النقش على النحاس.. مهنة الملوك تحتضر
تاريخ النشر: 11th, January 2024 GMT
«النقش على النحاس».. حرفة اشتهرت فى الماضى بأنها مهنة الملوك والأمراء، ولكنها الآن بدأت تنقرض، وبدأ الكثير من الفنانين المهرة يهربون من تلك المهنة ومتاعبها، ولم يورثوها لأبنائهم، نتيجة عدم تسويق منتجاتهم وإقامة معارض لهم فى الخارج. والنقش أو التكفيت على النحاس هو من أبرز الفنون الشرقية، وهو حرفة تعتبر جزءًا من الفن الإسلامى الذى يعد من أروع الفنون التى عرفتها البشرية على الإطلاق، وهى ابتكار مصرى أصيل، وفن من فنون زخرفة المعادن اليدوية ولا يوجد أى تدخل تكنولوجى فيها، فجميع مراحل صناعة التحف النحاسية يدوياً باستخدام بعض الآلات البسيطة، والتى تعتبر بدائية أيضاً لكن لها تأثير كبير لا تقدر التكنولوجيا على تقليدها.
ويعد فن التكفيت على النحاس وتطعيمه بالذهب والفضة من أهم وأصعب الحرف اليدوية، والذى يتطلب جهداً كبيراً لإنتاج قطعة واحدة «مكفتة» ذات جودة عالية، حيث يستغرق عمل المبخرة المملوكى على سبيل المثال أكثر من شهر كامل ما بين قص النحاس والرسم والتكفيت أو التطعيم بالمعادن الثمينة كالذهب والفضة، وهكذا يتم تحويل ألواح نحاسية صماء إلى تحفة فنية تزيد قيمتها بمرور الزمن.
وتتطلب مهنة التكفيت على النحاس شروطاً قاسية فيمن يريد إتقانها، يجب أن يكون فناناً حقيقياً ولديه موهبة فذة فى فن الرسم، إلا أنها تستلزم شرطاً آخر وهى الصبر، فمهنة التكفيت على النحاس هى مهنة الصابرين، فمن الممكن أن تستغرق بعض القطع الفنية شهوراً وأياماً وربما سنوات حتى يتم صنعها وبيعها لمن يقدر قيمة الفنون التى نحتت عليها، فيمتاز فن التكفيت على النحاس بوجود الزخارف الإسلامية البالغة الروعة، بالإضافة إلى دقة هندسية فى الرسومات، حيث إن أى نقش عن مساره الهندسى يهدر من قيمة القطعة الفنية وبخاصة المتعلقة بالرسومات التى يتم استلهامها من التراث الإسلامى أو التراث الفرعونى.
ويقول عماد حسين، فنى التكفيت على النحاس، بمنطقة كورنيش المعادى، ويعمل فى هذه المهنة أباً عن جد، إن التكفيت هو مصطلح إيرانى وتعنى تطعيم النحاس بالفضة، مؤكداً أن المهنة مع الوقت تندثر وأصبح من يعملون فى هذه المهنة قليلون جداً ورفض الآباء تعليم أبنائهم هذه الحرفة خوفا عليهم من أن يبقى مصيرهم مثلهم، لعدة عوامل أولها انخفاض المبيعات، نتيجة غلاء الخامات، موضحا أن سعر كيلو جرام النحاس منذ عامين كان يباع بـ180 جنيهاً، واليوم أصبح سعر الكيلو 750 جنيهاً، مما سبب ركوداً فى العمل خاصة أن شغل النحاس المطعم بالفضة، وهو شغل تراثى وليس شغل عادى، لافتاً إلى أنهم يقومون بعمل تحف فنية من النحاس مطعمة بالفضة مثل الموجودة فى المتحف الإسلامى، موضحاً أن القطع الفنية التى يتم إنتاجها سوقها ليست فى مصر، ولكن يتم تصديرها للخارج، موضحاً أن تسويقها داخل البلاد يجدون فيه صعوبة، موضحاً أن القطعة تقدر بحسب المجهود التى تم بذله فيها وعلى قدر الخامات التى وضعت فيها، موضحاً أن ثمن القطعة يبدأ من خمسة آلاف جنيه ومائتى جنيه ويصل إلى مليون جنيه. وعن سبب عدم تصدير منتجات هذه الحرفة، قال: إن الدولة بدأت تهتم بإقامة معارض لبعض الحرف مثل حرف الكروشيه والحلى، ولكن حرفة التكفيت على النحاس فهى فى النسيان، رغم أنها كانت تسمى حرفة الملوك، لكون أن من كان يأخذ هذه المنتجات هم الملوك والأمراء والأثرياء فى القديم.
