سؤالٌ يطرحه الفيلسوف كما يطرحه كل معنىّ بكشف الحقائق المغيّبة المجهولة، ويقوم فى دائرة البحث العلمى بمقدار ما يقوم فى دائرة العقيدة والدين، ويُجاب عليه على مستوى العقل كما يجاب عليه على مستوى الضمائر والبصائر، ويتصل بالموضوع المعروف كما يتصل بالموضوع المجهول، وتحدّد وسائله بإزاء موضوعه إذ يحكم الموضوع وسيلته ويسير فى مقتضاها باحثاً ومنقباً ليصل إلى بغيته بعد إحكام الوسيلة فى إطار موضوعه المفروض لكن مكمن الخطأ هو الخلط بين الوسائل بغير النظر إلى طبيعة الموضوع المبحوث.
كيف نعرف؟
أتبدأ معرفة الله من باطن النفس أم من خارجها؟ نفس السؤال عن الإيمان: أيكون عن قناعة باطنة جُوّانيّة أم يُفرض عليك من خارج؟ لم تتحقق معرفة الله للعارفين ولا تتحقق لك أو لى مثلاً مع علمى وإيّاك بوسائل كان اتخذها من تحققت لهم المعرفة ولكنها حجبت عنك وعنى؟
وإذا كان العلم وحده لا يكفى فلماذا تجىء الجهالة بالله فينا إلى هذا الحدّ مع إنّا نحُبُّه؟ وإنْ كنا مُقَصّرين فى حقوقه غير إنّا على قدر الطاقة نرعاه؟ من أين حصّل الفقراء على تلك المعرفة؟ أبالمجهود المكتسب أم بالمواهب اللّدنيّة؟
ثم هل ييأس المرء من جهله بتلك المعرفة ووراؤها رُوح الله، والنقل يقرّر فى النص المكنون: إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون؟
ليس أقسى على المرء من أن يرى جهوده تذهب أدراج الرياح، وبخاصّة فيما لو كانت تلك الجهود عملاً دائماً لا يعوّل عليه من واقع عكر أسود، ومن أناسِ لا يقدّرون للعمل قيمة ولا قانوناً.
هنالك يكون العزاء كل العزاء فى العُقبى، ولا يكون أبداً فى هذه العاجلة الدّنيّة، والعزاء ليس ضعفاً ولا هو بالهروب من واقع كدِر، ولكنه أمل متجدّد مع الإيمان بالله، لو لم يكن مقياسُ الخلق من الآدمى مُقدّماً على كل مقياس سواه فماذا عَسَاهَا ستكون عليه الحال؟
السؤال الفلسفى الأزلى هو نفسه السؤال الدينى.. لماذا خُلقت؟ قد تخفق الفلسفة فى الإجابة عن هذا السؤال، فى حين يجيبك الدين إجابة وافية تامة شافية كعادة الدين فى الإجابة على أسئلة المجهول. لكن الفلسفة سرعان ما تقدّم لك تصورات ربما تقبلها على ديدن القناعة العقليّة لكنها لا تشفى لك غُلّة وجدانيّة.. على مستوى النظر إن هى إلا محاولات مشكورة لرجال الفلسفة من الأسر الكريمة لكنها مع ذلك محاولات ناقصة، لأنها تخاطب جانباً واحداً فى الإنسان هو الجانب العقلى، وتهمل سائر الجوانب التى تتطلع إليها بشغف أشواق النفس الإنسانية.
قُلْ لى بربّك: ما الذى قدّمته الفلسفة شافياً كافياً فى مسائل المصير؟ لا شئ، سوى مجرّد محاولات باردة قائمة على تصورات أصحابها فيما يتصل بخلود النفس وجوهريتها وما شَابَه هذا وذاك ممّا تزداد بقراءته جدلاً ولا تزداد يقيناً.
وفى المقابل تجد الدين يقول لك فى صراحة بالغة إنّ الغاية من الخَلْق الإنسانى هى معرفة الله! هكذا بهذه البساطة وبهذا القطع الحازم فى الإجابة على السؤال.
معرفة الله.. كيف هذا؟ أقول لك:
عندما قال الحق تعالى: «وما خَلَقْتُ الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون»، إذْ ذَاَكَ قال ابن عباس أعرف الناس بتأويل القرآن، معناها: إلاّ ليعرفون.
وعليه، فغاية الخلق المعرفة، وقد يقرّر الفلاسفة مثل ما يقرّره لك الدين، ربما، لكن وسيلة هذه المعرفة بين الدين والفلسفة هى محل خلاف، لأنك ما دمت قلت (معرفة) فقد أخَذتَ من الإنسان أسمى جزء فيه، وعطفته على الله، فيصبح هذا الإنسان عارفاً، لكنه حين يكون عارفاً لا يكون عارفاً من تلقاء نفسه، بل عارفُ هو بالله على التحقيق.
أمّا فى المجال الفلسفى، فإن هذه المعرفة مقصورة على العقل الإنسانى وحده، مستقلاً كل الاستقلال عن المصدر الذى يتلقى عنه الإنسان، وهو مصدر العرفان.
مصدرُ العرفان فى حقل الفلسفة هو العقل الإنسانى مجرّداً عن لواحقه الشعوريّة. ومصدر العرفان فى الدين، وخصوصاً الأديان الكتابيّة، هو الله تعالى، يُغذى طاقات العقل الإنسانى بشتى المعارف وشتى العلوم كلما فتحت طاقة من طاقات المعرفة فتحت معها طاقة أخرى، وهكذا بغير انقطاع.
ومدد الفتح لا ينقطع إذا كان المصدر هو الحكيم العليم: «وإنك لتلقّى القرآن من لدن حكيم عليم». (وللحديث بقيّة)
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: كيف نعرف سؤال يطرحه الفيلسوف معرفة الله
إقرأ أيضاً:
مخطط شارون الرهيب في غزة: ماذا نعرف عن محور موراج؟
لا يخفي الاحتلال مرامي عدوانه المستمر على قطاع غزة، وهو إنهاء المقاومة الفلسطينية، التي باتت تهديدًا وجوديًا لمستقبله. فنتنياهو وحكومته اليمينية لا يريدون غزة إلا فارغة من سكانها وأهلها، وهو ما عبّر عنه مرارًا بقوله: "لا نريد في غزة لا حماسستان ولا فتحستان" وهو كمن يمتح من قاموس رئيس الوزراء السابق إسحاق رابين الذي "تمنى أن يصبح ذات يوم ليجد البحر قد ابتلع غزة".
وهو ما يكشف ويؤكد أن جريمة الإبادة الجماعية ينفذها الاحتلال مع سبق الإصرار والترصد، وأن الفلسطينيين ليست أمامهم سبل كثيرة، وعليهم الاختيار بين الموت أو التهجير القسري، كما يحلو لرأسي التطرف سموتريتش وبن غفير أن يردداه نهارًا جهارًا.
يأتي الحديث عن محور "موراغ" أو فيلادلفيا 2 كمخطط لعزل وإحكام إغلاق المنفذ الوحيد وقطع شريان حياة غزة مع مصر. والهدف هو سعي الاحتلال إلى نزع شوك غزة الذي آلمه كثيرًا طيلة العقدين الأخيرين، فرغم شراسة العدوان، يشعر نتنياهو بالعجز أمام مقاومة محاصرة في بقعة جغرافية لا تتجاوز 365 كيلومترًا مربعًا، لم تنفع معها أكثر من 17 شهرًا بليلها ونهارها من التدمير وقسوة القتل الجماعي الذي استباح كل شيء، فلم يوفر لا الأطفال ولا النساء، إذ باتت غزة تقترب من تقديم 200 ألف بين شهيد وجريح.
إعلانفالاحتلال يمضي في تنفيذ جرائمه المروّعة، واضعًا خلفه كل القوانين والأعراف الدولية التي عجزت عن وضع حدّ لحرب الإبادة الجماعية المدعومة من الإدارة الأميركية بوصفها شريكًا لكيان الاحتلال في عدوانه ضد الشعب الفلسطيني، حيث تدعمه بالسلاح والمال والخبرة.
فالاحتلال الذي تقف إلى جانبه قوى دولية كبيرة عجز عن تحقيق أهداف العدوان، بدءًا من القضاء على المقاومة ومرورًا بإعادة أسراه، لكنه مع ذلك يستمرّ في البحث عن كل ما من شأنه أن يمكنه من تسجيل نصر، يحفظ ماء وجهه وينقذ صورته التي تهاوت في أعين حلفائه قبل أعدائه.
صحيح أن محور "موراغ" ليس جديدًا، فهو يرجع إلى حقبة شارون الذي اضطر إلى الانسحاب من غزة؛ بسبب تصاعد الانتفاضة والمقاومة من جهة، وتداعيات احتلال العراق الذي تحول يومها إلى مستنقع خطير للإدارة الأميركية. فالظروف تغيرت كثيرًا، واليوم نتنياهو يده مطلقة، يبطش بها ويفتك بالفلسطينيين ويعيد رسم القطاع، وتقطيع أوصاله بالشكل الذي يؤدي إلى حصار المقاومة للإجهاز عليها.
ورغم ما يبدو من تباينات بين إدارة الرئيس ترامب ونتنياهو فإن مخطط التهجير الأميركي، يظل المشروع الذي تدفع باتجاهه حكومة نتنياهو؛ لأنه سبيلها الوحيد لاستمرار عدوانها على المقاومة، وعموم الشعب الفلسطيني.
