بالأمس كنت أتكلم مع أسرتى عن بعض السودانيين الدين انضموا إلى إخوتهم السوريين فى منطقتنا بالزيتون، وكيف أصبحوا جزءاً من مجتمعنا الصغير، كنا نتكلم ونحاول أن نتعايش مع لحظات حياتهم السابقة الهادئة فى بلادهم قبل أن تحول الأحداث الحالية حياتهم إلى واقع مرير وعذاب صعب الخروج من صدمته إلا بعد مرور سنوات.
فى تسعينات القرن الماضى كنت قد اقتربت كثيراً من معايشتى للإخوة السودانيين بحكم خدمتى فى تلك الفترة بالقوات المسلحة فى مثلث حلايب، وجدت فيهم كثيراً من الطيبة والبراءة العفوية والتعامل بطريقة تجعلك تشعر بغير مواربة أننا جزء واحد، وجدت فيهم ثقافة وعلماً كثيراً، ربما كانت تلك الفترة أيضاً صعبة بالنسبة لهم خلال فترة وجود الثلاثى (البشير – الترابى – الصادق المهدى)، كنت أتابع موقف السودانيين وما يجرى فى بلادهم من أحداث وأشعر بحبهم الشديد لبلدهم وخوفهما عليها، بل وجدت فى البعض مشاعر الحزن لما وصلت له حال بلادهم خلال تلك الفترة، رغم أنهم يعلمون جيداً أن بلادهم تعتبر ثروة أفريقيا زراعياً ومعدنياً.
كنت أستمع إلى قصصهم وذكرياتهم فى بلادهم، وأتعايش داخلها بحكم تكوينى وثقافتى الطفولية فى قريتى الصعيدية والتى تتشابه مع مجتمعهم الزراعى، واليوم أحاول أن أرى تلك الذكريات مرة ثانية فى وجوه إخوتنا السودانيين المتجاورين لنا فى السكن حالياً، فأرى نظرة الحزن تكسو وجه البعض، وأشعر وقتها بأن كل ذكريات الماضى تطارد تلك الوجوه فى غربة حتى ولو كانت بين أشقائهم، فهى غربة عن منبع الذكريات، غربة عن أمن البيت والعائلة، غربة عن تراب عشقوه ومن تربته أجساد أجدادهم، وفى نفس الوقت حزن آخر من تناقل الأخبار عن كارثة إنسانية يعيشها من بقى فى السودان الحبيب المحبب لقلبى.
عندما أتساءل كيف خرجوا من ديارهم، بل والأشد من هذا عندما أحاول أن أضع نفسى فى موقفهم، وهم مجبرون على الهروب من ويلات حرب ليس لهم يد فيها، غير أنها حرب سلطة، أحاول أن أتخيل كيف كانت رحلة عبورهم للحدود، وما سبقها من ترتيبات ونظرة الوداع لكل ذكريات الماضى ووداع للأحبة والأهل والجيران، إن بقى منهم حياً، فليس هناك وقت للوداع بالأحضان بل نظرات حسرة من بعيد عن ماضى ولى ومستقبل مجهول.
ما بين رحلة العبور وحتى الاستقرار بجوارنا، هى رحلة عبور عبر أنفاق الموت وليس نفقاً واحداً، فكل خطوة محفوفة بالمخاطر يسير بجوارها الموت، سواء موت الحرب أو الجوع أو السير والتنقل أو محاولة حمل ما خف وزنه وزادت قيمته من تعب العمر ليكون بذرة لحياة جديدة لا يعرفون عنها شيئاً ولكن هى رحلة البحث عن الأمن.
