مسقط-أثير
إعداد:د. أحلام بنت حمود الجهورية، باحثة وكاتبة في التاريخ، وعضو مجلس إدارة الجمعية التاريخية العُمانية

تُعد مدينة صحار من الحواضر البارزة في التاريخ العُماني، وتُذْكر بكونها واحدة من أهم المدن التي تمتاز بذاكرة تاريخية عريقة، فكانت مركزا سياسيا وفكريا وحضاريا ومركزا اقتصاديا وسوقا من أسواق العرب منذ العصر الجاهلي قبل ظهور الإسلام.

كما كانت عاصمة لعُمان في فترات تاريخية ماضية، وهي التي استقبلت مُوفِد النبي محمد صلى الله عليه وسلم الصحابي عمرو ابن العاص إلى أهل عُمان حاملا رسالته الكريمة التي تدعوهم للدخول إلى الإسلام، حيث استقبل ملكا عُمان عبد وجيفر ابني الجلندي عمرو بن العاص فيها واستلما رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم. ويكفي صحار فخرا أن رسول الأمة وخاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام كُفِن بثوبين صحاريين.
وصحار المدينة التي استبسل في الدفاع عنها واليها السيد أحمد بن سعيد البوسعيدي بعد حصار خانق لمدة 9 أشهر في قلعتها الشامخة، واستطاع طرد الفرس منها في عام 1744م، وتوج بعد هذا النصر بمفاتيح الحكم والإمامة لجهوده العظيمة وهمته الوقَّادة في الدفاع عنها، واستكمل من هناك تحرير بقية المدن العُمانية، وطرد المعتدي الخارجي، وقاد مهمة تحقيق الوحدة الداخلية.
ويؤكد مؤرخ الدولة البوسعيدية ابن رزيق في كتابه “الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيديين” الجهود العظيمة التي قام بها الإمام الحميد أحمد بن سعيد بن أحمد بن محمد البوسعيدي في دحر المعتدي الخارجي بقوله: ” لولاه لصارت عُمان وأهلها في حكم العجم، وأضحوا هم الملوك، وأهل عُمان لهم كسائر الخدم، فجرّع أكثرهم كأس الحِمام، لما أحاطوا بصحار، وكانوا ستين ألفا أو يزيدون في المقدار، صالحوه لما رأوا عزيمته أحدّ من حدّ السيف، ورجعوا إلى بلادهم أذلة من بعد العزازة، وأخرج من كان منهم بمسقط، فأتوه إلى بركة وهم صاغرون، وكان ما كان عليهم، إذ هم بذلك جديرون”.
ومن صحار استكمل الإمام الحميد أحمد بن سعيد البوسعيدي رحلة تأسيس الدولة البوسعيدية على مدى ٣٩ عاما واضعًا أساسا متينا من بناء الدولة العُمانية الحديثة سياسة واقتصادا وثقافة. وهو حقا كما وصفه ابن رزيق في كتابه المشار إليه: “رتب قواعد السلطنة أحسن ترتيب، وهذبها بأبلغ تهذيب”.
شهدت صحار ازدهارا اقتصاديا كبيرًا في القرون الإسلامية الأولى وجاء ذكرها على ألسنة المؤرخين والجغرافيين، وسوقها كان مشهورا، فابن حبيب (ت: 245هـ/ 859م)، في كتاب المُحَبّر عندما تحدث عن أسواق العرب المشهورة في الجاهلية ذكر صحار بقوله: “… سوق صحار بعُمان. وكانت تقوم أول يوم من رجب فتقوم خمس ليال. وكان يعشرهم فيها الجلندى بن المستكبر… ثم سوق دبا. وهي إحدى فرضتي العرب. يأتيها تجار السند والهند والصين وأهل المشرق والمغرب. فيقوم سوقها آخر يوم من رجب. وكان بيعهم فيها المساومة وكان الجلندى بن المستكبر يعشرهم فيها وفي سوق صحار. ويفعل في ذلك فعل الملوك بغيرها”.
وليس أبلغ من وصف وصفت به صحار كوصف المقدسي (ت: 380هــ/ 989م) في كتابه أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، فيقول: “صحار هي قصبة عُمان، ليس على بحر الصين اليوم بلدُ أجل منه، عامر آهل حسن طيب نزِه، ذو يسار وتجار وفواكه وخيرات أسرى من زبيد وصنعاء، أسواق عجيبة وبلدة ظريفة، ممتدة على البحر، دُورهم من الآجُر والساج شاهقة نفيسة، والجامع على البحر له منارة حسنة طويلة في آخر الأسواق، ولهم آبار عجيبة وقناة حلوة، وهم في سعة من كل شيء، دهليز الصين وخزانة الشرق والعراق ومغوثة اليمن”.
