زاوية :مئة يوم تركت وطأة قرن من الموت والدمار في قطاع غزة
تاريخ النشر: 11th, January 2024 GMT
قطاع غزة "الاراضي الفلسطينية" "أ ف ب": مئة يوم مرت على اندلاع الحرب التي حوّلت قطاع غزة إلى خراب مع أحياء كاملة لم يبق منها سوى أنقاض ونظام صحي منهار ومشارح تغص بالعائلات الثكلى ومواطنين منهكين يسيطر عليهم الرعب.
في مخيم مستحدث في مدينة رفح في جنوب القطاع، يقول عبد العزيز سعدات "إنها مئة يوم فقط، لكن كأنها مئة سنة".
تركت الحرب بصمات بدّلت تماما شكل القطاع الساحلي الصغير المكتظ بـ2,4 مليون نسمة، فبعدما كانت أحياؤه تضجّ بالحركة والسيارات، باتت الآن مليئة بالركام والمباني المهدمة.
ويقول سعدات "يعيش البعض في مدارس، والبعض الآخر في الشوارع، ينامون على الأرض أو على مقاعد. لم توفّر الحرب أيا كان".
ونزح حوالى 1,9 مليون شخص يمثلون 85 في المئة من سكان القطاع المحاصر من منازلهم، بحسب أرقام الأمم المتحدة.
"مكانا للموت واليأس"
ووصف منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث قطاع غزة بأنه بات "بكل بساطة غير صالح للسكن ... مكانا للموت واليأس".
ويسعى الغزاويّون للاستمرار كما يتيسّر لهم، وتمكن بضع مئات منهم فقط من الخروج من القطاع الخاضع منذ 2007 لحصار فرضته إسرائيل بعد سيطرة حماس عليه وأحكمته بعد اندلاع الحرب.
وتوعدت إسرائيل بـ"القضاء" على حماس بعد الهجوم غير المسبوق الذي شنّته الحركة على جنوب الدولة العبرية في السابع من أكتوبر، وأدى الى مقتل نحو 1140 شخصا غالبيتهم من المدنيين، وفق تعداد لوكالة فرانس برس يستند الى أرقام رسمية إسرائيلية. كما اقتيد نحو 250 رهينة خلال الهجوم، لا يزال 132 منهم محتجزين في القطاع، بحسب الجيش الإسرائيلي.
وتردّ إسرائيل بقصف جوي ومدفعي عنيف وباشرت في 27 أكتوبر عمليات برية في القطاع، ما أدى الى مقتل 23469 شخصًا غالبيتهم من النساء والأطفال وإصابة حوالى 60 ألفا بجروح، فيما لا يزال الآلاف مطمورين تحت الأنقاض، وفق آخر حصيلة لوزارة الصحة التابعة لحماس.
وخلّف القصف حفرا في مخيمات اللاجئين والطرق، وتضرّرت مدارس وجامعات ومساجد ومرافق عامة.
دمار هائل
وخلص أستاذان جامعيان أمريكيان هما خامون فان دين هوك وكوري شير استنادا إلى صور عبر الأقمار الصناعية، إلى أن 45 إلى 56% من مباني قطاع غزة دمرت أو تضررت حتى الخامس من يناير.
ورأى كوري شير أن الدمار "واسع جدا وكان سريعا للغاية"، معتبرا أن حجم الأضرار "مماثل للدمار في المناطق الأكثر عرضة للقصف في أوكرانيا".
وكشفت دراسة أجراها مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية أن 18% من المباني دمرت أو تضررت بعد خمسين يوما من الحرب.
وفي حال انتهاء القتال، فهذا لا يعني أنه سيكون بإمكان سكان القطاع العودة إلى منازلهم، إذ إن إعادة الإعمار ستكون عملية شاقة تتطلب مجهودا هائلا.
فقد أصيبت مواقع أثرية ومعالم هامة في قطاع غزة، وعلى الأخص بين الأزقة الضيقة المتشابكة في وسط مدينة غزة التاريخي، حيث دمر المسجد العمري، أقدم مساجد القطاع.
وضاقت المقابر بالقتلى فدفنوا في مقابر جماعية حفرت في البساتين وباحات المستشفيات وحتى في ملعب لكرة القدم، على ما أفاد صحفيون في وكالة فرانس برس.
تتوالى الأيّام والمشهد واحد: رجال ونساء ينتحبون وهم يتعرفون على الجثث الملفوفة بأغطية بلاستيكية بيضاء، فتكتب عليها الأسماء بقلم حبر أسود.
وحين يتمكن الجرحى من الوصول إلى واحد من المستشفيات الـ15 التي لا تزال في الخدمة جزئيا من أصل 36، يكتشفون "ساحة معركة" من نوع آخر، بحسب ممثل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية ريك بيبركورن.
في المستشفيات التي تمكن من زيارتها، وصف "الفوضى" و"بقع الدماء على الأرض" وصراخ الجرحى الذين ينتظرون أحيانا أياما قبل تلقي العلاج، مشيرا إلى أن بعض غرف العمليات تضاء بالهواتف النقالة لانقطاع الكهرباء وتجري العمليات الجراحية أحيانا بدون تخدير.
