حتى تكون غزة رأس الحربة في مهرجان المسرح العربي وفي الثقافة والفنون في عالمنا العربي، وطريق ذلك أن تكون الثقافة والفنون رافعتين لحياتنا العربية الإنسانية والقومية، باتجاه التحرر والوحدة والنهضة العربية، التي آن الوقت لاستئناف ما انقطع من تنوير، بسبب ما تم غرسه في خاصرتنا العربية من خنجر مسموم أصاب مراكز النهضة في فلسطين، بل وفي بلاد الشام ومصر.
جميل ما أكده الفنان غنام غنام مسؤول التدريب والتأهيل في الهيئة العربية للمسرح، بأن غزة ستكون رأس الحربة في فعاليات مهرجان المسرح العربي، الذي انطلق أمس الأول الأربعاء في بغداد.
لعل البدء ببغداد، يمنحنا تفاؤلًا حاضرًا، بما في المكان والزمان من دلالة استعادة ما كان من فعل ثقافي عروبي تنويري، يوغل في العراقة، في حضاراتنا القديمة، وحضاراتنا المتتالية، وصولا إلى الآن، بما يحمل من طموح.
600 مسرحيّ عربي ومسرحية، يجتمعون في فعاليات عديدة، في العروض والندوات الفكرية، للارتقاء بالمسرح، كرافعة مهمة للارتقاء بالثقافة العربية والفنون، بحيث يصير كل مشارك رسولا يحمل رسالة المسرح، التي هي رسالة حرية وتنوير. كل يعود إلى بلده بما يحمل من أمل وحيوية، للإبداع في وطنه، ليعود ثانية ليس إلى مهرجان المسرح العربي فقط، بل إلى الجمهور؛ فلا بد من استعادة الجمهور للفعل الثقافي، وهذا ما سيعيد الجمهور للاهتمام بقضاياه المصيرية، التي وإن كانت فلسطين جوهرها، فإن كل قطر عربي بحاجة إلى الوطن في شكل من الأشكال.
جميل أن تحضر فلسطين شعوريا وفكريا في المهرجان، فوفقًا للفنان غنام غنام فإن «غزة ستكون حاضرة؛ لأنها قدمت لنا كرامتنا وعنفواننا وتراجيديا جديدة في التاريخ العربي والفلسطيني تحديدا»، وجميل أن يكون الحضور عمليا في العروض والندوات، حيث «سيكون هناك عرض من مخيم جنين الصامد، بعنوان «مترو غزة» تليه ندوة «المسرح وثقافة المقاومة في فلسطين» وتجارب لثلاث فرق مسرحية فلسطينية، تتضمن قراءات شعرية».
الجميل أيضا، أن الفعالية الخاصة بالمسرح الفلسطيني تتم بمشاركة عربية، تعبر فعلا عن هذا الشعور القومي، والوعي بالدور الثقافي. فجميل أن يشارك في الفعالية: الفنان العراقي جواد الشكرجي والفنانة الأردنية مرام أبو الهيجا، والموسيقي الأردني عبد الرزاق مطرية، وحديث للفنان اللبناني رفيق علي أحمد، بإدارة الفنان السوري الدكتور عجاج سليم. إلى جانب المخرج فتحي عبد الرحمن والفنان أحمد أبو سلعوم والفنان حسين نخلة والفنان أحمد الطوباسي والفنانة ياسمين شلالدة من فلسطين.
وحتى تكون غزة رأس الحربة في مهرجان المسرح العربي، وفي حقول الثقافة والفن، نحن بحاجة لاستحقاقات في بنية الثقافة العربية، باتجاه البناء لا مجرد الشعور الوقتي، ولعل ذلك هو ما تضمنته كلمة يوم المسرح العربي وكانت هذه الدورة من نصيب الفنانة اللبنانية نضال الأشقر.
استحقاق بنية الثقافة يبدأ من الحرية، وهكذا مضت الأشقر تقول: «لكي يلعبَ المسرحُ دورا ديمقراطيا فعالا، يجب أن تكون هناك ورشة عمل كبيرة وخطة تنهض بالبلاد وتحولها إلى خلية نحل، حيث يعمل فيها المثقفون والفنانون والطلاب والأساتذة يدًا بيد للنهوض بمجتمعاتهم وبيئتهم إلى عالم من البحث والدرس والتمحيص والتعبير الحّر وصولا إلى المسرح. لذلك يجب أن تكون هناك العشرات من المراكز الثقافية والمسارح والمكتبات العامة؛ كي يصبح المسرحُ أداةً فعلية وفاعلة في مجتمعاتنا».
إنَّ الفنانة نضال الأشقر تؤكد على أن الثقافة والفنون والمسرح رافعة نهوض: «واﻹبداع لا ينطبق فقط على الفنون، بل أيضًا على السياسة وتحرير السياسة من العادي ومن المسلمات والتقاليد العفنة. والمبدع هو المحرض الذي يحرك المستنقعات والمسلمات القائمة ويغير السكون. وهو الذي يخرج من الثابت إلى الأفق الوسيع البناء».
