العلاقات البينيّة بمنظار الموسيقى
تاريخ النشر: 11th, January 2024 GMT
قلت للقلم: ما رأيك في نقلة نوعية بعد الحديث عن العلاقات البينيّة العربيّة في عيون الكيمياء والفيزياء؟ كيف تكون الصورة من منظار الموسيقى؟ قال: حسبت أنك ستأتي بجديد، فالموسيقى من قرارها إلى جوابها فيزياء ورياضيات. لكن الموضوع جذّاب، فهل تحملني أم أحملك، على طريقة شنّ الذي وافق طبقة، تحدّثني أم أحدّثك؟ قلت: سأعطيك القوس، فكن باريها.
قال: أتذكر إذ حدّثتك قبل هذا العام، وربما قبل السنة التي سبقته، عن أن الموسيقى مدرسة عليا للإدارة وأكاديمية للعلوم الإدارية؟ ثمّ إنّ لها الكثير من صفات الكليّة العسكرية، فلا مجال لغير الانضباط، لهذا يحسن بنا نموذج الموسيقى الجادّة، أي الموسيقى السيمفونية، لأن النماذج العربية للفرقة، تشوبها أشكال من الفوضى وسوء التنسيق والخروج عن النص بذريعة التألق الفرديّ، فالأمثلة الجيّدة قليلة، والمثالية نادرة. من هنا، يجب أن تقوم العلاقات البينيّة بين البلدان العربية، على وحدة التردّدات (فريكانس) على غرار الآلات، ما يعرف بالدوزان. توحيد الترددات والإيقاعات جبلّة في أداء الدماغ، وليس حاصل دراسة موسيقية. حين يتجلّى الراحل عبدالباسط عبدالصمد، في الانتقال مثلاً من الحجاز إلى جواب الراست، ويتوقف هنيهةً، فإن حشود الحاضرين تصعد إلى جواب الراست: «الله»، في وحدة تردّد واحدة. من علّمهم التوافق والتناغم في المجاراة؟ كذلك هي وحدة إيقاع الخطى في الجيوش وما إليها.قلت:
المفارقة الغريبة، هي أن ما تفعله المئات والآلاف من الناس بتلقائية في مثل المحفل الذي ذكرته، نجد الأداء في السياسة والديبلوماسية وجميع أشكال العمل العربي المشترك، أعسر من عسير. هل يمكن أن يكون المثل المعيب: «اتفق العرب على ألاّ يتفقوا»، نتيجة هفوة عابرة؟ قال: هذا خلل في تربية أداء الدماغ لعدم تنشئته على الانضباط. وإلاّ ما كان العقل العربي يتوهّم أن الفوارق والاختلافات عوائق تحول دون التناغم. هل التباين في طرائق التفكير والسلوكيات الذهنية والعينيّة لدى العرب، أكثر حدّة من الفوارق في أصوات الآلات الموسيقية؟ شتان ما بين الكمان والباصون، الفلوت بيكولو(الناي الصغير) والتوبا النحاسية، الفيولا والنفير(الترومبيت)… ولكنها تلتقي متوافقة متناسقة متعانقة في السيمفونية الواحدة، الكونشرتو الواحد، كأنها مرايا متعاكسة، أو أرواح متجانسة. لأن السرّ كامن في وحدة التردّدات والذبذبات التي تنبثق منها تجاوبات الأصوات والنبرات.لزوم ما يلزم: النتيجة التناغمية: العلاقات البينيّة العربية، لو توافر لها الانضباط وحسن الإدارة، لكانت بوحدة الدين واللغة والثقافة والتاريخ، أشبه بانصهار الوتريات أو النافخات.
عبداللطيف الزبيدي – صحيفة الخليج
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
الزناتي: مصر وتونس قواسم وتحديات مشتركة من الدولة الفاطمية حتى الربيع العربي
أكد حسين الزناتى وكيل نقابة الصحفيين رئيس لجنة الشئون العربية أن هناك الكثير من القواسم المشتركة بين مصر وتونس، فتاريخ الدولتين شهد انتقال عاصمة الفاطميين من المهدية التونسية إلى القاهرة، ومعها نقلت الآثار الإسلامية والعمارة الفاطمية إليها، ومن جامع الزيتونة فى تونس إلى الأزهر الشريف تواصل الفكر الإسلامى المعتدل والمستنير بين البلدين.
وقال الزناتى فى بداية الحوار المفتوح الذى أعدته لجنة الشئون العربية بالنقابة لسفير تونس بالقاهرة ومندوبها الدائم بالجامعة العربية محمد بن يوسف أن مصر كانت من أولى الدول التى دعمت الكفاح التونسى ضد الاستعمار الفرنسى ، رغم أنها كانت تقع تحت الاستعمار البريطانى منذ 1882، لكنها ساندت الحركة الوطنية التونسية، وبعدها شهدت العلاقات بين مصر وتونس توافقًا منذ ثورة 23 يوليو 1952 ولعبت مصر دورًا واضحاً فى دعم الحركة الوطنية التونسية واستمرت فى مساندة كفاحها ضد الاحتلال وتبنت قضيتها فى مجلس الأمن، وجامعة الدول العربية، وحركة عدم الانحياز، وكانت دائماً معها، حتى حصلت تونس على استقلالها بموجب الاتفاقية التونسية الفرنسية فى مارس 1956.
وعلى الجانب الآخر كان موقف تونس مؤيدًا تمامًا لقرار الحكومة المصرية بتأميم قناة السويس، كما وقفت تونس إلى جانب مصر أثناء العدوان الثلاثى عليها، بل وشاركت معها فى حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية، وأيضًا فى حرب أكتوبر1973.
وأضاف وكيل نقابة الصحفيين : أنه وكما جمعت هذه القواسم المشتركة بين البلدين فى التاريخ الحديث، فقد واجهتا العديد من التحديات الصعبة ، فى التاريخ المعاصر حيث شهدتا أولى أحداث ماسمى بدول الربيع العربي، ومعها كانت تجربة إندلاع ثورتى الياسمين في تونس، ثم 25 يناير في مصر، وبالتزامن أيضاً شهدت الدولتين بعدها ظهور القوى الإسلامية علي الساحة السياسية لهما ووصولها للسلطة ، ثم فشلها في الإدارة، مما أدى برغبة شديدة لدى الشعبين فى تغيير النظام، وهو ماحدث فى تونس بإقامة انتخابات، وفي مصر بإندلاع ثورة 30 يونيه 2013.
أما الآن فمازالت تتسم العلاقات السياسية بين مصر وتونس بالقوة والمتانة ويسودها التفاهم ولا توجد عقبات تعترض مسار هذه العلاقات وهو ماينعكس في المواقف المتشابهة التي تتبناها الدولتان تجاه القضايا ذات الاهتمام المشترك وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وتطورات الأزمة الليبية باعتبارهما دولتى جوار والوضع في السودان ، وغيرها من القضايا .