هنا جاءوا وسكنوا بجوار إخوتهم السوريين فى أمن وأمان، ووقتها تنهدت كثيراً ونظرت إلى أعلى فى حركة فطرية لأقول فليحميكِ الله يا مصر، فمن غيرك يستطيع أن يتحمل كل هذا، وماذا سوف يكون وضعهم لا قدر الله ونجح ما خطط له إخوة الشياطين لبلدنا، فهل كان لهؤلاء أمن وأمان إلا مصر، أين يمكن أن يكونوا أو ربما كانوا فى عداد الموتى بعد صعوبة فى الهرب مراراً وتكراراً، ولينظر مَن ينكر إلى كل حدودنا ويرى كيف كانت وإلى أى مدى وصلت أو حتى يحاول قراءة المستقبل ليقول إلى أين المنتهى؟
ربما ضغوط الحياة أصبحت كثيرة وصعبة والأسعار زادت وارتفعت بشكل غير مبرر، ولكن بالطبع عندما أنظر إلى حال كل هؤلاء المتواجدين وسطنا فى كل بقاع مصر المحروسة، وقد أصبح لهم مسكن ومشرب ومأكل، فأقول طالما فى العمر بقية يجب أن نتعايش بجوار بعض لأجل أن تستمر الحياة وتبقى كل أبواب مصر أبواب الأمن لكل من يطرق بابها، وبالفعل فإنها سوف تستمر أبواب الحياة للعائدين من مناطق الموت.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أسرتي تحول الأحداث القوات المسلحة
إقرأ أيضاً:
البرهان : ملايين السودانيين عادوا إلى مدنهم وقراهم
ثمن رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول الركن عبدالفتاح البرهان مواقف مملكة النرويج تجاه السودان وسيادته ووحدة أراضيه وأمنه واستقراره.
وجدد رئيس مجلس السيادة، لدى لقائه المبعوث النرويجى الخاص للسودان الدكتور أندريا ستيانسن، استعداد الحكومة السودانية لبذل كل الجهود وتقديم كل التسهيلات لإيصال المساعدات الإنسانية لكل المحتاجين .
من جانبه، قال السفير نور الدائم عبدالقادر مدير الشؤون الأوروبية والأمريكية بالخارجية السودانية ، في تصريح صحفي أن اللقاء تطرق إلى مجريات وتطورات الأوضاع الأمنية والسياسية في البلاد، وجهود الحكومة التي تعتزم القيام بها تجاه عملية التحول الديمقراطي المدني وإطلاق الحوار الشامل لتحقيق الإجماع الوطني تجاه القضايا الوطنية، منوهاً لدور النرويج الفاعل في الحوار السوداني وصولاً للوفاق الوطني.
وأشار إلى أن اللقاء تطرق إلى أهمية إيصال المساعدات الإنسانية لمستحقيها، لافتاً إلى أن رئيس مجلس السيادة أكد خلال اللقاء عودة الملايين من السودانيين إلى مدنهم وقراهم بفضل الانتصارات التي حققتها القوات المسلحة في كافة المحاور ودحرها للمليشيا الإرهابية التي دمرت البنية التحتية للدولة السودانية.
وأضاف أننا نتطلع للتعاون مع النرويج ودفع مجالات التعاون المشترك ودعمها لعملية حوار سوداني سوداني يشمل الجميع لانطلاق مرحلة التحول الديمقراطي وإنهاء الحرب.
من جانبه، أكد المبعوث النرويجى الدكتور أندريا ستيانسن، موقف بلاده الداعم لوحدة السودان وأمنه واستقراره، وقال " أن أي عملية سلام يجب أن تكون بقيادة وملكية سودانية، مبيناً أن زيارته للبلاد تأتي في إطار التواصل مع الحكومة السودانية لدفع وتعزيز العلاقات ودعم عملية الحوار والتحول الديمقراطى وتحقيق السلام.
وأوضح المبعوث أن اللقاء تطرق إلى السبل المثلى لدفع عملية الحوار السوداني وفق مبادئ أن تكون قيادتها وملكيتها سودانية، مشيراً إلى أن هناك تحديات وسنتغلب عليها بروح التعاون والتركيز على أهداف عملية الحوار.
كما لفت إلى أهمية إيصال المساعدات الإنسانية لمستحقيها وتوفير الخدمات الضرورية للمواطنين.