لماذا تخوض دولة جنوب أفريقيا المعركة القانونية وحدها ضد إسرائيل؟
تاريخ النشر: 11th, January 2024 GMT
طلبت دولة جنوب أفريقيا من محكمة العدل الدولية يوم الجمعة الموافق 29 ديسمبر/ كانون الأول 2023 إصدارَ أمر عاجل يعلن أن إسرائيل تنتهك التزاماتها في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948. وقد استجابت المحكمة، استنادًا للصلاحية القانونية، لهذا الطلب، حيث حددت جلستين لهذه الغاية: الجلسة الأولى؛ يوم 11 يناير/ كانون الثاني 2024 حيث ستقدم جنوب أفريقيا مرافعتها الشفهية من الساعة العاشرة صباحًا وحتى 12 ظهرًا.
ومن جهتها، قرَّرت إسرائيل المثول أمام محكمة العدل الدولية للرد على دعوى جنوب أفريقيا لمقاضاتها. وتناقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن هيئات أمنية وقانونية إسرائيلية، بما فيها النيابة العامة، الخشيةَ من أن تنسب محكمة العدل الدولية لإسرائيل جرائم إبادة جماعية في غزة.
وتتضمن الدعوى التي تقدمت بها جنوب إفريقيا طلبًا من المحكمة الدولية بأن تصدر بشكل عاجل أوامر مؤقتة ملزمة قانونًا لإسرائيل "بتعليق عملياتها العسكرية على الفور في غزة وضدها". ومن المتوقع أن تصدر المحكمة مثل هذه الأحكام، وفي المقابل قد تتجاهلها إسرائيل.
وفي إطار عملية الدفاع التي تقوم بها دولة الاحتلال في مواجهة طلب جنوب أفريقيا، نظمت الخارجية الإسرائيلية حملة واسعة النطاق من خلال الطلب من سفرائها في دول معنية لتشويه صورة جنوب أفريقيا بالادعاء بأنها تدعم منظمة إرهابية تدعو إلى تدمير دولة إسرائيل، وهي عملية تمييع لهذا الجهد.
عاشت جنوب أفريقيا أطول تجربة نظام فصل عنصري استمرّ لمدة 46 عامًا، بدأ عام 1948 وانتهى عام 1994، وذلك بعد حملة طويلة وشاقة من المقاومة من قبل حركة الحقوق المدنية. وهي بهذا المعنى تدرك تمامًا معنى أن يعيش الشعب الفلسطيني في غزة تحت نظام فصل عنصري
كما تتركز الحملة، على الطلب السياسي وليس القانوني، من محكمة العدل الدولية بأن تتحرك ضد إيران أو حماس؛ كي يكون هناك توازن في عملها، وهي تأتي أيضًا في محاولة تفريغ طلب جنوب أفريقيا من مضمونه القانونيّ.
يستند الطلب الجنوب أفريقي من محكمة العدل الدولية إلى أمرَين، وهما: أن إسرائيل لا تعمل على منع التصريحات التي تدعو إلى الإبادة الجماعية، وأنها ترتكب- فعلًا- أعمالًا تشكل إبادة جماعية. وذلك من خلال ملف متكامل يتكون من 84 صفحة كل صفحة فيه أعدت بعناية بالغة.
