باريس- يتابع العالم اليوم الخميس أولى جلسات الاستماع في القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، والتي تتهمها فيها بارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة.

وبالتزامن مع ما توصف بأنها "سابقة تاريخية" وخطوة أولى ضمن عملية طويلة في حال المضي قدما في القضية تبذل إسرائيل قصارى جهدها من خلال حيل ومناورات دبلوماسية تحاول من خلالها الخروج من ورطة الاتهامات الثقيلة أمام الهيئة القضائية العليا في الأمم المتحدة.

وفي هذا السياق، ونظرا لجدية الملف المقدم من قبل جنوب أفريقيا اختار الاحتلال الإسرائيلي الدفاع عن نفسه "شخصيا"، في إشارة واضحة إلى خطورة لائحة الاتهام الموجهة إليه وتبعاتها، فضلا عن سمعته أمام دول العالم.

ضغوط

نشر موقع "أكسيوس" برقية تتضمن تفاصيل خطط وزارة الخارجية الإسرائيلية لتوجيه سفاراتها بالضغط على الدبلوماسيين والسياسيين في الدول المضيفة لهم للإعراب عن معارضتهم قضية جنوب أفريقيا في المحكمة الدولية بشكل علني.

وتتضمن التعليمات في خطة العمل الدبلوماسية الإسرائيلية ممارسة ضغط دولي يحميها من إصدار المحكمة أمرا قضائيا ضد مصالحها، حيث من المقرر أن تكون جلسة استماع غدا الجمعة في لاهاي مخصصة لإسرائيل.

وتأمل إسرائيل أن ترفض محكمة العدل الأمر القضائي، حتى لا يُثبت أنها ترتكب بالفعل إبادة جماعية في حق الشعب الفلسطيني، ولتعترف في المقابل بأن جيش الاحتلال يعمل وفقا للقانون الدولي.

وأشارت برقية وزارة الخارجية إلى أن "الجهود التي تبذلها تل أبيب لزيادة المساعدة الإنسانية لسكان غزة، وتخفيض الأضرار التي تلحق بالمدنيين" تهدف إلى دحض تعريف الاتفاقية التي تعرّف الإبادة الجماعية بـ"خلق ظروف لا تسمح ببقاء السكان، مع نية إبادتهم".

كما أبلغت الوزارة السفراء الإسرائيليين بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سيرسل رسائل إلى العشرات من قادة العالم على المنوال نفسه، بما في ذلك حليفته الأولى الولايات المتحدة.

نقاط ضعف الاحتلال

بدوره، وصف مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة "إفدي" لحقوق الإنسان المحامي عبد المجيد مراري مرافعة جنوب أفريقيا بـ"القوية"، معتبرا في الوقت ذاته أن الحيل والمراوغات أو الضغوطات الدبلوماسية التي تعتمدها إسرائيل لن تجدي نفعا ولن تحقق مبتغاها المتمثل في زعزعة قناعات الفريق القضائي داخل محكمة العدل.

وأكد مراري في مقابلة خاصة مع الجزيرة نت أن "القضاء يشكل قناعته ورأيه القانوني بناء على المرافعات القيمة والأدلة الموجودة بين يديه".

من جانبه، اعتبر المحامي الدولي في مجال حقوق الإنسان فرانسيس بويل -الذي فاز بطلبين في محكمة العدل الدولية- أن "إسرائيل تعي جيدا أن موقفها ضعيف وحججها القانونية هشة، لذلك لن تكون قادرة على الفوز بالقضية".

وأوضح المحامي الأميركي في حديثه للجزيرة نت أن "إسرائيل ستعتمد خلال الجلسة على حجة الدفاع عن النفس، وهو أمر رفضته المحكمة الدولية من قبل"، لافتا إلى أن جميع شعوب الدول العربية يجب أن تضغط على حكوماتها لدعم ملف جنوب أفريقيا.

وفي تقريرها المؤلف من 84 صفحة تؤكد جنوب أفريقيا أن الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة تنتهك التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948، والتي تعرّف هذه الإبادة بأنها "أفعال ترتكب بقصد التدمير كليا أو جزئيا لمجموعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية".

أميركا في الجانب الإسرائيلي

بدوره، رفض وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن تقرير بريتوريا، واصفا محتواه بـ"المزاعم التي لا أساس لها من الصحة"، لأن الغرض منه هو "صرف الانتباه عن الجهود المبذولة لتحسين الوضع الإنساني في غزة"، على حد قوله.

وأدلى بلينكن بهذا التصريح في مؤتمر صحفي بعد محادثات أجراها مع القادة الإسرائيليين في تل أبيب أول أمس الثلاثاء ضمن زيارة شملت دولا عدة في الشرق الأوسط، وسط تجدد الدعوات لوقف إطلاق النار مع دخول العدوان الإسرائيلي على غزة شهره الرابع.

من جهته، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي في تصريحات الأسبوع الماضي إن الدعوى القضائية "عديمة الجدوى وتؤدي إلى نتائج عكسية".

ويرى مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة "إفدي" عبد المجيد مراري أن تشكيك الولايات المتحدة في محكمة العدل مرتبط بتخوفها من القرار الذي ستصدره بشأن القضية، خاصة أن المادة (3) من اتفاقية تجريم الإبادة تنص على أن "من شارك في جريمة الإبادة يعد مرتكبا لها"، مما يعني أن أي إدانة للاحتلال الإسرائيلي قد تعتبر إدانة غير مباشرة لواشنطن.

وبالتالي، يعتبر مراري أن الولايات المتحدة "ليست في موقع يسمح لها بالحكم على مثل هذه الإجراءات أمام القضاء الدولي، لأنها أصبحت تهدد الأمن والسلم الدوليين بمواقفها الداعمة للإبادة الجماعية والتطهير العرقي".

من جهة أخرى، نالت بريطانيا حصتها من الانتقاد بسبب رفضها دعم الدعوى ضد إسرائيل، واتُهمت بازدواجية المعايير بعد تقديمها وثائق إلى محكمة العدل قبل شهر تقريبا لدعم ارتكاب ميانمار إبادة جماعية ضد الروهينغا.

يذكر أن وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون لم يقبل ادعاءات جنوب أفريقيا في حديثه خلال أول استجواب له من قبل أعضاء البرلمان في لجنة الشؤون الخارجية أول أمس الثلاثاء، إذ واجه تساؤلات عما إذا كان الحصار العسكري الإسرائيلي لقطاع غزة ينتهك القانون الإنساني الدولي.

التحاق دول أخرى بجنوب أفريقيا

وبينما تشكك الدول الصديقة والداعمة لإسرائيل في دعوى جنوب أفريقيا رحبت مجموعة من الدول والمنظمات الحقوقية المؤيدة للقضية الفلسطينية بهذه الخطوة أمام محكمة العدل الدولية.

وفي بيان صدر مطلع يناير/كانون الثاني الجاري أكدت وزارة الخارجية الماليزية دعوتها إلى ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود ما قبل عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إن عمّان ستدعم جنوب أفريقيا في الدعوى التي رفعتها ضد إسرائيل، لافتا إلى استمرار بلاده في القيام بما يجب لوقف العدوان على قطاع غزة.

كما أعرب المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية أونجو كيسيلي في تغريدة في حسابه على منصة "إكس" عن ترحيب أنقرة بالطلب الذي تقدمت به بريتوريا.

وفي بيان نشرته وزارة خارجيتها أعلنت بوليفيا -التي تعتبر أول دولة في أميركا اللاتينية تدعم القضية ضد إسرائيل- انضمامها إلى لائحة الداعمين، وأكدت تقديرها لهذا "الإجراء التاريخي" والتزامها بالسلام والعدالة.

وقالت حكومة جنوب أفريقيا أول أمس الثلاثاء إن زعيم المعارضة البريطاني السابق جيرمي كوربن انضم إلى وفدها لحضور جلسات الاستماع في المحكمة.

وفي هذا الصدد، أشاد المحامي مراري بما وصفه بـ"الدعم المعنوي" للدعوى وللشعب الفلسطيني، مشددا في الوقت ذاته على أن الأمر الأكثر أهمية اليوم -على المستوى المادي- يتمثل في قوة المرافعة والأدلة الموثقة أمام القضاء لتعزيز الملف، فضلا عن تشكيل أو إعادة تشكيل قناعة القاضي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: محکمة العدل الدولیة وزارة الخارجیة جنوب أفریقیا أفریقیا فی ضد إسرائیل

إقرأ أيضاً:

المشاط تعقد اجتماعات ثنائية مع ممثلي حكومة جنوب أفريقيا وباكستان خلال منتدى «دافوس»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

عقدت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، عددًا من اللقاءات مع مسئولي حكومة جنوب أفريقيا، والحكومة الباكستانية، وذلك خلال مشاركتها بأعمال المنتدى الاقتصادي العالمي 2025، والمنعقد بمدينة دافوس السويسرية، تحت شعار "التعاون من أجل العصر الذكي"، خلال الفترة من 20 حتى 24 يناير الجاري، بمشاركة واسعة من رؤساء الدول والحكومات، وصناع القرار، وممثلي المنظمات الدولية.
وزراء حكومة جنوب أفريقيا.

والتقت الدكتورة رانيا المشاط، ثلاثة وزراء من حكومة جنوب أفريقيا؛ باركس فرانكلين تاو، وزير التجارة والصناعة والمنافسية، وإينوك جودونجوانا، وزير المالية، وديفيد راموكجوبا، وزير الكهرباء والطاقة.
وشهد اللقاء مباحثات حول تعزيز سبل التعاون المُشترك بين البلدين في ظل مكانتهما المحورية بقارة أفريقيا، ودورهما في دعم جهود التنمية في القارة خاصة في ظل التحديات التنموية والأزمات الاقتصادية المتتالية منذ عام 2020 والتي أثرت على مكتسبات التنمية في الدول الأفريقية.

كما شهد اللقاء مناقشة استعدادات دولة جنوب أفريقيا لرئاسة مجموعة العشرين خلال العام الجاري، وفي هذا الصدد أوضحت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، أن الموضوعات المطروحة على أجندة مجموعة العشرين خلال العام الجاري تمثل أهمية قصوى لمناقشة تسريع وتيرة التنمية العالمية، ولفت انتباه العالم لضرورة تعزيز جهود التنمية في قارة افريقيا، فضلًا عن مناقشة جهود تعزيز التنمية الاقتصادية والتمويل من أجل التنمية.
ونوهت «المشاط»، بأن العام الجاري سيشهد العديد من المؤتمرات والمحافل الدولية، على رأسها المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية بإسبانيا، والذي يستمر فيه العالم في مناقشة جهود إصلاح البنية المالية الدولية، وإعادة تشكيل أجندة التنمية العالمية مع بقاء أقل من عقد على عام 2030، مع تراجع مكتسبات التنمية العالمية في ظل الأزمات المتشابكة التي يواجهها العالم.

من جانب آخر، بحثت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، أهمية التعاون بين دول الجنوب العالمي، وتعزيز الشراكة مع دولة جنوب أفريقيا خاصة بعد عضوية مصر في مجموعة البريكس وبنك التنمية الجديد؛ كما أكدت ضرورة توحيد جهود الدول الأفريقية للدفع نحو إعادة هيكلة النظام المالي العالمي والتكامل لتحقيق التنمية.

وزير المالية الباكستاني

في سياق آخر،  عقدت الدكتورة رانيا المشاط، اجتماعًا مع محمد أورنجزيب، وزير المالية الباكستاني، حيث ناقش الوزيران البرامج والمشروعات المشتركة بين جمهورية مصر العربية ودولة باكستان، كما أكدا على أهمية استمرار المناقشات لفتح آفاق التعاون بين البلدين. كما شهد الاجتماع مناقشة مخرجات القمة الحادية عشرة لمنظمة الدول الثماني النامية للتعاون الاقتصادي، التي استضافتها جمهورية مصر العربية نهاية العام الماضي.

وأكدت الدكتورة رانيا المشاط، عمق العلاقات التاريخية بين مصر وباكستان، مشيرة إلى الاحتفال هذا العام بالذكرى الـ77 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، مؤكدة اهتمام الدولة المصرية بتعزيز العلاقات الثنائية مع باكستان في إطار التعاون الاقتصادي بين دول الجنوب.

وفي ذات السياق، أكدت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي؛ التزام مصر بتعزيز التعاون بين دول الجنوب والتعاون الثلاثي، وهو ما يستند إلى الإيمان بأن الدول ذات الظروف الاقتصادية والاجتماعية المماثلة هي الأفضل وضعًا لتعزيز التعاون بينها، موضحة أنه يمكن تحقيق ذلك من خلال مشاركة السياسات الناجحة وأفضل الممارسات التي أثبتت فعاليتها في سياقاتها الخاصة.

واستعرضت "المشاط" خلال الاجتماع جهود مصر لتعزيز النمو الشامل، مشيرة إلى أن مصر تعمل حاليًا على تنفيذ إصلاحات اقتصادية كبرى تشمل مجموعة واسعة من المجالات، بالإضافة إلى التركيز على تطوير البنية التحتية، موضحةً أنه على الرغم من وجود فجوات تنموية في بعض المجالات، إلا أن هذه الفجوات توفر فرصًا استثمارية كبيرة يمكن الاستفادة منها لتعزيز مشاركة القطاع الخاص وجذب التمويل من أجل التنمية.

مقالات مشابهة

  • المشاط: توسيع نطاق الشراكة بين قارة أفريقيا والمؤسسات الدولية يُدعم جهود التنمية
  • وزير المالية يهنئ «جنوب أفريقيا» على رئاسة مجموعة العشرين لعام 2025
  • المشاط في منتدى دافوس: توسيع نطاق الشراكة بين قارة أفريقيا والمؤسسات الدولية يُدعم جهود التنمية الاقتصادية
  • مسؤول ألماني: سموتريتش يضر بموقف إسرائيل أمام الجنائية الدولية
  • إيران تشكك في اختصاص محكمة العدل الدولية بقضية الطائرة الأوكرانية
  • سفير مصر لدى جنوب أفريقيا يستضيف رموز الجالية المصرية
  • المواقع الدولية الأفريقية تختار مصر ضمن أفضل الوجهات السياحية في أفريقيا
  • المشاط تعقد اجتماعات ثنائية مع ممثلي حكومة جنوب أفريقيا وباكستان خلال منتدى «دافوس»
  • ارتفاع التضخم في جنوب أفريقيا يزيد من احتمالات خفض الفائدة
  • وزير الخارجية يشارك في جلسة عامة بعنوان “الدبلوماسية في أوقات الفوضى” بمنتدى دافوس 2025