ما زال الفلسطينيون في جوف المعركة: المقاتلون يقاوموا الاحتلال، والمدنيون يتلقوا ضربات وقصف الموت والتدمير والخراب.
ما زالت المعركة قائمة، جارية لم تتوقف وإن تغيرت أشكالها، بعد بدء تنفيذ الخطة الثالثة من برنامج يوآف جالنت منذ الاول من كانون اول يناير الجاري، من خلال تركيز الحشد، وعدم الانتشار، وانسحاب القوات إلى مواقع محددة داخل قطاع غزة ، على أن تبتعد و تتحاشى حالات الاشتباك المباشر مع المقاتلين الفلسطينيين، وبعضها انسحب إلى قواعدهم في مناطق 48، بهدف تقليص عدد وجودهم، وعدم توزعهم وانتشارهم في قطاع غزة.
المعركة لم تنته، لا الفلسطينيون حققوا الانتصار، ولا قوات المستعمرة واجهت الهزيمة، فالنتائج السياسية مرتبطة بنتائج المعركة التي ما زالت متواصلة، الفلسطينيون صامدون إلى الآن، والإسرائيليون أخفقوا في تحقيق برنامجهم الثلاثي إلى الآن:
1- فشلوا في إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين.
2- فشلوا في قتل أو اعتقال قيادات حماس الميدانية.
3- فشلوا في طرد أو تشريد أو إبعاد الفلسطينيين إلى خارج قطاع غزة نحو سيناء.
نتنياهو وفريقه السياسي والأمني والعسكري، واجهوا الإخفاق، ولذلك لا مصلحة لهم بوقف القتال والمعركة، حتى يحققوا شيئاً من أهدافهم، ولذلك يبحثوا عن كافة الذرائع والحجج لمواصلة المعركة لعل الفلسطينيين يتعبوا، يجوعوا، تنتهي ذخيرتهم، ولعل قوات الاحتلال تتمكن من اصطياد أي من قادة حماس، أو غيرهم.
الفلسطينيون يملكون ورقة الأسرى الإسرائيليين الرابحة، ويملكون صمودهم، وبسالتهم واستعدادهم العالي للتضحية، حيث لا خيار لهم سوى الصمود والمقاومة، بينما الإسرائيلي لديه خيارات متعددة آخرها التضحية والموت، ولهذا تختلف دوافعه واستعداده عن الفلسطيني.
العالم صاحبه الاستفزاز والامتعاض من سلوك قوات المستعمرة، وهمجيتها، وقصفها العشوائي المنظم المتعمد لقتل الفلسطينيين وتدمير بيوتهم ومنشآتهم وجعل غزة غير قابلة للحياة الطبيعية، ولذلك انتقلوا من موقع الانحياز للمستعمرة تحت حجة حقها للدفاع عن نفسها، انتقلوا إلى موقع التعاطف مع الفلسطينيين وشجب السلوك الإسرائيلي الذي أصبح عارياً على تطرفه وهمجيته في قتل الفلسطيني وتدمير مقومات حياته.
الولايات المتحدة الذي شكلت غطاءً سياسياً وتسليحياً للمستعمرة، وحمتها من أي قرار قد يصدر عن مجلس الأمن، صابها الحرج، بعكس الموقفين الصيني والروسي اللذين منعا مجلس الأمن أيضاً من إصدار أي قرار يمس الفلسطينيين وحركة حماس.
رحلة وزير الخارجية الاميركي تحمل تعارضات مختلفة، وهي تعكس التعارض وعدم الاتفاق بين صفوف الإدارة الأميركية، لأن شيك سيلفان مستشار الأمن القومي، ووزير الخارجية بلينكن اليهوديان، يختلفان مع مدير المخابرات الأميركية وليام بيرنز، وهي أيضاً إنعكاساً لما يجري لدى المستعمرة حيث الخلاف بين المؤسستين السياسية الحزبية الحكومية من طرف والجيش والمخابرات من طرف آخر.
المصدر : وكالة سواالمصدر: وكالة سوا الإخبارية
إقرأ أيضاً:
تشاؤم إسرائيلي إزاء جبهات الحرب المتعددة بسبب المعركة الداخلية
فيما يخوض الاحتلال حرباً على سبع جبهات، فإن القناعة السائدة أن الأضرار الهائلة التي أصابته من هذه الحروب منذ أواخر 2023 لم تعلمه شيئاً، لأن قادته ما زالوا يدفنون رؤوسهم في الرمال، ويرفضون الاعتراف بأن الجبهة الأساسية التي حقق فيه الاحتلال هزيمة نكراء هي المعركة الداخلية.
البروفيسورة يديديا شتيرن رئيسة معهد سياسة الشعب اليهودي (JPPI) وأستاذة القانون بجامعة بار إيلان، لم تتردد في القول إن "المراقب العاقل للوضع الإسرائيلي لابد أن يمزّق شعره، وهو يرى ما الذي ينشغل به قادته في هذه اللحظة التاريخية المصيرية الراهنة، وهو السؤال الأبرز الذي يدور في قلب الجدل العام، في ضوء إعادة تشكيل الشرق الأوسط؛ وغرق الجنود في مستنقع غزة ولبنان وسوريا؛ وقد فُتحت لأول مرة فرصة حقيقية للقضاء على السلاح النووي الإيراني؛ وهناك إدارة جديدة تنهض في واشنطن، والمجتمع والاقتصاد يئنّان تحت أعباء ثقيلة؛ ورغم كل ذلك فلا زال قادة إسرائيل منشغلون في عالم موازي آخر".