كما يصفها الاصطخري (ت: 346هـ/ 957م)، في كتاب مسالك الممالك يقول: “وعُمان مستقلة بأهلها، وهي كثيرة النخيل والفواكه الجرمية من الموز والرمان والنبق ونحو ذلك، وقصبتها صحار وهي على البحر، وبها متاجر البحر وقصد المراكب، وهي أعمر مدينة بعُمان وأكثرها مالا، ولا تكاد تعرف على شاطئ بحر فارس بجميع بلاد الإسلام مدينة أكثر عمارة ومالا من صحار”.
أما ابن حوقل (ت: 380هـ/ 990م)، في كتاب صورة الأرض المعروف أيضا باسم المسالك والممالك والمفاوز والمهالك، فيتحدث عن عُمان، ويقول: “وعُمان ناحية ذات أقاليم مستقلة بأهلها فسحة، كثيرة النخل والفواكه الجرومية من الموز والرمان والنبق ونحو ذلك وقصبتها صحار وهي على البحر، وبها من التجار والتجارة ما لا يحصى كثرة، وهي أعمر مدينة بعُمان وأكثرها مالاً ولا يكاد يُعرف على شط بحر فارس بجميع الإسلام مدينة أكثر عمارة ومالاً من صحار، ولها مدن كثيرة ويقال أن حدود أعمالها ثلاثمائة فرسخ”.
ويتحدث الادريسي (ت:559هـ/ 1166م)، في كتابه نزهة المشتاق في اختراق الآفاق عن مدينة صحار فيقول: “ومدينة صحار على ضفة البحر الفارسي وهي أقدم مدن عُمان وأكثرها أموالاً قديماً وحديثاً ويقصدها في كل سنة من تجار البلاد ما لا يحصى عددهم وإليها يجلب جميع بضائع اليمن ويُتجهز منها بأنواع التجارات، وأحوال أهلها واسعة ومتاجرهم مربحة وبها نخل كثير ومن الفواكه الموز والرمان والسفرجل وكثير من الثمار العجيبة الطيبة وكان في القديم من الزمان تسافر منها مراكب الصين فانقطع ذلك”.
في حين أن ياقوت الحموي (ت: 622هــ/ 1225م)، في كتابه معجم البلدان يذكر الكثير من المدن العُمانية، ومنها صحار، فيقول: “وصحار قصبة عُمان مما يلي الجبل وتؤام قصبتها مما يلي الساحل. وصحار مدينة طيبة الهواء والخيرات والفواكه مبنية بالآجر والساج كبيرة ليس في تلك النواحي مثلها”.
وكمركز ثقافي مشع فصحار أنجبت الكثير من أعلام عُمان الذين أسهموا في بناء الحضارة الإسلامية والإنسانية أمثال: الربيع بن حبيب الفراهيدي ومحبوب بن الرحيل ومحمد بن محبوب، وسلمة بن مسلم العوتبي الصحاري والمختار بن عوف الأزدي المعروف بأبي حمزة الشاري وغيرهم الكثير.
ومع نهضة عُمان الحديثة والمتجددة حظيت صحار باهتمام بالغ يفيها حقها ومكانتها ودورها الحضاري في بناء عُمان، فأخذت نصيبها من مشاريع التنمية في جميع المجالات، وهي اليوم بما تملك من إمكانات وممكنات اقتصادية كبيرة من المؤمل والمتوقع أن تكون معول بناء مهم يحقق طموحات رؤية عُمان ٢٠٤٠، وطموحات جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله- في استمرار الدور الحضاري المتين والمستدام لعُمان، وما صحار إلا ركيزة أساسية ومفصلية في هذا البناء وهذا الطموح وهذه الرؤية السلطانية الثاقبة التي ستدفع بعُمان خطوات عظيمة في مسيرة البناء الحضاري.
ومن صحار وهي تتحلى بهذا البذخ الحضاري والحضور البهي في حاضر عُمان ونهضتها المتجددة يطل علينا جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم وحرمه السيدة الجليلة عهد بنت عبدالله البوسعيدية -حفظهما الله ورعاهما- لنحتفل جميعًا بمرور ٤ سنوات من عهد جلالته الميمون وهو يكمل قيادة عُمان العظيمة شعبا ومنجزا، ماضيا وحاضرا ومستقبلا إلى النماء والبهاء والرخاء بعون الله وتوفيقه.

