طروحات ميقاتي تلقى اهتمامًا دوليًا... قرار وقف الحرب رهن بتجاوب تل أبيب
تاريخ النشر: 11th, January 2024 GMT
الذين يراقبون من الداخل والخارج ما تتعرّض له القرى الجنوبية الحدودية وغير الحدودية من قصف إسرائيلي ممنهج يستغربون كيف أن البعض لا يزال يصف هذه الاعتداءات بـ "المناوشات". ويزيد هؤلاء فيقولون بأن ما يحصل في الجنوب هو حرب متكاملة الأوصاف من حيث نتائجها السلبية، بشرًا وحجرًا. فشهداء "حزب الله"، فضلًا عن الضحايا من المدنيين، لم يسقطوا عن طريق الخطأ، بل أصيبوا إصابات مباشرة في حرب حقيقية تدور رحاها بين إسرائيل و"حزب الله" على أرض الجنوب، انطلاقًا وتلقّيًا.
فالحرب الجنوبية المرتبطة ارتباطًا عضويًا ومعنويًا وعاطفيًا بالحرب التدميرية لقطاع غزة بدأت تأخذ أبعادًا استراتيجية وميدانية مغايرة لما كانت عليه منذ بداياتها في 8 تشرين الأول الماضي، حيث كانت تدور في محور ما كان يُسمّى بـ "قواعد الاشتباك". أمّا اليوم فالأمور مختلفة، مع ما يُخشى من توسّع الحرب لتشمل لبنان كله أسوة بما يجري في القطاع. وخطورة ما يمكن أن تؤول إليه الحرب على مستوى كل لبنان هو خشية جميع الدول العربية والغربية، وبالأخص الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي، من أن يكون لهذه الحرب مفاعيل وامتدادات على مستوى دول المنطقة، مع ما يمكن أن يكون لها تأثير مباشر على الاستقرار العام في المنطقة والعالم.
ويبرز اهتمام العالم بعدم جرّ لبنان إلى حرب لا ناقة له فيها ولا جمل من خلال ما ُقدّم له من عروضات يُعتقد أن مصير الوضع اللبناني المتأرجح يتوقّف على مدى رفضها أو القبول بمناقشتها بعقل بارد ومنفتح. وهذا ما يحاول رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إيصاله من رسائل للجميع في الداخل والخارج بلغة ديبلوماسية، ولكن واضحة المعالم، مع تشديده على شرط وقف الحرب على غزة، وذلك انطلاقًا من قراءة واقعية وموضوعية لموقف "حزب الله"، الذي لا يزال يرفض البحث في أي صيغة ممكنة ومتاحة ما لم يوضع حدّ لمعاناة "الغزاويين"، والبدء بمفاوضات جدّية لإيجاد حلّ نهائي للقضية الفلسطينية.
فالرئيس ميقاتي يتحرّك بما تجمّع لديه من معطيات في سباق بين ما يلوح في الأفق من مؤشرات الانفجار الشامل، وما يُبذل من مساعٍ لتجنيب لبنان ما لا قدرة له عليه. فهو يطلق في كل مناسبة وخلال لقاءاته واتصالاته الديبلوماسية أكثر من موقف تحمل مؤشرات بالغة الأهمية.
ومن بين هذه المؤشرات استعداد لبنان للسير بأي حل ديبلوماسي، والدخول في مفاوضات لتحقيق استقرار طويل الأمد في جنوب لبنان، عبر تطبيق القرارات الدولية، منطلقاً من اتفاق الهدنة ليعيد الوضع في الجنوب إلى ما قبل العام 1967.
وبالمختصر المفيد لا يرى المتابعون لمسار المساعي المبذولة مناصًا من العودة إلى تطبيق القرار 1701. وهذا ما سيتم بحثه مع الموفد الأميركي آموس هوشتاين، الذي يحمل معه على الأرجح مقترحًا أميركيًا، في ضوء ما خلص إليه في مفاوضاته مع الجانب الإسرائيلي، التي يُقال إنها لم تكن مثمرة. وهذا ما عكسته التصريحات الإسرائيلية.
لكنْ ثمة من يقول إن هوكشتاين لم يكن ليأتي إلى لبنان لو لم تكن لديه مقترحات معينة، مستفيدًا مما يعلنه الرئيس ميقاتي من مواقف متقدمة تلقى اهتمامًا متصاعدًا في محافل دول القرار، على أن يبقى التعويل كبيرًا على الضغوطات الدولية على إسرائيل لوقف عدوانها على غزة. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
الانتخابات البلدية في جنوب لبنان.. صناديق اقتراع فوق الركام
جنوب لبنان- بعد تأجيل متكرر فرضته الأزمات السياسية والاقتصادية والصحية المتلاحقة، تعود الانتخابات البلدية والاختيارية هذا العام إلى الواجهة في لبنان، لكنها لم تعد مجرد محطة لتنمية محلية، بل تحولت إلى ساحة اختبار سياسي في ظل واقع يثقل كاهل البلاد بين عدوان إسرائيلي وأزمات معيشية وإنمائية متفاقمة.
ويتجلى التحدي الأكبر في الجنوب اللبناني، حيث خلفت الحرب دمارا واسعا في القرى الحدودية الأمامية، كما طالت الأضرار البنى التحتية في بلدات الخط الثاني، مما يجعل من تنظيم الانتخابات هناك مهمة شاقة وسط مشهد إنساني مأزوم.
إداريا، يتوزع لبنان على 8 محافظات تضم 25 قضاء وهي بيروت، وجبل لبنان، والشمال، وعكار، والبقاع، وبعلبك-الهرمل، والجنوب، والنبطية. ويضم 1080 بلدية تتولى إدارة الشؤون المحلية وتقديم الخدمات الأساسية للسكان، وتشكل ركيزة رئيسية في العمل الإداري والإنمائي.
ومن المقرر أن تنطلق الانتخابات البلدية في 4 مايو/أيار المقبل، وفق جدول زمني يمتد لـ4 أسابيع موزعة على المحافظات كما يلي:
4 مايو/أيار: محافظة جبل لبنان. 11 مايو/أيار: محافظتا الشمال وعكار. 18 مايو/أيار: بيروت، والبقاع، وبعلبك-الهرمل. 24 مايو/أيار: الجنوب والنبطية.في بلدة ميس الجبل الحدودية التي نكبت جراء العدوان الإسرائيلي الأخير، تتقاطع مشاعر القهر والإصرار بين سكانها العائدين إلى ركام المنازل وغياب مقومات الحياة.
إعلانعاد حسين حمادة، أحد أبنائها، ليجدها على حد وصفه "منكوبة لا أثر للحياة فيها، المحل الذي كنت أملكه بات ركاما، ولا طرقات مفتوحة، والمنازل مدمرة، تكاد لا تطيق النظر إلى بلدتك بهذا الشكل وتشعر بالقهر والعجز".
ورغم هذا الواقع المؤلم، فلا يخفي حمادة عزمه على المشاركة في الانتخابات البلدية المقبلة، مؤكدا أنه لطالما مارس هذا الحق، ويدعو الآخرين إلى الاقتداء به والوقوف صفا واحدا خلف البلدية المقبلة من أجل النهوض بميس الجبل، ويقول للجزيرة نت "هذه المرة نحن مع الجميع، سواء حزب الله أو حركة أمل، لا يهم من يفوز، المهم أن يعمل من أجل ميس الجبل، نريد أن نعيش كما كنا قبل الحرب".
أما خليل، الذي فقد منزله ومصدر رزقه، فاختار العودة إلى ميس الجبل حاملا معه رسالة صمود وإصرار على البقاء، ويعتبر مشاركته في الانتخابات تعبيرا عن تمسكه بالأرض وبحقوقه كمواطن، وخطوة نحو استعادة الحياة تدريجيا في بلدة دمرتها الحرب.
ويعرب للجزيرة نت عن أمله في أن يتمكن المجلس البلدي الجديد من إعادة تأهيل البنية التحتية، وإحياء المرافق الحيوية، مؤكدا أن المهمة لن تكون سهلة في ظل الخراب الواسع الذي خلفه العدوان الإسرائيلي، و"أعاد البلدة سنوات إلى الوراء".
مهمة صعبةمن جهته، ينتظر المهندس حسن طه الانتخابات بفارغ الصبر، آملا في ولادة مجلس بلدي فاعل يضم كفاءات قادرة على تنفيذ مشاريع تنموية تتناسب مع حجم الكارثة، ويؤكد للجزيرة نت أن البلدة بحاجة ماسة إلى إعادة تأهيل المستشفيات والمدارس، وشبكتي الكهرباء والمياه، فالمقومات الأساسية للحياة باتت شبه معدومة، ومن الضروري الإسراع بإطلاق ورش العمل لإعادة الحد الأدنى من الخدمات.
وفي بلدة حولا الجنوبية التي أنهكها الدمار وأثقلها الخراب، عاد علي حمدان ليقف على أطلال بيته الذي كان يوما يعج بالحياة، ويقول بمرارة للجزيرة نت "كل زاوية في هذا البيت تحمل ذكرى والآن لم يبقَ منها إلا الجدران المحروقة، رغم الخراب عدتُ إلى حولا لأن الانتماء للأرض أقوى من الحرب".
إعلانويؤكد حمدان أنه سيتوجه إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات المقبلة "لأنها بداية الطريق نحو استعادة بلدتنا، وعلى المجلس الجديد أن يكون بمستوى آلام الناس وتطلعاتهم، ما نحتاجه ليس فقط إعادة إعمار الحجر بل إعادة بناء الثقة والأمل، فحولا ليست مجرد بلدة، إنها بيت كبير علينا جميعا أن نعيد إليه نبض الحياة".
بدوره، يتهيأ أحمد عواضة، أحد أبناء البلدة العائدين حديثا، للمشاركة في السباق الانتخابي القادم حاملا معه قائمة طويلة من المطالب والآمال، ويوضح للجزيرة نت "الانتخابات هذه المرة ليست مجرد استحقاق بلدية بل معركة من أجل البقاء، نريد مجلسا بلديا يعكس وجع الناس ويبدأ فورا بورش العمل لإعادة تأهيل ما دمرته الحرب".
ويشدد عواضة على ضرورة أن يضم المجلس الجديد شخصيات كفؤة ونزيهة قادرة على التعامل مع حجم الكارثة التي لحقت بالبنية التحتية والخدمات الأساسية، ويتابع "نحتاج إلى خطط سريعة لإصلاح شبكات الكهرباء والمياه، وإعادة فتح الطرق والمدارس، وتأمين الدعم للعائلات المتضررة".
ويؤكد أن أبناء حولا اليوم لا يطلبون ترفا بل الحد الأدنى من مقومات الحياة. وبالنسبة له، الاقتراع هذا العام هو فعل صمود، وممارسة ديمقراطية تحمل في طياتها نداء لإنقاذ بلدة أرهقتها الحروب وأحيتها الإرادة.
رسالة صمودمن جانبه، قال رئيس بلدية حولا شكيب قطيش للجزيرة نت إن الوضع في البلدة بالغ الصعوبة وتفتقر إلى أبسط مقومات الحياة ومع ذلك ستُجرى الانتخابات البلدية، وهذه المرة تأتي محملة بأبعاد تنموية وإنمائية ووطنية، وتحمل في الجنوب اللبناني رسالة صمود وإرادة حياة فوق الركام والدمار.
وأضاف أن البلدية تواجه اليوم تحديات جسيمة في وقت تعد فيه ميزانيتها ضئيلة حتى في الظروف العادية. متسائلا "فكيف الحال في ظل ما نمر به من أوضاع استثنائية؟ نحن بحاجة إلى كل شيء، من إعادة إعمار إلى ترميم المدارس والمستشفيات والمساجد".
إعلانوحسب قطيش، فإن معظم مباني البلديات إما مدمرة أو متضررة، لكن هذه الانتخابات تحمل بعدا وطنيا يؤكد أن أهل الجنوب رغم الدمار والعدوانية الإسرائيلية التي طالت بلداتهم، لا يزالون متمسكين بأرضهم وحقهم في الحياة.
وختم بدعوة الأهالي إلى المشاركة في الانتخابات، قائلا "صوتكم اليوم ليس مجرد خيار إداري، بل فعل صمود ومقاومة، عبر الاقتراع نثبت أننا شعب لا تكسره الحروب ولا تهزم إرادته".