انعدام المسئولية
وأضافت في مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، وترجمته "عربي21" أن "قادة الدولة لا يتوانون عن الاستمرار في مهمة حفر القبور للمختطفين المئة، والجنود الذين يسقطون بزيّهم العسكري في وحل غزة، لكنهم يعتبرون هذه المسائل الوجودية ثانوية، مما يكشف عن حالة من الجنون وانعدام المسؤولية التي لا مثيل لها في المنطقة، وتدار بها الدولة في هذه المرحلة الخطيرة وغير المسبوقة، التي تستدعي من قادة الدولة عموما، ورئيس الحكومة خصوصا، أقصى قدر من الاهتمام لهذا الوضع غير المستقر الذي تعيشه الدولة برمّتها".
وأشارت أن "الشواهد على تدهور وضع الدولة في هذه الظروف الاستثنائية أكثر من أن تحصى، لعل أخطرها، أن الإسرائيليين فقدوا دولتهم، ولا يتوانى عدد من قادتهم عن إعلان الدعوة لرفض الخدمة في الجيش؛ فيما يطالب كبار الحاخامات عناصرهم المتشددة، الذين يمثلون ثُمن الجمهور الإسرائيلي، لعدم التجنيد؛ أما وزير القضاء وأعضاء الكنيست فيفكرون برفض أمر المحكمة العليا؛ ويعلن وزير آخر أنه لا يستبعد تغيير النظام القضائي، وكل ذلك يعني في النهاية تقويض القدرة على الحفاظ على حكم القانون في الدولة".
وأكدت أنه "بينما تواصل الآلة الدعائية للحكومة والجيش على ترديد المزاعم الخاصة بتحقيق الانتصار في جبهات القتال الخارجية السبعة، لكن الحقيقة الماثلة أن الدولة تخسر بشكل خطير حربها على الجبهة الداخلية الثامنة، مع العلم أن ثمن الخسارة في هذه الجبهة سيكون البنية التحتية للدولة برمّتها، وهو ما لا يمكن استرداده بسهولة، لأن مؤسسات الدولة في هذه الآونة تفقد الثقة بصورة كاملة في ذاتها، ويتم استخدام النظام السياسي من قبل الأغلبية اليمينية لهدم أركانه وأسسه".
التصدع الداخلي
وأشارت أن "معالم خسارة الاحتلال لحربه الداخلية تتجسد في غياب وتصدع التكافل الاجتماعي في زمن الحرب بين الإسرائيليين، وما مُني به جهاز المناعة القومي من أضرار غير قابلة للترميم، وفي هذه الحالة فإن المسؤولية الأساسية تقع على عاتق من هم في السلطة، أي رئيس الوزراء والحكومة بأكملها، بسبب مبادرتهم لإطلاق عجلة الانقلاب القانوني فور توليهم السلطة في أواخر 2022، حتى أن الأضرار الهائلة التي خلّفتها سنة 2023 من حروب ومواجهات خارجية لم تعلّمهم شيئا، بدليل عودة ذات الحماقة من جديد في هذه الآونة".
وأوضحت أن "حكومة اليمين لا تتردد في محاولة تغيير قواعد اللعبة السياسية والقانونية من جانب واحد، ودون إجماع إسرائيلي واسع، فيما يكتفي الآخرون بدفن رؤوسهم في الرمال، رغم بدء رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو للإدلاء بشهادته في المحكمة، وفي الوقت ذاته السماح له بمزاولة مهامه في هذه اللحظة الحرجة، وهي خطوة غير مسبوقة في تاريخ الدولة منذ تأسيسها".
وأكدت أن "الحقيقة المرّة أن الصراع الذي تخوضه الدولة على الجبهات الخارجية المتعددة يسفر عن قلق حقيقي على مستقبلها، وفي الوقت ذاته فإن ساستها ممن يخوضون الحرب الداخلية يفتقرون للمرونة والرؤية الواسعة، بل إن كلا منهم متمترس في تكتله الحزبي، ووجهه مغلق أمام الرأي العام، الذي يتطلب بطبيعته التنازل للآخرين، مما ينفي الحديث عن المساواة في المسؤولية عن الكارثة الوطنية الماثلة، ويحمّل الحكومة مسئولية أكثر من أي جهة أخرى، لأنها تملك السلطة، وعليها واجب استخدامها، وبإمكانها تغيير قواعد اللعبة، رغم أن استطلاعات الرأي تشير أن مستوى الثقة بها منخفض، ولا تحظى بدعم أغلبية الجمهور الإسرائيلي".
ودعت إلى "وقف إطلاق النار بين الإسرائيليين في الجبهة الداخلية الثامنة، لأنه بدونها فلن يتحقق النصر في الجبهات السبع الأخرى، وسيكون لا قيمة له، وحينها فإن ما يعتبره الإسرائيليون "النصر المطلق" سيكون خسارة لهم جميعاً، وسيجعل الدولة تفتقر لحالة التوازن الداخلي، وسيقوم الجانب الخاسر بترتيب جولة أخرى، وعلى طول الطريق سيخسر الإسرائيليون جميعًا، لأن كل تيار ينظر للآخر انطلاقا من "الدونية الأيديولوجية"، وهذا خطأ فادح، سيزيد من الفجوة الاجتماعية العميقة الحاصلة".
وأشارت أن "قواعد لعبة إدارة النزاع الإسرائيلي الداخلي ليست مستقرة، لأن الأغلبية اليمينية الحالية تحاول حالياً تغيير شكل الدولة من جانب واحد، مما يعني افتقارنا للقدرة على الاتفاق على هوية إسرائيل، ومضمونها القيمي، وبالتالي لا يمكن التوصل لدستور كامل، الذي يحمي قواعد اللعبة السياسية، أي أن الدولة ستبقى مفتقرة لما يمكن اعتباره "الترياق" الضروري للأزمة المتفاقمة حالياً".