والأسئلة المركزية في هذا الإطار: لماذا تخوض دولة جنوب أفريقيا المعركة القانونية وحدها ضد إسرائيل؟، وهل هناك من إمكانية لمحاسبة إسرائيل على جرائمها؟، وما هو موقف الولايات المتحدة؟، ولماذا لم تنضم أية دولة أخرى لها بما فيها دول عربية وإسلامية؟
نجيب عن هذه التساؤلات من خلال النقاط التالية:
من المهم الإشارة إلى أن جنوب أفريقيا دولة بعيدة عن حدود إسرائيل، وهي دولة صناعية غربية وإن كانت في أفريقيا. وليست ذات مصلحة مباشرة، كما هو الحال فيما لو فعلت ذلك الأردن، أو مصر أو سوريا أو السلطة الفلسطينية مثلًا. هذه المعطيات مهمة جدًا في تأكيد مصداقية دولة جنوب أفريقيا. عاشت جنوب أفريقيا أطول تجربة نظام فصل عنصري استمرّ لمدة 46 عامًا، بدأ عام 1948 وانتهى عام 1994، وذلك بعد حملة طويلة وشاقة من المقاومة من قبل حركة الحقوق المدنية. وهي بهذا المعنى تدرك تمامًا معنى أن يعيش الشعب الفلسطيني في غزة تحت نظام فصل عنصري وحصار غير قانوني وجرائم حرب متواصلة. وهي تتضامن أخلاقيًا مع نضال الشعب الفلسطيني لتقرير مصيره. إن جرائم الاحتلال في غزة موصوفة ومتكاملة: (جرائم حرب، جرائم ضد الإنسانية، جرائم إبادة)، كما أن التصريحات التي صدرت عن مسؤولين إسرائيليين- والتي سبقت ورافقت الحرب على غزة- واضحة جدًا، وقد هيأت الظروف لارتكاب هذه الجرائم، وهي تشكل ركن النية لارتكاب جريمة الإبادة. وحين أعدت جنوب أفريقيا الملف إنما أعدته كي تحقق إنجازًا حقيقيًا لملاحقة ومحاسبة قادة الاحتلال كهدف مباشر، وكي تضع المجتمع الدولي عند مسؤولياته كهدف غير مباشر. (يبلغ عدد الدول الأطراف في هذه الاتفاقية 153 دولة). إن سبب اللجوء إلى محكمة العدل هو رفض، أو تقاعس، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية السيد كريم خان عن، إدانة إسرائيل، وإصدار مذكرات توقيف بحق قادة إسرائيليين، كما فعل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال فترة زمنية قياسية. إن نزاهة وجدية القضاة في محكمة العدل الدولية مشهودة، وهم يعملون بشكل مهني تام، حتى وإن كان من بينهم قاضٍ أميركي، فقد سبق أن أدانت هذه المحكمة- من خلال الرأي الاستشاري- إسرائيلَ في قضية جدار الفصل العنصري عام 2004، وقالت: إن جدار الفصل العنصري هو للدفاع عن الاحتلال وليس للدفاع عن النفس، (رغم كل محاولات التشويش والصراخ التي قامت بها إسرائيل آنذاك). سوف تطلب محكمة العدل الدولية من إسرائيل وقف الحرب على غزة مع بدء جلسات المحاكمة، وإذا رفضت إسرائيل فسوف تحيل الأمر إلى مجلس الأمن الدولي. عندها هل ستستخدم الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو)؟، سيكون الأمر محرجًا جدًا، وسيشكل لها إرباكًا غير مسبوق، فكيف لها أن ترفض طلبًا من جسم أساسي من أجسام الأمم المتحدة. (محكمة العدل الدولية نشأت من رحم ميثاق الأمم المتحدة نفسه)، وهل ستفعل كما أفشلت قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بهذا الخصوص؟ من المؤكد أن الإجراءات ستكون شاقة وستستغرق وقتًا، وهذا أمر متوقع في المحاكمات الدولية. كما أن الحكم الذي سيصدر عن محكمة العدل الدولية سيشكل ضغطًا كبيرًا على المحكمة الجنائية الدولية؛ لتسريع إجراءات التحقيق وإصدار مذكرات توقيف بحق قادة إسرائيليين. لماذا لم تنضم أية دولة إلى جنوب أفريقيا بما فيها الدول العربية والإسلامية؟تخوض دولة جنوب أفريقيا المعركة القانونية ضد إسرائيل منفردة، لكنها تخوضها بثقة بالنفس واستنادًا إلى دلائل دامغة على ارتكاب جرائم الإبادة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة. لم تنضم أية دولة عربية أو إسلامية لجنوب أفريقيا حتى من تلك الدول الأطراف في اتفاقية مناهضة الإبادة الجماعية.
ولكن المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان العالمية والإقليمية وكذلك الوطنية (الفلسطينية على وجه الخصوص) كلها تقف بقوة إلى جانب دولة جنوب أفريقيا، وتقدم لها كل الوثائق والبيانات المطلوبة.