وليس عبثًا أن تتسلم حماس بندًا عن نزع سلاح المقاومة، وهذا يؤكد أن الاحتلال مستمر في الهروب إلى الأمام ويحاول التملص من تطبيق بنود اتفاق وقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى، ويمضي نحو خلق شروط جديدة، تمنحه غطاء لتشديد ضغوطه على الفلسطينيين لشق العلاقة القائمة بين المقاومة وحاضنتها الشعبية، حتى يتسنى له ضرب عصفورين بحجر واحد: تفكيك المقاومة والقضاء عليها، ودفع الأهالي عن طريق إرهابهم وتجويعهم نحو الخروج من غزة إلى وجهات أخرى، خاصة إذا بقي الوضع على ما هو عليه من صمت وتواطؤ دولي.
إعلانلا ينبغي التهوين من خطورة المخطط الذي يهدف من ورائه نتنياهو إلى تحويل قطاع غزة إلى جيب صغير، تستحيل في ظله الحياة.
فكل الإجراءات، تصبّ باتجاه الرفع من منسوب الضغوط لتحقيق ما عجز عنه الاحتلال بالقوة العسكرية. فنتنياهو يهدف إلى جعل رفح بعد تدميرها وإفراغها من سكانها وتحويلها إلى مدينة أشباح، منطقة عازلة بمساحة تقدر بـ 75 كيلومترًا مربعًا، وهو ما يكشف نوايا الاحتلال وعزمه على إعادة بسط سيطرته وهيمنته على قطاع غزة.
والحال أن تمركز قوات الاحتلال في مدينة رفح الحدودية مع مصر وتحويلها إلى منطقة عازلة ودفع سكانها البالغ عددهم 200 ألف إلى منطقتي خان يونس والمواصي، هو في حد ذاته تهديد لأمن مصر القومي حتى قبل أن يكون اعتداء على الفلسطينيين.
ما يجري اليوم على أرض فلسطين من قتل جماعي وتغيير للجغرافيّة والديمغرافية والاستمرار في الاقتحامات الاستفزازية لباحات المسجد الأقصى، كلها مخططات لتصفية القضية الفلسطينية. وأمامها يتساءل المرء في ظل غياب تام للنظام الرسمي العربي والإسلامي: إلى أين نحن ذاهبون؟
إن الكيان الغاصب لم يعد يتحدث عن فلسطين وحدها وإنما تجاوزها إلى لبنان، وسوريا، ومصر، والأردن، والسعودية، والعراق. فالأطماع اتسعت، والهوان الرسمي العربي والإسلامي شجع الاحتلال على استباحة غزة، وها هو اليوم يستقوي بالدعم الأميركي ويتبنى شعارات وأهدافًا، يعبر عنها نتنياهو بمقولته الشهيرة: "تغيير وجه الشرق الأوسط"، التي طالما بشر بها صهاينة وأميركيون، لكنها على الأقل اصطدمت بمقاومات عطلت قطارها في المنطقة.
أما اليوم فكيان الاحتلال تمكن من الانفراد بالفلسطينيين، قتلًا وتدميرًا وتمددًا في الأراضي الفلسطينية، يحيك ضدها المؤامرات دون أن يقوى النظام الرسمي العربي على رفع الصوت، وتفعيل أي من الأوراق التي بحوزته.
إعلانإن العودة إلى تقطيع أوصال قطاع غزة وإخلاء رفح من سكانها وإنشاء محور "موراغ" وفصل خان يونس عن رفح، لذلك هدفان لا ثالث لهما، الأول تهجير السكان خارج القطاع وتوطينهم في وجهات بديلة بعد الرفض الذي عبرت عنه كل من مصر، والأردن، والثاني إبادة ما تبقى من رجال المقاومة، وفي هذه لا يستبعد استعمال أسلحة محرمة لتحقيق هدف العدوان الذي شنه نتنياهو بدعم أميركي سخي، وهو إزالة التهديد الذي تمثله حركات المقاومة الفلسطينية.
فماذا لو تحقق هذا السيناريو الرهيب؟ هنا يمكن القول إن الإدارة الأميركية وأداتها الوظيفية إسرائيل ستتمكنان من وضع قواعد جديدة لمنطقة الشرق الأوسط، وسيكون فيها النظام الرسمي العربي الخاسر الأكبر من لعبة الشطرنج التي ستكون تداعياتها خطيرة على الاستقرار والأمن القومي العربي.
إن الانفراد بالمقاومة وتشديد الحصار عليها وإرغام سكان غزة على تركها، وإقدام الصهاينة على مخططهم الرامي إلى هدم المسجد الأقصى وإقامة هيكلهم المزعوم، سينقل كل ذلك المشكلة الفلسطينية إلى عمق البلدان العربية والإسلامية.
لذا، فالمشاريع التي يدبّرها نتنياهو وجماعته من المتطرفين، يجب النظر إليها كتهديد حقيقي للبلدان العربية والإسلامية، والخطر الماحق هو أن يكون الزمن قد أوشك على الانتهاء لاستدراك ما فات، ووقف التدحرج نحو شفير الهاوية، إن لم نكن أصبحنا في الهاوية نفسها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline