الحرب المنسية.. مقال في نيوزويك: السودان الأكثر تأثرا بالصراعات في العالم
تاريخ النشر: 11th, January 2024 GMT
شهد العام المنصرم اندلاع حروب وصراعات مدمرة حول العالم، إلا أن الصراع بالسودان -الذي تحول إلى حرب واسعة النطاق في أبريل/نيسان الماضي- حظي بتغطية ضعيفة من وسائل الإعلام الغربية، إذ يُنظر إليه على أنه أقل أهمية من الحروب في قطاع غزة وأوكرانيا، بحسب مقال في مجلة نيوزويك الأميركية.
ويرى كاتب المقال محمد البنداري -الباحث المستقل والذي سبق له تدريس مادة الصحافة بالولايات المتحدة ونيوزيلندا- أن هناك غموضا في مواقف الغرب تجاه ما يحدث بالسودان "لأننا نادرا ما رأينا تقارير عنه العام الماضي في الصحافة" حول ما تشكله هذه الحرب هناك من تحديات على دول أفريقية أخرى، بما فيها مصر، وعلى دول غير مستقرة بمنطقة الساحل وشرق وشمال أفريقيا.
وبالمثل، لم تكن هناك تغطية تُذكر لقمة السلام التي عُقدت بمصر في يوليو/تموز لمناقشة التداعيات السلبية لحرب السودان على الدول السبع المجاورة له، كما يقول الكاتب.
وأشار الباحث المستقل إلى أن السودان ظل غارقا في مشاكل اقتصادية "عويصة" واحتجاجات في الشوارع، وأعمال عنف جديدة بإقليم دارفور، وذلك منذ الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس "المستبد" عمر البشير في أبريل/نيسان 2019.
واندلع القتال في 15 أبريل/نيسان 2023 بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع التي يتزعمها الفريق أول محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي.
ومع استغراق وسائل الإعلام الغربية في تغطية صراعات أخرى، مثل الحربين المشتعلتين في غزة وأوكرانيا، لا يزال الشعب السوداني عالقا في صراع "ليس من صنعه" مع تفشي الجوع.
وعند مقارنة تغطية الغرب لهذه الحروب الثلاث، يمكن لأي باحث في مجال الإعلام أن يلاحظ أن هناك تقصيرا إعلاميا في كيفية نقل أخبار حرب السودان، وفقا للكاتب الذي يضيف أن اللاجئين السودانيين الفارين من الصراع غالبا ما يتم تصويرهم على أنهم "ضعفاء، وسذج ومتخلفون".
ويزعم الكاتب أن وسائل الإعلام الغربية تنظر إلى حياة السودانيين، والأفارقة ككل، على أنها لا تستحق تعاطفا أكثر مما تستحقه حياة الأوكرانيين أو الإسرائيليين أو الفلسطينيين.
ويضيف أن السودان يواجه "كارثة" مع نفاد أموال الأمم المتحدة، في حين وصف عمال الإغاثة الأزمة هناك بأنها "الحرب المنسية".
ومما أثار استياء العديد من الأفارقة أن مجلس الأمن الدولي صوت بالإجماع أوائل ديسمبر/كانون الأول على إنهاء ولاية بعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة الانتقالية بالسودان "يونيتامس" (UNITAMS) التي تأسست في الخرطوم عام 2020 لدعم عملية الانتقال السياسي في البلاد.
وينذر إنهاء مهمة تلك البعثة -حسب المقال- بعواقب وخيمة على المدنيين السودانيين، وجر البلاد نحو كارثة عام 2024. ويمثل انسحاب يونيتامس أيضا "انتكاسة جديدة" للأمم المتحدة التي تواجه درجة من العداء -أغلبها في أفريقيا- تتعلق بمدى كفاءتها السياسية والأمنية.
ويخلص المقال إلى أن التغطية الإعلامية الغربية "الضعيفة" للحرب في السودان أضعفت فرص إطلاق مبادرات سلام تضع حدا للحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع.
ويختم الكاتب بإسداء النصح للإعلام الغربي بضرورة أن يتوسع في تغطيته للأحداث في السودان، وأفريقيا عموما، إلى أبعد من قضية "التدفق المخيف" للاجئين السودانيين والأفارقة إلى الغرب.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
الدعم السريع يدمر حاضر السودانيين وقادة الجيش والإسلاميون يدمرون مستقبلهم
منذ ١٧ شهراً، يعيش السودان في صراع مستمر، حيث يجد السودانيون والسودانيات أنفسهم في مواجهة تدمير آني لحاضرهم ومستقبلهم بواسطة أولئك المناط بهم حماية مصالحهم ومن يدعون ذلك.
قوات الدعم السريع والحرب على حاضر السودان
تُعتبر قوات الدعم السريع رمزاً للدمار وعدم الاستقرار في حياة السودانيين. نشأت هذه القوات في إطار نظام الإسلاميين كقوة غير نظامية لها نفوذ واسع، وبدأت عملياتها بتدخلات مدمرة في دارفور، وامتدت تأثيراتها لاحقاً إلى مناطق أخرى، مخلفةً وراءها آثاراً كارثية على حياة الناس ومؤسسات الدولة والمجتمع.
لم تقتصر هجمات قوات الدعم السريع على الاشتباكات المسلحة فقط، بل طالت أيضاً حياة المدنيين وممتلكاتهم، والأنظمة الاجتماعية، والخدمات الأساسية، مما أدى إلى تدمير البنية التحتية وتشتيت السكان ونهب الموارد. وفي ظل سيطرتهم، أصبح من الصعب على المواطنين العيش بأمان أو السعي لكسب العيش، فقد قتلت الناس وهتكت عروضهم ونهبت أموالهم ودمرت سبل حياة الناس بالكامل. هذا الدمار الذي يطال الحاضر لن يختفي بسهولة، إذ أن آثاره الاجتماعية والنفسية والاقتصادية ستستمر لتؤثر على الأجيال القادمة، تاركةً وراءها جروحاً يصعب التئامها.
قيادة الجيش والإسلاميون وظلالهم على مستقبل السودان
بينما تدمر قوات الدعم السريع الحاضر، يُعَرِّض قادة الجيش والإسلاميون مستقبل السودانيين للخطر. فبدلاً عن بناء جيش وطني موحد، تعتمد قيادة القوات المسلحة والإسلاميون على تعزيز شبكات من الميليشيات القبلية والمناطقية كقوة موازية للدعم السريع، وبعض هذه المليشيات لها امتدادات قبلية مع دول جارة. المفارقة هنا أن هذا النهج ذاته تسبب في معضلة الدعم السريع، الذي يتمتع بعلاقات خارجية مستقلة وموارد مالية وقوانين خاصة.
تشكل هذه التحالفات بين قيادة الجيش والاسلاميين والميليشيات الجديدة هذه والقديمة تهديداً للاستقرار الوطني. فعندما تعتمد المؤسسة العسكرية الأولى في البلاد على الميليشيات، فإن ذلك يقضي على أي فرصة لبناء دولة قوية متماسكة. والأدهى من ذلك، يساهم هذا الأسلوب في تحويل السودان إلى مجتمع مليء بالانقسامات والصراعات الداخلية.
ومن منظور سياسي، فإن استراتيجيات قادة الجيش والإسلاميين تلقي بظلالها على الحكم في البلاد، إذ يركزون على تأمين سلطتهم من خلال تقوية نفوذ الميليشيات بدلاً من السعي لتأسيس نظام ديمقراطي أو حتى نظام عسكري متماسك داخلياً. نتيجةً لذلك، يصبح الانتقال إلى الاستقرار في السودان أكثر صعوبة، ويظل السودان محصوراً في دائرة مغلقة من الانقسامات، مما يعطل أي محاولة جادة لإقامة دولة قائمة على الوحدة وذات استقرار نسبي.
تأثيرات مزدوجة على المجتمع السوداني
وفي ظل هذا الواقع، يجد المواطنون السودانيون أنفسهم في وضع مأساوي. بينما تسلب قوات الدعم السريع الاستقرار من الحاضر، تضمن قيادة الجيش والإسلاميون مستقبلاً مليئاً بالتشظي والانقسامات. هذا الصراع المتبادل يهدد المجتمع السوداني بأكمله، ويمنع أي تقدم حقيقي نحو بناء دولة تحترم مواطنيها وتسعى لتحقيق تطلعاتهم. وبدلاً من أن يكون الجيل الجديد حاملاً لراية النهوض بالوطن، يجد نفسه ضحية لصراع لم يختاره، مما يدفعه إلى الهجرة أو الانخراط في نزاعات لا دخل له فيها. في ظل هذا الوضع، يتم تهميش قطاعات التعليم والرعاية الصحية والتنمية الاقتصادية، فتُترك الأجيال القادمة دون أي أساس قوي لبناء سودان مستقر وربما لا وجود للسودان الذي نعرفه حاليا.
ما يواجهه السودان اليوم هو أزمة وجودية تتطلب تدخلات حاسمة من أجل إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس قومية موحدة، بعيداً عن النزعات القبلية والتحالفات المؤقتة. الحلول قد تكون بعيدة المنال حالياً، لكنها تبدأ بوعي المجتمع السوداني بمخاطر هذه السياسات والسعي للوحدة الوطنية، إضافة إلى ضغط المجتمع الدولي لدعم السودان في سعيه لتحقيق السلام والاستقرار.
mkaawadalla@yahoo.com
محمد خالد