من الواضح أن الضغوط الأميركية قد آتت أكلها في منع أية دولة من مساندة دولة جنوب أفريقيا حتى الآن على الأقل. لكن الأمل المعقود على جهود جنوب أفريقيا ثم نزاهة وجدية قضاة محكمة العدل الدولية، وما سيصدر عنهم سيشجع بعض الدول للانضمام لهذه المعركة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: محکمة العدل الدولیة دولة جنوب أفریقیا الإبادة الجماعیة نظام فصل عنصری أیة دولة من خلال عام 1948 فی غزة
إقرأ أيضاً:
إطلاق مبادرة محكمة غزة بلندن للتحقيق في جرائم إسرائيل
أطلق أكاديميون ومثقفون ومدافعون عن حقوق الإنسان وممثلون إعلاميون ومنظمات غير حكومية مبادرة "محكمة غزة" في العاصمة البريطانية لندن، للتحقيق في جرائم الحرب التي تواصل إسرائيل ارتكابها في القطاع، وهي مبادرة مستقلة تُعرف بأنها "محكمة الإنسانية والضمير".
وقد عقدت محكمة غزة اجتماعاتها التحضيرية الأولية الأسبوع الماضي على مدى يومين في لندن، بحضور حوالي 100 مشارك.
وتتبع المحكمة نهجا بديلا نحو العدالة الدولية، بهدف تسليط الضوء على أصوات المجتمع المدني في دراسة الانتهاكات التي ارتكبتها إسرائيل في قطاع غزة.
المبادرة يقودها المقرر الأممي السابق ريتشارد فولك (الأناضول)وتضم هيئة رئاسة المبادرة -التي يقودها المقرر الأممي السابق لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة البروفيسور ريتشارد فولك– المقررَين الأمميَين السابقين مايكل لينك، وهلال الفر، بالإضافة إلى الأكاديميين نورا عريقات، وسوزان أكرم، وأحمد كور أوغلو، وجون رينولدز، وديانا بوتو، وجميل أيدن، وبيني غرين.
ومن بين "أعضاء المحكمة"، هناك العديد من الأسماء المهمة من مختلف مناطق العالم، مثل إيلان بابي، جيف هالبر، وأسامة مقدسي، وأيهان تشيتيل، وكورنيل ويست، وآفي شلايم، ونعومي كلاين، وأسلي بالي، ومحمود ممداني، وكريغ مخيبر، وحاتم بازيان، ومحمد كارلي، وسامي العريان، وفارانك بارات، وحسن جبارين، وويلي موتونغا، وفيكتوريا بريتين.
وفي اليوم الأول من الاجتماعات في لندن، عقدت جلسة خاصة مع ممثلي المنظمات غير الحكومية الفلسطينية والمنظمات الحقوقية الأخرى التي سيكون لها وظيفة مهمة للمحكمة.
ومن بين المنظمات غير الحكومية المشاركة في هذه الجلسة: منظمة "القانون من أجل فلسطين"، وشبكة المنظمات غير الحكومية البيئية الفلسطينية، والشبكة العربية للسيادة الغذائية "إيه بي إن" (APN)، والمركز القانوني لحماية حقوق الأقلية العربية في إسرائيل (عدالة)، ومؤسسة الحق الفلسطينية لحقوق الإنسان، ومركز الميزان لحقوق الإنسان، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، وهي منظمة غير حكومية أنشئت للمطالبة بحقوق السجناء الفلسطينيين، والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.
الاجتماعات التحضيرية
وفي نطاق الاجتماعات التحضيرية الأولى لمحكمة غزة، التي عقدت في لندن، تم تحديد المراحل اللوجيستية وإنشاء الهيكل التنظيمي للمحكمة ومبادئ عملها، كما تمت أيضا مناقشة قضايا مثل المبادئ الأساسية لعمل المحكمة وإستراتيجيات التنفيذ والاتصال.
ومن المتوقع أن تعقد الجلسة الثانية للمحكمة في عاصمة البوسنة والهرسك سراييفو في مايو/أيار 2025، والجلسة الثالثة والأخيرة في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2025.