وقال ممثل منظمة الصحة العالمية "هناك انقطاع في كل المعدات الطبية تقريبا"، مضيفا "لم أر في حياتي هذا العدد من الأطراف المبتورة".
"الناس يتضورون جوعا"
ويقول ابراهيم سعدات النازح أيضا الى رفح "فقدنا الأمل"، مضيفا "لا ماء ولا كهرباء، وبسبب نقص الماء لا نستحمّ إلا مرة في الشهر، حالتنا النفسية متعَبة وانتشرت الأمراض في كل مكان".
وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، ازدادت حالات الإسهال لدى الأطفال الشهر الماضي من 48 ألف حالة إلى 71 ألفا خلال أسبوع، بالمقارنة مع ألفي حالة في الشهر قبل الحرب.
وحذّرت مديرة برنامج الأغذية العالمي في المنطقة كورين فلايشر "لم أرّ خلال ثلاثين عاما نقصا في الأغذية بهذا الحجم".
وقالت لوكالة فرانس برس "إنتاج الأغذية متوقف تماما ولا يستطيع الناس التوجه إلى حقولهم ولا الصيد في البحر، لا سيما مع قصف مرفأ غزة" الذي كان الصيادون يفرغون أسماكهم فيه كل يوم.
أما الأراضي الزراعية، فلا يمكن الوصول إليها.
وأصيب العديد من المخابز أو أغلقت لعدم توافر الوقود. وصعد سكان يائسون إلى شاحنات المساعدات بحثا عن طعام، على ما أفاد صحافيون في فرانس برس.
وقالت فلايشر "المتاجر فارغة، ليس هناك ما يمكن شراؤه لتناول الطعام" مضيفة "الناس يتضورون جوعا".
وتعبّر هديل شحاتة (23 عاما) المقيمة في خيمة في مدينة رفح (جنوب) عن يأس الشباب الذين يشكّلون نصف سكان القطاع، فتقول "كل أحلامنا راحت... سنون راحت من عمرنا".
بقلم عادل الزعنون ومي ياغي مع روزي سكامل في القدس
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الأمم المتحدة فرانس برس
إقرأ أيضاً:
غاز الطهي والوقود.. أزمات تعمق مأساة سكان غزة في رمضان رغم التهدئة
تقف سميرة ذات الثمانية والعشرين عامًا على أنقاض منزلها المهدم في شمال غزة، تحاول أن تستخرج بعض الأخشاب من بين الركام بينما يقوم أطفالها الصغار بحمل الأخشاب المجمعة والذهاب بها إلى المخيم الذي تسكن فيه، ترتسم على وجهها ملامح الإرهاق والتعب وهي تخاطبني قائلة: "أقضي معظم وقتي في هذا الشهر الكريم وأنا أمام النار المشتعلة، أعد الطعام لأطفالي الصغار غير الصائمين صباحًا ثم أعود لإشعالها بعد العصر لتجهيز ما تيسر من طعام للصائمين، الحياة صعبة للغاية لا يوجد لدينا غاز للطهي منذ بداية الحرب، عندما دخل الغاز لشمال غزة طرت فرحًا، لكن فرحتي لم تكتمل فقد تم إغلاق المعابر قبل أن يصدر الكشف السادس الذي يتواجد به اسم زوجي للحصول على حصتنا المخصصة من غاز الطهي".
وأضافت قائلة: "لم ينته الوضع عند هذا الحد، بل ما زاد الطين بلة هو عدم وجود مخابز في شمال قطاع غزة بعد أن قام الاحتلال الإسرائيلي بقصفها وتدميرها بالكامل لذلك اعتمد بشكل كامل على أفران الطين البدائية في الحصول على الخبز مما يضاعف دوري في تجميع الحطب اللازم من بين ركام المنازل المدمرة بسبب غلاء سعر كيلو الحطب الذي تجاوز 2 دولار ثمن الكيلو الواحد".
لم يكن وضع أم جمال السعودي (46) عاما، النازحة في مخيم دير البلح أفضل حالا، كانت تحمل أسطوانة فارغة، قالت: "بعد جهد كبير تمكنت من شراء أسطوانة غاز وتعبئتها لتسهيل الطهي في خيمتي في شهر رمضان، لكن الاحتلال الإسرائيلي قرر منع إدخال الغاز مجددًا، حاولت شراء الغاز من السوق فوجدت أن سعر الكيلو تجاوز 140 شيكل أي ما يعادل 35 دولارا بعد أن كانت تعبئة الأسطوانة بالكامل يعادل 70 شيكل أي 19 دولارا مما اضطرني للعودة إلى استخدام الحطب".
واستطردت قائلة: "في غياب الغاز، تزداد الحاجة إلى الحطب، لكن سعره بات أيضًا يفوق قدرة معظم الناس على شرائه في ظل ارتفاع أسعاره بالتزامن مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية".
ولا تقتصر الأزمة على الطهي فقط، بل تمتد إلى نقص الخبز مع توقف المخابز العاملة على الغاز. وفي هذا السياق، قال عبد الناصر العجرمي، رئيس جمعية أصحاب المخابز في غزة "إن جميع المخابز التي تعمل بغاز الطهي في خانيونس قد توقفت عن العمل، ويبلغ عددها خمسة، منها مخبزان آليان، بينما البقية نصف آلية. وأوضح أن كميات السولار المتبقية لتشغيل بقية المخابز تكاد تكفي لأسبوعين فقط، مما يهدد بتوقفها جميعًا.
وأكد العجرمي أن المخازن لا تحتوي على كميات كافية، سواء من السولار أو المواد الغذائية، حيث لا تكفي لأكثر من المدة المقدرة بأسبوعين، وربما أقل. ودعا إلى ضرورة التدخل العاجل لفتح المعابر وإنهاء الأزمة، محذرًا من أن استمرار الوضع يهدد بتجويع سكان القطاع، مما يتطلب تحركًا سريعًا لإنقاذ الحياة الإنسانية.
أمام سوبرماركت ريان في بيت لاهيا يصطف العديد من الرجال يحاولون الحصول على ما تبقى من مواد تموينية وسلع أساسية من داخل السوبرماركت الذي بدأ يفرغ، خرج علاء معروف (33) يحمل بعض الأشياء داخل كيس صغير وعلامات القلق تبدو على ملامحه "بعد عناء استطعت الحصول على كيلو سكر وزجاجة زيت، هناك اختفاء للعديد من السلع الأساسية من السوق رغم غلائها الفاحش، وهناك سلع لا توجد مطلقًا مثل اللحوم والدواجن وبعض الخضروات، لعدم سماح إسرائيل بدخولها إلى قطاع غزة".
وفي خطوة من شأنها أن تؤثر كثيرا على أوضاع السكان المعيشية، أجبرت العديد من "تكايا" الطعام، التي تقدم وجبات طعام مطبوخة للسكان الذين يعانون من ويلات الحرب والفقر، على التوقف، لنفاد مخزونها من الأطعمة ولعدم توفر غاز الطهى، والتي كانت تحصل عليه بالأصل من منظمات أممية، للمساهمة في الحد من انتشار المجاعة.
وبات في هذه الأوقات غالبية السكان يعتمدون على تحضير الطعام على مواقد الحطب، بعد نفاد كميات الغاز التي كانت توزع عليهم بشكل مقنن حتى قبل قرار الإغلاق الكامل لمعابر غزة.
وفي هذا الشأن صرح المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، ️إنه بعد أسبوعين من جريمة منع المساعدات، وإطباق الحصار على قطاع غزة بإغلاق المعابر، بدأت تداعيات هذه الجريمة تظهر بشكل واضح، ويمكن رصدها عبر الشح الكبير والأزمة الخانقة في مياه الاستخدام المنزلي، والأزمة الأكبر في مياه الشرب، بسبب منع الوقود الذي تُشغل به الآبار ومحطات التحلية، وأشار كذلك إلى بدء نفاد السلع التموينية والمواد الغذائية الأساسية من الأسواق والمحال التجارية، وتوقف غالبية "التكيات" الخيرية عن العمل، بسبب عدم توفر المواد التموينية، ما حرم آلاف الأسر التي كانت تعتمد عليها في توفير قوت يومها، وكذلك عودة آلاف الأسر لاستخدام الحطب بدلا من غاز الطهي، مع ما يسببه ذلك من أثر صحي وبيئي.
وفي سياق متصل حذر برنامج الأغذية العالمي من أن أكثر من مليون شخص يعانون من الجوع في غزة مع نفاد إمدادات الغذاء والمياه، حيث دمرت الغارات الإسرائيلية والقصف المخابز في جميع أنحاء القطاع، في حين أن العديد من المخابز المتبقية غير قادرة على العمل بسبب نقص الوقود والدقيق.
وقالت الناطقة باسم برنامج الأغذية العالمي عبير عطيفة، في حديث لها "إن كافة المخابز في قطاع غزة توقفت عن العمل لأنه لا يوجد أي وقود لتشغيلها".
وأضافت عطيفة أن "أزمة المخابز مزدوجة، فجزء منها تم استهدافه جراء القصف الإسرائيلي، والمخابز التي نجت من القصف توقفت حيث لا توجد وفرة من الوقود لإمدادها بها، وبالتالي لا يستطيع أحد أن يعود لإنتاج الخبز".
لقد وصل الوضع الإنساني في قطاع غزة إلى حد المجاعة لدى بعض الأسر، بعد تحسن طفيف خلال فترة الهدنة ودخول بعض المساعدات، خصوصًا إلى شمال غزة، ولكن ومع استمرار الإغلاق منذ أكثر من أسبوعين، تم فقدان العديد من السلع من الأسواق وارتفاع أسعار المتبقي منها بشكل مبالغ فيه جعل الكثير من الأسر غير قادرة على شراء احتياجاتها، ناهيك عن أن الكمية المتبقية لا تكفي لتلبية الحد الأدنى من احتياجات المواطنين، الأمر الذي يزيد من معاناة الناس ويؤدي إلى تفاقم حالة المجاعة في قطاع غزة، خصوصاً في شهر رمضان المبارك.