أبجديات أهداف التنمية المستدامة وموقع السودان منها
تاريخ النشر: 11th, January 2024 GMT
الهدف الحادي عشر، مدن ومجتمعات محلية مستدامة (11 من 17)
د. حسن حميدة
يسعى الهدف الحادي عشر من أهداف التنمية المستدامة لدعم العيش في الأرياف المدن بطرق تواكب متطلبات الإنسان في العصر الحديث. ويعمل هذا الهدف على ضمان حصول سكان الأرياف والمدن حتى العام 2030 على الخدمات الأساسية الملاءمة والآمنة وبتكلفة ميسورة، يتمكن جميع السكان من سد نفقاتها، خصوصا في القرى النائية أو الأحياء الفقيرة.
في الدول النامية، خصوصا الفقيرة منها يحث الهدف الحادي عشر على دعمها ماديا وتقنيا لبناء سكنات مواكبة ومستدامة وبمواد محلية يسهل الحصول عليها. سكنات بإمكانها مجابهة التغيرات المحيطة والصمود أمام الكوارث الطبيعية بشتى أشكالها. ويعمل هذا الهدف أيضا على خفض عدد الوفيات والحد من الأضرار التي تلحق بالسكان في المناطق التي تكون عرضة للكوارث البيئية والطبيعية، أو الخسائر الاقتصادية التي يمكن أن تنتج عن طريق كوارث المياه والفيضانات، وانخفاض إجمالي الناتج المحلي، وتأثر الشرائح الفقيرة والهشة التي تعيش في المناطق المعنية أو المتأثرة بذلك. ومن أولويات هذا الهدف بخصوص البيئة وحمايتها، كيفية التعامل مع النفايات، سبل تقليل كميتها في إطار ممكن، وطرق تدويرها أو التخلص منها في المدن والبلديات بطرق حديثة ومواكبة، تقلل من تأثيرها السلبي على البيئة وبه على صحة المواطن، خصوصا على نوعية هواء التنفس في المدن والبلديات. كما يعني الهدف الحادي عشر على التوسع في المساحات الخضراء والتمدد فيها، خصوصا في المدن، لكي تكون جزءا من الأماكن العامة التي تخدم متطلبات الأطفال والنساء وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة من المعاقين والمرضى. ويعمل هذا الهدف على تعزيز التنمية الوطنية للبلدان من خلال الربط بين هياكل أهداف التنمية المستدامة المتمثلة في أضلع مثلث الإستدامة المعروف: الجانب الاجتماعي، الجانب البيئي، والجانب الاقتصادي، ربطا يخدم أغراض الاستدامة في الأرياف والحضر، وعلى أمل الوصول إليها كليا أو جزئيا.
لقد بدأت هجرة السكان في العالم من القرى إلى المدن مبكرا، وصارت أعداد سكان المدن الكبيرة تتزايد بإستمرار عبر السنين. وتميزت الدول الأكثر فقرا بنزوح المزارعين والرعاة لغرض البحث عن عمل يكفي لعيشهم، الشيء الذي مهد لتفاقم الفقر والجوع بجانب وجود عوامل أخرى وفي بلدان كثيرة. وبالرجوع للعام 1990 كانت هناك فقط 10 مدن عالمية يبلغ تعدادها السكاني ال 10 ملايين نسمة، وبعد سنوات قليلة إزداد عدد سكان المدن وتضخم حجمها حتى بلغت 28 مدينة، يسكن في كل منها 10 ملايين نسمة. ويتوقع أن يفوق عدد هذه المدن الضخمة 33 مدينة في غضون السنوات القليلة القادمة، حيث تصبح مستقبلا كل 9 مدن من بين كل 10 مدن عبارة عن مدينة ضخمة يفوق تعدادها السكاني ال 10 ملايين نسمة. وبما أن التوسع الحضري ما زال حتى اليوم محصور في نطاق الدول الصناعية الكبرى، إلا أن هذا الشيء سوف يتغير مستقبلا ويكون نصيب الأسد منه موجود في الدول النامية، خصوصا الفقيرة منها، ليمثل نسبة 90 % في مقتبل السنوات القليلة القادمة. ويعزى السبب الأول في التمدد الحضري والحياة في المدن التي تساهم بنسبة 80 % من إجمالي الناتج الاقتصادي المحلي، لتوفير فرص العمل وسبل الدخل لعيش السكان. ويعيش حاليا ما يفوق ال 4.2 مليار نسمة من سكان العالم أو ما يعادل 55 % من السكان في المدن. ويتوقع أن بيلغ هذا العدد 6.5 مليار نسمة من جملة 10 مليار نسمة متوقعة بحلول العام 2050. وبما أن المدن تستغل نسبة 3 % من المساحة الكلية للأرض، إلا أنها مسؤولة عن إستهلاك ما بين 60 % إلى 80 % من الطاقة الكلية، وعليه مسؤوليتها فيما لا يقل عن نسبة 70 % من الانبعاثات الكربونية الموجودة في الغلاف الجوي. ويقدر عدد سكان المدن الذين يعيشون في الأحياء الفقيرة بما يقارب المليار نسمة، علما بأن هذا الرقم متغير وفي تصاعد دائم في كل عام.
بالنظر لموقع السودان من هذا الهدف "مدن ومجتمعات محلية مستدامة"، يمكن القول بأن السودان قطر واعد في هذا النطاق إذا أنعم على السودان يوما بسلام دائم. قطر تتوفر فيه كل أساسيات الحياة والمقومات الطبيعية والبشرية التي يمكن أن توصل لهذا الهدف. ويبني كل هذا الافتراض على الرجوع إلى ما يتمتع به السودان من مساحة شاسعة قطر يجري فيه أطول نهر على وجه الأرض (يتمتع السودا الكبير بأطول أحواض نهر النيل على الإطلاق)، له فصل مطير يدعم نمو نباتات الظل والمرعي وأساسيات غذاء الإنسان والحيوان. للسودان كقطر سواحل (البحر الأحمر) طويلة ومنتجعات وجزر بحرية ومحميات طبيعية، يمكن أن تخدم أغراض الاستدامة إذا ما تم إستخدامها مستدام. وفيما يخص المدن، وعلى وجه التحديد العاصمة الخرطوم التي تتميز بموقع فريد، لا بد من مراجعة تخطيط بعض الأحياء السكنية التي تأخذ فيها بنايات ومصانع وميادين ومدافن مواقع إستراتيجية، ولكنها لا تخدم أغراض الاستدامة. كما أن هناك بعض المواقع على شواطئ النيل وجزر ومنتجعات ومحميات طبيعية لم يتم استخدامها استخداما مستداما، يحفظ معناها التراثي الطبيعي أو يخدم إمكانية وسبل تطورها في المستقبل.
ما زالت هناك مشاكل قائمة في كثير من البوادي والحضر فيما يخص التعامل مع النفايات وطرق تقليلها أو تدويرها أو الحد منها أو التخلص منها بطرق مدروسة. يأتي زيادة على ذلك وجود أماكن في وسط الأحياء لغرض التخلص من النفايات، وتكون هذه أحيانا متاخمة لرياض الأطفال والمدارس والمستشفيات أو المطاعم والكافتريات. ونفس الشيء ينطبق أيضا على الصرف الصحي وأثره المترتب على البيئة وتلوث مياه في الأنهر والمياه الجوفية داخل باطن الأرض. ويلعب تأثير الهواء بالانبعاثات الكربونية الضارة من عوادم المركبات ومداخن المصانع السكنية في مختلف المدن، بما فيها العاصمة الخرطوم دورا سلبيا في صحة البيئة. كما يأتي أيضا كمؤثر ضار حرق إطارات السيارات بسبب المظاهرات، وهذا على الرغم من مسؤوليتها في حدوث أمراض الجهاز التنفسي، والأمراض الجلدية، وممهد لحدوث الأمراض السرطانية بانبعاثات كيميائية تضر بأغشية وخلايا الجسم.
يلاحظ ومنذ سنوات تحول الحدائق العامة والساحات الكبيرة والميادين الرياضية في السودان، خصوصا في الخرطوم لبنايات معمارية تخدم أغراض أخرى غير أغراض الاستدامة المدنية للمجتمعات المحلية. هنا على سبيل المثال التغول على الميادين الرياضية في وسط الأحياء لأغراض تجارية ربحية لأفراد بأعينهم. الميادين التي كانت تمثل مضامير للرياضة ومواقع لتنفس السكان ما بين وقت العصر وقبيل وقت الغروب. وحتى الساحات الواسعة والحدائق الشاسعة المعروفة، مثالا، سابقا حدائق مايو، ولاحقا حدائق أبريل لم تنج من التسلط بتحويلها لبنايات لتغير تخطيط وجه العاصمة الخرطوم القديم. وكانت هذه الساحات والحدائق مقصدا للرحلات الأسرية لسكان العاصمة وزوار الأقاليم وملتقى للمواطنين في الأمسيات والأعياد واحتفالات البلاد الدينية والوطنية.
ولكي يكون السودان مواكبا في المستقبل، بناء على الهدف الحادي عشر لأهداف التنمية المستدامة، لا بد من إعادة النظر في التخطيط العمراني، ليس فقط في العاصمة المثلثة بمدنها الثلاثة: أمدرمان، الخرطوم، والخرطوم بحري، بل أيضا في الأرياف والمدن. ربما كمنت الحلول هنا أيضا في إعادة النظر في سبل المواصلات وشبكاتها التي لم تظل مواكبة. بل أيضا في تمركز الخدمات للمواطن في مواقع تزيد من تفاقم المشلكات بالكثافة السكانية العالية في هذه المواقع. بأن تكون هناك مواقع محفوظة للسكان فيما يخص الميادين العامة والحدائق الخضراء التي يجب أن تكون متاحة للجميع. بأن يدعم تشجير القرى والمدن، بداية بالمنازل والأحياء السكنية. بأن يزرع في قلوب الصغار في رياض الأطفال والمدارس حب الخضرة والظل مبكرا. وبأن تحيا ذكرى الأيام الخوالد بخصوص الطبيعة والبيئة بفعاليات قديمة، مثل الاحتفال بيوم الشجرة في البلاد من قبل مصلحة الغابات سابقا، وحديثا وزارة الزراعة والغابات. اليوم السوداني الذي كانت توزع فيه شتول للتلاميذ والمواطنين لكي تتم زراعتها في المدارس والمنازل. واليوم الذي كان يتحدث فيه موظفو وخبراء الغابات والزراعة والتغذية عن كيفية الحفاظ على قضاء النباتات الأخضر في البلاد، تحوطا من الزحف الصحراوي وآثاره الضارة بالنبات والحيوان والإنسان، وحفاظا على الطبيعة والبيئة في المحيطة بالقرى والمدن، ودورهما في مكافحة الفقر والجوع والمرض بتأمين الغذاء في البلاد.
(نواصل في الهدف الثاني عشر: الاستهلاك والإنتاج المسؤولان...)
E-Mail: hassan_humeida@yahoo.de
المصدر: ترجمة معدلة من أوراق ومحاضرات للكاتب.
/////////////////////////
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: التنمیة المستدامة هذا الهدف فی المدن یمکن أن
إقرأ أيضاً:
رئيس وزراء فلسطين: إسرائيل أكبر عائق يحرمنا التنمية المستدامة
فلسطين – أكد رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى، امس الاثنين، أن الشعب الفلسطيني حرم من فرص التنمية المستدامة بفعل الاحتلال الإسرائيلي، داعيا المجتمع الدولي إلى دعم 3 مبادرات رئيسية تهدف إلى تعزيز صمود الفلسطينيين وإنعاش اقتصادهم.
جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية في إشبيلية الإسبانية، نيابة عن الرئيس محمود عباس، بحسب بيان صادر عن مكتبه.
وقال مصطفى إن “الشعب الفلسطيني ترك خلف الركب في مسيرة التنمية المستدامة”، مؤكدا أنه “لا تنمية مستدامة دون إنهاء الاحتلال وتحقيق السلام”.
وشدد على أن “الاحتلال الإسرائيلي يمثل العائق الأكبر أمام التنمية في فلسطين”، محذرا من أن استمرار الوضع القائم دون تدخل دولي “قد يقود إلى كارثة إنسانية ومالية تهدد الاستقرار في المنطقة بأسرها”.
وأضاف “الشعب الفلسطيني لا يواجه فقط التحديات العالمية ذاتها التي تواجهها الدول الأخرى، بل يتحمل عبئا إضافيا يتمثل في الاحتلال الاستيطاني الوحشي، الذي يقوّض حقوقه الإنسانية والسياسية الأساسية”.
وانتقد مصطفى الممارسات الإسرائيلية التي تعرقل التنمية، مشيرا إلى وجود أكثر من 850 حاجزًا في الضفة الغربية، منها نحو 60 بالمئة مغلقة، “ما يقيّد حركة المواطنين ويقوّض النشاط الاقتصادي”.
كما لفت إلى الاقتطاعات الإسرائيلية “غير القانونية” من عائدات الضرائب الفلسطينية، والتي تجاوزت 2.3 مليار دولار، محذرا من أن ذلك “أدى إلى انكماش الناتج المحلي بأكثر من 30 بالمائة، وارتفاع معدلات البطالة لتتجاوز 50 بالمئة، وعرقلة قدرة الحكومة على دفع الرواتب وتقديم الخدمات الأساسية”.
وشدد رئيس الوزراء الفلسطيني على “أهمية انعقاد المؤتمر الدولي للسلام في نيويورك لتجسيد إقامة الدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال”.
وكان من المقرر عقد “مؤتمر فلسطين الدولي” بمقر الأمم المتحدة في نيويورك بين 17 و20 يونيو/ حزيران الجاري، برئاسة مشتركة بين فرنسا والسعودية، لبحث الأوضاع في غزة ودفع حل الدولتين وتشجيع الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
ولكن عقب الهجمات الإسرائيلية على إيران، التي بدأت بدعم أمريكي في 13 يونيو واستمرت 12 يومًا، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تأجيل المؤتمر.
ويهدف المؤتمر الرابع للتمويل إلى إقرار إطار جديد لتمويل التنمية، وإطلاق إجراءات ملموسة من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
ويشارك في المؤتمر، المستمر 4 أيام، أكثر من 200 وفد رسمي، وحوالي 60 رئيس دولة وحكومة، إلى جانب عدد كبير من ممثلي المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية والقطاع الخاص، بحسب الخارجية الإسبانية.
وطالب مصطفى بدعم دولي لتنفيذ 3 مبادرات كبرى لتعزيز الصمود الاقتصادي والسياسي، الاولى تتمثل بالخطة العربية لإعادة إعمار غزة التي أقرتها الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، والثانية تتمثل في البرنامج الوطني للتنمية والتطوير الذي تعمل الحكومة الفلسطينية على تنفيذه.
فيما المبادرة الثالثة والتي يجري تطويرها ومن ثم تنفيذها كأحد مخرجات المؤتمر الدولي للسلام في نيويورك، وتمثل جميعها خارطة طريق لبناء اقتصاد وطني مستدام يتطلب أيضا مسارا سياسيا جديا لتمكين هذه المبادرات وإنجاحها، وفق مصطفى.
وفي مارس/ آذار الماضي، اعتمدت كل من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي خطة لإعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين منها، ويستغرق تنفيذها 5 سنوات، وتكلف نحو 53 مليار دولار.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل حرب إبادة جماعية بغزة، تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت الإبادة، بدعم أمريكي، أكثر من 190 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم عشرات الأطفال.
وبالتوازي مع الإبادة بقطاع غزة، صعد الجيش الإسرائيلي والمستوطنون اعتداءاتهم بالضفة، بما فيها القدس الشرقية، ما أدى إلى مقتل 986 فلسطينيا على الأقل، وإصابة نحو 7 آلاف آخرين، وفق معطيات فلسطينية.
الأناضول