِيضِ صَبِيحَة ثَلاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ» رواه النسائي وإسناده صحيح كما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري".

أمَّا الأيام الستة من شهر شوال فهي تلك الأيام من شوال التي يُندَب صيامُها بعد شهر رمضان ويومِ الفطر؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» رواه مسلم في "صحيحه" من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.

وتابعت دار الإفتاء: ولكن هذه الأيام لا تُعرَف بالأيام البيض في الاصطلاح الفقهي ولا الشرعي، إلا أنَّ هذا الإطلاق الشائع بين الناس له وجهٌ صحيح من اللغة؛ فإنَّ الغُرَّة في الأصل: بياضٌ في جبهة الفرس، فيجوز تسمية البياض غُرَّةً والغرة بياض على جهة المجاز بعلاقة الحاليَّة والمحلية، وقد سَمَّى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأيام البيضَ بالغُرِّ فقال: «إِنْ كُنْتَ صَائِمًا فَصُمِ الْغُرَّ»؛ أَي الْبِيض. رواه الإمام أحمد والنسائي وصححه ابن حبان.

الست من شوال

وسُمِّيَت ليالي أول الشهر غُرَرًا؛ لمعنى الأوَّليَّة فيها، وقيل: لأوَّليَّة بياض هلالها، كما أن الغُرَّة هي البياض في أول الفرس، ولعل في تسميتها بالبيض إشارةً إلى استحباب صومها في غُرَر شهر شوال بعد يوم الفطر مباشرة.

وأوضحت دار الإفتاء أن صيام الست من شوال مستحب عند كثير من أهل العلم سلفًا وخلفًا، ويبدأ بعد يوم العيد مباشرة؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ فَذَاكَ صِيَامُ الدَّهْرِ»، فإن صامها المسلم متتابعة من اليوم الثاني من شوال فقد أتى بالأفضل، وإن صامها مجتمعة أو متفرقة في شوال في غير هذه المدة كان آتيًا بأصل السنة ولا حرج عليه وله ثوابها.

مقالات مشابهة

  • دعاء الصباح للرزق والتوفيق.. احرص عليه قبل الخروج من المنزل
  • محافظة ريف دمشق تمدد استقبال الشكاوى والطلبات من المتضررين من الاستملاكات مدة 30 يوما
  • ضمن مبادرة "مودة ورحمة".. وفد من أوقاف الفيوم يزور مستشفى فيديمين المركزي
  • فضل الدعاء بعد أذان الظهر.. مستجاب وأوصى به النبي
  • فضل صيام الأيام البيض من شهر شوال
  • لماذا حذر النبي من الصلاة عند شروق الشمس؟.. بسبب قرني الشيطان
  • هل الأيام البيض هي الست من شوال؟ دار الإفتاء تجيب
  • توابع دراما رمضان تفجر السوشيال ميديا
  • تعرف على أفضل الأدعية عند زيارة قبر النبى صلى الله عليه وسلم
  • أدعية زيارة قبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم