التعليم تحت الأنقاض.. قصص نجاح المدارس المنزلية في دارفور
تاريخ النشر: 11th, January 2024 GMT
تعيش فاطمة صالح مع أسرتها في ملجأ لإيواء النازحين بمدينة الفاشر ولاية شمال دارفور غرب السودان بعد أن نزحوا إليها من منزلهم بسبب الحرب، لم تفقد الأمل والإصرار على مواصلة التعلم.
تحمل فاطمة (10 سنوات) صباح كل يوم حقيبة على ظهرها بها مجموعة من الكتب لحضور درس صغير يلقيه أحد معلميها المتطوعين في أحد المنازل بوسط المدينة، لتبدأ رحلتها التعليمية في تعلم فن القراءة والكتابة والرياضيات مع أخريات رغم ظروف الحياة الصعبة التي تواجهها ونقص الموارد التعليمية.
“العلم في الصغر كالنقش على الحجر، وإن لم تكن كتابا تفيد غيرك فكن قارئا تفيد نفسك”، بهذه الجملة البسيطة تلخص فاطمة رحلة تعليمها المنزلي دون أن تفقد يوما رباطة جأشها، محاولة التغلب على الصعوبات لتحقيق أمنيتها.
تقول للجزيرة نت: “ولدت وترعرعت في مدينة الفاشر لأسرة بسيطة مكونة من 6 أفراد، ما إن بدأت في سلم التعليم حتى اندلعت الحرب اللعينة التي دمرت كل شيء، استطعت بعد ترك المدرسة الحكومية قسريا بسبب الحرب، الالتحاق بمعهد مشاعل للتعليم المنزلي حيث تعلمت فيه الكثير من علوم القراءة والكتابة والرياضيات كما تمكنت من حفظ آيات من القرآن الكريم وإتقان تلاوتها”.
تعطيل حياة
ومنذ أكثر من 8 أشهر على اندلاع الحرب، عُلقت جميع جوانب الحياة في السودان من بينها نظام التعليم، حيث تفككت البنية التحتية للمدارس في مناطق عدة وتأثر آلاف الطلاب والمعلمين ممن أُجبروا على الفرار من منازلهم وترك دروسهم ومدارسهم، إلى جانب تعرض مدارس عديدة لأضرار كبيرة وتدمير بعضها بالكامل، في حين أصبح البعض الآخر مأوى للنازحين والمشردين وثكنات عسكرية.
ومع ذلك، تبدو على فاطمة السعادة والرضا فيما تقوم به من جهد للحصول على تعليم منزلي أصبح آمنا وقريبا من أسرتها بمركز الإيواء في المدينة.
يقول محمد عبد الرحمن “مشاعل” صاحب فكرة مدرسة عائلية بمنزله في مدينة الفاشر إنه مع تبعات أوضاع الحرب، تعطلت الدراسة أكثر من 8 أشهر وتحولت المدارس في المدينة إلى أماكن للمعاناة والتشرد، وتعذر على الطلاب الوصول إلى التعليم.
وأضاف أنه على إثر ذلك أطلق مبادرته الطوعية بتحويل جانب من منزله إلى مدرسة لتعليم الفتيات حتى يتمكنّ من الاستمرار في التعلم والحصول على ما يحتجنه لتطوير مهاراتهن في العلوم المختلفة.
وأوضح “مشاعل”، في حديث للجزيرة نت، أن مبادرته قد تكون حلا مؤقتا في ظل الظروف القاسية التي تمر بها البلاد، وأنه يأمل في استمرارها مستقبلا، خاصة وأن عدد الفتيات الدارسات فاق الـ70، وذكر أنه واجه تحديات كبيرة في سبيل إنشاء المدرسة تمثلت في توفير تجهيزات ملائمة من أثاث وسبورات وأدوات تعليمية أخرى.
أضرار كبيرة
تقول وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي بإقليم دارفور توحيدة عبد الرحمن يوسف، للجزيرة نت، إن العملية التعليمية تأثرت بالحرب مثلما تأثرت قطاعات الحياة الأخرى.
وأضافت أن الحرب شرّدت مديري التعليم والمعلمين والطلاب وقتلت بعضهم. وأوضحت الوزيرة أن الأولوية في الوقت الراهن هي إيقاف الحرب وإيصال المساعدات الإنسانية من غذاء ودواء وتوفير مأوى وإخلاء المرافق التعليمية بإيجاد بدائل لمراكز إيواء النازحين، علاوة على حصر المؤسسات وإعادة تشييد المباني وتوفير الأثاث للمكاتب والمقاعد وغيرها من المساعدات التعليمية.
وأشارت الوزيرة إلى الدمار والخراب الناجمين عن عمليات النهب والسرقة والحرق التي طالت العديد من المرافق التعليمية في البلاد.
من جانبه، يقول الخبير التربوي مدير عام وزارة التربية بولاية شمال دارفور أحمد هارون مستور، إن الدولة توقفت تماما عن التعليم في جميع المناطق وإن هناك أضرارا كبيرة لحقت بالبنية التحتية بالولاية خاصة في محليات الفاشر وطويلة وكتم وكبكابية ومليط.
وأضاف أن رؤية وزارته لاستئناف العملية التعليمية سُلمت للجهات المعنية بالأمر في الولاية والمركز وأن محورها الرئيسي هو وقف الحرب أولا وإعادة تأهيل المرافق، ولفت إلى خيبة الأمل التي لحقت بالمجتمعات المحلية حول مستقبل تعليم أبنائهم الذين منهم من هاجر ومن نزح إلى داخل السودان.
مواصلة التعليم
يؤكد الخبير جمال بخيت أحد قادة التعليم بدارفور، أن الحرب عرّضت آلاف الطلاب والمعلمين للخطر حيث لم يتم دفع الرواتب منذ أكثر من 8 أشهر، ما تسبب في هجرة الكثير من الخبرات والعقول المهنية إلى الخارج.
وقال إن طبيعة الوضع في السودان تجعل من المستحيل على المهاجرين العودة إلى ديارهم خاصة إن وجدوا ظروفا أفضل، وشدد على ضرورة أن تلتفت الأُسر إلى أهمية مواصلة تعليم أبنائها عبر المدارس المنزلية رغم استمرار هذه الحرب.
من جانبه، يؤكد الصحفي والمحلل السياسي عبد الله إسحاق من أم درمان، في حديثه للجزيرة نت، نجاح تجربة المدارس المنزلية في البيوت والمساجد بمنطقة الصالحة أم درمان.
وقال إنهم، كلجنة للخدمات والطوارئ، بدؤوا التجربة التي كانت ناجحة في بداياتها بتدافع الطلاب، ولكن سرعان ما توقفت بسبب اشتداد القتال في المنطقة، مناشدا الجميع العمل من أجل وقف الحرب في السودان.
الجزيرة
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
السودان يدخل عامه الثالث من الحرب وسط أوضاع إنسانية كارثية.. مكاسب ميدانية للجيش و”الدعم” ترد بمجازر دامية في الفاشر
البلاد – الخرطوم
تدخل الحرب السودانية، اليوم (الثلاثاء)، عامها الثالث من دون مؤشرات قريبة على حلول سياسية أو تهدئة ميدانية، رغم التقدم العسكري «اللافت» الذي أحرزه الجيش السوداني مؤخرًا في مناطق عدة من العاصمة وأطرافها. إلا أن ميليشيا الدعم السريع المتمردة تمكنت، خلال الأيام الماضية، من تنفيذ هجوم دموي على مخيم زمزم في شمال دارفور، أسفر عن مقتل مئات المدنيين، فيما اعتُبر رسالة ضغط جديدة على المجلس السيادي، إما لدفعه إلى التفاوض أو للانفصال بإقليم دارفور.
وفي أحدث حصيلة دامية، نقلت الأمم المتحدة عن مصادر وصفتها بالموثوقة مقتل أكثر من 400 شخص خلال الهجوم الأخير على مخيم زمزم، فيما أكدت مفوضية حقوق الإنسان سقوط 148 قتيلاً تم التحقق من أسمائهم، وسط ترجيحات بأن الأرقام الفعلية أعلى بكثير. ويأوي المخيم، إلى جانب مخيم أبو شوك المجاور، نحو 700 ألف نازح، وقد تعرّض لهجوم استمر أربعة أيام وانتهى بسيطرة قوات الدعم السريع عليه، وسط دمار واسع شمل الأسواق والملاجئ والمرافق الصحية.
وفيما تؤكد منظمات الإغاثة أن ما بين 60 و80 ألف أسرة نزحت من المخيم، يهدد خطر المجاعة أكثر من نصف سكان البلاد، بينما تنتشر الأمراض والأوبئة بشكل مقلق، نتيجة تدمير المنشآت الصحية وتوقف توريد الأدوية واللقاحات، إضافة إلى تدهور البيئة الناجم عن القتال، وهو ما يزداد خطورة مع دخول موسم الأمطار. ويحذر برنامج الأغذية العالمي من كارثة وشيكة تهدد ملايين السودانيين، مع اقتراب موسم الأمطار وتزايد صعوبة الوصول البري إلى مناطق النزاع.
وأشار البرنامج إلى تأكيد المجاعة في عشر مناطق، منها ثمانٍ في ولاية شمال دارفور، من بينها مخيم زمزم، محذرًا من أن 18 منطقة أخرى مهددة بالمصير ذاته ما لم تصل المساعدات. وقدّر حاجته إلى 650 مليون دولار لتوسيع نطاق الدعم الغذائي، لتقديم المساعدات إلى سبعة ملايين شخص شهريًا، مقارنة بنحو ثلاثة ملايين فقط حاليًا.
وقدّرت تقارير أممية وإعلامية خسائر الحرب الاقتصادية الكلية بنحو 200 مليار دولار، والبشرية بمئات الآلاف من القتلى والجرحى، مع دمار طال نحو 60 في المائة من البنية التحتية للدولة. ومع هذا الانهيار، يقبع نصف سكان السودان تحت خط الفقر، ويتهدد الجوع أكثر من 20 مليون نسمة، بينما شُرِّد نحو ثلث السكان بين نازح ولاجئ، في بلد يُقدّر عدد سكانه بنحو 42 مليون نسمة. وهي أزمة إنسانية وصفها الاتحاد الأوروبي بأنها “الأسوأ في القرن الحادي والعشرين”.
ومنذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023، كان الأطفال الحلقة الأضعف في هذه المأساة، إذ يعاني نحو 1.3 مليون طفل المجاعة وسوء التغذية الحاد، بينما حُرم 16.5 مليون طفل من التعليم، في مشهد ينذر بضياع جيل كامل ما لم يصحُ ضمير المجتمع الدولي ويتحرك لوقف هذه الحرب المنسية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
شرح صورة: مخيم زمزم في الفاشر قبل أيام من الهجوم عليه عبر ميليشيا الدعم السريع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