وطالب عماد حسين، الدولة بسرعة عمل معارض بالخارج لحرف تراثية من مثل النحاس وغيرها من الحرف التى بدأت تندثر، لافتاً إلى أن هذه الحرف يقبل عليها الأجانب، ولكنهم يحتاجون تسويق لمنتجاتهم بالخارج، مضيفاً أن الدولة إذا فتحت لهم منفذ تسويق، ستعيد الروح لهذه الحرفة، مؤكداً أن أصحاب الحرف ليس لديهم مانع بأن تفتح لهم الدولة معارض بالخارج حتى وإن أخذت 30% أو 40% من الأرباح، وهنا الدولة ستعوض ما دفعته من تكاليف إقامة المعارض فى الخارج، موضحاً أن الدولة ستكون شريكة فى النجاح والأرباح، موضحاً أن الدولة تستطيع تنظيم المعارض بكل سهولة فى عدد من الدول. وأكد أن تسويق منتجاتهم يتم عن طريق تجار من الخارج، تأتى لتطلب منهم منتجات محددة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: النحاس الفنانين ا حقيقيا و
إقرأ أيضاً:
مهنة يلعب بها الاندثار والوراثة|أسرار وخبايا يتحدث عنها أقدم سمكري في سوهاج
في حي شعبي عتيق يسمى القيسارية بقلب محافظة سوهاج، الذي يعبق بذكريات منذ زمن الملك فاروق، يستمر الحاج جمال صبري الملهلب، صاحب الـ72 عامًا، في ممارسة مهنة السمكرة التي ورثها عن أجداده منذ ذلك الوقت.
تعلم "جمال" المهنة منذ صغره من والده الذي عمل بها في أيام الزمن الجميل، عندما كانت السمكرة جزءًا لا يتجزأ من حياة الناس.
وقال الحاج جمال بابتسامة تعبق بالحنين، في بثًا مباشرًا عبر صدى البلد:" زمان كانت السمكرة مهنة لا غنى عنها. كان الناس يقبلون على تصليح كل شيء من أدوات المطبخ حتى أدوات الزراعة".
وأكد أن الآن انخفض الإقبال بسبب وفرة المنتجات الجاهزة وارتفاع أسعار الخامات، لكنني لا زلت أرى في هذه المهنة إرثًا يستحق أن يظل حيًا.
السمكرة اليوم لم تعد كما كانت، فهي تقترب من الاختفاء، إلا أن الحاج جمال لا يزال يجد عملاءً مخلصين، خاصة من بائعي الكنافة الذين يحتاجون إلى أوعية الكنافة الكبيرة (كوز الكنافة) والصيجان وأدوات أخرى.
بمشاركة 500 واعد من أبناء المحافظة | سوهاج تكتشف مهارات شبابها محافظ سوهاج يفتتح المؤتمر السنوي الثالث لوحدات الكلى السمكرة مهنة بين الاندثار والوراثة 1000156363 1000156362 1000156359 1000156361 1000156360 1000156358واستكمل حديثه قائلًا:" هؤلاء هم زبائني الدائمون، فهم يعرفون أن جودة العمل اليدوي لا تقارن"، معبرًا عن فخره واعتزازه بالمهنة التي ورثها من اجداده عن والده، ويرى أنها تتطلب مهارات دقيقة وفهمًا عميقًا للخامات.
أدوات السمكرة تشمل المطرقة، الكماشة، المقص الحديدي، وأحيانًا الكاوي، وتستخدم في تقطيع وتشكيل المعادن، سواء كانت ألمنيوم أو نحاسًا أو حتى زنكًا.
وبفضل تطور المواد المستخدمة اليوم، أصبحت الخامات أكثر جودة، لكن الأسعار ارتفعت كثيرًا، مما أدى لتراجع الإقبال مقارنة بالماضي.
ورغم ذلك، لا يخطط الحاج جمال للتخلي عن ورشته التي تعبق برائحة المعدن والدخان، يقول بعزيمة قوية:" سأورث ابني هذه المهنة حتى يبقى مكان أجدادي مفتوحًا، إنها جزء من هويتنا وتراثنا".
تظل السمكرة، على يد الحاج جمال، شاهدة على عصر ذهبي في الحرف اليدوية، ومثالاً نادرًا على الحب والإخلاص لمهنة باتت على وشك الاندثار، يحافظ على أسرارها ويورثها لجيل جديد، يأمل أن يحافظ على ما تبقى من ذاكرة الحي وروح المهنة الأصيلة.