اعتذارنا لفلسطين شرف لن ندعـيه. . : جامعة أدنبـرا
تاريخ النشر: 11th, January 2024 GMT
(1)
بعد أكثر من مائة وخمس وعشرين عاما من واقعة وعد بلفــور الظالم، الذي جـوَّز للصهيونية العالمية إنشاء دولة في بلاد فلسطين هي إسرائيل القائمة الآن ، شاع في العديد من مواقع شبكة الانترنت ، أن جامعـة اســكتلندية عـريقة في المملكة المتحدة، هي جامعة أدنبرا، عبرت عن إدانتها لذلك القرار، وأصدرتْ بيـاناً إعتذاريا موجّها للشعب الفلسطيني عن تورّط تلك الجامعة تحت قيادة راعيها التاريخي جايمس بلفورفي هذا الصدد ، وعبرت في بيانها المزعوم عن إدانتها للإرث الكولونيالي الاســتعماري الـذي تسـبّب في ذلـك الظلـم التاريخي والذي مـن تبعاته وتداعياته، هذه الحرب الدائرة الآن في غـزّة، منـذ السابع من أكتوبر من عام 2023.
وفيما تتواصل عمليات الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني ، لم تتردد جامعة أدنبرا الجامعة العريقة ، في التنصل من ذلك البيان ، متهــمة جـهـات أخرى لا صلة لها بها ، أقدمت على إصدار ذلك البيان، وأنه منحول ومزور ولا علاقة لجامعـة أدنبرا به.
(2)
لربما أخطأ من أعد ذلك البيان، بل ارتكب جرماً قد يعرّضه لمحاســبة قانونية متوقعة، وإن كان دافعه من الناحية الأخلاقية مبرّرا ومقبولا. . وإن نظرنا في محتوى ذلك الإعلان الكذوب الذي صدر والحرب الإسرائيلية ضد سكان غزة متواصلة ليل نهار منذ السابع من أكتوبر 2023، سنفاجأ بتفاصيله التالية:
أن جامعة أدنبرا تبدي اعتذارها عن إعلان بلفور ووعده الشهير بمنح فلسطين موطناً لليهـود في عام 1917 م ، ولأن جامعة أدنبــرا العريقة تعتمـد أجــنـدا تعادي الاســتعـمار ومظلومياته، فقد لا يشرفها أن يكون راعيها التاريخي منذ عام 1891م وإلى 1930، السياسي البريطــاني الشــهير آرثر جايمس بلفـور، الذي صاغ ذلك الاعـلان الظالم . وعبّر البيان الكاذب عـن عدول جامعة أدنبرا واعتـذارها عن وقوفـها وتأييدها السّــابق للسياســة الكولونيــالية، وأنها من أجل زعم البيان أن الجامعة ستتبنى خطوات خمس في مراجعتها لمواقفها من السياسة الاستعمارية الظالمة وهي:
أ- الاعتراف بالإرث الظالم للكولونيالية والعمل على مراجعة المناهج التي تدرس لطلابها هذا الصدد ،
ب- التمييز بين ما يسمى عداء السامية وعدم ربطه بالسياسات الاسرائيلية التي تتبنى تعريفا عنصريا خاصاً بها لعداء السامية ،وفق مرجعيات عنصرية مستهجنة.
جـ- توفير منح دراسية جامعية للفلسطينيين ،
د-عدم قبولها أي تبرعات تأتي عن طريق استثمارات من شركات ذات شبهة تتصل بتسليح إسرائيل،
هـ - تأييد الجامعة لمبدأ إنشاء دولة فلسطينية /إسرائيلية واحـدة، لا دولتين، تعتمد نظاما ديمقراطيا للحكم.
(3)
وضح من نفي جامعة أدنبـرا رسـمياً لأي علاقة لها بالمـزاعم التي أشـاعها اصحاب البيان الاعـتـذاري المؤيد للشـعب الفلسطيني، أنه قـد تمّتْ محـاولة سـطو فكري لبعض محتويات أطروحة أكاديمية قدمها طـالب لنيل درجـة علمـية في جامعـة أدنبرا. في حيثيات نفي الاعتذار، ذكرت إدارة جامعة أدنبرا في بيـانها أنه قـد تمَّ إخراج تو صيات وردتْ في تلك الأطروحة عن القضية الفلسـطينية ، جــرى التعامل معها من طرف جهة سياسـية، أخرجتها من سياقها الأكاديمي لتخدم أجـنـدا متوهّمة . ولربّما نتفق مع جامعة أدنبرا ، أنه مهما سَــمَا نبـل المقاصـد فـلـن يكون مبرراً لافتراء أسـاليب كـذوبة في التعبير عنها، إذ الضرر الواقــع أكبر قطعـاً من المكسـب المتوهّـم. ذلك حديث إفــكٌ سياسي ليس إلّا. .
(4)
وبرغم تلـك الجوانب السلبية التي تمثلت في اعـتذار جامعة أدنبـرا البريطانية عن ذلك البيان المغترى عليها ، غير أن اعـتـذارها المعلن ألقى الضـوء كثيــفـاً للتذكيـر بأنّ في التـاريخ مظـالم لا ينبغي أن تطمر بتراب النسيان، أو أن تقـبـر بعبارات تبريرية، مثل عبارة "عفا الله عمّا ســلف" وما شابهها. ليس مطلوباً من جامعة أدنبـرا وحدها ، بل من كثيرٍ من الجامعــات الأوروبيـة والأمريكيـة ، أن تتـبنّـى تصــويبــاً مرجــوّاً وشجاعاً لمناهج بعض العلوم الاجتماعية، إذ بعضها قـد يتطلب مراجعة لتاريخ تطورها الأكاديمي ، مثل علم الأنثروبولوجيا الاجتمــاعية التي تأسست ركائزه على مقــولات ظالــمة، تدمـغ مجتمعـات بشــرية بعــيـنها ، بأنها بدائيــة أومتخـلفـة، ووفرت بذلك تبريرات بلبوسٍ أكاديمي لظاهرة الكولونيالية والاستعمار . إنّ بعض مؤسسي مثل هذه العلــوم ، كانوا إداريين مســتعمرين ، شاركوا بقدرٍ مع ســواهم من الأكاديميين في تقديم الدراســات والاســتشارات التي أعانت هجوم القوى الاستعمارية للسيطرة على الكثير من مجتمعات قارات آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية والأوقيانوس.
ثمّة اعتذارات مطلوبة من المؤسسات الأكاديمية ذات الصلة، بغرض تصحيح مثل هذه النظرات السالبة .
(6)
لو جاز لجامعة أدنبـرا أن تعتذر عن ذلك البـيان الكـذوب ، لكان لـها أن تنظر للنصف الممتليء من الكوب ، فترى معقولية ما جاء في البيان الكذوب ، لا أن تكتفي بالنظر إلى النصف الفارغ من الكوب فتتنصل عمّا فيه. إن فعلت جامعة أدنبـرا ذلك لكان لها فضل المبادرة باعـتذار أكاديمي عن ظاهرة الكولونيالية وهي من الجامعات التي رعت ورفدتْ مناهج علوم إجتماعية عديدة ، تحت ظل تلك الظاهرة.
لقد كان لجامعة أدنبرة المرموقة في بريطانيا ، أن تقول في فاتحة اعتذارها عن ذلك الـبـيان الكذوب ، أنه لشرف لها لن تدعيه وتهـمة ليس لهـا تدفعـها. .
2 يناير 2024
jamalim@yahoo.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: ذلک البیان
إقرأ أيضاً:
ألمانيا ترحِّل مواطني أوروبا المؤيدين لفلسطين في خطوة جديدة مرعبة
ترجمة: أحمد شافعي -
تشهد ألمانيا الآن حملة قمع واسعة للمعارضة السياسية. فعلى مدار العامين الماضيين، ألغت المؤسسات والسلطات فعاليات ومعارض وجوائز بسبب تصريحات حول فلسطين أو إسرائيل. وثمة أمثلة عديدة منها تأجيل معرض فرانكفورت للكتاب حفل توزيع جوائز عدنية شبلي لأجل غير مسمى، وسحب مؤسسة هاينريش بول جائزة حنة أرنت من ماشا جيسن، وإلغاء جامعة كولونيا منصب الأستاذية لنانسي فريزر، وتعرض باسل عدرا ويوفال أبراهام مديرا منظمة «لا أرض أخرى» للتشهير من وزراء ألمان. وفي الآونة الأخيرة، إلغاء دعوة الفيلسوف عمري بوم لإلقاء كلمة في ذكرى تحرير بوخنفالد هذا الشهر.
في جميع هذه الحالات تقريبا، لاحت اتهامات معاداة السامية في الأفق برغم أن يهودا في الغالب كانوا بين المستهدفين. وفي أغلب الأحيان، ليبراليون هم الذين يدفعون أو يقبلون ضمنيا هذه الإلغاءات، في حين يتراجع محافظون ومنتمون إلى اليمين المتطرف للتهليل والتشجيع. وفي حين أنه لا شك أن التنبه لتصاعد معاداة السامية أمر له ما يبرره ـ وبخاصة في ألمانيا ـ يتزايد استغلال هذا القلق بوصفه أداة سياسية لإسكات اليسار.
وقد اتخذت ألمانيا في الآونة الأخيرة خطوة جديدة مثيرة للقلق، تنم عن استعدادها لاستخدام الآراء السياسية ذريعة لكبح الهجرة. حيث تتحرك السلطات الآن لترحيل الرعايا الأجانب بسبب مشاركتهم في أنشطة مؤيدة لفلسطين. وكما ذكرت هذا الأسبوع في «ذا إنترسبت»، فإنه من المقرر أن يتم ترحيل أربعة أشخاص في برلين ـ ثلاثة من مواطني الاتحاد الأوروبي ومواطن أمريكي ـ بسبب مشاركتهم في مظاهرات ضد حرب إسرائيل على غزة. وليس من أولئك الأربعة من أدين بارتكاب أي جريمة، ومع ذلك تسعى السلطات ببساطة إلى طردهم من البلد. تتضمن الاتهامات الموجهة إليهم الإخلال الجسيم بالسلم العام وعرقلة الاعتقال الشرطي. وتشير تقارير من العام الماضي إلى أن أحد الأفعال المزعوم تورطهم فيها تضمن اقتحام مبنى جامعي وتهديد الناس بأشياء كان من الممكن استخدامها كأسلحة محتملة.
لكن أوامر الترحيل تمضي إلى أبعد من ذلك. إذ تشير إلى قائمة أوسع من السلوكيات المزعومة، منها ترديد شعارات مثل «حرِّروا غزة» و«من النهر إلى البحر، فلسطين سوف تتحرر»، والمشاركة في قطع طرق (وهو تكتيك يستخدمه نشطاء المناخ بكثرة)، ووصف ضابط شرطة بالـ«فاشي». وعند التمعن في الأمر، يبدو أن التهمة الحقيقية هي أمر أكثر جوهرية: فعل الاحتجاج نفسه.
والأربعة متهمون أيضا ـ دونما أدلة ـ بدعم حماس وترديد شعارات معادية للسامية أو معادية لإسرائيل. وتشير ثلاثة من أوامر الترحيل صراحة إلى التزام ألمانيا الوطني بالدفاع عن إسرائيل، أو ما يسمى «Staatsräson» أو منطق الدولة، باعتباره مبررا للترحيل.
وقد قال لي خبراء قانونيون أن الاستناد إلى منطق الدولة في إجراءات الترحيل أمر مشكوك فيه من الناحية القانونية. وقد توصلت مراجعة برلمانية حديثة إلى نتيجة مماثلة، مشيرة إلى أن منطق الدولة ـ الذي كثيرا ما يستند إليه في تبرير السياسة الخارجية الألمانية تجاه إسرائيل، ومن ذلك خطة المستشار الجديد فريدريش ميرز لتوجيه دعوة إلى بنيامين نتنياهو برغم صدور مذكرة توقيف سارية من المحكمة الجنائية الدولية ـ يفتقر إلى أي ثقل قانوني قابل للتنفيذ.
وليس هذا النوع من القمع بجديد في ألمانيا. أخبرني المحامي ألكسندر جورسكي أنه تعامل مع قضايا مماثلة استخدم فيها قانون الهجرة ضد أشخاص من أصل عربي أو فلسطيني، وغالبا ما يكون ذلك نتيجة منشور أو تعليق على وسائل التواصل الاجتماعي أو حتى الضغط بـ«إعجاب».
اليوم، يلجأ السياسيون من مختلف الأطياف السياسية في ألمانيا بشكل روتيني إلى تاريخ بلدهم لإسكات الانتقادات الموجهة للسياسة الإسرائيلية ـ أي دعم دولة متهمة بتطبيق نظام الأبارتيد في الضفة الغربية، وبارتكاب إبادة جماعية في غزة، كما يؤكد إجماع متزايد بين خبراء حقوق الإنسان.
واستخدام قانون الهجرة لمراقبة الاحتجاج السياسي يبعث برسالة واضحة إلى غير المواطنين في ألمانيا مفادها هو عبِّروا عن آرائكم مخاطرين بفقدان وضعكم القانوني أو بالترحيل. ويبدو أن مدى استفادة حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) اليميني المتطرف من هذا الأمر يغيب عن أذهان الكثيرين ممن يسمون بسياسيي الوسط في ألمانيا. فقد أصبح «منطق الدولة» بالنسبة لحزب البديل من أجل ألمانيا درعا مناسبا أي وسيلة لتأجيج الاستياء من المهاجرين بزعم أنهم «يستوردون» معاداة السامية، ويتصدون لثقافة أوسع وأشمل وأكثر إحياء للذاكرة الوطنية، وغالبا ما توصف بأنها ثقافة «ما بعد الاستعمار». وكل هذا يتسربل بلغة الدعم الثابت لإسرائيل.
لقد حصل حزب البديل لألمانيا مؤخرا على حوالي 20% من الأصوات في الانتخابات الفيدرالية الألمانية. وقبل أسابيع قليلة من الانتخابات، أعرب إيلون ماسك عن دعمه للحزب خلال نقاش مباشر مع زعيمته، أليس فايدل. ولقد وصفت فايدل، في إحدى المرات، أدولف هتلر، وصفا عبثيا فقالت إنه «شيوعي»، وزعمت أن «الفلسطينيين اليساريين» في ألمانيا معادون للسامية. وبرغم شناعة هذه التصريحات، فهي تعكس اتجاها أوسع نطاقا أسهم الوسط الليبرالي في ترويجه رغم أنفه - وهو اتجاه يستغل المشاعر المعادية للفلسطينيين لتأجيج نزعة المراجعة التي يتبناها اليمين المتطرف.
وفي حين أن الأحزاب الألمانية الراسخة لا تزال ترفض رسميا التعاون مع حزب البديل لألمانيا، فإن قبولها المتزايد لخطاب حزب البديل لألمانيا - وبخاصة في ما يتعلق بالهجرة ـ يطرح قصة مختلفة. ففي الفترة السابقة على الانتخابات، تحدثت أحزاب من مختلف الأطياف السياسية، بدءا من حزب الخضر إلى حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، عن الهجرة بوصفها تهديدا أمنيا، ووعدت بالترحيل وتشديد الضوابط. وفي هذا المناخ، تحولت فلسطين إلى اختبار حقيقي لسياسة اللجوء.
في العام الماضي، أعلن ميرز أن ألمانيا لن تقبل لاجئين من غزة، قائلا: «إن لدينا بالفعل ما يكفي من الشباب المعادين للسامية في البلد». وبعد ظهور النائب المنتخب حديثا عن حزب اليسار، جانسين كوكتورك، في البرلمان مرتديا وشاحا يشبه الكوفية، ضغط أعضاء حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ لحظر هذه الرموز في البرلمان. ولم يثر أي اعتراض من هذا القبيل عندما ارتدى نائب حزب البديل من أجل ألمانيا، توربن براجا، زهرة ذرة زرقاء ـ وهي رمز استخدمه النازيون النمساويون في ثلاثينيات القرن الماضي ـ في القاعة نفسها. قال براجا إنها ليست زهرة ذرة، ووصف الاتهام بأنه «سخيف».
ومع تولي حكومة محافظة جديدة السلطة، من المتوقع أن تتصاعد حملة القمع ضد الفلسطينيين والمهاجرين ـ التي بدأت بالفعل مع ما يسمى بائتلاف إشارات المرور ـ بشكل أكبر. فألمانيا تقف الآن عند مفترق طرق: إما أن تختار التمسك بالمبادئ التي تدعي الدفاع عنها، أو الاستمرار في مسار الاستبداد. في الوقت الحالي، يبدو الاتجاه واضحا لا لبس فيه.
هانو هاونشتاين صحفي ومؤلف مقيم في برلين. عمل كبيرا للمحررين في قسم الثقافة بصحيفة برلينر تسايتونج، متخصصا في الفن المعاصر والسياسة.
عن صحيفة ذي جارديان البريطانية