وفي الجلسة التي ستعقد في سراييفو، سيتم عرض التقارير المُعدّة وإفادات الشهود ومسودة تقرير المحكمة على الرأي العام. وبالإضافة إلى الأفراد المتأثرين بالوضع في غزة، وسيحضر اجتماع سراييفو ممثلون عن المجتمع المدني في المنطقة، وشهود عيان من الخبراء.
وفي جلسة إسطنبول الرئيسية التي تعد من أهم مراحل عمل محكمة غزة، سيستمع المجلس، الذي يضم خبراء في مجالات القانون والثقافة والسياسة والمجتمع المدني، إلى شهادات الضحايا والشهود، وإعلان مسودة القرار النهائي. بالإضافة إلى ذلك، سيتم أيضا الإعلان عن القرارات التي تتضمن صلاحيات خاصة وتوصيات متعلقة بعمل محكمة غزة، بما يتماشى مع آخر التطورات.
رفع مستوى الوعيتم تأسيس محكمة غزة للتحقيق في الجرائم والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والإبادة الجماعية، التي ترتكبها إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وتبرز المحكمة بوصفها مبادرة نظمها المدافعون عن حقوق الإنسان وخبراء القانون الدولي والمنظمات غير الحكومية الدولية والإقليمية التي تتعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان في غزة.
وتهدف المحكمة إلى لفت انتباه المجتمع الدولي إلى الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني وإدراج تلك الجرائم في جدول الأعمال الدولية.
وفي نطاق جلسات المحكمة، سيركز الأعضاء على أبعاد الأزمة الإنسانية في غزة، وسيتم حل مسألة عدم المساءلة عن جرائم الحرب الإسرائيلية المستمرة، والسماع لشهادات الأفراد والمنظمات غير الحكومية المتضررة من هذه الجرائم.
وستحاكم إسرائيل غيابيا بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب في غزة.
منتدى للعدالة البديلة
كما تهدف المحكمة إلى القيام بإجراءات شفافة والعمل بشكل مستقل عن دوائر القوى الدولية ودون قيود، وإنجاز مهمتها ضمن جدول زمني قابل معين.
وتعكس نشأة المحكمة إحباطا متزايدا من القيود والتأخيرات التي تواجهها أنظمة العدالة الدولية الرسمية، مثل محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، حيث تتباطأ القضايا المتعلقة بالنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي.
بالرغم من تحقيقات هاتين المؤسستين الجارية، التي تتضمن قضية تقودها جنوب أفريقيا تتهم إسرائيل فيها بارتكاب الإبادة الجماعية، تعتقد محكمة غزة أن هذه الهيئات الرسمية غالبا ما تكون مقيدة بإجراءات مطولة وضغوط سياسية خارجية.
وفي هذا الصدد، فإن محكمة غزة ليست بديلا عن المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، ولكنها تهدف إلى دعمهما بغية تحقيق نتائج موثوقة من الناحية القانونية ورفع مستوى الوعي الدولي.
وتؤكد المحكمة التزامها بالشمولية وسهولة الوصول، حيث تدعو مجموعات المجتمع المدني الفلسطيني والأفراد المتأثرين مباشرة بالنزاع لتقديم الأدلة والشهادات. ويهدف هذا الكيان إلى سد الفجوة بالتركيز على التأثير الإنساني لسياسات وإجراءات إسرائيل على المدنيين الفلسطينيين.
إطار قانوني موسعوسيتجاوز إطار المحكمة القانونية الأحداث الأخيرة، ليشمل مواضيع مثل الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري، مما يضع نتائجها في سياق النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني المستمر لعقود والأحداث التاريخية مثل النكبة عام 1948 واحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية بعد عام 1967.
وتستمد محكمة غزة سلطتها وقوتها من الناس عامة، ومن الفلسطينيين بشكل خاص، باستخدام التراكم الفكري والضمير الإنساني، بحيث يمكن لأي شخص يتفق على المبادئ العامة للإنسانية الإشارة إلى أحكام ووثائق المحكمة بخصوص أي مشاكل مستقبلية.
ومنذ أكثر من عام، تشن إسرائيل حرب إبادة جماعية -بدعم أميركي- على قطاع غزة، أسفرت حتى الآن عن استشهاد وإصابة أكثر من 145 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين.