تجهل كثيرات من ربّات المنازل أنهن قد يكن مصابات باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)، لكن هذا الأمر الذي قد يظل مجهولا لسنوات طويلة، يظهر بجلاء خلال عمليات التنظيف الروتينية للمنزل، عبر مجموعة من العلامات، أبرزها صعوبة التنظيف وعدم استكمال ما تم البدء فيه بالفعل.

لا شيء يكتمل للنهاية

يعدّ المصابون بفرط الحركة ونقص الانتباه أكثر عرضة للتشتيت أثناء أداء المهام المنزلية الروتينية، مما يحولها إلى حمل ثقيل.

تقول فاطمة هشام، وهي ربة منزل وأم لطفل وحيد، إنه تم تشخصيها بالفعل أثناء طفولتها باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، وهو ما لاحظته لاحقا في نواح عدة أبرزها طريقتها في تنظيف المنزل. وتذكر أنها "علمت أنه من علامات الاضطراب عدم إكمال المهام، والتشتت بمهام أخرى، لا شيء يكتمل حتى النهاية، ولا بالترتيب، لهذا أجدني أنظف غرفة الاستقبال في بيتي، وفجأة أجدني في غرفة أطفالي، ثم دون مقدمات أجدني انتقلت إلى المطبخ، قبل أن أخرج إلى الشرفة لأنظفها، يستهلك هذا الكثير من الجهد، فلا أنتهي من تنظيف البيت إلا دفعة واحدة".

المشكلة ذاتها تعاني منها راندا حسن لكن بصورة أصعب، تقول الشابة الثلاثينية "مشكلتي أنني لا أتشتت فقط، لكنني أنسى بماذا بدأت أصلا، وماذا عليّ أن أفعل الآن تحديدا. إنني أنسى في بعض الأحيان الطعام على الموقد، حيث أكتشف لاحقا أنه قد احترق بالفعل فقط لأنني لم أذكر ما الذي كان عليّ القيام به أولا!".

البالغون يواجهون التحديات ذاتها التي يواجهها الأطفال المصابون باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (شترستوك) ما الذي يحدث؟

بالرغم مما أثبتته دراسة بشأن العلاقة بين الإصابة بمتلازمة فرط الحركة وتشتت الانتباه وبين ما يطلق عليه "إعاقة العمل"، حيث ضعف الأداء وكثرة الأخطاء أو ما أطلقت عليه دراسة أخرى "الضعف الوظيفي"، فإنّ الأمهات حتى لو كنّ مصابات بفرط الحركة وتشتت الانتباه، فإن ذلك لا يقلل من المسؤوليات المتوقعة منهن، ولا يخفف عنهن أيّا من المهام الروتينية، خاصة تلك المتعلقة بالتنظيف. لكن كيف يمكن تأكيد أو نفي الإصابة؟

في الواقع، لا علاقة للعمر بالمعاناة مع اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، حيث تشير دراسة إلى أن البالغين يواجهون التحديات ذاتها التي يواجهها الأطفال المصابون باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، مع اختلاف حجم المهام والمسؤوليات. ومن بين الأعراض المدرجة لهذا الاضطراب:

وجود مشكلة في الانتباه إلى المهام الضرورية. سوء التنظيم. تجنب أو كره المهام التي تتطلب جهدا عقليا مستداما. الفشل في إيلاء الاهتمام بالتفاصيل. ارتكاب أخطاء بسبب الإهمال. صعوبة الانتباه والتركيز. نسيان الأنشطة اليومية المهمة.

ويعدّ توفر 5 فقط من بين الأعراض المذكورة لمدة 6 أشهر على الأقل، كافيا للتشخيص باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه. وهذا يعني أنه خلال الانشغال بإعداد وجبة أو تنظيف غرفة، قد تجدين نفسك فجأة تقومين بالدردشة عبر مواقع التواصل، أو تتصفحين خلاصات تيك توك، دون الانتباه لما كنتِ تقومين به في الأصل.

حتى لو كنّ مصابات بفرط الحركة وتشتت الانتباه، فإن ذلك لا يقلل من المسؤوليات المتوقعة من الأمهات (شترستوك) حيل لتخطي العقبة وتنظيف البيت بذكاء

إليك بعض الأفكار التي من شأنها مساعدتك في إنجاز المهام بشكل أسرع:

يعدّ استخدام التقنية الأنسب لك هو المفتاح. رتبي أفكارك، سواء كان ذلك بالورقة والقلم، أو عبر أحد تطبيقات تنظيم الوقت مثل "تايملي" (Timely)، أو الكتابة على سبورة صغيرة. المهم هو تنظيم المهام قبل بدء التنظيف، وسيكون من المفيد أن تقومي بتدوين الغرف التي ترغبين في تنظيفها اليوم على سبيل المثال، وربما يكون من المفيد كتابة المهام المطلوبة في كل منها، أو ترتيبها بحسب درجة الصعوبة. تحديد وقت واضح للمهام، عبر استخدام ساعة التوقيف، فالقاعدة الذهبية هي عدم مغادرة الغرفة التي بدأ العمل داخلها، ولو لثانية واحدة خلال الوقت المحدد. البعض يناسبهم 5 دقائق فقط، والبعض قد يناسبهم 10 دقائق، بينما يميل كثيرون إلى فترات تتراوح بين 15 و35 دقيقة في المرة الواحدة، لكن المهم هو الالتزام بالوقت، وحتى إذا وجدتِ شيئا يعود لغرفة ثانية، يمكن وضعه في أحد الجوانب حتى ينتهي الوقت، فذلك يساهم في الحفاظ على التركيز وعدم تشتت الانتباه.
في المقابل، وحين ينتهي الوقت، يجب التوقف عما تقومين به حتى لو لم تنته منه. صحيح أن العقول ترغب في الانتهاء مما بدأت فيه، لكن الحركة من مكان لمكان يمنع الشعور بالملل، وهكذا حتى تصلي إلى البند الأخير على القائمة لتبدئي دورة جديدة يمكن خلالها استكمال ما بدأت به، ولكن بالترتيب وليس بصورة عشوائية. الاستثمار في مواد وأدوات التنظيف المناسبة من شأنه اختصار الوقت والجهد. قد يكون من المناسب تفويض المهام، وفق جداول زمنية لبقية أفراد الأسرة، فليس من الضروري أن تقوم الأم وحدها بكل شيء. قد يكون تجنب الملل من الطرق الفعالة لمواصلة الأعمال المنزلية غير المحببة، وذلك عبر القيام بأنشطة محفزة خلال الوقت المحدد مثل الاستماع إلى الموسيقى المفضلة، أو كتاب صوتي، أو بودكاست أو الاتصال بصديق وهكذا.

في مجموعته القصصية "الحصرم"، كتب القاص السوري زكريا تامر على لسان أحد أبطاله حكمة تقول: "كبرها تكبر صغرها تصغر"، وهذا بالضبط هو ما يحدث بشأن موقفك تجاه الأعمال المنزلية، حيث يساهم الشعور الجيد تجاه المهام المنزلية المطلوبة في تشكيل قدراتنا تجاه المطلوب، وذلك عبر الحديث الذاتي أن الأمر سهل ولن يستغرق الكثير من الوقت، فتتحول المهام المستحيلة إلى مهام ممكنة، بل سهلة أحيانا.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

كتاب 15 دقيقة.. قيادي بطالبان يروي تجربة نادرة من داخل الحركة

كابلـ في لحظة استثنائية من تاريخ حركة طالبان، اختار القيادي بالحركة خالد زدران أن يروي حكايته، ليس بالبندقية هذه المرة، بل بالكلمة، في كتاب حمل عنوان "15 دقيقة"، يقدّم سردية نادرة عن تجربته كمقاتل في صفوف الحركة لأكثر من عقدين، متجاوزا الخطاب التقليدي لتنظيمه، ومرسّخا لتيار جديد يتلمّس ملامح التحول داخله.

خالد زدران، الذي يشغل حاليا منصب المتحدث باسم شرطة كابل، يُعدّ أول مسؤول من الحركة يوثق تجربته الشخصية في القتال والعمل التنظيمي، وقد اختار أن يبدأ مذكراته من نقطة فارقة، هي عملية أسر الجندي الأميركي بو برغدال عام 2009، وهي الحادثة التي يعتبرها منعطفا غيّر مجرى العلاقة بين طالبان والولايات المتحدة.

يقول زدران في حديثه للجزيرة نت "حاولت أن أنقل تجربتي للقارئ الأفغاني بكل صدق وأمانة، فقد خضنا حروبا طويلة، وقلّما وثّق قادتنا تلك المراحل. غالبا ما قرأنا تاريخنا بعيون الآخرين، أما أنا فحاولت أن أروي ما عشته بعين أفغانية، حتى وإن تخللها بعض الأخطاء، فالحرب تفرض ظروفها ولا أحد ينجو من تبعاتها".

أسر برغدال

يروي زدران أن عنوان الكتاب "15 دقيقة" يُشير إلى الزمن الفاصل بين نقل الجندي الأميركي برغدال إلى مركز احتجاز جديد، وبين استهداف المركبة التي كان من المفترض أن تقله بغارة أميركية، ويضيف "لو تأخرت العملية دقائق معدودة، لقُتل برغدال، ولما جرت مفاوضات الدوحة، ولا تمت صفقة تبادل قادة طالبان الخمسة من معتقل غوانتانامو، وربما ما كنا لنعود إلى السلطة عبر التفاوض، بل عبر خيار عسكري دموي".

إعلان

ويكشف زدران تفاصيل غير مسبوقة عن عملية الأسر وظروف الاحتجاز في منطقة "شوال" بوزيرستان، كما يروي كيف أن الجندي الأميركي فرّ من منزل الذين كان يقطن فيه واختبأ في الجبال لمدة 9 أيام، قبل أن يُلقى القبض عليه مجددا.

ويشير إلى أن برغدال، خلال فترة احتجازه، كان يرتدي أحيانا ملابس نسائية للتمويه، وطلب لاحقا تعلّم اللغة البشتونية وقراءة كتب عن الإسلام، كما أبدى رغبة في التواصل مع صديقته "مونيكا لي"، طالبا منها أن تنتظره.

كسر السردية التقليدية

اللافت في تجربة زدران أنه يتجاوز في خطابه اللغة القتالية المعتادة لعناصر طالبان، فهو يستخدم مصطلحات مثل "الجيش الوطني" و"العلم الوطني"، في إشارة إلى الحكومة السابقة، ويصف الأمير أمان الله خان -الذي حارب الاستعمار البريطاني- بلقب "الأمير الغازي"، وهي أوصاف لم تكن مألوفة في أدبيات الحركة.

زدران، الذي لم يتخرج من مدرسة دينية تقليدية، انضم إلى طالبان خلال مراهقته، وبدأ مسيرته كمساعد ميداني قبل أن يصبح مقاتلا ثم مسؤولا، ويبدو من خلال كتابه أنه ينتمي إلى تيار براغماتي داخل طالبان، يسعى لتقديم صورة أكثر اعتدالا وواقعية، دون أن يتنصل من المبادئ العامة للحركة.

ويكشف الكتاب عن حجم التهميش الذي تعرض له مقاتلو طالبان في ولاية بكتيكا الأفغانية المتاخمة للحدود الباكستانية، الذين أسروا الجندي برغدال، ولم يتم استشارتهم في قرار التبادل الذي تم بوساطة قطرية عام 2014، ويقول زدران إنهم علموا بالصفقة من وسائل الإعلام، رغم أنهم تكبّدوا خسائر ميدانية كبيرة لحماية الأسير.

ويضيف "كنا نحن من أسر الجندي الأميركي، ورافقته لسنوات، لكن حين حان وقت التبادل، لم تُعرض علينا التفاصيل. القرار صدر من القيادة، وتم التنفيذ دون مشاركتنا، وهو ما ترك شعورا بالخذلان".

وثيقة داخلية نادرة

يُنظر إلى كتاب "15 دقيقة" على أنه وثيقة داخلية تكشف ما يدور داخل أروقة طالبان من تحولات فكرية وصراعات تنظيمية، فزدران يقدّم من خلال تجربته ما يشبه مرآة للواقع المركّب الذي تعيشه الحركة، بين تيار شاب يحاول الانفتاح على المجتمع والدولة، وآخر تقليدي متمسك بسياقات الماضي.

إعلان

ويقول وكيل وزارة التعليم السابق لطف الله خيرخواه للجزيرة نت "خالد زدران كأول مقاتل يوثق تجربته بتجرّد، يمثل فتحا مهما في أدبيات الحركة، لقد تعامل مع التاريخ والجغرافيا بدقة، وساعد في فتح الطريق أمام آخرين لتوثيق تجاربهم ونقلها للأجيال المقبلة".

ويرى مراقبون أن كتاب "15 دقيقة" لا يعد مجرد مذكرات مقاتل، بل هو سردية جديدة تُضاف إلى أدبيات الحرب والسلام في أفغانستان، وتفتح الباب لفهم أعمق لما يدور داخل طالبان، خاصة في ظل تحولات ما بعد عودتها إلى الحكم، كما يعد الكتاب خطوة أولى في مسار أوسع من التوثيق الذي قد يغيّر الطريقة التي يُنظر بها إلى طالبان من داخلها، لا من خلال روايات الآخرين فقط.

مقالات مشابهة

  • قيادي بحماس: وفد من الحركة غادر الدوحة متوجها إلى مصر
  • من يتفوق: الخبرة أم المؤهل؟
  • أنشطة متنوعة في الاحتفال بـ"اليوم العالمي للتوعية باضطراب طيف التوحد"
  • لا تتجاهلها.. علامتان بسيطتان تكشفان إصابتك بسرطان القولون القاتل قبل فوات الأوان
  • الاحتفال باليوم العالمي للتوعية باضطراب طيف التوحد
  • كتاب 15 دقيقة.. قيادي بطالبان يروي تجربة نادرة من داخل الحركة
  • الذكاء الاصطناعي يساعد المكفوفين على الحركة
  • بيان القوات المسلحة اليمنية بشأن إسقاط طائرة أمريكية نوع MQ_9 أثناء قيامها بتنفيذ مهام عدائية في أجواء محافظة صنعاء (إنفوجرافيك)
  • «خوري» تناقش مهام اللجنة الاستشارية مع وفد من مدينة الزنتان
  • شاهد| بيان القوات المسلحة اليمنية بشأن إسقاط طائرة أمريكية نوع MQ_9 أثناء قيامها بتنفيذ مهام عدائية في أجواء محافظة صنعاء