*صورة المقال مُتداولة لوصول جلالة السلطان والسيدة الجليلة -حفظهما الله ورعاهما- إلى صحار أمس الأربعاء

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: أحمد بن سعید الع مانیة على البحر فی کتابه من صحار

إقرأ أيضاً:

شيخ الأزهر يوضح الفرق بين الودود والمحب في أسماء الله الحسنى

أكد فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، أن أسماء الله الحسنى تحمل معاني عظيمة تدور بين صفات الجمال التي تبعث في القلوب الأمل ومحبة الله، وصفات الجلال التي تزرع في النفوس الخشية وتعظيم الخالق سبحانه وتعالى.

وأوضح فضيلته، خلال حديثه في الحلقة الخامسة من برنامجه الرمضاني "الإمام الطيب"، أن من أسماء الله الحسنى اسم "الودود"، وهو من الأسماء التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، حيث جاء بصيغته الأصلية في موضعين؛ الأول في سورة هود في قوله تعالى: "واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود"، والثاني في سورة البروج في قوله: "إنه يبدئ ويعيد وهو الغفور الودود". كما جاءت مشتقات هذا الاسم في مواضع عدة من القرآن الكريم، مثل قوله تعالى: "ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم"، وقوله: "وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم"، وكذلك في قوله تعالى: "يوادون من حاد الله ورسوله".

وأشار فضيلة الإمام الأكبر إلى أن اللغة العربية تتيح في بعض الأحيان استخدام كلمتي "الود" و"الحب" بمعنى متقارب، إلا أن ذلك لا يعني أن كل ما يوصف به الله من الأفعال يمكن أن يكون اسمًا من أسمائه الحسنى. فقد أثبت القرآن الكريم أن الله سبحانه يوصف بأنه يحب عباده، كما في قوله تعالى: "إن الله يحب المحسنين"، أي أنه محب للمحسنين، لكن هذا لا يعني أن "المحب" من أسماء الله الحسنى، لأن الأسماء الإلهية توقيفية، أي أنها تُؤخذ كما وردت في النصوص الشرعية، ولا يجوز الاجتهاد في إطلاق أي اسم على الله تعالى لم يرد في القرآن الكريم أو السنة النبوية، حتى وإن كان يحمل معنى مناسبًا.

واختتم شيخ الأزهر حديثه بالتأكيد على ضرورة التزام الضوابط الشرعية عند الحديث عن أسماء الله الحسنى وصفاته، مشيرًا إلى أن هذه الأسماء تحمل دلالات عظيمة يجب تدبرها وفهمها في إطارها الصحيح، لأنها أساس معرفة الله والتقرب إليه سبحانه وتعالى.

مقالات مشابهة

  • أرتال لقوات الأمن العام في مدينة إعزاز شمال حلب تستعد للتوجه إلى منطقة جبلة وريفها، ضمن التعزيزات التي دفعت بها وزارة الداخلية
  • «شيخ الأزهر»: حظ العبد من اسم الله «الودود» يتجسد في أن يحب للناس ما يحبه لنفسه
  • القادسية يفقد هيثم عسيري 9 أشهر للإصابة
  • التهديدات التي تقلق “الكيان الصهيوني”
  • شيخ الأزهر يوضح الفرق بين الودود والمحب في أسماء الله الحسنى
  • شيخ الأزهر يشرح معنى اسم الله «الودود» في القرآن
  • إكسبو 2025 بأوساكا كانساي: استكشاف تقنيات المستقبل التي ترسم ملامح البحر والسماء والأرض
  • في رابع حلقات «الإمام الطيب» لعام 2025: دعاء المسلمين كان له أثر في صمود أهل غزة
  • «عبق رمضان بحي السيدة عائشة بالقاهرة»
  • هل يجوز قراءة القرآن من المصحف في صلاة التراويح والقيام؟.. الإمارات للإفتاء يجيب