فلا بدّ إذن أن تكون غزة رأس الحربة في مهرجان المسرح العربي، كونها اليوم «تراجيديا جديدة في التاريخ العربي والفلسطيني»، تراجيديا اكتسبت عناصر الوصف كاملا، في عصر ناقص لإرادة الانتصار للشعوب المقهورة المتعرضة للاحتلال.
وحتى يتجلى ذلك، فإن تأمل ما يرد من أدبيات مهرجان المسرح العربي، الذي تنظمه الهيئة العربية للمسرح في إمارة الشارقة، عضو المجلس الأعلى للاتحاد في دولة الإمارات العربية المتحدة، يدل على أن ما يحدث من تضامن ثقافي اليوم في بغداد، إنما يأتي من منطلقات الهيئة العروبية.
نعم، هناك ما يمنحنا الأمل بالنهوض المسرحي والفني والثقافي، وما يقوي خلاصنا القومي، لأن كل فعل ثقافي يعني فعلا سياسيا قويا؛ وهل كانت نهضة شعوب الكون من آلاف السنين، إلا بالبدء بالثقافة! هنا، في بغداد وعواصمنا العربية الحبيبة، يطل الأمل بغد أفضل، بل إنها رسالة الأدب والفن والفكر والتعليم، لنعيد ما انقطع، وليكون الفعل الثقافي العروبي الوحدوي طريقا لفعل سياسي وحدوي، فكفانا تفرقا وتشظيا.
وحتى تكون غزة رأس الحربة الثقافية العربية، فإن أي ارتقاء للمسرح هو ارتقاء للفعل البطولي في غزة فلسطين، أرض التراجيديا الحقيقية التي يتابعها العالم بثا مباشرا لا من الخيال الأدبي، ما يعني أن هناك ارتباطا بين الإبداع الثقافي، وإبداع مقاومة الاحتلال أيضا.
ولأن المسرح أبو الفنون، فإن هناك حاجة ماسة فعلا لتطوير الفعل المسرحي، على مستوى النصّ والتمثيل والإخراج، كون المسرح يمنح الفنون الأخرى كوادر إبداعية وأفكار لنصوص الكتاب ولوحات الفنانين وألحان الموسيقيين، ولفن السينما بشكل خاص، بسبب الارتباط العضوي بين المسرح والسينما.
طريق واحد في المسرح والثقافة والفن والسياسة، هو الطريق الجاد الملتزم، باتجاه تحقيق الأهداف الإنسانية للأفراد والجماعات، وهو طريق خلاص فردي ووطني وقومي.
الآن تعود البوصلة إلى اتجاهاتها الحقيقية؛ لأن التطوير منظومة واحدة، باتجاه أهداف عامة، وخاصة، بعيدا عن الشعارات، اقترابا من تقديم المسرح بشكل إبداعي بعيدا عن الصراخ والشعار والسطحية والابتذال؛ فالارتقاء بالثقافة يعني الكثير للفعل القومي، ولعلنا نختتم بضرورة صحوتنا جميعا بالدور الثقافي والفني، من خلال تمويله، كونهما يجنباننا التطرف والانحراف، الذي عانينا منهما بضعة عقود مرّت.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مهرجان المسرح العربی رأس الحربة فی أن تکون
إقرأ أيضاً:
الشرع يتسلم دعوة رسمية من العراق لحضور القمة العربية ببغداد
تسلم الرئيس السوري أحمد الشرع، دعوة رسمية من العراق، لحضور قمة القادة العرب في بغداد يوم 17 أيار/مايو المقبل.
وقال وزير الثقافة والسياحة والآثار العراقي أحمد فكاك البدراني لوكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع): "بناء على تكليف من رئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد، سلمنا دعوة للرئيس السوري أحمد الشرع".
وأوضح أن الدعوة خاصة بـ"حضور القمة العربية في 17 من الشهر القادم ببغدد"، مشيرا إلى أن "القمة العربية ستناقش التحديات التي تواجه الأمة العربية".
وفي حال مشاركته، ستكون قمة بغداد أول قمة عربية "عادية" يحضرها الشرع، إذ شارك في قمة عربية "طارئة" بشأن فلسطين بالقاهرة في 4 آذار/مارس الماضي.
وأفاد البدراني بأنه "التقى على هامش زيارته إلى دمشق وزير الثقافة السوري، وتم تناول تعزيز التعاون الثقافي في كلا البلدين" الجارين.
فيما قال وزير الثقافة السوري محمد ياسين إن "العراق وسوريا يرتبطان بحضارة عمرها آلاف السنين وإخوة بالتراب الواحد، ولن تفرقنا الحدود الاصطناعية، ونحن شعب واحد يشترك بالعديد من الصفات".
وتابع: "منفتحون على التعامل والتعاون والاشتراك مع العراق في مختلف المجالات ونذهب باتجاه الحياه الثقافية التشاركية".
وتتجهز بغداد لاستضافة القمة في ظل ملفات عربية ملحة، في مقدمتها الإبادة الجماعة المستمرة بحق الشعب الفلسطيني للشهر التاسع عشر.